[غافر : 32] وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ
32 - (ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد) بحذف الياء وإثباتها أي يوم القيامة يكثر فيه نداء أصحاب الجنة أصحاب النار وبالعكس والنداء بالسعادة لأهلها وبالشقاوة لأهلها وغير ذلك
يقول تعالى مخبراً عن قيل هذا المؤمن لفرعون وقومه " ويا قوم إني أخاف عليكم " بقتلكم موسى إن قتلتموه عقاب الله " يوم التناد " .
واختلف القراء في قراءة قوله : " يوم التناد " فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار " يوم التناد " بتخفيف الدال ، وترك إثبات الياء ، بمعنى التفاعل ، من تنادى القوم تنادياً ، كما قال جل ثناؤه " ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم " [ الأعراف :44 ] وقال : " ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء " [ الأعراف : 50 ] فلذلك تأوله قارئو ذلك كذلك .
ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة أنه قال في هذه الآية " يوم التناد " قال : يوم ينادي أهل النار أهل الجنة : أن أفيضوا علينا من الماء .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد " يوم ينادي أهل الجنة أهل النار " أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا " [ الأعراف : 44 ] وينادي أهل النار أهل الجنة " أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله " [ الأعراف : 50 ] .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال أبن زيد ، في قوله : " يوم التناد " قال : يوم القيامة ينادي أهل الجنة أهل النار .
" وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في معنى ذلك على هذه القراءة تأويل آخر على غير هذا الوجه " .
وهو ما حدثنا به ابو كريب ، قال : ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن إسماعيل بن رافع المدني ،عن يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن رجل من الأنصار ، عن أبي هريرة ، " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى ، فيقول : انفخ نفخة الفزع ، ففزع أهل السموات وأهل الأرض إلا من شاء الله أن يديمها ويطولها فلا يفتر ، وهي التي يقول الله : " وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق " [ ص : 15 ] ، فيسير الله الجبال فتكون سراباً ، فترج الأرض بأهلها رجاً ، وهي التي يقول الله : " يوم ترجف الراجفة * تتبعها الرادفة * قلوب يومئذ واجفة " [ النازعات : 6 - 8 ] فتكون كالسفينة المرتعة في البحر تضربها الأمواج تكفا بأهلها ، أو كالقنديل المعلق بالعرش ترجه الأرواح ، فتميد الناس على ظهرها ، فتذهل المراضع ، وتضع الحوامل ، وتشيب الولدان ، وتطير الشياطين هاربة حتى تأتي الأقطار ، فتلقاها الملائكة ، فتضرب وجوهها ، فترجع ويولي الناس مدبرين ، ينادي بعضهم بعضاً ، وهو الذي يقول الله : يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم " .
فعلى هذا التأويل معنى الكلام : ويا قوم إني أخاف عليكم يوم ينادي الناس بعضهم بعضاً من فزع نفخة الفزع .
وقرأ ذلك آخرون : < يوم التناد > بتشديد الدال ، بمعنى : التفاعل من الند ، وذلك إذا هربوا فندوا في الأرض ، كما تند الإبل : إذا شردت على أربابها .
ذكر من قال ذلك كذلك ، وذكر المعنى الذي قصد بقراءته ذلك كذلك :
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن الأجلح ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم ، قال : إذا كان يوم القيامة ، أمر الله السماء الدنيا فتشققت بأهلها ، ونزل من فيها من الملائكة ، فأحاطوا بالأرض ومن عليها ، ثم الثانية ، ثم الثالثة ، ثم الرابعة ، ثم الخامسة ، ثم السادسة ، ثم السابعة ، فصفوا صفاً دون صف ، ثم ينزل الملك الأعلى على مجنبته اليسرى جهنم ، فإذا رآها أهل الأرض ندوا فلا يأتون قطراً من أقطار الأرض إلا وجدوا السبعة صفوف من الملائكة ، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه ، فذلك قوله الله " إني أخاف عليكم يوم التناد* يوم تولون مدبرين " وذلك قوله : " وجاء ربك والملك صفا صفا * وجيء يومئذ بجهنم " [ الفجر : 22 - 23 ] ، وقوله : " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان " [ الرحمن : 33 ] ، وذلك قوله : " وانشقت السماء فهي يومئذ واهية * والملك على أرجائها " [ الحاقة : 16 - 17 ] .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قوله : < يوم التناد > قال : تندون . روي عن الحسن البصري أنه قرأ ذلك < يوم التنادي > بإثبات الياء وتخفيف الدال .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قراء الأمصار ، وهو تخفيف الدال وبغير إثبات الياء ، وذلك أن ذلك هو القراءة التي عليها الحجة مجمعة من قراء الأمصار وغير جائز خلافها فيما جاءت به نقلاً فإذا كان ذلك هو الصواب ، فمعنى الكلام : ويا قوم إني أخاف عليكم يوم ينادي الناس بعضهم بعضاً ، إما من هول ما قد عاينوا من عظيم سلطان الله ، وفظاعة ما غشيهم من كرب ذلك اليوم ، وإما لتذكير بعضهم بعضاً إنجاز الله إياهم الوعد الذي وعدهم في الدنيا ، واستغاثة من بعضهم ببعض ، مما لقي من عظيم البلاء فيه .
