[فصلت : 53] سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
53 - (سنريهم آياتنا في الآفاق) أقطار السموات والأرض من النيرات والنبات والأشجار (وفي أنفسهم) من لطيف الصنعة وبديع الحكمة (حتى يتبين لهم أنه) القرآن (الحق) المنزل من الله بالبعث والحساب والعقاب فيعاقبون على كفرهم به وبالجائي به (أولم يكف بربك أنه) فاعل يكف (على كل شيء شهيد ألا) بدل منه أي أو لم يكفهم في صدقك أن ربك لا يغيب عنه شيء ما
يقول تعالى ذكره : سنري هؤلاء المكذبين من أنزلنا على محمد عبدنا من الذكر آياتنا في الآفاق .
واختلف أهل التأويل في معنى الآيات التي وعد الله هؤلاء القوم أن يريهم ، فقال بعضهم : عني بالآيات في الآفاق وقائع النبي صلى الله عليه وسلم بنواحي بلد المشركين من أهل مكة وأطرافها ، وبقوله : " وفي أنفسهم " فتح مكة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال :ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن المنهال ، في قوله : " سنريهم آياتنا في الآفاق " قال : ظهور محمد صلى الله عليه وسلم على الناس .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال :ثنا أسباط ،عن السدي " سنريهم آياتنا في الآفاق " يقول : ما نفتح لك يا محمد من الآفاق " وفي أنفسهم " في أهل مكة ، يقول : نفتح لك مكة .
وقال آخرون : عني بذلك أنه يريهم نجوم الليل وقمره ، وشمس النهار ، وذلك ما وعدهم أنه يريهم في الآفاق . وقالوا : عني بالآفاق : آفاق السماء ، وبقوله : " وفي أنفسهم " سبيل الغائط والبول .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم " قال : آفاق السموات : نجومها وشمسها وقمرها اللاتي يجرين ، وآيات في أنفسهم أيضاً .
وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الأول ، وهو ما قاله السدي ، وذلك أن الله عز وجل وعد نبيه صلى الله عليه وسلم أن يري هؤلاء المشركين الذين كانوا به مكذبين آيات في الآفاق ، وغير معقول أن يكون تهديدهم بأن يريهم ما هم راؤوه ، بل الواجب أن يكون ذلك وعداً منه لهم أن يريهم ما لم يكونوا رأوه قبل من ظهور نبي الله صلى الله عليه وسلم على أطراف بلدهم وعلى بلدهم ، فأما النجوم والشمس والقمر ، فقد كانوا يرونها كثيراً قبل وبعد ولا وجه لتهددهم بأنه يريهم ذلك .
وقوله : " حتى يتبين لهم أنه الحق " يقول جل ثناؤه : أري هؤلاء المشركين وقائعنا بأطرافهم وبهم حتى يعلموا حقيقة ما أنزلنا إلى محمد ، وأوحينا إليه من الوعد له بأنا مظهر ما بعثناه به من الدين على الأديان كلها ، ولو كره المشركون .
وقوله : " أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد " يقول تعالى ذكره : أو لم يكف بربك يا محمد أنه شاهد على كل شيء مما يفعله خلقه ، لا يعزب عنه علم شيء منه ، وهو مجازيهم على أعمالهم ، المحسن بالإحسان ، والمسيء جزاءه .
وفي قوله : " أنه " وجهان : أحدهما : أن يكون في موضع خفض على وجه تكرير الباء ، فيكون معنى الكلام حينئذ : أو لم يكف بربك بأنه على كل شيء شهيد ؟ والآخر : أن يكون في موضع رفع ، رفعاً بقوله : يكف ، فيكون معنى الكلام : أو لم يكف بربك شهادته على كل شيء .
