[النساء : 9] وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا
(وليخش) أي ليخف على اليتامى (الذين لو تركوا) أي قاربوا أن يتركوا (من خلفهم) أي بعد موتهم (ذريةً ضعافاً) أولاداً صغاراً (خافوا عليهم) الضياع (فليتقوا الله) في أمر اليتامى وليأتوا إليهم ما يحبون أن يفعل بذريتهم من بعدهم (وليقولوا) لمن حضرته الوفاة (قولاً سديداً) صواباً بأن يأمروه أن يتصدق بدون ثلثه ويدع الباقي لورثته ولا يتركهم عالة
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم : "وليخش" ، ليخف الذين يحضرون موصياً يوصي في ماله أن يأمره بتفريق ماله وصية منه فيمن لا يرثه ، ولكن ليأمره أن يبقي ماله لولده ، كما لو كان هو الموصي ، يسره أن يحثه من يحضره على حفظ ماله لولده ، وأن لا يدعهم عالة مع ضعفهم وعجزهم عن التصرف والاحتيال.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي بن داود قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله : "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم" إلى آخر الآية، فهذا في الرجل يحضره الموت فيسمعه يوصي بوصية تضر بورثته ، فأمر الله سبحانه الذي سمعه أن يتقي الله ويوفقه ويسدده للصواب ، ولينظر لورثته كما كان يحب أن يصنع لورثته إذا خشي عليهم الضيعة.
حدثنا علي قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله : "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم "، يعني الذي يحضره الموت فيقال له : تصدق من مالك وأعتق ، وأعط منه في سبيل الله . فنهوا أن يأمروه بذلك ، يعني أن من حضر منكم مريضاً عند الموت فلا يأمره أن ينفق ماله في العتق أو الصدقة أو في سبيل الله ، ولكن يأمره أن يبين ماله وما عليه من دين ، ويوصي في ماله لذوي قرابته الذين لا يرثون ، ويوصي لهم بالخمس أو الربع. يقول : أليس يكره أحدكم إذا مات وله ولد ضعاف -يعني صغاراً- أن يتركهم بغير مال ، فيكونوا عيالاً على الناس ؟ فلا ينبغي أن تأمروه بما لا ترضون به لأنفسكم ولا أولادكم ، ولكن قولوا الحق من ذلك.
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا"، قال يقول : من حضر ميتاً فليأمره بالعدل والإحسان ، ولينهه عن الحيف والجور في وصيته ، وليخش على عياله ما كان خائفاً على عياله لو نزل به الموت.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله : "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا"، قال : إذا حضرت وصية ميت فمره بما كنت آمراً نفسك بما تتقرب به إلى الله ، وخف في ذلك ما كنت خائفاً على ضعفة، لو تركتهم بعدك. يقول : فاتق الله وقل قولاً سديداً إن هو زاغ.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديدا"، الرجل يحضره الموت ، فيحضره القوم عند الوصية، فلا ينبغي لهم أن يقولوا له : أوص بمالك كله ، وقدم لنفسك ، فإن الله سيرزق عيالك، ولا يتركوه يوصي بماله كله. يقول للذين حضروا : "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم"، فيقول : كما يخاف أحدكم على عياله لو مات -إذ يتركهم صغاراً ضعافاً لا شيء لهم - الضيعة بعده ، فليخف ذلك على عيال أخيه المسلم ، فيقوك له القول السديد.
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن حبيب قال : ذهبت أنا والحكم بن عتيبة إلى سعيد بن جبير، فسألناه عن قوله : "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا" الآية، قال : قال : الرجل يحضره الموت ، فيقول له من يحضره : اتق الله ، صلهم ، أعطهم ، برهم ، ولو كانوا هم الذين يأمرهم بالوصية ، لأحبوا أن يبقوا لأولادهم.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير في قوله :"وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا"، قال : يحضرهم اليتامى فيقولون : اتق الله ، وصلهم ، وأعطهم ، فلو كانوا هم ، لأحبوا أن يبقوا لأولادهم.