قوله تعالى : " ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات " قيل : إن هذا من قول موسى . وقيل : هو من تمام وعظ مؤمن آل فرعون ، ذكرهم قديم عتوهم على الأنبياء ، وأراد يوسف بن يعقوب جاءهم بالبينات " أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار " [ يوسف : 39] قال ابن جريج : هو يوسف بن يعقوب بعثه الله تعالى رسولاً إلى القبط بعد موت الملك من قبل موسى بالبينات وهي الرؤيا . وقال ابن عباس : هو يوسف بن إفرائيم بن يوسف بن يعقوب أقام فيهم نبياً عشرين سنة . وحكى النقاش عن الضحاك : أن الله تعالى بعث إليهم رسولاً من الجن يقال له يوسف . وقال وهب بن منبه : إن فرعون موسى هو فرعون يوسف عمر . وغيره يقول : هو آخر . النحاس : وليس في نالآية ما يدل على أنه هو ، لأنه إذا أتى بالبينات نبي لمن معه ولمن بعده فقد جاءهم جميعاً بها وعليهم أن يصدقوه بها . " فما زلتم في شك مما جاءكم به " أي أسلافكم كانوا في شك . " حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا " أي من يدعي الرسالة " كذلك يضل الله " أي مثل ذلك الضلال " يضل الله من هو مسرف " مشرك " مرتاب " شاك في وحدانية الله تعالى .
هذا إخبار من الله عز وجل عن هذا الرجل الصالح مؤمن آل فرعون أنه حذر قومه بأس الله تعالى في الدنيا والاخرة فقال: "يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب" أي الذين كذبوا رسل الله في قديم الدهر كقوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم من الأمم المكذبة كيف حل بهم بأس الله وما رده عنهم راد ولا صده عنهم صاد "وما الله يريد ظلماً للعباد" أي إنما أهلكهم الله تعالى بذنوبهم وتكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره فأنفذ فيهم قدره ثم قال: "ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد" يعني يوم القيامة وسمي بذلك, قال بعضهم لما جاء في حديث الصور أن الأرض إذا زلزلت وانشقت من قطر إلى قطر وماجت وارتجت فنظر الناس إلى ذلك ذهبوا هاربين ينادي بعضهم بعضاً وقال آخرون منهم الضحاك بل ذلك إذا جيء بجنهم ذهب الناس هراباً منهم فتتلقاهم الملائكة فتردهم إلى مقام المحشر وهو قوله تعالى: "والملك على أرجائها" وقوله: "يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان" وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه والحسن والضحاك أنهم قرأوا يوم التناد بتشديد الدال من ند البعير إذا شرد وذهب وقيل لأن الميزان عنده ملك إذا وزن عمل العبد فرجح نادى بأعلى صوته ألا قد سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً, وإن خف عمله نادى ألا قد شقي فلان بن فلان وقال قتادة: ينادي كل قوم بأعمالهم, ينادي أهل الجنة أهل الجنة وأهل النار أهل النار, وقيل سمي بذلك لمناداة أهل الجنة أهل النار "أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً ؟ قالوا نعم" ومناداة أهل النار أهل الجنة "أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين" ولمناداة أصحاب الأعراف أهل الجنة وأهل النار كما هو مذكور في سورة الأعراف, واختار البغوي وغيره أنه سمي بذلك لمجموع ذلك وهو قول حسن جيد, والله أعلم وقوله تعالى: "يوم تولون مدبرين" أي ذاهبين هاربين " كلا لا وزر * إلى ربك يومئذ المستقر " ولهذا قال عز وجل: "ما لكم من الله من عاصم" أي لا مانع يمنعكم من بأس الله وعذابه "ومن يضلل الله فما له من هاد" أي من أضله الله فلا هادي له غيره. وقوله تبارك وتعالى: "ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات" يعني أهل مصر وقد بعث الله فيهم رسولاً من قبل موسى عليه الصلاة والسلام وهو يوسف عليه الصلاة والسلام كان عزيز أهل مصر وكان رسولاً يدعو إلى الله تعالى أمته بالقسط فما أطاعوه تلك الطاعة