[النساء : 48] إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا
(إن الله لا يغفر أن يشرك) أي الإشراك (به ويغفر ما دون) سوى (ذلك) من الذنوب (لمن يشاء) المغفرة له بأن يدخله الجنة بلا عذاب ومن شاء عذبه من المؤمنين بذنوبه ثم يدخله الجنة (ومن يشرك بالله فقد افترى إثما) ذنبا (عظيما) كبيرا
قوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به أخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن أبي أيوب الأنصاري قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن لي ابن أخ لا ينتهي عن الحرام قال وما دينه قال يصلي ويوحد الله قال استوهب منه دينه فإن أبى فاتبعه منه فطلب الرجل ذلك منه فأبى عليه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال وجدته شحيحا على دينه فنزلت إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : "يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم"، وإن الله لا يغفر أن يشرك به ، فإن الله لا يغفر الشرك به والكفر، ويغفر ما دون ذلك الشرك لمن يشاء من أهل الذنوب والآثام .
وإذ كان ذلك معنى الكلام ، فإنه قوله : "أن يشرك به"، في موضع نصب بوقوع يغفر عليها، وإن شئت بفقد الخافض الذي كان يخفضها لو كان ظاهراً . وذلك أن يوجه معناه إلى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ، على تأويل الجزاء، كأنه قيل : إن الله لا يغفر ذنبا مع شرك ، أو عن شرك .
وعلى هذا التأويل يتوجه أن تكون "أن" مهر في موضع خفض في قول بعض أهل العربية.
وذكر أن هذه الآية نزلت في أقوام ارتابوا في أمر المشركين حين نزلت : "يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم" [الزمر: 153].
ذكر الخبر بذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبى جعفر، عن أبيه ، عن الربيع قال ، حدثني مجبر، عن عبدالله بن عمر، أنه قال : لما نزلت : "يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم" [الزمر: 53] الآية، قام رجل فقال : والشرك ، يا نبي الله ؟ فكره ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما".
حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء"، قال : أخبرني مجبر، عن عبدالله بن عمر أنه قال : لما نزلت هذه الآية : "يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم" [الزمر: 153] الآية، قام رجل فقال : والشرك يا نبي الله ؟ فكره ذلك النبي ، فقال : "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء".
حدثني محمد بن خلف العسقلاني قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا الهيثم بن جماز قال ، حدثنا بكر بن عبدالله المزني ، عن ابن عمر قال : كنا معشر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نشك في قاتل النفس ، وآكل مال اليتيم ، وشاهد الزور، وقاطع الرحم ، حتى نزلت هذه الآية : "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء"، فأمسكنا عن الشهادة .
وقد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة ففي مشيئة الله ، إن شاء عفا عنه ، وإن شاء عاقبه عليه ، ما لم تكن كبيرته شركاً بالله.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : "ومن يشرك بالله" في عبادته غيره من خلقه ، "فقد افترى إثما عظيما"، يقول : فقد اختلق إثماً عظيماً . وإنما جعله الله تعالى كره مفترياً، لأنه قال زوراً وإفكاً بجحوده وحدانية الله ، وإقراره بأن لله شريكاً من خلقه وصاحبة أو ولداً . فقائل ذلك مفتر. وكذلك كل كاذب ، فهو مفتر في كذبه مختلق له.
قوله تعالى :" إن الله لا يغفر أن يشرك به " روى أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا " إن الله يغفر الذنوب جميعا" [الزمر :53] فقال له رجل:
يا رسول الله والشرك ! فنزل:" إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " وهذا من المحكم المتفق عليه الذي لا اختلاف فيه بين الأمة ." ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " من المتشابه الذي قد تكلم العلماء فيه فقال محمد بن جرير الطبري: قد أبانت هذا الآية أن كل صاحب كبيرة ففي مشيئة الله تعالى إن شاء عفا عنه ذنبه، وإن شاء عاقبه عليه ما لم تكن كبيرته شركاً بالله تعالى وقال بعضهم قد بين الله تعال ذلك بقوله :" إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم " [النساء:31] فأعلم أنه يشاء أن يغفر الصغائر لمن أجتنب الكبائر ولا يغفرها لمن أتى الكبائر وذهب بعض أهل التأويل إلى أن هذه الآية ناسخة للتي في آخر الفرقان قال زيد بن ثابت: نزلت سورة النساء بعد الفرقان بسته أشهر الصحيح أن لا نسخ لأن النسخ في الأخبار يستحيل وسيأتي بيان الجمع بين الآي في هذه السورة وفي الفرقان إن شاء الله تعالى . وفي الترمذي عن علي بن أبي طالب قال: ما في القرآن آية أحب إلي من هذه الآية " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " قال هذا حديث حسن غريب.