حدثني يحيى بن أبي طالب قال ، أخبرنا يزيد قال ، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله : "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا"، الآية، يقول : إذا حضر أحدكم من حضره الموت عند وصيته ، فلا يقل : أعتق من مالك ، وتصدق ، فيفرق ماله ويدع أهله عيلا، ولكن مروه فليكتب ماله من دين وما عليه ، ويجعل من ماله لذوي قرابته خمس ماله ، ويدع سائره لورثته.
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم" الآية، قال : هذا يفرق المال حين يقسم ، فيقول الذين يحضرون : أقللت ، زد فلاناً، فيقول الله تعالى : "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم" ، فليخش أولئك ، وليقولوا فيهم مثل ما يحب أحدهم أن يقال في -ولده بالعدل إذا أكثر: أبق على ولدك .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وليخش الذين يحضرون الموصي وهو يوصي ، الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً فخافوا عليهم الضيعة من ضعفهم وطفولتهم ، أن ينهوه عن الوصية لأقربائه ، وأن يأمروه بإمساك ماله والتحفظ به لولده ، وهم لو كانوا من أقرباء الموصي ، لسرهم أن يوصي لهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان، عن حبيب قال : ذهبت أنا والحكم بن عتيبة، فأتينا مقسماً فسألناه ، يعني عن قوله: "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا" الآية، فقال : ما قال سعيد بن جبير؟ فقلنا: كذا وكذا. فقال : ولكنه الرجل يحضره الموت ، فيقول له من يحضره : اتق الله وأمسك عليك مالك ، فليس أحد أحق بمالك من ولدك ، ولو كان الذي يوصي ذا قرابة لهم ، لأحبوا أن يوصي لهم.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت قال ، قال مقسم : هم الذين يقولون : اتق الله وأمسك عليك مالك ، فلو كان ذا قرابة لهم لأحبوا أن يوصي لهم.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه قال: زعم حضرمي وقرأ: "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا"، قال قالوا : حقيق أن يأمر صاحب الوصية بالوصية لأهلها، كما أن لو كانت ذرية نفسه بتلك المنزلة، لأحب أن يوصي لهم ، وإن كان هو الوارث ، فلا يمنعه ذلك أن يأمره بالذي يحق عليه ، فإن ولده لو كانوا بتلك المنزلة أحب أن يحث عليه ، فليتق الله هو، فليأمره بالوصية، وإن كان هو الوارث ، أو نحواً من ذلك.
وقال آخرون : بل معنى ذلك ، أمر من الله ولاة اليتامى أن يلوهم بالإحسان إليهم في أنفسهم وأموالهم ، ولا يأكلوا أموالهم إسرافاً وبداراً أن يكبروا، وأن يكونوا لهم كما يحبون أن يكون ولاة ولده الصغار بعدهم لهم بالإحسان إليهم ، لو كانوا هم الذين ماتوا وتركوا أولادهم يتامى صغاراً.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم"، يعني بذلك الرجل لم يموت وله أولاد صغار ضعاف ، يخاف عليهم العيلة والضيعة، ويخاف بعده أن لا يحسن إليهم من يليهم ، يقول : فإن ولي مثل ذريته ضعافاً يتامى، فليحسن إليهم ، ولا يأكل أموالهم إسرافاً وبداراً خشية أن يكبروا، فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً.
وقال آخرون : معنى ذلك : "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديدا"، يكفهم الله أمر ذريتهم بعدهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا إبراهيم بن عطية بن رديح بن عطية قال ، حدثني عمي محمد بن رديح، عن أبيه ، عن السيباني قال : كنا بالقسطنطينية أيام مسلمة بن عبد الملك ، وفينا ابن محيريز وابن الديلمي ، وهانىء بن كلثوم ، قال : فجعلنا نتذاكر ما يكون في آخر الزمان. قال : فضقت ذرعاً بما سمعت. قال : فقلت لابن الديلمي : يا أبا بشر، بودي أنه لا يولد لي ولد أبداً! قال : فضرب بيده على منكبي وقال : يا ابن أخي ، لا تفعل ، فإنه ليست من نسمة كتب الله لها أن تخرج من صلب رجل إلا وهي خارجة، إن شاء، وإن أبى. قال : ألا أدلك على أمر إن أنت أدركته نجاك الله منه ، وإن تركت ولدك من بعدك حفظهم الله فيك؟ قال : قلت : بلى! قال : فتلا عند ذلك هذه الآية: "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا".
