[النساء : 66] وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا
(ولو أنا كتبنا عليهم أن) مفسرة (اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم) كما كتبنا على بني إسرائيل (ما فعلوه) أي المكتوب عليهم (إلا قليلٌ) بالرفع على البدل والنصب على الاستثناء (منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به) من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم (لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا) تحقيقا لإيمانهم
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: "ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم"، ولو أنا فرضنا على هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك، المحتكمين إلى الطاغوت، أن يقتلوا أنفسهم وأمرناهم بذلك، أو أن يخرجوا من ديارهم مهاجرين منها إلى دار أخرى سواها، "ما فعلوه"، يقول: ما قتلوا أنفسهم بأيديهم، ولا هاجروا من ديارهم فيخرجوا عنها إلى الله ورسوله، طاعة لله ولرسوله، "إلا قليل منهم".
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم"، يهود يعني- أو كلمة تشبهها- والعرب، كما أمر أصحاب موسى عليه السلام.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبوحذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم"، كما أمر أصحاب موسى أن يقتل بعضهم بعضاً بالخناجر، لم يفعلوا إلا قليل منهم. حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "لو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم"، افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من يهود، فقال اليهودي: والله لقد كتب الله علينا أن اقتلوا أنفسكم، فقتلنا أنفسنا! فقال ثابت: والله لو كتب علينا أن اقتلوا أنفسكم، لقتلنا أنفسنا! أنزل الله في هذا: "ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتا"ً.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا أبوزهير، عن إسماعيل، عن أبي إسحق السبيعي قال: لما نزلت: "ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم"، قال رجل: لو أمرنا لفعلنا، والحمد لله الذي عافانا! فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن من أمتي رجالاً، الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي.
واختلف أهل العربية في وجه الرفع في قوله: "إلا قليل منهم".
فكان بعض نحوي البصرة يزعم أنه رفع "قليل"، لأنه جعل بدلاً من الأسماء المضمرة في قوله: "ما فعلوه"، لأن الفعل لهم.
وقال بعض نحوي الكوفة: إنما رفع على نية التكرير، كأن معناه: ما فعلوه، ما فعله إلا قليل منهم، كما قال عمرو بن معديكرب:
وكل أخ مفارقه أخوه، لعمر أبيك، إلا الفرقدان
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، أن يقال: رفع القليل بالمعنى الذي دل عليه قوله: "ما فعلوه إلا قليل منهم". وذلك أن معنى الكلام: ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعله إلا قليل منهم، فقيل: "ما فعلوه"، على الخبر عن الذين مضى ذكرهم في قوله: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك"، ثم استثنى القليل، فرفع الذي ذكرنا، إذ كان الفعل منفياً عنه.
وهي في مصاحف أهل الشام:ما فعلوه إلا قليلاً منهم. وإذا قرىء كذلك، فلا مرزئة على قارئه قي إعرابه، لأنه المعروف في كلام العرب، إذ كان الفعل مشغولاً بما فيه كناية من قد جرى ذكره، ثم استثني منهم القليل.
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: ولو أن هؤلاء المنافقين الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك، وهم يتحاكمون إلى الطاغوت، ويصدون عنك صدوداً،"فعلوا ما يوعظون به"، يعني: ما يذكرون به من طاعة الله والانتهاء إلى أمره، "لكان خيراً لهم"، في عاجل دنياهم، وآجل معادهم، "وأشد تثبيتا"، وأثبتا لهم في أمورهم، وأقوم لهم عليها. وذلك أن المنافق يعمل على شك، فعمله يذهب باطلاً، وعناؤه يضمحل فيصير هباءً وهو بشكه يعمل على وناء وضعف. ولو عمل على بصيرة، لاكتسب بعمله أجراً، ولكان له عند الله ذخراً، وكان على عمله الذي يعمل أقوى، ولنفسه أشد تثبيتاً، لإيمانه بوعد الله على طاعته، وعمله الذي يعمله. ولذلك قال من قال: معنى قوله: "وأشد تثبيتا"، تصديقاً، كما:
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا"، قال: تصديقاً.
لأنه إذا كان مصدقاً، كان لنفسه أشد تثبيتاً، ولعزمه فيه أشد تصحيحاً. وهو نظير قوله جل ثناؤه: "ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم" [البقرة: 265].
وقد أتينا على بيان ذلك في موضعه، بما فيه كفاية-عن.إعادته.
