[الشوري : 3] كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
3 - (كذلك) مثل ذلك الايحاء (يوحي إليك) أوحى (وإلى الذين من قبلك الله) فاعل الايحاء (العزيز) في ملكه (الحكيم) في صنعه
وقوله : " كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم" يقول تعالى ذكره : هكذا يوحي إليك يا محمد وإلى الذين من قبلك من أنبيائه . وقيل : إن حم عين سين ق أوحيت إلى كل نبي بعث ، كما أوحيت إلى نبينا صلى الله عليه وسلم ، ولذلك قيل " كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز " في انتقامه من أعدائه " الحكيم " في تدبيره خلقه .
" كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم "
فلذلك قال : " يوحي إليك وإلى الذين من قبلك " [ الشورى : 3 ] ، المهدوي : وقد جاء في الخبر أن (( حم ، عسق )) معناه أوحيت إلى الأنبياء المتقدمين ، وقرأ ابن محيصن و ابن كثير و مجاهد (( يوحى )) ( بفتح الحاء ) على ما لم يسم فاعله ، وروي عن ابن عمر ، فيكون الجار والمجرور في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل ، ويجوز أن يكون اسم ما لم يسم فاعله مضمراً ، أي يوحى إليك القرآن الذي تضمنته هذه السورة ، ويكون اسم الله مرفوعاً بإضمار فعل ، التقدير : يوحيه الله إليك ، كقراءة ابن عامر و أبي بكر : " في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال " [ النور : 36 ] ، أي يسبحه رجال وأنشد سيبويه :
ليبك يزيد ضارع بخصومة وأشعث ممن طوحته الطوائح
فقال : ليبك يزيد ، ثم بين من ينبغي أن يبكيه ، فالمعنى يبكيه ضارع ، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف ، كأنه قال : الله يوحيه ، أو على تقدير إضمار مبتدأ أي الموحي الله ، أو يكون المبتدأ والخبر (( العزيز الحكيم )) ، وقرأ الباقون (( يوحي إليك )) بكسر الحاء ، ورفع الاسم على أنه الفاعل .
قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة. وقد روى ابن جرير ههنا أثراً غريباً عجيباً منكراً فقال: أخبرنا أحمد بن زهير حدثنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي حدثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج عن أرطأة بن المنذر قال: جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال له وعنده حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه: أخبرني عن تفسير قول الله تعالى: " حم * عسق " قال فأطرق ثم أعرض عنه ثم كرر مقالته فأعرض عنه فلم يجبه بشيء وكره مقالته, ثم كررها الثالثة فلم يحر إليه شيئاً فقال له حذيفة رضي الله عنه: أنا أنبئك بها قد عرفت لم كرهها ونزلت في رجل من أهل بيته يقال له عبد الإله أو عبد الله ينزل على نهر من أنهار المشرق تبنى عليه مدينتان يشق النهر بينهما شقاً فإذا أذن الله تبارك وتعالى في زوال ملكهم وانقطاع دولتهم ومدتهم بعث الله عز وجل على إحداها ناراً ليلاً فتصبح سوداء مظلمة وقد احترقت كأنها لم تكن مكانها وتصبح صاحبتها متعجبة كيف أفلتت ؟ فما هو إلا بياض يومها ذلك حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد منهم ثم يخسف الله بها وهم جميعاً فذلك قوله تعالى: " حم * عسق " يعني عزيمة من الله تعالى وفتنة وقضاء حم عين يعني عدلاً منه سين: يعني سيكون ق: يعني واقع بهاتين المدينتين وأغرب منه ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في الجزء الثاني من مسند ابن عباس رضي الله عنه عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ولكن إسناده ضعيف جداً ومنقطع فإنه قال: حدثنا أبو طالب عبد الجبار بن عاصم حدثنا أبو عبد الله الحسن بن يحيى الخشني الدمشقي عن أبي معاوية قال: صعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه المنبر فقال: أيها الناس هل سمع منكم أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر " حم * عسق " فوثب ابن عباس رضي الله عنه فقال أنا, قال حم اسم من أسماء الله تعالى, قال فعين ؟ قال عاين المولون عذاب يوم بدر, قال فسين ؟ قال سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون, قال فقاف ؟ فسكت فقام أبو ذر ففسر كما قال ابن عباس رضي الله عنهما وقال قاف قارعة من السماء تغشى الناس. وقوله عز وجل: " كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم " أي كما أنزل إليك هذا القرآن كذلك أنزل الكتب والصحف على الأنبياء قبلك. وقوله تعالى: " الله العزيز" أي في انتقامه "الحكيم" في أقواله وأفعاله.