قال أبو جعفر: وأولى التأويلات بالآية، قول من قال : تأويل ذلك وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم العيلة لو كانوا فرقوا أموالهم في حياتهم ، أو قسموها وصية منهم بها لأولي قرابتهم وأهل اليتم والمسكنة، فابقوا أموالهم لولدهم خشية العيلة عليهم بعدهم ، مع ضعفهم وعجزهم عن المطالب ، فليأمروا من حضروه وهو يوصي لذوي قرابته - وفي اليتامى والمساكين وفي غير ذلك - بماله بالعدل ، وليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً، وهو أن يعرفوه ما أباح الله له من الوصية، وما اختاره للموصين من أهل الإيمان بالله وبكتابه وسنته.
وإنما قلنا ذلك بتأويل الآية أولى من غيره من التأويلات ، لما قد ذكرنا فيما مضى قبل : من أن معنى قوله : "وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا"، وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فأوصوا لهم بما قد دللنا عليه من الأدلة.
فإذ كان ذلك تأويل قوله : "وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين" الآية ، فالواجب أن يكون قول تعالى ذكره : "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم"، تأديباً منه عباده في أمر الوصية بما أذنهم فيه ، إذ كان ذلك عقيب الآية التي قبلها في حكم الوصية، وكان أظهر معانيه ما قلنا، فإلحاق حكمه بحكم ما قبله أولى، مع اشتباه معانيهما، من صرف حكمه إلى غيره بما هو له غير مشبه.
وبمعنى ما قلنا في تأويل قوله : "وليقولوا قولا سديدا"، قال من ذكرنا قوله في مبتدأ تأويل هذه الآية، وبه كان ابن زيد يقول.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا"، قال : يقول قولاً سديداً ، يذكر هذا المسكين وينفعه ، ولا يجحف بهذا اليتيم وارث المؤدي ولا يضر به ، وإنما صغير لا يدفع عن نفسه ، فانظر له كما تنظر إلى ولدك لو كانوا صغاراً. و السديد من الكلام ، هو العدل والصواب.
فيه مسألتان:
الأولى- قوله تعالى:" وليخش" حذفت الألف من ليخش للجزء بالأمر، ولا يجوز عن سيبويه إضمار لام الأمر قياساً على حروف الجر إلا في ضرورة الشعر. وأجاز الكوفيون حذف اللام مع الجزم، وأنشد الجميع :
‌محمد تفد نفسك كل نفس إذا ما خفت من شيء تبالا‌
أراد لتفد ومفعول يخش محذوف لدلالة الكلام عليه و"خافوا " جواب لو .
التقدير لو تكروا لخافوا ويجوز حذف اللام في جواب لو وهذه الآية قد اختلف العلماء في تأويلها فقالت طائفة: هذا وعظ للأوصياء أي فعلوا باليتامى ما تحبون أن يفعل بأولادكم من بعدكم قاله ابن عباس . وبهذا قال الله تعالى: "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما" وقالت طائفة: المراد جميع الناس، أمرهم باتقاء الله في الأيتام وأولاد الناس، وإن لم يكونوا في حجورهم وأن يسددوا لهم القول كما يريد كل واحد منهم أن يفعل بولده بعده. ومن هذا ما حكاه الشيباني قال: كنا على قسطنطينية في عسكر مسلمة بن عبد الملك فجلسنا يوماً في جماعة من أهل العلم فيهم ابن الديلمي فتذكروا ما يكون من أهوال آخر الزمان. فقلت له : يا أبا بشر، ودي ألا يكون لي ولد فقال لي: ما عليك! ما نسمة قضى الله بخروجها من رجل إلا خرجت أحب أو كره، ولكن إذا أردت أن تأمن عليكم فاتق الله في غيرهم ثم تلا الآية وفي رواية : ألا أدلك على أمر إن أنت أدركته نجاك الله منه، وإن تركت ولداً من بعدك حفظهم الله فيك؟ فقلت : بلى! فتلا هذه الآية" وليخش الذين لو تركوا" إلى آخرها.