سبب نزولها ما روي أن ثابت بن قيس بن شماس تفاخر هو ويهودي فقال اليهودي : والله لقد كتب عليها أن نقتل أنفسنا فقتلنا، وبلغت القتلى سبعين ألفاً، فقال ثابت: والله لو كتب علينا أن اقتلوا أنفسكم لفعلنا. وقال إسحاق السبيعي:
لما نزلت "ولو أنا كتبنا عليهم " الآية قال رجل: لو أمرنا لفعلنا والحمد الله الذي عافانا فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" إن من أمتي رجالاً الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي" قال ابن وهب قال مالك: القائل ذلك هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهكذا ذكر مكي أنه أبو بكر وذكر النقاش أنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذكر عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: لو كتب علينا ذلك لبدأت بنفسي وأهل بيت وذكر أبو الليث السمرقندي:
أن القائل منهم عمار بن ياسر وابن مسعود وثابت بن قيس، قالوا: لو أن الله أمرنا أن نقتل أنفسنا أو نخرج من ديارنا لفعلنا "فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الإيمان أثبت في قلوب الرجال من الجبال الرواسي " ولو حرف يدل على امتناع الشيء لامتناع غيره فأخبر الله سبحانه أنه لم يكتب ذلك علينا رفقاً بنا لئلا تظهر معصيتنا فكم من أمر قصرنا عنه مع خفته فكيف بهذا الأمر مع ثقله! لكن أما والله لقد ترك المهاجرون مساكنهم خاوية وخرجوا يطلبون بها عيشة راضية " ما فعلوه" أي القتل والخروج " إلا قليل منهم " قليل بدل من الواو، والتقدير ما فعله أحد إلا قليل. وأهل الكوفة يقولون: هو على التكرير ما فعلوه ما فعله إلا قليل منهم وقرأ عبد الله بن عامر وعيسى بن عمر إلا قليلاً على الاستثناء وكذلك هو في مصاحف أهل الشام الباقون بالرفع والرفع أجود عند جميع النحويين وقيل: انتصب على إضمار فعل تقديره إلا أن يكون قليلاً منهم وإنما صار الرفع أجود لأن اللفظ أولى من المعنى، وهو أيضاً يشتمل على المعنى وكان من القليل أبو بكر وعمر وثابت بن قيس كما ذكرنا، وزاد الحسن ومقاتل عماراً وابن مسعود وقد ذكرناهما " ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم " أي في الدنيا والآخرة " وأشد تثبيتا" أي على الحق.
يخبر تعالى عن أكثر الناس أنهم لو أمروا بما هم مرتكبونه من المناهي لما فعلوه, لأن طباعهم الرديئة مجبولة على مخالفة الأمر, وهذا من علمه تبارك وتعالى بما لم يكن أو كان, فكيف كان يكون, ولهذا قال تعالى: "ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم" الاية, قال ابن جرير: حدثني المثنى, حدثني إسحاق, حدثنا أبو زهير عن إسماعيل, عن أبي إسحاق السبيعي, قال: لما نزلت "ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم" الاية, قال رجل: لو أمرنا لفعلنا, والحمد لله الذي عافانا, فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: "إن من أمتي لرجالاً الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي", ورواه ابن أبي حاتم: حدثنا جعفر بن منير, حدثنا روح, حدثنا هشام عن الحسن بإسناده عن الأعمش, قال: لما نزلت "ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم" الاية, قال أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: لو فعل ربنا لفعلنا, فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: "للإيمان أثبت في قلوب أهله من الجبال الرواسي". وقال السدي: افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من اليهود, فقال اليهودي: والله لقد كتب الله علينا القتل فقتلنا أنفسنا, فقال ثابت: والله لو كتب علينا "أن اقتلوا أنفسكم" لفعلنا، فأنزل الله هذه الاية. ورواه ابن أبي حاتم حدثنا أبي, حدثنا محمود بن غيلان, حدثنا بشر بن السري, حدثنا مصعب بن ثابت عن عمه عامر بن عبد الله بن الزبير قال: لما نزلت "ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو نزلت لكان ابن أم عبد منهم" وحدثنا أبي, حدثنا أبو اليمان, حدثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو, عن شريح بن عبيد, قال: لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية "ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم" الاية, أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه بيده إلى عبد الله بن رواحة, فقال: "لو أن الله كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل" يعني ابن رواحة, ولهذا قال تعالى: "ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به" أي ولو أنهم فعلوا ما يؤمرون به وتركوا ما ينهون عنه "لكان خيراً لهم" أي من مخالفة الأمر وارتكاب النهي "وأشد تثبيتاً", قال السدي: أي وأشد تصديقاً " وإذا لآتيناهم من لدنا " أي من عندنا "أجراً عظيماً" يعني الجنة "ولهديناهم صراطاً مستقيماً" أي في الدنيا والاخرة, ثم قال تعالى: "ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً". أي من عمل بما أمره الله به وترك ما نهاه الله عنه ورسوله فإن الله عز وجل يسكنه دار كرامته ويجعله مرافقاً للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة وهم الصديقون, ثم الشهداء والصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم ثم أثنى عليهم تعالى فقال: "وحسن أولئك رفيقاً" وقال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله بن حوشب, حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه, عن عروة, عن عائشة, قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والاخرة" وكان في شكواه التي قبض فيها أخذته بحة شديدة فسمعته يقول: "مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين" فعلمت أنه خير, وكذا رواه مسلم من حديث شعبة عن سعد بن إبراهيم به. وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الاخر "اللهم الرفيق الأعلى" ثلاثاً ثم قضى, عليه أفضل الصلاة والتسليم.