يقول تعالى آمراً أهل الكتاب بالإيمان بما نزل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب العظيم الذي فيه تصديق الأخبار التي بأيديهم من البشارات, ومتهدداً لهم إن لم يفعلوا بقوله: "من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها" قال بعضهم: معناه من قبل أن نطمس وجوهاً, فطمسها هو ردها إلى الأدبار وجعل أبصارهم من ورائهم, ويحمتل أن يكون المراد: من قبل أن نطمس وجوهاً فلا نبقي لها سمعاً ولا بصراً ولا أثراً, ومع ذلك نردها إلى ناحية الأدبار. قال العوفي عن ابن عباس في الاية وهي "من قبل أن نطمس وجوهاً" وطمسها أن تعمى "فنردها على أدبارها" يقول: نجعل وجوههم من قبل أقفيتهم, فيمشون القهقرى, ونجعل لأحدهم عينين من قفاه, وكذا قال قتادة وعطية العوفي, وهذا أبلغ في العقوبة والنكال, وهو مثل ضربه الله لهم في صرفهم عن الحق وردهم إلى الباطل, ورجوعهم عن المحجة البيضاء إلى سبل الضلالة, يهرعون ويمشون القهقرى على أدبارهم, وهذا كما قال بعضهم في قوله " إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون * وجعلنا من بين أيديهم سدا " الاية: إن هذا مثل ضربه الله لهم في ضلالهم, ومنعهم عن الهدى. قال مجاهد: من قبل أن نطمس وجوهاً, يقول: عن صراط الحق فنردها على أدبارها, أي في الضلال. قال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن عباس والحسن نحو هذا. قال السدي: فنردها على أدبارها, فنمنعها عن الحق, قال: نرجعها كفاراً ونردهم قردة, وقال ابن زيد: نردهم إلى بلاد الشام من أرض الحجاز. وقد ذكر أن كعب الأحبار أسلم حين سمع هذه الاية. قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب حدثنا جابر بن نوح عن عيسى بن المغيرة, قال: تذاكرنا عند إبراهيم إسلام كعب, فقال: أسلم كعب زمان عمر, أقبل وهو يريد بيت المقدس, فمر على المدينة, فخرج إليه عمر فقال: يا كعب, أسلم. فقال: ألستم تقرأون في كتابكم " مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا " وأنا قد حملت التوراة, قال: فتركه عمر ثم خرج حتى انتهى إلى حمص, فسمع رجلاً من أهلها حزيناً وهو يقول: "يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها" الاية, قال كعب: يا رب أسلمت مخافة أن تصيبه هذه الاية, ثم رجع فأتى أهله في اليمن, ثم جاء بهم مسلمين. وقد رواه ابن أبي حاتم بلفظ آخر من وجه آخر فقال: حدثنا أبي , حدثنا ابن نفيل, حدثنا عمرو بن واقد عن يونس بن حلبس, عن أبي إدريس عائذ الله الخولاني, قال: كان أبو مسلم الجليلي معلم كعب, وكان يلومه في إبطائه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: فبعثه إليه لينظر أهو هو ؟ قال كعب: فركبت حتى أتيت المدينة, فإذا تال يقرأ القرآن يقول "يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها" فبادرت الماء فاغتسلت, وإني لأمس وجهي مخافة أن أطمس ثم أسلمت. وقوله "أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت" يعني الذين اعتدوا في سبتهم بالحيلة على الاصطياد وقد مسخوا قردة وخنازير, وسيأتي بسط قصتهم في سورة الأعراف. وقوله "وكان أمر الله مفعولاً" أي إذا أمر بأمر فإنه لا يخالف ولا يمانع. ثم أخبر تعالى أنه "لا يغفر أن يشرك به". أي لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك به, "ويغفر ما دون ذلك", أي من الذنوب "لمن يشاء", أي من عباده, وقد وردت أحاديث متعلقة بهذه الاية الكريمة فلنذكر منها ما تيسر:
(الحديث الأول) قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون, حدثنا صدقة بن موسى, حدثنا أبو عمران الجوني عن يزيد بن بابنوس عن عائشة, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الدواوين عند الله ثلاثة: ديوان لا يعبأ الله به شيئاً, وديوان لا يترك الله منه شيئاً, وديوان لا يغفره الله, فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك بالله, قال الله عز وجل: "إن الله لا يغفر أن يشرك به" الاية, وقال "إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة", وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئاً, فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم يوم تركه أو صلاة تركها, فإن الله يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء, وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئاً فظلم العباد بعضهم بعضاً, القصاص لا محالة" تفرد به أحمد.
(الحديث الثاني) قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا أحمد بن مالك, حدثنا زائدة بن أبي الرقاد, عن زياد النميري, عن أنس بن مالك, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ""الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفره الله, وظلم يغفره الله, وظلم لا يتركه الله, فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك, وقال "إن الشرك لظلم عظيم", وأما الظلم الذي يغفره الله فظلم العباد لأنفسهم فيما بينهم وبين ربهم, وأما الظلم الذي لا يتركه فظلم العباد بعضهم بعضاً حتى يدين لبعضهم من بعض" .
