[الشوري : 44] وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ
44 - (ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده) أحد يلي هدايته بعد إضلال الله إياه (وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد) إلى الدنيا (من سبيل) طريق
" ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده " يقول : ومن خذله الله عن الإرشاد ، فليس له من ولي يليه ، فيهديه لسبيل الصواب ، ويسدده من بعد إضلال الله إياه " وترى الظالمين لما رأوا العذاب " يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وترى الكافرين بالله يا محمد يوم القيامة لما عاينوا عذاب الله يقولون لربهم : " هل " لنا يا رب " إلى مرد من سبيل " ... وذلك كقوله : " ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا " [ السجدة : 12 ] ... الآية ، استعتب المساكين في غير حين الاستعتاب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي في قوله "هل إلى مرد من سبيل " يقول إلى الدنيا .
واختلف أهل العربية في وجه دخول < إن > في قوله : " إن ذلك لمن عزم الأمور " مع دخول اللام في قوله : " ولمن صبر وغفر " فكان نحوي أهل البصرة يقول في ذلك : أما اللام التي في قوله : " ولمن صبر وغفر " فلام الابتداء ، وأما " إن ذلك " فمعناها والله أعلم . إن ذلك منه من عزم الأمور ، وقال : قد تقول : مررت بالدار الذراع بدرهم : أي الذراع منها بدرهم ، ومررت ببر قفيز بدرهم أي قفيز منه بدرهم . قال : وأما الابتداء < إن > في هذا الموضع ، فمثل " قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم " [ الجمعة : 8 ] يجوز ابتداء الكلام ، وهذا إذا طال الكلام في هذا الموضع .
وكان بعضهم يستخطيء هذا القول ويقول : إن العرب إذا أدخلت اللام في أوائل الجزاء أجابته بجوابات الإيمان بما ، ولا ، وإن واللام . قال : وهذا من ذاك ، كما قال : " لئن أخرجوا لا يخرجون معهم " [ الحشر : 12 ] " ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون " [ الحشر : 12 ] فجاء بلا وباللام جواباً للام الأولى . قال : ولو قال : لئن قمت إني لقائم لجاز ولا حاجة به إلى العائد ، لأن الجواب في اليمين قد يكون فيه العائد ، وقد لا يكون ، ألا ترى أنك تقول : لئن قمت لأقومن ولا أقوم ، وإني لقائم فلا تأتي بعائد . قال : وأما قولهم : مررت بدار الذراع بدرهم وببر قفيز بدرهم ، فلا بد من أن يتصل بالأول بالعائد ، وإنما يحذف العائد فيه ، لأن الثاني تبعيض للأول مررت ببر بعضه بدرهم ، وبعضه بدرهم ، فلما كان المعني التبعيض حذف العائد . قال : وأما ابتداء < إن > في كل موضع إذا طال الكلام فلا يجوز أن تبتديء إلا بمعنى : قل إن الموت الذي تفترون منه ، فإنه جواب لجزاء ، وكأنه قال : ما فررتم منه من الموت ، فهو ملاقيكم .
وهذا القول الثاني عندي أولى في ذلك بالصواب للعلل التي ذكرناها .
قوله تعالى ك " ومن يضلل الله " أي يخذله " فما له من ولي من بعده " هذا فيمن أعرض عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما دعاه إليه من الإيمان بالله والمودة في القربرى ، ولم يصدقه في البعث وأن متاع الدنيا قليل ، أي من أضله الله عن هذه الأشياء فلا يهديه هاد .
قوله تعالى : " وترى الظالمين " أي الكافرين ، " لما رأوا العذاب " يعني جهنم وقيل رأوا العذاب عند الموت ، " يقولون هل إلى مرد من سبيل " يطلبون أن يردوا إلى الدنيا ليعملوا بطاعة الله فلا يجابون إلى ذلك .
يقول تعالى مخبراً عن نفسه الكريمة أنه ما يشاء كان ولا راد له, وما لم يشأ لم يكن فلا موجد له, وأنه من هداه فلا مضل له, ومن يضلل الله فلا هادي له, كما قال عز وجل: "ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً" ثم قال عز وجل مخبراً عن الظالمين وهم المشركون بالله: "لما رأوا العذاب" أي يوم القيامة تمنوا الرجعة إلى الدنيا "يقولون هل إلى مرد من سبيل" كما قال جل وعلا: " ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين * بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ". وقوله عز وجل: "وتراهم يعرضون عليها" أي على النار "خاشعين من الذل" أي الذي قد اعتراهم بما أسلفوا من عصيان الله تعالى "ينظرون من طرف خفي" قال مجاهد: يعني ذليل أي ينظرون إليها مسارقة خوفاً منها والذي يحذرون منه واقع بهم لا محالة, وما هو أعظم مما في نفوسهم, أجارنا الله من ذلك. "وقال الذين آمنوا" أي يقولون يوم القيامة "إن الخاسرين" أي الخسار الأكبر "الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة" أي ذهب بهم إلى النار فعدموا لذتهم في دار الأبد وخسروا أنفسهم, وفرق بينهم وبين أحبابهم وأصحابهم وأهاليهم وقراباتهم فخسروهم "ألا إن الظالمين في عذاب مقيم" أي دائم سرمدي أبدي لا خروج لهم منها ولا محيد لهم عنها. وقوله تعالى: "وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله" أي ينقذونهم مما هم فيه من العذاب والنكال "ومن يضلل الله فما له من سبيل" أي ليس له خلاص.
قوله: 44- "وترى الظالمين" أي المشركين المكذبين بالبعث "لما رأوا العذاب" أي حين نظروا النار، وقيل نظروا ما أعده الله لهم عند الموت "يقولون هل إلى مرد من سبيل" أي هل إلى الرجعة إلى الدنيا من طريق.
44. " ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده "، فما له من أحد يلي هدايته بعد إضلال الله إياه ويمنعه من عذاب الله، " وترى الظالمين لما رأوا العذاب "، يوم القيامة، " يقولون هل إلى مرد من سبيل "، يسألون الرجعة في الدنيا.
44-" ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده " من ناصر يتولاه من بعد خذلان الله إياه . " وترى الظالمين لما رأوا العذاب " حين يرونه فذكر بلفظ الماضي تحقيقاً . " يقولون هل إلى مرد من سبيل " هل إلى رجعة إلى الدنيا .
44. He whom Allah sendeth astray, for him there is no protecting friend after Him. And thou (Muhammad) wilt see the evil doers when they see the doom, (how) they say: Is there any way of return?
44 - For any whom God leaves astray, there is no protector thereafter. And thou wilt see the wrong doers, when in sight of the Penalty, say: Is there any way (to effect) a return?