قوله تعالى : " سنريهم آياتنا في الآفاق " أي علامات وحدانيتها وقدرتنا ( في الآفاق ) يعني خراب منازل الأمم الخالية " وفي أنفسهم " بالبلايا والأمراض . وقال ابن زيد : ( في الآفاق ) آيات السماء ( وفي أنفسهم ) حوادث الأرض . وقال مجاهد : ( في الآفاق ) فتح القرى ، فيسر الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم وللخلفاء من بعده وأنصار دينه في آفاق الدنيا وبلا د المشرق والمغرف عموماً ، وفي ناحية المغرب خصوصاً من الفتوح التي لم يتيسر أمثالها لأحد من خلفاء الأرض قبلهم ، ومن الإظهار على الجبابرة والأكاسرة وتغليب قليلهم على كثيرهم ، وتسليط ضعفائهم على أقويائهم ، وإجارئه على أيدهم أموراً خارجة عن المعهود خارقة للعادات ( وفي أنفسهم ) فتح مكة . وهذا اختيار الطبري . وقاله المنهال بن عمرو و السدي .وقال قتادة و الضحاك : ( في الآفاق ) وقائع الله في الأمم ( وفي أنفسهم ) يوم بدر . وقال عطاء و ابن زيد أيضاً ( في الآفاق ) يعني أقطار السموات والأرض من الشمس والقمر والجبال والنجوم والليل والنهار والرياح والأمطار والرعد والبرق والصواعق والنبات والأشجار والجبال والبحار وغيرها . وفي الصحاح : الآفاق النواحي ، واحدها أفق وأفق مثل عسر وعسر ، ورجل أفقى بفتح الهمزة والفاء : إذا كان من آفاق الأرض . حكاه أبو نصر . وبعضهم يقول : أفقي بضمهما وهو القياس . وأنشد غير الجوهري :
أخذنا بآفاق السماء عليكم لناقمراها والنجوم الطوالع
( وفي أنفسهم ) من لطيف الصنعة وبديع الحكمة حتى سبيل الغائط والبول ، فإن الرجل يشرب ويأكل من مكان واحد ويتميز ذلك من مكانين ، وبديع صنعة الله وحكمته في عينيه اللتين تهما قطرة ماء ينظر بهما السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام ، وفي أذنيه اللتين يفرق بهما بين الأصواب المختلفة . وغير ذلك من بديع حكمة الله فيه . وقيل : " وفي أنفسهم " من كونهم نطفاً إلى غير ذلك من انتقال أحوالهم كما تقدم في ( المؤمنون ) بيانه . وقيل : المعنى سيرون ما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن وأخبار الغيوب " حتى يتبين لهم أنه الحق " فيه أربعة أوجه : أحدها أنه القرآن . والثاني الإسلام جاءهم به الرسول ودعاهم إليه . والثالث أن ما يريهم الله ويفعل من ذلك هوالحق . والرابع أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو الرسول الحق . " أولم يكف بربك " في موضع رفع بأنه فاعل بـ(يكف ) و" أنه " بدل من (ربك ) فهو رفع إن قدرته بدلاً على الموضع ، وجر ( إن ) قدرته بدلاً على اللفظ . ويجوز أن يكون نصباً بتقدير حذف اللام ، والمعنى أولم يكفهم ربك بما دلهم عليه من توحيد ، لأنه " على كل شيء شهيد " وإذا شهده جازى عليه . وقيل المعنى ( أولم يكف بربك ) في معاقبته الكفار . وقيل : المعنى ( أولم يكف بربك ) يا محمد أنه شاهد على أعمال الكفار .وقيل : المعنى ( أولم يكف بربك ) يامحمد إأنه شاهد على أعمال الكفار . وقيل : ( أولم يكف بربك شاهداً على أن القرآن من عند الله . وقيل : ( أولم يكف بربك أنه على كل شيء ) مما يفعله العبد ( شهيد ) والشهيد بمعنى العالم ، أو هو من الشهادة التي هي الحضور .
