[فصلت : 34] وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ
34 - (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة) في جزئياتهما لأن بعضهما فوق بعض (ادفع) السيئة (بالتي) بالخصلة التي (هي أحسن) كالغضب بالصبر والجهل بالحلم والاساءة بالعفو (فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) فيصير عدوك كالصديق القريب في محبته إذا فعلت ذلك فالذي مبتدأ وكأنه الخبر وإذا ظرف لمعنى التشبيه
وقوله : " ولا تستوي الحسنة ولا السيئة " يقول تعالى ذكره : ولا تستوي حسنة الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ، فأحسنوا في قولهم ، وإجابتهم ربهم إلى ما دعاهم إليه من طاعته ، ودعوا عباد الله إلى مثل الذي أجابوا ربهم إليه ، وسيئة الذين قالوا : " لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون " فكذلك لا تستوي عند الله أحوالهم ومنازلهم ، ولكنها تختلف كما وصف جل ثناؤه أنه خالف بينهما . وقال جل ثناؤه : " ولا تستوي الحسنة ولا السيئة " فكرر لا ، والمعنى : لا تستوي الحسنة والسيئة ، لأن كل ما كان غير مساو شيئاً ، فالشيء الذي هو له غير مساو غير مساويه ، كما أن كل ما كان مساوياً لشيء فالآخر الذي هو له مساو ، مساو له ، فيقال : فلان مساو فلاناً ، وفلان له مساو فكذلك فلان ليس مساوياً لفلان ، ولا فلان مساوياً له ، فلذلك كررت لا مع السيئة ولو لم تكن مكررة معها كان الكلام صحيحاً . وقد كان بعض نحويي البصرة يقول : يجوز أن يقال : الثانية زائدة ، يريد : لا يستوي عبد الله وزيد ، فزيدت لا توكيداً ، كما قال : " لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون " [ الحديد : 29 ] : أي لأن يعلم ، وكما قال : " لئلا يعلم أهل الكتاب " ، وفي قوله : " لا أقسم " فيقول : لا الثانية في قوله : " لئلا يعلم أهل الكتاب " أن لا يقدرون ردت إلى موضعها ، لأن النفي إنما لحق يقدرون لا العلم ، كما يقال : لا أظن زيداً لا يقوم ، بمعنى : أظن زيداً لا يقوم ، قال : وربما استوثقوا فجاءوا به أولاً وآخراً ، وربما اكتفوا بالأول من الثاني . وحكي سماعاً من العرب : ما كأني أعرفها : أي كأني لا أعرفها . قال : وأما < لا > في قوله : < لا أقسم > فإنما هو جواب ، والقسم بعدها مستأنف ، ولا يكون حرف الجحد مبتدأ صلة .
وإنما عنى بقوله : " ولا تستوي الحسنة ولا السيئة " ولا يستوي الإيمان بالله والعمل بطاعته والشرك به والعمل بمعصيته .
وقوله : " ادفع بالتي هي أحسن " يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ادفع يا محمد بحلمك جهل من جهل عليك ، وبعفوك عمن أساء إليك إساءة المسيء ، وبصبرك عليهم مكروه ما تجد منهم ، ويلقاك من قبلهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في تأويله .
ذكر من قال ذلك : حدثن علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : " ادفع بالتي هي أحسن " قال : أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب ، والحلم والعفو عند الإساءة ، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان ، وخضع لهم عدوهم ، كأنه ولي حميم .
وقال آخرون : معنى ذلك : ادفع بالسلام على من أساء إليك إساءته .
ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا أبو عامر ، قال : ثنا سفيان ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء " ادفع بالتي هي أحسن " قال : بالسلام .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور عن معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن مجاهد " ادفع بالتي هي أحسن " قال : السلام عليك إذا لقيته .
وقوله : " فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " يقول تعالى ذكره : افعل هذا الذي أمرتك به يا محمد من دفع سيئة المسيء إليك بإحسانك الذي أمرتك به إليه ، فيصير المسيء إليك الذي بينك وبينه عداوة ، كأنه من ملاطفته إياك ، وبره لك ، ولي لك من بني أعمامك ، قريب النبس بك . والحميم : هو القريب .
كما حدثنا بشر ، قال :ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " كأنه ولي حميم " : أي كأنه ولي قريب .