قلت : ومن هذا المعنى ما رو محمد بن كعب القرظي "عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه سولم قال:
من أحسن الصدقة جاز على الصراط ومن قضى حاجة أرملة أخلف الله في تركته " وقول ثالث قاله جمع من المفسرين : هذا في الرجل يحضره الموت فيقول له من بحضرته عند وصيته: إن الله سيرزق ولدك فانظر لنفسك وأوص بمالك في سبيل الله وتصدق وأعتق حتى يأتي على عامة ماله أو يستغرقه فيضر ذلك بورثته، فنهوا عن ذلك فكأنه الآية تقول لهم: كما تخشون على ورثتكم وذريتكم بعدكم، فكذلك فاخشوا على ورثة غيركم ولا تحملوه على تبذير ماله، قال ابن عباس وقتادة والسدي وابن جبير والضحاك ومجاهد. روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: إذا حضر الرجل الوصية فلا ينبغي أن يقول أوص بمالك فإن الله تعالى رازق ولدك، ولكن يقول قدم لنفسك واترك لولدك، فذلك قوله تعالى"فليتقوا الله " وقال مقسم وحضرمي: نزلت في عكس هذا وهو أن يقول للمحتضر من يحضره: أمسك على ورثتك وأبق لولدك فليس أحد أحق بمالك من أولادك، وينهاه عن الوصية فيتضرر بذلك ذوو القربى وكل من يستحق أن يوصى له، فقيل لهم: كما تخشون على ذريتكم وتسرون بأن يحسن إليهم، فكذلك سددوا القول في جهة المساكين واليتامى واتقوا الله في ضررهم وهذا القولان مبنيان على وقت وجوب الوصية قبل نزول آية المواريث روي عن سعيد بن جبير وابن المسيب. قال ابن عطية: وهذان القولان لا يطرد واحد منهما في كل الناس، بل الناس صنفان، يصلح لأحدهما القول الواحد ولآخر القول الثاني. وذلك أن الرجل إذا ترك ورثته مستقلين بأنفسهم أغنياء حسن أن يندب إلى الوصية، ويحمل على أن يقدم لنفسه وإذا ترك ورثة ضعفاء مهملين مقلين حسن أن يندب إلى الترك لهم والاحتياط، فإن أجره في قصد ذلك كأجره في المساكين، فالمراعاة إنما هو الضعيف فيجب أن يمال معه.
قلت : وهذا التفصيل صحيح، "لقوله عليه السلام لسعد:
إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" فإن لم يكن لإنسان ولد، أو كان وهو غني مستقل بنفسه وماله عن أبيه فقد أمن عليه، فالأولى بالإنسان حينئذ تقديم ماله بين يديه حتى لا ينفقه من بعده فيما لا يصلح فيكون وزره عليه
الثانية- قوله تعالى:" وليقولوا قولا سديدا" السديد : العدل والصواب من القول، أي مروا المريض بأن يخرج من ماله ما عليه من الحقوق الواجبة، ثم يوصي لقرابته بقدر ما لا يضر بورثته الصغار وقيل: المعنى قولوا للميت قولاً عدلاً، وهو أن يلقنه بلا إله إلا الله، لا يأمره بذلك ولكن يقول ذلك في نفسه حتى يسمع منه ويتلقن .هكذا "قال النبي صلى الله عليه وسلم:
لقنوا موتكم لا إله إلا الله " ولم يقل مروهم لأنه لو أمر بذلك لعله يغضب ويجحد وقيل: المراد اليتيم، أن لا ينهروه ولا يستخفوا به .