يقول تعالى: "قل" يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين بالقرآن "أرأيتم إن كان" هذا القرآن "من عند الله ثم كفرتم به ؟" أي كيف ترون حالكم عند الذي أنزله على رسوله ؟ ولهذا قال عز وجل: " من أضل ممن هو في شقاق بعيد " أي في كفر و عناد ومشاقة للحق و مسلك بعيد من الهدى ثم قال جل جلاله: " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم " أي سنظهر لهم دلالاتنا وحججنا على كون القرآن حقاً منزلا من عند الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلائل خارجية " في الآفاق " من الفتوحات وظهور الإسلام على الأقاليم وسائر الأديان قال مجاهد والحسن والسدي: ودلائل في أنفسهم قالوا: وقعة بدر وفتح مكة ونحو ذلك من الوقائع التي حلت بهم نصر الله فيها محمداً صلى الله عليه وسلم وصحبه وخذل فيها الباطل وحزبه ويحتمل أن يكون المراد من ذلك ما الإنسان مركب منه وفيه وعليه من المواد والأخلاط والهيئات العجيبة كما هو مبسوط في علم التشريح الدال على حكمة الصانع تبارك وتعالى وكذلك ما هو مجبول عليه من الأخلاق المتباينة من حسن وقبح وغير ذلك وما هو متصرف فيه تحت الأقدار التي لا يقدر بحوله وقوته وحيله وحذره أن يجوزها ولا يتعداها كما أنشده ابن أبي الدنيا في كتابه التفكر والاعتبار عن شيخه أبي جعفر القرشي حيث قال وأحسن المقال:
وإذا نظرت تريد معتبـــــــــرا فانظر إليك ففيك معتبــــر
أنت الذي تمسي وتصبح في الدنيا وكــــل أموره عبــــر
أنت المصرف كان في صغر ثم استقل بشخصك الكـبر
أنت الذي تنعاه خلقتـــــــــــه ينعاه منه الشعــر والبـشر
أنت الذي تعطي وتسلــب لا ينجيه من أن يسلب الحذر
أنت الذي لا شيء منـه لهو أحق منه بما لـــــه القــــدر
وقوله تعالى: " حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد " أي كفى بالله شهيداً على أفعال عباده وأقوالهم وهو يشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم صادق فيما أخبر به عنه كما قال: "لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه" الاية. وقوله تعالى: "ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم" أي في شك من قيام الساعة ولهذا لا يتفكرون فيه ولا يعملون له ولا يحذرون منه بل هو عندهم هدر لا يعبأون به وهو كائن لا محالة وواقع لا ريب فيه قال ابن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا خلف بن تميم حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سعيد الأنصاري قال: إن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس فإني لم أجمعكم لأمر أحدثه فيكم, ولكن فكرت في هذا الأمر الذي أنتم إليه صائرون فعلمت أن المصدق بهذا الأمر أحمق والمكذب به هالك, ثم نزل. ومعنى قوله رضي الله عنه إن المصدق به أحمق أي لأنه لا يعمل له عمل مثله ولا يحذر منه ولا يخالف من هوله وهو ذلك مصدق به موقن بوقوعه وهو مع ذلك يتمادى في لعبه وغفلته وشهواته وذنوبه فهو أحمق بهذا الاعتبار والأحمق في اللغة ضعيف العقل, وقوله والمكذب به هالك هذا واضح, والله أعلم. ثم قال تعالى مقرراً أنه على كل شيء قدير وبكل شيء محيط وإقامة الساعة لديه يسير سهل عليه تبارك وتعالى: "ألا إنه بكل شيء محيط" أي المخلوقات كلها تحت قهره وفي قبضته وتحت طي علمه وهو المتصرف فيها كلها بحكمه فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن لا إله إلا هو.