قوله تعالى : " ولا تستوي الحسنة ولا السيئة " قال الفراء : (لا) صله أي ( ولا تستوي الحسنة والسيئة ) وأنشد :
ما كان يرضى رسول الله فعلهم والطيبان أبو بكر ولا عمر
أراد أبو بكر وعمر ، أي لا يستوي ما أنت عليه من التوحيد ، وما المشركون عليه من الشرك ، قال ابن عباس : الحسنة لا إله إلا الله ، والسيئة الغلظة . وقيل : الحسنة العفو ، واليسئة الانتصار . وقال الضحاك : الحسنة العلم ، واليسئة الفحش . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : الحسنة حب آل الرسول ، والسيئة بغضهم .
قوله تعالى : " ادفع بالتي هي أحسن " نسهت بآية السيف ، وبقي المستحب من ذلك : حسن العشرة والاحتمال والإغضاء . وقال ابن عباس : أي ادفع بحلمك جهل من يجهل عليك . وعنه أيضاً : هو الرجل يسب الرجل فيقول الآخر إن كنت صادقاً فغفر الله لي ، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك . وكذلك يروى في الأثر : أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال ذلك لرجل نال منه وقال مجاهد : ( بالتي هي أحسن ) يعني السلام إذا لقي من يعديه ، وقاله عطاء . وقول ثالث ذكره القاضي أبو بكر بن العربي في الأحكام وهو المصافحة . وفي الأثر : ( تصافحوا يذهب الغل ) ولم ير مالك المصافحة ، وقد اجتمع مع سفيان فتكلما فيها فقال سفيان : قد صافح رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفراً حين قدم من أرض الحبشة ، فقال له مالك : ذلك خاص فقال له سفيان : ما خص رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصنا ، وما عمه يعمنا ، والمصافحة ثابتة فلا يوجه لإنكارها . وقد روى قتادة قال قلت لأنس : هل كانت المصافحة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . وهو حديث صحيح . وفي الأثر : ( من تمام المحبة الأخذ باليد ) ومن حديث محمد بن إسحاق وهو إمام مقدم ، عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي ، فقرع الباب فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا ً يجر ثوبه _ والله ما رأيته عرياناً قبله ولا بعده _ فاعتنقه وقبله . قلت : قد روي عن مالك جواز المصافحة وعليها جماعة من العلماء . وقد مضى ذلك في ( يوسف ) وذكرنا هناك حديث البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد صاحبه مودة بينهما ونصيحة إلا ألقيت ذنوبهما بينهما "
قوله تعالى : " فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " أي قريب حديق قال مقاتل : نزلت في أبي سفيان بن حرب ، كان مؤذياً للنبي صلى الله عليه وسلم فصار له وليا بعد أن كان عدواً بالمصاهرة التي وقعت بينه بين النبي صلى الله عليه وسلم ثم أسلم فصار ولياً في الإسلام حميماً بالقرابة . وقيل : هذه الآية نزلت في أبي جهل بن هشام ، كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمره الله تعالى بالصبر عليه والصفح عنه ، ذكره الماوردي . والأول ذكره الثعلبي و القشيري وهو أظر ، لقوله تعالى : " فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " وقيل : كان هذا قبل الأمر بالقتال . قال ابن عباس : أمره الله تعالى في هذا الآية بالصبر عند الغضب ، والحلم عند الجهل ، والعفو عند الإساءة ، فإذا فعل الناس ذلك عصمهم الله من الشيطان ، وخضع لهم عدوهم . وروي أن رجلاً شتم قنبراً مولى علي بن أبي طالب فناداه علي يا قنبر ! دع شاتمك ، واله عنه ترضي الرحمن وتسخط الشيطان ،وتعاقب شاتمك ، فما عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه . أنشدوا :
وللكف عن شتم اللئيم تكرماً أضر له من شتمه حين يشتم
وقال آخر :
وما شيء أحب إلى سفيه إذا سب الكريم من الجواب
متاركة السفيه بلا جواب أشد على السفيه من السباب
وقال محمد الوارق :
سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب وإن كثرت منه لدي الجرائم
فما الناس إلا واحد من ثلاثة شريف ومشروف ومثل مقاوم
فأما الذي فوقي فأعرف قدره واتبع فيه الحق والحق لازم
وأما الذي دوني فإن قال صنت عن إجابته عرشي وإن لام لائم
وأما الذي مثلي فإن زل أو هفا تفضلت إن الفضل بالحلم حاكم .
