[النساء : 60] أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا
ونزل لما اختصم يهودي ومنافق فدعا المنافق إلى كعب بن الأشرف ليحكم بينهما ودعا اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتياه فقضى لليهودي فلم يرض المنافق ، وأتيا عمر فذكر اليهودي ذلك فقال للمنافق أكذلك قال نعم فقتله (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت) الكثير الطغيان وهو كعب بن الأشرف (وقد أمروا أن يكفروا به) ولا يوالوه (ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا) عن الحق
قوله تعالى ألم تر إلى الذين يزعمون أخرج ابن أبي حاتم والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال كان ابو بزره الأسلمي كاهنا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه فتنافر إليه ناس من المسلمين فأنزل الله ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا إلى قوله إلا إحسانا وتوفيقا
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة أو سعيد عن ابن عباس قال كان الجلاس بن الصامت ومعتب بن قشير ورافع بن زيد وبشر يدعون الإسلام فدعاهم رجال من قومهم من المسلمين في خصومة كانت بينهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعوهم إلى الكهان حكام الجاهلية فأنزل الله فيهم ألم تر إلى الذين يزعمون الآية
أخرج ابن جرير عن الشعبي قال كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة فقال اليهودي أحاكمك إلى أهل دينك أو قال النبي لأنه قد علم أنه لا يأخذ الرشوة في الحكم فاختلفا واتفقا على أن يأتيا كاهنا في جهينة فنزلت
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: "ألم تر"، يا محمد، بقلبك، فتعلم، إلى الذين يزعمون أنهم صدقوا بما أنزل إليك من الكتاب، وإلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل من قبلك من الكتب، يريدون أن يتحاكموا في خصومتهم إلى الطاغوت، يعني إلى من يعظمونه، ويصدرون عن قوله، ويرضون بحكمه من دون حكم الله، "وقد أمروا أن يكفروا به"، يقول: وقد أمرهم الله أن يكذبوا بما جاءهم به الطاغوت الذي يتحاكمون إليه، فتركوا أمر الله واتبعوا أمر الشيطان، "ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا"، يعني: أن الشيطان يريد أن يصد هؤلاء المتحاكمين إلى الطاغوت عن سبيل الحق والهدى، فيضلهم عنها ضلالاً بعيداً، يعني: فيجور بهم عنها جوراً شديداً. وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في رجل من المنافقين دعا رجلاً من اليهود في خصومة كانت بينهما إلى بعض الكهان، ليحكم بينهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن عامر في هذه الآية: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت"، قال: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة، فكان المنافق يدعو إلى اليهود، لأنه يعلم أنهم يقبلون الرشوة، وكان اليهودي يدعو إلى المسلمين، لأنه يعلم أنهم لا يقبلون الرشوة. فاصطلحا أن يتحاكما إلى كاهن من جهينة، فأنزل الله فيه هذه الآية: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك"، حتى بلغ "ويسلموا تسليما".
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن عامر في هذه الآية: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك"، فذكر نحوه، وزاد فيه: فأنزل الله: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك"، يعني المنافقين، "وما أنزل من قبلك"، يعني اليهود، "يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت"، يقول: إلى الكاهن، "وقد أمروا أن يكفروا به"، أمر هذا في كتابه، وأمر هذا في كتابه، أن يكفر بالكاهن.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبي قال: كانت بين رجل ممن يزعم أنه مسلم ، وبين رجل من اليهود، خصومة، فقال اليهودي: أحاكمك إلى أهل دينك-أو قال: إلى النبي- لأنه قد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأخذ الرشوة في الحكم، فاختلفا، فاتفقا على أن يأتيا كاهناً في جهينة، قال: فنزلت: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك"، يعني: الذي من الأنصار، "وما أنزل من قبلك"، يعني: اليهودي، "يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت"، إلى الكاهن، "وقد أمروا أن يكفروا به"، يعني أمر هذا في كتابه، وأمر هذا في كتابه. وتلا: "ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيدا"، وقرأ: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم" إلى "ويسلموا تسليما".