53- "سنريهم آياتنا في الآفاق" أي سنريهم دلالات صدق القرآن وعلامات كونه من عند الله في الآفاق "وفي أنفسهم" الآفاق جمع أفق وهو الناحية. والأفق بضم الهمزة والفاء، وكذا قال أهل اللغة. ونقل الراغب أنه يقال أفق بفتحهما، والمعنى: سنريهم آياتنا في النواحي وفي أنفسهم حوادث الأرض. وقال مجاهد: في الآفاق فتح القرى التي يسر الله فتحها لرسولها وللخلفاء من بعده ونصار دينه في آفاق الدنيا شرقاً وغرباً، ومن الظهور على الجبابرة والأكاسرة، وفي أنفسهم فتح مكة، ورجح هذا ابن جرير. وقال قتادة والضحاك: في الآفاق وقائع الله في الأمم، وفي أنفسهم في يوم بدر. وقال عطاء: في الآفاق: يعني أقطار السموات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والرياح والأمطار والرعد والبرق والصواعق والنبات والأشجار والجبال والبحار وغير ذلك، وفي أنفسهم من لطيف الصنعة وبديع الحكمة، كما في قوله: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" "حتى يتبين لهم أنه الحق" الضمير راجع إلى القرآن، وقيل إلى الإسلام الذي جاءهم به رسول الله، وقيل إلى ما يريهم الله ويفعل من ذلك، وقيل إلى محمد صلى الله عليه وسلم أنه الرسول الحق من عند الله، والأول أولى " أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد " الجملة مسوقة لتوبيخهم وتقريعهم وبربك في موضع رفع على أن الفاعل ليكف، والباء زائدة، وأنه بدل من ربك والهمزة للإنكار. والمعنى: ألم يغنهم عن الآيات الموعودة المبينة لحقية القرآن أنه سبحانه شهيد على جميع الأشياء. وقيل المعنى: أو لم يكف بربك يا محمد أنه شاهد على أعمال الكفار. وقيل أو لم يكف بربك شاهداً على أن القرآن منزل من عنده، والشهيد بمعنى العالم، أو هو بمعنى الشهادة التي هي الحضور. قال الزجاج: ومعنى الكناية ها هنا أن الله عز وجل قد بين لهم ما فيه كفاية في الدلالة، والمعنى: أو لم يكف ربك أنه على كل شيء شهيد شاهد للأشياء لا يغيب عنه شيء.
53. " سنريهم آياتنا في الآفاق "، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني منازل الأمم الخالية. " وفي أنفسهم "، بالبلاء والأمراض.
وقال قتادة : في الآفاق يعني: وقائع الله في الأمم، وفي أنفسهم يوم بدر.
وقال مجاهد ، و الحسن ، و السدي : ((في الآفاق)): ما يفتح من القرى على محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ((وفي أنفسهم)): فتح مكة. " حتى يتبين لهم أنه الحق "، يعني: دين الإسلام.
وقيل: القرآن يتبين لهم أنه من عند الله. وقيل: محمد صلى الله عليه وسلم، يتبين لهم أنه مؤيد من قبل الله تعالى.
وقال عطاء و ابن زيد : ((في الآفاق)) يعني: أقطار السماء والأرض من الشمس والقمر والنجوم والنبات والأشجار والأنهار، ((وفي أنفسهم)) من لطيف الصنعة وبديع الحكمة، حتى يتبين لهم أنه الحق.
" أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد "، قال مقاتل : أو لم يكف بربك شاهداً أن القرآن من الله تعالى. قال الزجاج : معنى الكفاية هاهنا: أن الله عز وجل قد بين من الدلائل ما فيه كفاية، يعنيك أو لم يكف بربك لأنه على كل شيء شهيد، شاهد لا يغيب عنه شيء.
53-" سنريهم آياتنا في الآفاق " يعني ما أخبرهم النبي عليه الصلاة والسلام به من الحوادث الآتية وآثار النوازل الماضية ، وما يسر الله له ولخلفائه من الفتوح والظهور على ممالك الشرق والغرب على وجه خارق للعادة . " وفي أنفسهم " ما ظهر فيما بين أهل مكة وما حل بهم ، أو ما في بدن الإنسان من عجائب الصنع الدالة على كمال القدرة . " حتى يتبين لهم أنه الحق " الضمير للقرآن أو الرسول أو التوحيد أو الله " أولم يكف بربك " أي أو لم يكف ربك ، والفاء مزيدة للتأكيد كأنه قيل : أو لم تحصل الكفاية به ولا تكاد تزاد في الفاعل إلا مع كفى . " أنه على كل شيء شهيد " بدل منه ، والمعنى أو لم يكفك أنه تعالى على كل شيء شهيد محقق له فيحقق أمرك بإظهار الآيات الموعودة كما حقق سائر الأشياء الموعودة ، أو مطلع فيعلم حالك وحالهم ، أو لم يكف الإنسان رادعاً عن المعاصي أنه تعالى مطلع على كل شيء لا يخفى عليه خافية .
53. We shall show them Our portents on the horizons and within themselves until it will be manifest unto them that it is the Truth. Doth not thy Lord suffice, since He is Witness over all things?
53 - Soon will We show them Our Signs in the (furthest) regions (of the earth), and in their own souls, until it becomes manifest to them that this is the Truth. Is it not enough that thy Lord doth witness all things?