(ذكر سبب نزول هذه الاية الكريمة)
قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد, حدثنا يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة, عن سعيد بن جبير, قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محزون, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا فلان ما لي أراك محزوناً ؟" فقال: يا نبي الله شيء فكرت فيه, فقال: ما هو ؟ قال: نحن نغدو عليك ونروح ننظر إلى وجهك ونجالسك وغداً ترفع مع النبيين فلا نصل إليك, فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً, فأتاه جبريل بهذه الاية "ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين" الاية, فبعث النبي صلى الله عليه وسلم فبشره. وقد روي هذا الأثر مرسلاً عن مسروق, وعن عكرمة, وعامر الشعبي وقتادة, وعن الربيع بن أنس وهو من أحسنها سنداً, قال ابن جرير: حدثنا المثنى, حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع قوله: "ومن يطع الله والرسول" الاية, وقال: إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: قد علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم له فضل على من آمن به في درجات الجنة ممن اتبعه وصدقه, وكيف لهم إذا اجتمعوا في الجنة أن يرى بعضهم بعضاً. فأنزل الله في ذلك, يعني هذه الاية, فقال: يعني رسول الله "إن الأعلين ينحدرون إلى من هو أسفل منهم, فيجتمعون في رياض فيذكرون ما أنعم الله عليهم ويثنون عليه, وينزل لهم أهل الدرجات فيسعون عليهم بما يشتهون وما يدعون به, فهم في روضة يحبرون ويتنعمون فيه", وقد روي مرفوعاً من وجه آخر, فقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن مسلم, حدثنا إسماعيل بن أحمد بن أسيد, حدثنا عبد الله بن عمران, حدثنا فضيل بن عياض عن منصور, عن إبراهيم, عن الأسود, عن عائشة, قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, إنك لأحب إلي من نفسي, وأحب إلي من أهلي, وأحب إلي من ولدي, وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك, وإذا ذكرت موتي وموتك, عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين, وإن دخلت الجنة خشيت أن لا أراك, فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت عليه "ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً". وهكذا رواه الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتابه في صفة الجنة من طريق الطبراني عن أحمد بن عمرو بن مسلم الخلال, عن عبد الله بن عمران العابدي به, ثم قال: لا أرى بإسناده بأساً, والله أعلم. وقال ابن مردويه أيضاً: حدثنا سليمان بن أحمد, حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي, حدثنا أبو بكر بن ثابت ابن عباس المصري, حدثنا خالد بن عبد الله عن عطاء بن السائب, عن عامر الشعبي, عن ابن عباس: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لأحبك حتى إني لأذكرك في المنزل فيشق ذلك علي, وأحب أن أكون معك في الدرجة, فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً, فأنزل الله عز وجل هذه الاية. وقد رواه ابن جرير عن ابن حميد عن جرير عن عطاء, عن الشعبي مرسلاً, وثبت في صحيح مسلم من حديث هقل بن زياد عن الأوزاعي, عن يحيى بن أبي كثير, عن أبي سلمة بن عبد الرحمن, عن ربيعة بن كعب الأسلمي أنه قال: كنت أبيت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته, فقال لي "سل", فقلت: يا رسول الله أسألك مرافقتك في الجنة, فقال: "أو غير ذلك ؟" قلت: هو ذاك. قال: "فأعني على نفسك بكثرة السجود" .