يقول عز وجل: "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله" أي دعا عباد الله إليه "وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين" أي هو في نفسه مهتد بما يقوله فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومتعد وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه وينهون عن المنكر ويأتونه بل يأتمر بالخير ويترك الشر ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى وهذه عامة في كل من دعا إلى الخير وهو في نفسه مهتد ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بذلك كما قال محمد بن سيرين والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم, وقيل المراد بها المؤذنون الصلحاء كما ثبت في صحيح مسلم "المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة" وفي السنن مرفوعاً "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين" وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن الهروي حدثنا غسان قاضي هراة وقال أبو زرعة: حدثنا إبراهيم بن طهمان عن مطر عن الحسن عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: "سهام المؤذنين عند الله تعالى يوم القيامة كسهام المجاهدين وهو بين الاذان والإقامة كالمتشحط في سبيل الله تعالى في دمه" قال: وقال ابن مسعود رضي الله عنه لو كنت مؤذناً ما باليت أن لا أحج ولا أعتمر ولا أجاهد قال: وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو كنت مؤذناً لكمل أمري وما باليت أن لا أنتصب لقيام الليل ولا لصيام النهار سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم اغفر للمؤذنين" ثلاثاً, قال: فقلت يا رسول الله تركتنا ونحن نجتلد على الأذان بالسيوف قال صلى الله عليه وسلم: "كلا يا عمر إنه سيأتي على الناس زمان يتركون الأذان على ضعافهم وتلك لحوم حرمها الله عز وجل على النار لحوم المؤذنين" قال وقالت عائشة رضي الله عنها ولهم هذه الاية "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين" قالت: فهو المؤذن إذا قال حي على الصلاة فقد دعا إلى الله وهكذا قال ابن عمر رضي الله عنهما وعكرمة إنها نزلت في المؤذنين وقد ذكر البغوي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه قال في قوله عز وجل وعمل صالحاً يعني صلاة ركعتين بين الأذان والإقامة. ثم أورد البغوي حديث عبد الله بن المغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين كل أذانين ـ صلاة ـ ثم قال في الثالثة ـ لمن شاء" وقد أخرجه الجماعة في كتبهم من حديث عبد الله بن بريدة عنه وحديث الثوري عن زيد العمي عن أبي إياس معاوية بن قرة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال الثوري: لا أراه إلا قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم "الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة" ورواه أبو داود والترمذي والنسائي في اليوم والليلة كلهم من حديث الثوري به وقال الترمذي: هذا حديث حسن, ورواه النسائي أيضاً من حديث سليمان التيمي عن قتادة عن أنس به. والصحيح أن الاية عامة في المؤذنين وفي غيرهم فأما حال نزول هذه الاية فإنه لم يكن الأذان مشروعاً بالكلية لأنها مكية والأذان إنما شرع بالمدينة بعد الهجرة حين أريه عبد الله بن عبد ربه الأنصاري رضي الله عنه في منامه فقصه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يلقيه على بلال رضي الله عنه فإنه أندى صوتاً كما هو مقرر في موضعه فالصحيح إذن أنها عامة كما قال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن البصري أنه تلا هذه الاية "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين" فقال هذا حبيب الله هذا ولي الله هذا صفوة الله هذا خيرة الله هذا أحب أهل الأرض إلى الله أجاب الله في دعوته ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته وعمل صالحاً في إجابته وقال إنني من المسلمين هذا خليفة الله, وقوله تعالى: "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة" أي فرق عظيم بين هذه وهذه "ادفع بالتي هي أحسن" أي من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه كما قال عمر رضي الله عنه: ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه.
