[النساء : 57] وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً
(والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة) من الحيض وكل قذر (وندخلهم ظلاً ظليلاً) دائما لا تنسخه شمس وهو ظل الجنة
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "والذين آمنوا وعملوا الصالحات"، والذين آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وصدقوا بما أنزل الله على محمد مصدقاً لما معهم من يهود بني إسرائيل وسائر الأمم غيرهم، "وعملوا الصالحات"، يقول: وأدوا ما أمرهم الله به من فرائضه، واجتنبوا ما حرم الله عليهم من معاصيه، وذلك هو الصالح من أعمالهم، "سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار" يقول: سوف يدخلهم الله يوم القيامة، "جنات"، يعني: بساتي ، "تجري من تحتها الأنهار"، يقول: تجري من تحت تلك الجنات الأنهار، "خالدين فيها أبدا"، يقول: باقين فيها أبداً بغير نهاية ولا انقطاع، دائماً ذلك لهم فيها أبداً، "لهم فيها أزواج"، يقول: لهم في تلك الجنات التي وصف صفتها، "أزواج مطهرة"، يعني: بريئات من الأدناس والريب والحيض والغائط والبول والحبل والبصاق، وسائر ما يكون في نساء أهل الدنيا. وقد ذكرنا ما في ذلك من الآثار فيما مضى قبل، وأغنى ذلك عن إعادتها.
وأما قوله: "وندخلهم ظلا ظليلا"، فإنه يقول: وندخلهم ظلاً كنيناً، كما قال جل ثناؤه: "وظل ممدود" [الواقعة: 130]، وكما:
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن، وحدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر، قالا جميعاً، حدثنا شعبة قال، سمعت أبا الضحاك يحدث، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، شجرة الخلد.
وقوله في صفة أهل الجنة :" وندخلهم ظلا ظليلا" يعني كثيفاً لا شمس فيه الحسن : وصف بأنه ظليل لأنه لا يدخله ما يدخل ظل الدنيا من الحر والسموم ونحو ذلك . وقال الضحاك: يعنى ظلال الأشجار وظلال قصورها الكلبي: ظلا ظليلاً يعني دائماً.
يخبر تعالى عما يعاقب به في نار جهنم من كفر بآياته وصد عن رسله, فقال "إن الذين كفروا بآياتنا" الاية, أي ندخلهم ناراً دخولاً يحيط بجميع أجرامهم وأجزائهم, ثم أخبر عن دوام عقوبتهم ونكالهم, فقال "كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب" قال الأعمش عن ابن عمر: إذا احترقت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها بيضاء أمثال القراطيس, رواه ابن أبي حاتم, وقال يحيى بن يزيد الحضرمي أنه بلغه في الاية, قال: يجعل للكافر مائة جلد, بين كل جلدين لون من العذاب, ورواه ابن أبي حاتم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا علي بن محمد الطنافسي, حدثنا حسين الجعفي عن زائدة, عن هشام, عن الحسن قوله: "كلما نضجت جلودهم" الاية, قال: تنضجهم في اليوم سبعين ألف مرة. قال حسين: وزاد فيه فضيل عن هشام عن الحسن "كلما نضجت جلودهم" كلما أنضجتهم فأكلت لحومهم قيل لهم عودوا فعادوا. وقال أيضاً: ذكر عن هشام بن عمار, حدثنا سعيد بن يحيى ـ يعني سعدان ـ حدثنا نافع مولى يوسف السلمي البصري, عن نافع, عن ابن عمر, قال: قرأ رجل عند عمر هذه الاية "كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها" فقال عمر: أعدها علي, فأعادها, فقال معاذ بن جبل: عندي تفسيرها تبدل في ساعة مائة مرة. فقال عمر: هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد رواه ابن مردويه عن محمد بن أحمد بن إبراهيم, عن عبدان بن محمد المروزي, عن هشام بن عمار به. ورواه من وجه آخر بلفظ آخر, فقال: حدثنا محمد بن إسحاق عن عمران, حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث, حدثنا شيبان بن فروخ, حدثنا نافع أبو هرمز, حدثنا نافع عن ابن عمر, قال: تلا رجل عند عمر هذه الاية: "كلما نضجت جلودهم" الاية, قال: فقال عمر: أعدها علي, وثم كعب, فقال أنا عندي تفسير هذه الاية قرأتها قبل الإسلام قال: فقال هاتها يا كعب فإن جئت بها كما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقناك, وإلا لم ننظر إليها, فقال: إني قرأتها قبل الإسلام: كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها في الساعة