قال سعيد بن جبير وقتادة: كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار ولا يورثون النساء ولا الأطفال شيئاً, فأنزل الله: "للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون" الاية, أي الجميع فيه سواء في حكم الله تعالى, يستوون في أصل الوراثة, وإن تفاوتوا بحسب ما فرض الله لكل منهم بما يدلي به إلى الميت من قرابة, أو زوجية, أو ولاء, فإنه لحمة كلحمة النسب. وقد روى ابن مردويه من طريق ابن هراسة عن سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال: جاءت أم كجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن لي ابنتين قد مات أبوهما وليس لهما شيء, فأنزل الله تعالى: "للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون" الاية, وسيأتي هذا الحديث عند آيتي الميراث بسياق آخر, والله أعلم, وقوله "وإذا حضر القسمة" الاية, قيل: المراد وإذا حضر قسمة الميراث ذوو القربى ممن ليس بوارث "واليتامى والمساكين" فليرضخ لهم من التركة نصيب, وإن ذلك كان واجباً في ابتداء الاسلام, وقيل يستحب. واختلفوا هل هو منسوخ أم لا على قولين, فقال البخاري: حدثنا أحمد بن حميد, أخبرنا عبيد الله الأشجعي عن سفيان عن الشيباني عن عكرمة عن ابن عباس: " وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين ". قال: هي محكمة وليست بمنسوخة. تابعه سعيد عن ابن عباس. وقال ابن جرير: حدثنا القاسم, حدثنا الحسين, حدثنا عباد بن العوام عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: هي قائمة يعمل بها, وقال الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الاية, قال: هي واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم, وهكذا روي عن ابن مسعود وأبي موسى وعبد الرحمن بن أبي بكر وأبي العالية والشعبي والحسن, وقال ابن سيرين وسعيد بن جبير ومكحول وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح والزهري ويحيى بن يعمر: إنها واجبة, وروى ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج, عن إسماعيل ابن علية عن يونس بن عبيد عن ابن سيرين قال: ولي عبيدة وصية فأمر بشاة فذبحت فأطعم أصحاب هذه الاية وقال: لولا هذه الاية لكان هذا من مالي, وقال مالك فيما يروى عنه من التفسير في جزء مجموع عن الزهري: أن عروة أعطى من مال مصعب حين قسم ماله, وقال الزهري: هي محكمة. وقال مالك: عن عبد الكريم عن مجاهد قال: هي حق واجب ما طابت به الأنفس.
ذكر من ذهب إلى أن ذلك أمر بالوصية لهم
قال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج, أخبرني ابن أبي مليكة: أن أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق والقاسم بن محمد أخبراه أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر, قسم ميراث أبيه عبد الرحمن وعائشة حية, قالا: فلم يدع في الدار مسكيناً ولا ذا قرابة إلا أعطاه من ميراث أبيه, قالا: وتلا " وإذا حضر القسمة أولو القربى ", قال القاسم: فذكرت ذلك لابن عباس, فقال: ما أصاب, ليس ذلك له إنما ذلك إلى الوصية وإنما هذه الاية في الوصية يريد الميت يوصي لهم, رواه ابن أبي حاتم.