(الحديث الثالث) قال الإمام أحمد: حدثنا صفوان بن عيسى, حدثنا ثور بن يزيد عن أبي عون, عن أبي إدريس, قال: سمعت معاوية يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً, أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً" ورواه النسائي عن محمد بن مثنى عن صفوان بن عيسى به.
(الحديث الرابع) قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم, حدثنا عبد الحميد, حدثنا شهر, حدثنا ابن غنم أن أبا ذر حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ,قال "إن الله يقول: يا عبدي ما عبدتني ورجوتني, فإني غافر لك على ما كان منك, يا عبدي إنك إن لقيتني بقراب الأرض خطيئة ما لم تشرك بي, لقيتك بقرابها مغفرة" تفرد به أحمد من هذا الوجه.
(الحديث الخامس) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد, حدثنا أبي, حدثنا حسين عن ابن بريدة أن يحيى بن يعمر حدثه أن أبا الأسود الديلي حدثه أن أبا ذر حدثه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك, إلا دخل الجنة, قلت: وإن زنى وإن سرق ؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق ؟ قال وإن زنى وإن سرق ثلاثاً, ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر", قال: فخرج أبو ذر وهو يجر إزاره وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذر, وكان أبو ذر يحدث بهذا ويقول: وإن رغم أنف أبي ذر. أخرجاه من حديث حسين به.
(طريق أخرى) لحديث أبي ذر. قال أحمد: حدثنا أبو معاوية, حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب, عن أبي ذر, قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة المدينة عشاء, ونحن ننظر إلى أحد, فقال "يا أبا ذر" قلت: لبيك يا رسول الله. قال: "ما أحب أن لي أحداً ذاك عندي ذهباً أمسي ثالثة وعندي منه دينار إلا ديناراً أرصده يعني لدين, إلا أن أقول به في عباد الله هكذا", وحثا عن يمينه وبين يديه وعن يساره, قال: ثم مشينا, فقال "يا أبا ذر, إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة, إلا من قال هكذا وهكذا", فحثا عن يمينه ومن بين يديه وعن يساره, قال: ثم مشينا, فقال "يا أبا ذر كما أنت حتى آتيك" قال: فانطلق حتى توارى عني, قال: فسمعت لغطاً, فقلت: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض له, قال: فهممت أن أتبعه, ثم ذكرت قوله: لا تبرح حتى آتيك, فانتظرته حتى جاء, فذكرت له الذي سمعت, فقال "ذاك جبريل أتاني فقال: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة" قلت: وإن زنى وإن سرق ؟ قال: "وإن زنى وإن سرق", أخرجاه في الصحيحين من حديث الأعمش به, وقد رواه البخاري ومسلم أيضاً, كلاهما عن قتيبة, عن جرير بن عبد الحميد, عن عبد العزيز بن رفيع, عن زيد بن وهب, عن أبي ذر, قال: خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده ليس معه إنسان, قال: فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد, قال: فجعلت أمشي في ظل القمر, فالتفت فرآني, فقال "من هذا ؟" فقلت: أبو ذر, جعلني الله فداك. قال "يا أبا ذر تعال". قال: فمشيت معه ساعة, فقال "إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة, إلا من أعطاه الله خيراً فنفخ فيه عن يمينه وشماله وبين يديه ووراءه وعمل فيه خيرا" قال فمشيت معه ساعة, فقال لي "إجلس ههنا", فأجلسني في قاع حوله حجارة, فقال لي "إجلس ههنا حتى أرجع إليك". قال: فانطلق في الحرة حتى لا أراه, فلبث عني فأطال اللبث, ثم إني سمعته وهو مقبل وهو يقول "وإن زنى وإن سرق" قال: فلما جاء لم أصبر حتى قلت: يا نبي الله, جعلني الله فداك من تكلم في جانب الحرة, ما سمعت أحداً يرجع إليك شيئاً, قال "ذاك جبريل عرض لي من جانب الحرة, فقال: بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة: قلت: يا جبريل, وإن سرق وإن زنى, قال: نعم. قلت: وإن سرق وإن زنى, قال: نعم: قلت: وإن سرق وإن زنى ؟ قال: نعم, وإن شرب الخمر" .
(الحديث السادس) قال عبد بن حميد في مسنده: حدثنا عبيد الله بن موسى عن ابن أبي ليلى عن أبي الزبير, عن جابر, قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, ما الموجبتان, قال: "من مات لا يشرك بالله شيئاً وجبت له الجنة, ومن مات يشرك بالله شيئاً وجبت له النار", وذكر تمام الحديث تفرد به من هذا الوجه.