الواحدة عشرين ومائة مرة. فقال عمر: هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الربيع بن أنس: مكتوب في الكتاب الأول: أن جلد أحدهم أربعون ذراعاً, وسنه تسعون ذراعاً, وبطنه لو وضع فيه جبل لوسعه, فإذا أكلت النار جلودهم بدلوا جلوداً غيرها. وقد ورد في الحديث ما هو أبلغ من هذا, قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا أبو يحيى الطويل عن أبي يحيى القتات, عن مجاهد, عن ابن عمر, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يعظم أهل النار في النار حتى إن بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام, وإن غلظ جلده سبعون ذرعاً, وإن ضرسه مثل أحد" تفرد به أحمد من هذا الوجه وقيل المراد بقوله: "كلما نضجت جلودهم" أي سرابيلهم, حكاه ابن جرير, وهو ضعيف لأنه خلاف الظاهر. وقوله: "والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً" هذا إخبار عن مآل السعداء في جنات عدن التي تجري فيها الأنهار في جميع فجاجها, ومحالها وأرجائها حيث شاءوا وأين أرادوا وهم خالدون فيها أبداً لا يحولون ولا يزولون ولا يبغون عنها حولاً. وقوله: "لهم فيها أزواج مطهرة" أي من الحيض والنفاس والأذى والأخلاق الرذيلة, والصفات الناقصة, كما قال ابن عباس: مطهرة من الأقذار والأذى. وكذا قال عطاء والحسن والضحاك والنخعي وأبو صالح وعطية والسدي. وقال مجاهد: مطهرة من البول والحيض والنخام والبزاق والمني والولد. وقال قتادة: مطهرة من الأذى والمآثم, ولا حيض ولا كلف. وقوله "وندخلهم ظلاً ظليلاً" أي ظلاً عميقاً كثيراً غزيراً طيباً أنيقاً. قال ابن جرير: حدثنا ابن بشار, حدثنا عبد الرحمن, وحدثنا ابن المثنى, حدثنا ابن جعفر, قالا: حدثنا شعبة, قال: سمعت أبا الضحاك يحدث عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال "إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها: شجرة الخلد".
وقد تقدم تفسير الجنات التي تجري من تحتها الأنهار. قوله 57- "لهم فيها أزواج مطهرة" أي: من الأدناس التي تكون في نساء الدنيا. والظل الظليل الكثيف الذي لا يدخله ما يدخل ظل الدنيا من الحر والسموم ونحو ذلك، وقيل: هو مجموع ظل الأشجار والقصور، وقيل: الظل الظليل: هو الدائم الذي لا يزول، واشتقاق الصفة من لفظ الموصوف للمبالغة كما يقال: ليل أليل.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله " كلما نضجت جلودهم " قال: إذا احترقت جلودهم بدلناهم جلوداً بيضاء أمثال القراطيس. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عنه بسند ضعيف قال: قرئ عند عمر "كلما نضجت جلودهم" الآية، فقال معاذ: عندي تفسيرها تبدل في ساعة مائة مرة، فقال عمر: هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرجه أبو نعيم في الحلية وابن مردويه أن القائل كعب وأنه قال: تبدل في الساعة الواحدة عشرين ومائة مرة. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله "ظلاً ظليلاً" قال: هو ظل العرش الذي لا يزول.
57-"والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلاً ظليلاً" كنيناً لا تنسخه الشمس ولا يؤذيهم حر ولا برد.
57"والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً" قدم ذكر الكفار ووعيدهم على ذكر المؤمنين ووعدهم لأن الكلام فيهم، وذكر المؤمنين بالعرض. "لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلاً ظليلاً" فينانا لا وجوب فيه ودائماً لا تنسخه الشمس، وهو إشارة إلى النعمة التامة الدائمة. والظليل صفة مشتقة من الظل لتأكيده كقولهم: شمس شامس وليل أليل ويوم أيوم.
57. And as for those who believe and do good works, We shall make them enter Gardens underneath which rivers flow to dwell therein for ever; there for them are pure companions and We shall make them enter plenteous shade.
57 - But those who believe and do deeds of righteousness, we shall soon admit to gardens, with rivers flowing beneath, their eternal home: therein shall they have companions pure and holy: we shall admit them to shades, cool and ever deepening.