وقوله عز وجل: "فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" وهو الصديق إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك والحنو عليك حتى يصير كأنه ولي لك حميم أي قريب إليك من الشفقة عليك والإحسان إليك, ثم قال عز وجل: "وما يلقاها إلا الذين صبروا" أي وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها إلا من صبر على ذلك فإنه يشق على النفوس "وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم" أي ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والاخرة, قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الاية: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الإساءة فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم. وقوله تعالى: "وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله" أي أن شيطان الإنس ربما ينخدع بالإحسان إليه فأما شيطان الجن فإنه لا حيلة فيه إذا وسوس إلا الاستعاذة بخالقة الذي سلطه عليك فإذا استعذت بالله والتجأت إليه كفه عنك ورد كيده, وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يقول: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه", وقد قدمنا أن هذا المقام لا نظير له في القرآن إلا في سورة الأعراف عند قوله تعالى: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين * وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم" وفي سورة المؤمنين عند قوله: "ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون * وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك رب أن يحضرون".
ثم بين سبحانه الفرق بين محاسن الأعمال ومساويها فقال: 34- "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة" أي لا تستوي الحسنة التي يرضى الله بها ويثيب عليها، ولا السيئة التي يكرهها الله ويعاقب عليها، ولا وجه لتخصيص الحسنة بنوع من أنواع الطاعات، وتخصيص السيئة بنوع من أنواع المعاصي، فإن اللفظ أوسع من ذلك. وقيل الحسنة التوحيد والسيئة الشرك. وقيل الحسنة المدارة، والسيئة الغلطة. وقيل الحسنة العفو، والسيئة الانتصار. وقيل الحسنة العلم، والسيئة الفحش. قال الفراء لا في قوله ولا السيئة زائدة "ادفع بالتي هي أحسن" أي ادفع السيئة إذا جاءتك من المسيء بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات، ومنه مقابلة الإساءة بالإحسان والذنب بالعفو، والغضب بالصبر، والإغضاء عن الهفوات، والاحتمال للمكروهات. وقال مجاهد وعطاء: "بالتي هي أحسن": يعني بالسلام إذا لقي من يعاديه، وقيل بالمصافحة عند التلاقي "فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" هذه هي الفائدة الحاصلة من الدفع بالتي هي أحسن، والمعنى: أنك إذا فعلت ذلك الدفع صار العدو كالصديق، والبعيد عنك كالقريب منك. وقال مقاتل: نزلت في أبي سفيان بن حرب كان معادياً للنبي صلى الله عليه وسلم فصار له ولياً بالمصاهرة التي وقعت بينه وبينه، ثم أسلم فصار ولياً في الإسلام حميماً بالمصاهرة، وقيل غير ذلك، والأولى حمل الآية على العموم.
34. قوله عز وجل: " ولا تستوي الحسنة ولا السيئة "، قال الفراء : ((لا)) هاهنا صلة، معناه: ولا تستوي الحسنة والسيئة، يعني الصبر والغضب، والحلم والجهل، والعفو والإساءة. " ادفع بالتي هي أحسن "، قال ابن عباس: أمر بالصبر عند الغضب، وبالحلم عند الجهل، وبالعفو عند افساءة. " فإذا الذي بينك وبينه عداوة "، يعني: إذا فعلت ذلك خضع لك عدوك، وصار الذي بينك وبينه عداوة، " كأنه ولي حميم" كالصديق والقريب . قال مقاتل بن حيان : نزلت في أبي سفيان بن حرب وذلك أنه لان للمسلمين بعد شدة عداوته بالمصاهرة التي حصلت بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أسلم فصار ولياً بالإسلام، حميماً بالقرابة.
34-" ولا تستوي الحسنة ولا السيئة " في الجزاء وحسن العاقبة و " لا " الثانية مزيدة لتأكيد النفي . " ادفع بالتي هي أحسن " ادفع السيئة حيث اعترضتك بالتي هي أحسن منها وهي الحسنة على أن المراد بالأحسن الزائد مطلقاً ، أو بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات ، وإنما أخرجه مخرج الاستئناف على أنه جواب من قال : كيف أصنع ؟ للمبالغة ولذلك وضع " أحسن " موضع الحسنة " فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " أي إذا فعلت ذلك صار عدوك المشاق مثل الولي الشفيق .
34. The good deed and the evil deed are not alike. Repel the evil deed with one which is better, then lo! he, between whom and thee there was enmity (will become) as though he was a bosom friend.
34 - Nor can Goodness and Evil be equal. Repel (Evil) with what is better: then will he between whom and thee was hatred become as it were thy friend and intimate!