إلا بمجرد الوزارة والجاه الدنيوي ولهذا قال تعالى: "فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً" أي يئستم فقلتم طامعين: "لن يبعث الله من بعده رسولاً" وذلك لكفرهم وتكذيبهم "كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب" أي كحالكم هذا يكون حال من يضله الله لإسرافه في أفعاله وارتياب قلبه, ثم قال عز وجل: "الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم" أي الذين يدفعون الحق بالباطل ويجادلون بالحجج بغير دليل وحجة معهم من الله تعالى فإن الله عز وجل يمقت على ذلك أشد المقت ولهذا قال تعالى: "كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا" أي والمؤمنون أيضاً يبغضون من تكون هذه صفته فإن من كانت هذه صفته يطبع الله على قلبه فلا يعرف بعد ذلك معروفاً ولا ينكر منكراً ولهذا قال تبارك وتعالى: "كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر" أي على اتباع الحق "جبار" وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة وحكي عن الشعبي أنهما قالا: لا يكون الإنسان جباراً حتى يقتل نفسين وقال أبو عمران الجوني وقتادة: آية الجبابرة القتل بغير حق, والله تعالى أعلم.
ثم زاد في الوعظ والتذكير فقال: 32- "ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد" قرا الجمهور التناد بتخفيف الدال وحذف الياء، والأصل التنادي، وهو التفاعل من النداء، يقال تنادى القوم: أي نادى بعضهم بعضاً، وقرأ الحسن وابن السميفع ويعقوب وابن كثير ومجاهد بإثبات الياء على الأصل، وقرأ ابن عباس والضحاك وعكرمة بتشديد الدال. قال بعض أهل اللغة هو لحن، لأنه من ند يند: إذا مر على وجهه هارباً. قال النحاس: وهذا غلط، والقراءة حسنة على معنى التنافي. قال الضحاك: في معناه أنهم إذا سمعوا بزفير جهنم ندوا هرباً، فلا يأتون قطراً من أقطار الأرض إلا وجدوا صفوفاً من الملائكة فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قوله: "يوم التناد" وعلى قراءة الجمهور المعنى: يوم ينادي بعضهم بعضاً، أو ينادي أهل النار أهل الجنة وأهل الجنة أهل النار، أو ينادي فيه بسعادة السعداء وشقاوة الأشقياء، أو يوم ينادي فيه كل أناس بإمامهم، ولا مانع من الحمل على جميع هذه المعاني.
32. " ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد "، يوم القيامة يدعى كل أناس بإمامهم وينادي بعضهم بعضاً، فينادي أصحاب الجنة أصحاب النار، وأصحاب النار أصحاب الجنة، وينادى أصحاب الأعراف، وينادى بالسعادة والشقاوة، ألا إن فلان ابن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، وفلان ابن فلان قد شقى شقاوة لا يسعد بعدها أبداً، وينادى حين يذبح الموت: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت.
وقرأ ابن عباس و الضحاك : (( يوم التناد )) بتشديد الدال أي: يوم التنافر، وذلك أنهم هربوا فندوا في الأرض كما تند الإبل إذا شردت عن أربابها.
قال الضحاك : وكذلك إذا سمعوا زفير النار ندوا هرباً فلا يأتون قطراً من الأقطار إلا وجدوا الملائكة صفوفاً، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قوله تعالى: " والملك على أرجائها " (الحاقة-17)، وقوله: " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا " (الرحمن-33).
32-" ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد " يوم القيامة ينادي فيه بعضهم بعضاً للاستغاثة ، أو يتصايحون بالويل والثبور ، أو يتنادى أصحاب الجنة وأصحاب النار كما حكي في الأعراف . وقرئ بالتشديد وهو أن يند بعضهم من بعض كقوله تعالى : " يوم يفر المرء من أخيه " .
32. And, O my people! Lo! I fear for a Day of Summoning,
32 - And O my people! I fear for you a Day when there will be mutual calling (and wailing),