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق, أخبرنا ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر, عن عيسى بن طلحة, عن عمرو بن مرة الجهني, قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, شهدت أن لا إله إلا الله, وأنك رسول الله, وصليت الخمس, وأديت زكاة مالي. وصمت شهر رمضان, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات على ذلك كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة وهكذا ـ ونصب أصبعيه ـ ما لم يعق والديه" تفرد به أحمد. قال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا أبو سعيد مولى أبي هاشم, حدثنا ابن لهيعة عن زبان بن فائد, عن سهل بن معاذ بن أنس, عن أبيه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ ألف آية في سبيل الله كتب يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء الصالحين, وحسن أولئك رفيقاً إن شاء الله" وروى الترمذي من طريق سفيان الثوري, عن أبي حمزة, عن الحسن البصري, عن أبي سعيد, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء" ثم قال: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه, وأبو حمزة اسمه عبد الله بن جابر شيخ بصري, وأعظم من هذا كله بشارة ما ثبت في الصحيح والمسانيد وغيرهما من طرق متواترة عن جماعة من الصحابة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم, فقال: "المرء مع من أحب", قال أنس: فما فرح المسلمون فرحهم بهذا الحديث. وفي رواية عن أنس أنه قال: إني لأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأحب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما, وأرجو أن الله يبعثني معهم وإن لم أعمل كعملهم, قال الإمام مالك بن أنس, عن صفوان بن سليم, عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم, كما تراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق المشرق أوالمغرب, لتفاضل ما بينهم" قالوا: يا رسول الله, تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم, قال "بلى, والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين", أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك واللفظ لمسلم, ورواه الإمام أحمد, حدثنا فزارة, أخبرني فليح عن هلال يعني ابن علي, عن عطاء, عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون ـ أو ترون ـ الكوكب الدري الغابر في الأفق الطالع في تفاضل الدرجات". قالوا: يا رسول الله أولئك النبيون ؟ قال: "بلى, والذي نفسي بيده, رجال آمنوا با لله وصدقوا المرسلين" قال الحافظ الضياء المقدسي: هذا الحديث على شرط البخاري, والله أعلم.
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير: حدثنا علي بن عبد العزيز, حدثنا محمد بن عمار الموصلي, حدثنا عفيف بن سالم عن أيوب, عن عتبة, عن عطاء عن ابن عمر, قال: أتى رجل من الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سل واستفهم" فقال: يا رسول الله فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة, ثم قال: أفرأيت إن آمنت بما آمنت به وعملت بما عملت به, إني لكائن معك في الجنة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم, والذي نفسي بيده, إنه ليضيء بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال: لا إله إلا الله, كان له بها عهد عند الله, ومن قال: سبحان الله وبحمده, كتب له بها مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة" فقال رجل: كيف نهلك بعد هذا يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضع على جبل لأثقله فتقوم النعمة من نعم الله, فتكاد أن تستنفد ذلك كله إلا أن يتغمده الله برحمته" ونزلت هذه الايات " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا " إلى قوله " وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا " فقال الحبشي: وإن عيني لتريان ما ترى عيناك في الجنة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم" فاستبكى حتى فاضت نفسه, قال ابن عمر: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدليه في حفرته بيديه, فيه غرابة ونكارة وسنده ضعيف, ولهذا قال تعالى: "ذلك الفضل من الله" أي من عند الله برحمته وهو الذي أهلهم لذلك لا بأعمالهم "وكفى بالله عليماً" أي هو عليم بمن يستحق الهداية والتوفيق.