قال الإمام مالك رحمه الله عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول صلى الله عليه وسلم كيف يأتيك الوحي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت ما قال, وأحياناً يأتيني الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول" قالت عائشة رضي الله عنها فلقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه صلى الله عليه وسلم ليتفصد عرقاً. أخرجاه في الصحيحين ولفظه للبخاري. وقد رواه الطبراني عن عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه عن عامر بن صالح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها عن الحارث بن هشام أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف ينزل عليك الوحي ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "في مثل صلصلة الجرس فيفصم عني وقد وعيت ما قال ـ وقال ـ وهو أشده علي ـ قال ـ وأحياناً يأتيني الملك فيتمثل لي فيكلمني فأعي ما يقول". وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله هل تحس بالوحي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسمع صلاصل ثم أسكت عند ذلك فما من مرة يوحى إلي إلا ظننت أن نفسي تقبض" تفرد به أحمد, وقد ذكرنا كيفية إتيان الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول شرح البخاري بما أغنى عن إعادته ههنا ولله الحمد والمنة. وقوله تبارك وتعالى: "له ما في السموات وما في الأرض" أي الجميع عبيد له وملك له تحت قهره وتصريفه "وهو العلي العظيم" كقوله تعالى: "الكبير المتعال" "وهو العلي الكبير" والايات في هذا كثيرة. وقوله عز وجل: "تكاد السموات يتفطرن من فوقهن" وقال ابن عباس رضي الله عنهما والضحاك وقتادة والسدي وكعب الأحبار أي فرقاً من العظمة "والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض" كقوله جل وعلا: "الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً" وقوله جل جلاله: "ألا إن الله هو الغفور الرحيم" إعلام بذلك وتنويه به, وقوله سبحانه وتعالى: "والذين اتخذوا من دونه أولياء" يعني المشركين "الله حفيظ عليهم" أي شهيد على أعمالهم يحصيها ويعدها عداً, وسيجزيهم بها أوفر الجزاء "وما أنت عليهم بوكيل" أي إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل.
3- " كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم " هذا كلام مستأنف غير متعلق بما قبله: أي مثل ذلك الإيحاء الذي أوحي إلى سائر الأنبياء من كتب الله المنزلة عليهم المشتملة على الدعوة إلى التوحيد والبعث يوحى إليك يا محمد في هذه السورة. وقيل إن حم عسق أوحيت إلى من قبله من الأنبياء، فتكون الإشارة بقوله كذلك إليها. قرأ الجمهور "يوحى" بكسر الحاء مبنياً للفاعل وهو الله. وقرأ مجاهد وابن كثير وابن محيصن بفتحها مبنياً للمفعول، والقائم مقام الفاعل ضمير مستتر يعود على كذلك، والتقدير: مثل ذلك الإيحاء يوحي هو إليك، أو القائم مقام الفاعل إليك، أو الجملة المذكورة: أي يوحي إليك هذا اللفظ أو القرآن أو مصدر يوحي، وارتفاع الاسم الشريف على أنه فاعل لفعل محذوف كأنه قيل من يوحي؟ فقيل الله العزيز الحكيم. وأما قراءة الجمهور فهي واضحة اللفظ والمعنى، وقد تقدم مثل هذا في قوله: " يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال " وقرأ أبو حيوة والأعمش وأبان نوحي بالنون فيكون قوله: "الله العزيز الحكيم" في محل نصب، والمعنى: نوحي إليك هذا اللفظ.
3. " كذلك يوحي إليك "، قرأ ابن كثير ((يوحى)) بفتح الحاء وحجته قوله: " ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك " (الزمر-65)، فعلى هذه القراءة قوله، " الله العزيز الحكيم "، [تبين للفاعل كأنه قيل: من يوحي؟ فقيل: الله العزيز الحكيم].
وقرأ الآخرون ((يوحي)) بكسر الحاء، إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم.
قال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: يريد أخبار الغيب.
3-" كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم " أي مثل ما في هذه السورة من المعاني ، أو إيحاء مثل إيحائها أوحى إليك وإلى الرسل من قبلك ، وإنما ذكر بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية للدلالة على استمرار الوحي وأن إيحاء مثله عادته ، وقرأ ابن كثير يوحى بالفتح على أن كذلك مبتدأ و يوحى خبره المسند إلى ضميره ، أو مصدر و يوحى مسند إلى إليك ، و " الله " مرتفع بما دل عليه يوحى ، و " العزيز الحكيم " صفتان له مقررتان لعلو شأن الموحى به كما مر في السورة السابقة ، أو بالابتداء كما في قراءة نوحي بالنون و " العزيز " وما بعده أخبار أو " العزيز الحكيم " صفتان . وقوله :
3. Thus Allah the Mighty, the Knower inspireth thee (Muhammad) as (He inspired) those before thee.
3 - Thus doth (He) send inspiration to thee as (He did) to those before thee, God, Exalted in Power, Full of Wisdom.