ذكر من قال هذه الاية منسوخة بالكلية
قال سفيان الثوري, عن محمد بن السائب الكلبي, عن أبي صالح, عن ابن عباس رضي الله عنهما "وإذا حضر القسمة" قال: منسوخة, وقال إسماعيل بن مسلم المكي عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس, قال في هذه الاية " وإذا حضر القسمة أولو القربى " نسختها الاية التي بعدها "يوصيكم الله في أولادكم". وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في هذه الاية " وإذا حضر القسمة أولو القربى " كان ذلك قبل أن تنزل الفرائض, فأنزل الله بعد ذلك الفرائض فأعطى كل ذي حق حقه, فجعلت الصدقة فيما سمى المتوفى, رواهن ابن مردويه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح, حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء, عن ابن عباس في قوله: " وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين " نسختها آية الميراث فجعل لكل إنسان نصيبه مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر. وحدثنا أسيد بن عاصم, حدثنا سعيد بن عامر عن همام, حدثنا قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال: إنها منسوخة, كانت قبل الفرائض كان ما ترك الرجل من مال أعطى منه اليتيم والفقير والمسكين وذوي القربى إذا حضروا القسمة ثم نسخ بعد ذلك نسختها المواريث فألحق الله بكل ذي حق حقه, وصارت الوصية من ماله يوصي بها لذوي قرابته حيث شاء. وقال مالك, عن الزهري, عن سعيد بن المسيب: هي منسوخة, نسختها المواريث والوصية. وهكذا روي عن عكرمة وأبي الشعثاء والقاسم بن محمد وأبي صالح وأبي مالك وزيد بن أسلم والضحاك وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان وربيعة بن أبي عبد الرحمن أنهم قالوا: إنها منسوخة, وهذا مذهب جمهور الفقهاء والأئمة الأربعة وأصحابهم, وقد اختار ابن جرير ههنا قولاً غريباً جداً وحاصله أن معنى الاية عنده "وإذا حضر القسمة" أي وإذا حضر قسمة مال الوصية أولو قرابة الميت "فارزقوهم منه وقولوا" لليتامى والمساكين إذا حضروا "قولاً معروفاً" هذا مضمون ما حاوله بعد طول العبارة والتكرار, وفيه نظر, والله أعلم. وقال العوفي عن ابن عباس "وإذا حضر القسمة" هي قسمة الميراث, وهكذا قال غير واحد, والمعنى على هذا لا على ما سلكه ابن جرير رحمه الله, بل المعنى أنه إذا حضر هؤلاء الفقراء من القرابة الذين لا يرثون واليتامى والمساكين قسمة مال جزيل, فإن أنفسهم تتوق إلى شيء منه إذا رأوا هذا يأخذ وهذا يأخذ, وهم يائسون لا شيء يعطونه, فأمر الله تعالى وهو الرؤوف الرحيم أن يرضخ لهم شيء من الوسط يكون براً بهم وصدقة عليهم, وإحساناً إليهم وجبراً لكسرهم. كما قال الله تعالى: "كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده" وذم الذين ينقلون المال خفية خشية أن يطلع عليهم المحاويج وذوو الفاقة. كما أخبر عن أصحاب الجنة "إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين" أي بليل. وقال "فانطلقوا وهم يتخافتون * أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين" فـ "دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها" فمن جحد حق الله عليه عاقبه في أعز ما يملكه, ولهذا جاء في الحديث "ما خالطت الصدقة مالاً إلا أفسدته" أي منعها يكون سبب محق ذلك المال بالكلية, وقوله تعالى: "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم" الاية. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هذا في الرجل يحضره الموت, فيسمعه رجل يوصي بوصية تضر بورثته, فأمر الله تعالى الذي يسمعه أن يتقي الله ويوفقه ويسدده للصواب. فينظر لورثته كما كان يحب أن يصنع بورثته إذا خشي عليهم الضيعة, وهكذا قال مجاهد وغير واحد, وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على سعد بن أبي وقاص يعوده, قال: يا رسول الله, إني ذو مال ولا يرثني إلا ابنة, أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال "لا". قال: فالشطر ؟ قال "لا". قال: فالثلث ؟ قال: "الثلث, والثلث كثير". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" وفي الصحيح عن ابن عباس قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "الثلث, والثلث كثير" قال الفقهاء: إن كان ورثة الميت أغنياء, استحب للميت أن يستوفي في وصيته الثلث, وإن كانوا فقراء استحب أن ينقص الثلث, وقيل: المراد بالاية فليتقوا الله في مباشرة أموال اليتامى " ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ", حكاه ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس, وهو قول حسن يتأيد بما بعده من التهديد في أكل أموال اليتامى ظلماً, أي كما تحب أن تعامل ذريتك من بعدك, فعامل الناس في ذراريهم إذا وليتهم, ثم أعلمهم أن من أكل أموال اليتامى ظلماً, فإنما يأكل في بطنه ناراً، ولهذا قال "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً" أي إذا أكلوا أموال اليتامى بلا سبب فإنما يأكلون ناراً تتأجج في بطونهم يوم القيامة. وفي الصحيحين من حديث سليمان بن بلال عن ثور بن زيد, عن سالم أبي الغيث, عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات" قيل: يا رسول الله, وما هن ؟ قال: "الشرك بالله, والسحر, وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق, وأكل الربا, وأكل مال اليتيم, والتولي يوم الزحف, وقذف المحصنات الؤمنات الغافلات" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا عبيدة, أخبرنا أبو عبد الصمد عبد العزيز بن عبد الصمد العمي, حدثنا أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري, قال: قلنا: يا رسول الله, ما رأيت ليلة أسري بك ؟ قال "انطلق بي إلى خلق من خلق الله كثير. رجال كل رجل منهم له مشفران كمشفري البعير, وهو موكل بهم رجال يفكون لحاء أحدهم, ثم يجاء بصخرة من نار فتقذف في في أحدهم حتى يخرج من أسفله, ولهم جوار وصراخ, قلت: يا جبريل, من هؤلاء ؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً, إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً" وقال السدي: يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه وأنفه وعينيه, يعرفه كل من رآه بأكل مال اليتيم. وقال ابن مردويه: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد, حدثنا أحمد بن عمرو, حدثنا عقبة بن مكرم, حدثنا يونس بن بكير, حدثنا زياد بن المنذر عن نافع بن الحارث, عن أبي برزة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يبعث يوم القيامة القوم من قبورهم تأجج أفواههم نارا ، قيل :يا رسول الله, من هم ؟ قال : ألم تر أن الله قال "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً" الاية", رواه ابن أبي حاتم عن أبي زرعة, عن عقبة بن مكرم, وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن أحمد بن علي بن المثنى عن عقبة بن مكرم. وقال ابن مردويه: حدثنا عبد الله بن جعفر, حدثنا أحمد بن عصام, حدثنا أبو عامر العبدي, حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري, عن عثمان بن محمد, عن المقبري, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أحرج مال الضعيفين المرأة واليتيم" أي أوصيكم باجتناب مالهما, وتقدم في سورة البقرة من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: لما نزلت "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً" الاية, انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه, فجعل يفضل الشيء فيحبس له حتى يأكله أو يفسد, فاشتد ذلك عليهم, فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله "ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير" الاية, قال: فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم.
قوله 9- "وليخش الذين لو تركوا" هم الأوصياء كما ذهب إليه طائفة من المفسرين، وفيه وعظ لهم بأن يفعلوا باليتامى الذي في حجورهم ما يحبون أن يفعل بأولادهم من بعدهم، وقالت طائفة: المراد جميع الناس أمروا باتقاء الله في الأيتام وأولاد الناس وإن لم يكونوا في حجورهم، وقال آخرون: إن المراد بهم من يحضر الميت عند موته، أمروا بتقوى الله، وبأن يقولوا للمحتضر قولاً سديداً من إرشادهم إلى التخلص عن حقوق الله وحقوق بني آدم، وإلى الوصية بالقرب المقربة إلى الله سبحانه، وإلى ترك التبذير بماله وإحرام ورثته كما يخشون على ورثتهم من بعدهم لو تركوهم فقراء عالة يتكففون الناس،وقال ابن عطية: الناس صنفان يصلح لأحدهما أن يقال له عند موته ما لا يصلح للآخر، وذلك أن الرجل إذا ترك ورثته مستقلين بأنفسهم أغنياء حسن أن يندب إلى الوصية، ويحمل على أن يقدم لنفسه، وإذا ترك ورثة ضعفاء مفلسين حسن أن يندب إلى الترك لهم والاحتياط، فإن أجره في قصد ذلك كأجره في المساكين. قال القرطبي: وهذا التفصيل صحيح. قوله "لو تركوا" صلة الموصول، والفاء في قوله "فليتقوا" لترتيب ما بعدها على ما قبلها، والمعنى: وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا خلفهم ذرية ضعافاً، وذلك عند احتضارهم خافوا عليهم الضياع بعدهم لذهاب كافلهم وكاسبهم، ثم أمرهم بتقوى الله، والقول السديد للمحتضرين، أو لأولادهم من بعدهم على ما سبق.