66- "لو" حرف امتناع، وأن مصدرية، أو تفسيرية، لأن "كتبنا" في معنى أمرنا. والمعنى: أن الله سبحانه لو كتب القتل والخروج من الديار على هؤلاء الموجودين من اليهود ما فعله إلا القليل منهم، أو لو كتب ذلك على المسلمين ما فعله إلا القليل منهم، والضمير في قوله "فعلوه" راجع إلى المكتوب الذي دل عليه كتبنا، أو إلى القتل والخروج المدلول عليهما بالفعلين، وتوحيد الضمير في مثل هذا قد قدمنا وجهه. قوله "إلا قليل" قرأه الجمهور بالرفع على البدل. وقرأ عبد الله بن عامر وعيسى بن عمر "إلا قليلاً" بالنصب على الاستثناء، وكذا هو في مصاحف أهل الشام، والرفع أجود عند النحاة. قوله "ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به" من اتباع الشرع والانقياد لرسول الله صلى الله عليه وسلم "لكان" ذلك "خيراً لهم" في الدنيا والآخرة، "وأشد تثبيتاً" لأقدامهم على الحق فلا يضطربون في أمر دينهم.
66-قوله تعالى :" ولو أنا كتبنا " أي :فرضنا و أوجبنا ، " عليهم أن اقتلوا أنفسكم " ، كما أمرنا بني إسرائيل " أو اخرجوا من دياركم " ، كما أمرنا بني إسرائيل بالخروج من مصر ،"ما فعلوه" ، معناه : أنا ما كتبنا عليهم إلا طاعة الرسول و الرضى بحكمه ، ولو كتبنا عليهم القتل و الخروج عن الدور ما كان يفعله ، "إلا قليل منهم" ، نزلت في ثابت بن قيس وهو من القليل الذي استثنى الله ، قال الحسنومقاتل لما نزلت هذه الآيه قال عمر وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم القليل ، والله لو أمرنا لفعلنا و الحمد لله الذي عافانا ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال :" إن من أمتي لرجالاً الإيمان في قلوبهم أثبت من الجبال الرواسي " .
قرأ ابن عامر وأهل الشام " إلا قليلاً " بالنصب على الاستثناء ، وكذلك هو في مصحف أهل الشام ، وقيل : فيه إضمار ، تقديره : إلا أن يكون قليلاً منهم ، وقرأ الآخرون قليل بالرفع على الضمير الفاعل في قوله " فعلوه " تقديره : إلا نفر قليل فعلوه ، " ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به" ، من طاعة الرسول و الرضى بحكمه ، "لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً" ، تحقيقاً وتصديقاً لإيمانهم .

66"ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم" تعرضوا بها للقتل في الجهاد، أو اقتلوها كما قتل بنو إسرائيل وأن مصدرية أو مفسرة لأن كتبنا في معنى أمرنا. "أو اخرجوا من دياركم" خروجهم حين استتيبوا من عبادة العجل، وقرأ أبو عمرو و يعقوب أن اقتلوا بكسر النون على أصل التحريك، أو اخرجوا بضم الواو للاتباع والتشبيه بواو الجمع في نحو قوله تعالى: "ولا تنسوا الفضل" وقرأ حمزة و عاصم بكسرهما على الأصل والباقون بضمهما إجراء لهما مجرى الهمزة المتصلة بالفعل. "ما فعلوه إلا قليل منهم" إلا أناس قليل وهم المخلصون. لما بين إيمانهم لا يتم إلا بأن يسلموا حق التسليم، نبه على قصور أكثرهم ووهن إسلامهم، والضمير للمكتوب ودل عليه كتبنا، أو لأحد مصدري الفعلين -وقرأ ابن عامر بالنصب على الاستثناء أو على إلا فعلاً قليلاً. "ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به" من مطاوعة الرسول صلى الله عليه وسلم مطاوعته طوعاً ورغبة. "لكان خيراً لهم" في عاجلهم وآجلهم. "وأشد تثبيتاً" في دينهم لأنه أشد لتحصيل العلم ونفي الشك أو تثبيتاً لثواب أعمالهم ونصبه على التمييز. والآية أيضاً مما نزلت في شأن المنافق اليهودي. وقيل إنها والتي قبلها نزلتا في حاطب بن أبي بلتعة خاصم زبيراً في شراج من الجرة كانا يسقيان بها النخل، فقال عليه الصلاة والسلام: " اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك ، فقال حاطب : لأن كان ابن عمتك . فقال عليه الصلاة والسلام : اسق يا زبير ثم احبس الماء إلى الجدر واستوف حقك، ثم أرسله إلى جارك ".
66. And if We had decreed for them : Lay down your lives or go forth from your dwellings, but few of them would have done it; though if they did what they are exhorted to do it would be better for them, and more strengthening;
66 - If we had ordered them to sacrifice their lives or to leave their homes, very few of them would have done it: but if they had done what they were (actually) told, it would have been best for them, and would have gone farthest to strengthen their (faith)