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه قال: زعم حضرمي أن رجلاً من اليهود كان قد أسلم، فكانت بينه وبين رجل من اليهود مدارأة في حق، فقال اليهودي له: انطلق إلى نبي الله. فعرف أنه سيقضي عليه. قال: فأبى، فانطلقا إلى رجل من الكهان فتحاكما إليه. قال الله: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت".
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك"، الآية، حتى بلغ "ضلالا بعيدا"، ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في رجلين: رجل من الأنصار يقال له بشر، وفي رجل من اليهود، في مدارأة كانت بينهما في حق، فتدارءا بينهما، فتنافرا إلى كاهن بالمدينة يحكم بينهما، وتركا نبي الله صلى الله عليه وسلم. فعاب الله عز وجل ذلك. وذكر لنا أن اليهودي كان يدعوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهما، وقد علم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لن يجور عليه. فجعل الأنصاري يأبى عليه وهو يزعم أنه مسلم، ويدعوه إلى الكاهن، فأنزل الله تبارك وتعالى ما تسمعون، فعاب ذلك على الذي يزعم أنه مسلم، وعلى اليهودي الذي هو من أهل الكتاب، فقال: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك"، إلى قوله: "صدودا".
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت"، قال: كان ناس من اليهود قد أسلموا ونافق بعضهم. وكانت قريظة والنضير في الجاهلية، إذا قتل الرجل من بني النضير قتلته بنو قريظة، قتلوا به منهم. فإذا قتل الرجل من بني قريظة قتلته النضير، أعطوا ديته ستين وسقاً من تمر. فلما أسلم ناس من بني قريظة والنضير، قتل رجل من بني النضير رجلاً من بني قريظة، فتحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النضيري: يا رسول الله، إنا كنا نعطيهم في الجاهلية الدية، فنحن نعطيهم اليوم ذلك. فقالت قريظة: لا، ولكنا إخوانكم في النسب والدين، ودماؤنا مثل دمائكم، ولكنكم كنتم تغلبوننا في الجاهلية، فقد جاء الله بالإسلام فأنزل الله يعيرهم بما فعلوا فقال: "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس" [المائدة:45]، فعيرهم، ثم ذكر قول النضيري: كنا نعطيهم في الجاهلية ستين وسقاً، ونقتل منهم ولا يقتلونا، فقال: "أفحكم الجاهلية يبغون" [المائدة:50]. وأخذ النضيري فقتله بصاحبه، فتفاخرت النضير وقريظة، فقالت النضير: نحن أكرم منكم وقالت قريظة: نحن أكرم منكم! ودخلوا المدينة إلى أبي بردة، الكاهن الأسلمي، فقال المنافق من قريظة والنضير: انطلقوا إلى أبي بردة ينفر بيننا! وقال المسلمون من قريظة والنضير: لا، بل النبي صلى الله عليه وسلم ينفر بيننا، فتعالوا إليه! فأبى المنافقون، وانطلقوا إلى أبي بردة فسألوه، فقال: أعظموا اللقمة، يقول: أعظموا الخطر، فقالوا: لك عشرة أوساق.
قال: لا، بل مائة وسق، ديتي، فإني أخاف أن أنفر النضير فتقتلني قريظة، أو أنفر قريظة فتقتلني النضير! فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أوساق، وأبى أن يحكم بينهم، فأنزل الله عز وجل: "يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت"- وهو أبو بردة- "وقد أمروا أن يكفروا به" إلى قوله: "ويسلموا تسليما".
وقال آخرون: "الطاغوت"، في هذا الموضع ، هو كعب بن الأشرف.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به"، و "الطاغوت" رجل من اليهود كان يقال له: كعب بن الأشرف، وكانوا إذا ما دعوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ليحكم بينهم قالوا، بل نحاكمكم إلى كعب! فذلك قوله: "يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت"، الآية.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك"، قال: تنازع رجل من المنافقين ورجل من اليهود، فقال المنافق: اذهب بنا إلى كعب بن الأشرف. وقال اليهودي: اذهب بنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال الله تبارك وتعالى:"ألم تر إلى الذين يزعمون" الآية، والتي تليها فيهم أيضا.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبوحذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك"، فذكر مثله، إلا أنه قال: وقال اليهودي: اذهب بنا إلى محمد.
حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس في قوله: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك" إلى قوله: "ضلالاً بعيدا"، قال: كان رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بينهما خصومة، أحدهما مؤمن والآخر منافق، فدعاه المؤمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف، فأنزل الله: "وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا".
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله:"ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت"، قال: تنازع رجل من المؤمنين ورجل من اليهود، فقال اليهودي: اذهب بنا إلى كعب بن الأشرف. وقال المؤمن: اذهب بنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال الله: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك" إلى قوله: "صدودا". قال ابن جريج: "يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك"، قال. القرآن، "وما أنزل من قبلك"، قال: التوراة. قال: يكون بين المسلم والمنافق الحق، فيدعوه المسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحاكمه إليه، فيأبى المنافق ويدعوه إلى الطاغوت. قال ابن جريج: قال مجاهد: "الطاغوت"، كعب بن الأشرف.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت"، هو كعب بن الأشرف.
وقد بينا معنى: "الطاغوت" في غير هذا الموضع، فكرهنا إعادته.
روى يزيد بن زريع عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال: كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فدعا اليهودي المنافق إلى النبي صلى الله لعيه وسلم لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة. ودعا المنافق اليهودي إلى حكامهم، لأنه لم أ،نهم يأخذون الرشوة في أحكامهم، فلما اختلفوا اجمعا على أن يحكما كاهناً في جهينة فأنزل الله تعالى في ذلك " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك" يعني المنافق " وما أنزل من قبلك " يعين اليهود " يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت" إلى قوله "ويسلموا تسليما" وقال الضحاك دعا اليهودي المنافق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف وهو "الطاغوت " ورواه أبو صالح عنابن عباس قال:
كان بين رجل من المنافقين يقال له بشر-وبين يهودي خصومة فقال اليهودي: انطلق بنا إلى محمد وقال المنافق: بل إلى كعب بن الأشرف - وهو الذي سماه الله " الطاغوت " أي ذو الطغيان فأبى اليهودي أن يخاصمه إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى ذلك المنافق أتلى معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى لليهودي. فلما خرجا قال المنافق: لا يرضى انطلق بنا إلى أبي بكر، فحكم لليهودي فلم يرض- ذكر ه الزجاج وقال: انطلق بنا إلى عمر فأقبلا على عمر فقال اليهودي: إنا صرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إلى أبي بكر فلم يرض فقال عمر للمنافق : أكذاك هو ؟ قال: نعم قال: رويدكما حتى أخرج إليكما فدخل وأخذ السيف ثم ضرب المنافق حتى برد وقال : هكذا أقضي على من لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله وهرب اليهودي ونزلت الآية ، و"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت الفاروق" ونزل جبريل وقال: إن عمر فرق بين الحق والباطل، فسمي الفاروق وفي ذلك نزلت الآيات كلها إلى قوله : "ويسلموا تسليما" وانتصب " ضلالا" على المعنى أي فيضلون ضلالا ومثله قوله تعالى :" والله أنبتكم من الأرض نباتا" [نوح:17] وقد تقدم هذا المعنى المستوفى.و" صدودا" اسم للمصدر عند الخليل والمصدر الصد والكوفيون يقولون : هما مصدران .
هذا إنكار من الله عز وجل على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين, وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله, كما ذكر في سبب نزول هذه الاية أنها في رجل من الأنصار ورجل من اليهود تخصاما, فجعل اليهودي يقول: بيني وبينك محمد, وذاك يقول: بيني وبينك كعب بن الأشرف, وقيل: في جماعة من المنافقين ممن أظهروا الإسلام, أرادوا أن يتحاكموا إلى حكام الجاهلية, وقيل غير ذلك, والاية أعم من ذلك كله, فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة. وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل, وهو المراد بالطاغوت ههنا, ولهذا قال "يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت" إلى آخرها. وقوله " يصدون عنك صدودا " أي يعرضون عنك إعراضاً كالمستكبرين عن ذلك, كما قال تعالى عن المشركين: "وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا" وهؤلاء بخلاف المؤمنين الذين قال الله فيهم "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا" الاية.