9-قوله تعالى: "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذريةً ضعافاً"، أولاداً صغاراً، خافوا عليهم، الفقر، هذا في الرجل يحضره الموت، فيقول من بحضرته: انظر لنفسك فإن أولادك ورثتك لا يغنون عنك شيئاً ، قدم لنفسك، أعتق وتصدق وأعط فلاناً كذا وفلاناً كذا، حتى يأتي على عامة ماله ، فنهاهم الله تعالى عن ذلك ، وأمرهم أن يأمروه أن ينظر لولده ولا يزيد في وصيته على الثلث، ولا يجحف بورثته كما لو كان هذا القائل هو الموصي يسره أن يحثه من بحضرته على حفظ ماله لولده، ولا يدعهم عالةً مع ضعفهم وعجزهم.
وقالالكلبي: هذا الخطاب لولاة اليتامى يقول : من كان في حجرة يتيم فليحسن إليه وليأت غليه في حقه ما يحب أن يفعل بذريته من بعده.
قوله تعالى:"فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً"،أي: عدلاً ، والسديد : العدل ، والصواب من القول، وهو أن يأمره بأن يتصدق/ بما دون الثلث ويخلف الباقي لولده.
9" وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم " أمر للأوصياء بأن يخشوا الله تعالى ويتقوه في مر اليتامى فيفعلوا بهم ما يحبون أن يفعل بذراريهم الضعاف بعد وفاتهم، أو للحاضرين المريض عند الإيصاء بأن يخشوا ربهم، أو يخشوا على أولاد المريض ويشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم فلا يتركوه أن يضر بهم بصرف المال عنهم، أو للورثة بالشفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الأقارب واليتامى والمساكين متصورين أنهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضعافاً مثلهم هل يجوزون حرمانهم، أو للموصين بأن ينظروا للورثة فلا يسرفوا في الوصية ولو بما في حيزه، جعل صلة للذين على معنى وليخش الذين حالهم وصفتهم أنهم لو شارفوا أن يخلفوا ذرية ضعافاً خافوا عليهم الضياع، وفي ترتيب الأمر عليه إشارة إلى المقصود منه والعلة فيه، وبعث على الترحم وأن يحب لأولاد غيره ما يحب لأولاده وتهديدي للمخالف بحال أولاده. " فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا " أمرهم بالتقوى التي هي غاية الخشية بعدما أمرهم بها مراعاة للمبدأ والمنتهى، إذ لا ينفع الأول دون الثاني، ثم أمرهم أن يقولوا لليتامى مثل ما يقولون لأولادهم بالشفقة وحسن الأدب، أو للمريض ما يصده عن الإسراف في الوصية وتضييع حق الورثة، ويذكره التوبة وكلمة الشهادة، أو لحاضري القسمة عذراً جميلاً ووعداً حسناً، أو أن يقولوا في الوصية ما لا يؤدي إلى مجاوزة الثلث وتضييع الورثة.
9. And let those fear (in their behavior toward orphans) who if they left behind them weak offspring would be afraid for them. So let them mind their duty to Allah, and speak justly.
9 - Let those (disposing of an estate) have the same fear in their minds as they would have for their own if they had left a helpless family behind: let them fear God, and speak words of appropriate (comfort).