ثم قال تعالى في ذم المنافقين: "فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم" أي فكيف بهم إذا ساقتهم المقادير إليك في مصائب تطرقهم بسبب ذنوبهم, واحتاجوا إليك في ذلك "ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً" أي يعتذرون إليك ويحلفون ما أردنا بذهابنا إلى غيرك, وتحاكمنا إلى أعدائك إلا الإحسان والتوفيق, أي المداراة والمصانعة لا اعتقاداً منا صحة تلك الحكومة, كما أخبرنا تعالى عنهم في قوله " فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ". وقد قال الطبراني: حدثنا أبو زيد أحمد بن يزيد الحوطي, حدثنا أبو اليمان, حدثنا صفوان بن عمر عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: كان أبو برزة الأسلمي كاهناً يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه, فتنافر إليه ناس من المسلمين, فأنزل الله عز وجل " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا * وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا * فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ".
ثم قال تعالى: "أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم" هذا الضرب من الناس هم المنافقون, والله يعلم ما في قلوبهم وسيجزيهم على ذلك, فإنه لا تخفى عليه خافية, فاكتف به يا محمد فيهم, فإنه عالم بظواهرهم وبواطنهم. ولهذا قال له "فأعرض عنهم" أي لا تعنفهم على ما في قلوبهم "وعظهم" أي وانههم عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر, "وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً" أي وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ رادع لهم.
قوله 60- "ألم تر إلى الذين يزعمون" فيه تعجيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم من حال هؤلاء الذين ادعوا لأنفسهم أنهم قد جمعوا بين الإيمان بما أنزل على رسول الله، وهو القرآن، وما أنزل على من قبله من الأنبياء، فجاؤوا بما بنقض عليهم هذه الدعوى ويبطلها من أصلها ويوضح انهم ليسوا على شيء من ذلك أصلاً، وهو إرادتهم التحاكم إلى الطاغوت وقد أمروا فيما أنزل على رسول الله وعلى من قبله أن يكفروا به، وسيأتي بيان سبب نزول الآية، وبه يتضح معناها. وقد تقدم تفسير الطاغوت والاختلاف في معناه. قوله "ويريد الشيطان" معطوف على قوله "يريدون" والجملتان مسوقتان لبيان محل التعجب، كأنه قيل: ماذا يفعلون؟ فقيل: يريدون كذا، ويريد الشيطان كذا. وقوله "ضلالاً" مصدر للفعل المذكور بحذف الزوائد كقوله "والله أنبتكم من الأرض نباتاً" أو مصدر لفعل محذوف دل عليه الفعل المذكور، والتقدير: ويريد الشيطان أن يضلهم فيضلون ضلالاً.
60-قوله تعالى:" ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت" الآية قال الشعبي : كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة فقال اليهودي: نتحكام إلى محمد ، لأنه عرف أنه لا يأخذ الرشوة ولا يميل في الحكم ، وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود لعلمه انهم يأخذون الرشوة ويميلون في الحكم ، فاتفقا على أن يأتيا كاهناً في جهينة فيتحاكما إليه،/ فنزلت هذه الآية.
قال جابر: كانت الطواغيت التي يتحاكمون إليها واحد في جهينة وواحد في أسلم ، وفي كل حي كاهن.
وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: " نزلت في رجل المنافقين يقال له بشر ، كان بينه وبين يهودي خصومة فقال اليهودي: ننطلق إلى محمد وقال المنافق: بل إلى كعب بن الأشرف، وهو الذي سماه الله الطاغوت، فأبى اليهودي أن يخاصمه إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأى المنافق ذلك أتى معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهودي ، فلما خرجا من عنده لزمه المناقق، وقال: إنطلق بنا إلى عمر رضي الله عنه ، فأتيا عمر، فقال اليهودي:اختصمت أنا وهذا إلى محمد فقضى لي عليه فلم يرض بقضائه وزعم أنه يخاصم إليك ، فقال عمر رضي الله عنه للمنافق: أكذلك ؟ قال : نعم ، قال لهما رويدكما حتى أخرج إليكما فدخل عمر البيت وأخذ السيف واشتمل عليه ثم خرج فضرب به المنافق حتى برد، وقال: هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله ، فنزلت هذه الآية " . وقال جبريل: إن عمر رضي الله عنه فرق بين الحق والباطل ، فسمي الفاروق.
وقال السدي: كان ناس من اليهود أسلموا ونافق بعضهم وكانت قريظة والنضير في الجاهلية إذا قتل رجل من بني قريظة رجلاً من بني النضير قتل به أو أخذ ديته مائة وسق من تمر وإذا قتل رجل من بني النضير رجلاً من قريظة لم يقتل به وأعطى ديته ستين وسقاً ، وكانت النضير وهم حلفاء الأوس أشرف وأكثر من قريظة وهم حلفاء الخزرج ، فلما جاء الله بالإسلام وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة فاختصموا في ذلك، فقالت بنو النضير: كنا وأنتم قد اصطلحنا على أن نقتل منكم ولا تقتلون منا، وديتكم ستون وسقاً وديتنا مائة وسق، فنحن نعطيكم ذلك ، فقالت الخزرج: هذا شيء كنتم فعلتموه في الجاهلية لكثرتكم وقلتنا فقهرتمونا ، ونحن وانتم اليوم إخوة وديننا ودينكم واحد فلا فضل لكم علينا، فقال المنافقون منهم : انطلقوا إلى أبي بردة الكاهن الأسلمي ، وقال المسلمون من الفريقين : لا بل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأبى المنافقون وانطلقوا إلى أبي بردة ليحكم بينهم ، فقال: أعظموا اللقمة ، يعني الحظ: فقالوا: لك عشرة أوسق، قال: لا بل مائة وسق ديتي، فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أوسق وأبى أن يحكم بينهم ، فأنزل الله تعالى آية القصاص، وهذه الآية" ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت " يعني الكاهن أو كعب بن الأشرف،"وقد أمروا أن يكفروا به، ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً".
60"ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت" عن ابن عباس رضي الله عنهما. (أن منافقاً خاصم يهودياً فدعاه اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف ثم إنهما احتكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحكم لليهودي فلم يرض المنافق بقضائه وقال: نتحاكم إلى عمر فقال اليهودي لعمر: قضى لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرض بقضائه وخاصم إليك، فقال عمر رضي الله تعالى عنه للمنافق: أكذلك. فقال نعم. مكانكم حتى أخرج إليكم، فدخل فأخذ سيفه ثم خرج فضرب به عنق المنافق حتى برد وقال: هكذا أقضي لمن يرضى بقضاء الله ورسوله) فنزلت. وقال جبريل إن عمر قد فرق بين الحق والباطل فسمي الفاروق، والطاغوت على هذا كعب بن الأشرف وفي معناه من يحكم بالباطل ويؤثر لأجله، سمي بذلك لفرط طغيانه أو لتشبهه بالشيطان، أو لأن التحاكم إليه تحاكم إلى الشيطان من حيث إنه الحامل عليه كما قال: "وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً" وقرئ أن يكفروا بها على أن الطاغوت جمع لقوله تعالى "أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم".
60. Hast thou not seen those who pretend that they believe in that which is revealed unto thee and that which was revealed before thee, how they would go for judgment (in their disputes) to false deities when they have been ordered to abjure them? Satan would mislead them far astray.
60 - Fast thou not turned thy vision to those who declare that they believe in the revelations that have come to thee and to those before thee? their (real) wish is to resort together for judgment (in their disputes) to the evil one, though they were ordered to reject him but Satan's wish is to lead them astray far away (from the right).