(طريق أخرى) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا الحسن بن عمرو بن خلاد الحراني, حدثنا منصور بن إسماعيل القرشي, حدثنا موسى بن عبيدة الربذي, أخبرني عبد الله بن عبيدة عن جابر بن عبد الله, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من نفس تموت لا تشرك بالله شيئاً إلا حلت لها المغفرة, إن شاء الله عذبها وإن شاء غفر لها "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء", ورواه الحافظ أبو يعلى في مسنده من حديث موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله بن عبيدة, عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا تزال المغفرة على العبد ما لم يقع الحجاب" قيل: يا نبي الله وما الحجاب ؟ قال "الإشراك بالله ـ قال ـ ما من نفس تلقى الله لا تشرك به شيئاً إلا حلت لها المغفرة من الله تعالى, إن يشاء أن يعذبها وإن يشاء أن يغفر لها" ثم قرأ نبي الله " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ".
(الحديث السابع) قال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم, حدثنا زكريا عن عطية, عن أبي سعيد الخدري, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة" تفرد به من هذا الوجه.
(الحديث الثامن) قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا أبو قبيل عن عبد الله بن ناشر من بني سريع, قال: سمعت أبارهم قاص أهل الشام يقول: سمعت أبا أيوب الأنصاري يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم, خرج ذات يوم إليهم, فقال لهم: إن ربكم عز وجل خيرني بين سبعين ألفاً يدخلون الجنة عفواً بغير حساب وبين الخبيئة عنده لأمتي, فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله, أيخبأ ذلك ربك ؟ فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج وهو يكبر فقال "إن ربي زادني مع كل ألف سبعين ألفاً والخبيئة عنده" قال أبو رهم: يا أبا أيوب: وما تظن خبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأكله الناس بأفواههم, فقالوا: وما أنت وخبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال أبو أيوب: دعوا الرجل عنكم أخبركم عن خبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أظن, بل كالمستيقن إن خبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأن محمداً عبده ورسوله مصدقاً لسانه قلبه أدخله الجنة" .
(الحديث التاسع) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا المؤمل بن الفضل الحراني, حدثنا عيسى بن يونس (ح) وأخبرنا هاشم بن القاسم الحراني فيما كتب إلي, قال: حدثنا عيسى بن يونس نفسه عن واصل بن السائب الرقاشي, عن أبي سورة ابن أخي أبي أيوب الأنصاري, عن أبي أيوب, قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: إن لي ابن أخ لا ينتهي عن الحرام. قال "وما دينه ؟" قال: يصلي ويوحد الله تعالى. قال "استوهب منه دينه, فإن أبى فابتعه منه" فطلب الرجل ذاك منه فأبى عليه, فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره, فقال "وجدته شحيحاً في دينه" قال: فنزلت "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء".
(الحديث العاشر) قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا عمرو بن الضحاك حدثنا أبي, حدثنا مستور أبو همام الهنائي, حدثنا ثابت عن أنس, قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, ما تركت حاجة ولا ذا حاجة إلا قد أتيت, قال "أليس تشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله ؟" ثلاث مرات ؟ قال: نعم, قال "فإن ذلك يأتي على ذلك كله" .
(الحديث الحادي عشر) قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر, حدثنا عكرمة بن عمار عن ضمضم بن جوش اليمامي, قال: قال لي أبو هريرة: يا يمامي لا تقولن لرجل: والله لا يغفر الله لك, أو لا يدخلك الجنة أبداً. قلت: يا أبا هريرة, إن هذه كلمة يقولها أحدنا لأخيه وصاحبه إذا غضب قال: لا تقلها, فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "كان في بني إسرائيل رجلان: كان أحدهما مجتهداً في العبادة, وكان الاخر مسرفاً على نفسه, وكانا متآخيين, وكان المجتهد لا يزال يرى الاخر على ذنب فيقول: يا هذا أقصر, فيقول: خلني وربي أبعثت علي رقيباً قال: إلى أن رآه يوماً على ذنب استعظمه, فقال له: ويحك, أقصر ! قال: خلني وربي, أبعثت علي رقيباً ؟ فقال والله لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الله الجنة أبداً, قال: فبعث الله إليهما ملكا فقبض أرواحهما, واجتمعا عنده, فقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي, وقال للاخر: أكنت عالماً, أكنت على ما في يدي قادراً ؟ اذهبوا به إلى النار: قال: فوالذي نفس أبي القاسم بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته", ورواه أبو داود من حديث عكرمة بن عمار, حدثني ضمضم بن جوش به.
(الحديث الثاني عشر) قال الطبراني: حدثنا أبو شيخ عن محمد بن الحسن بن عجلان الأصبهاني, حدثنا سلمة بن شبيب, حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان, عن أبيه, عن عكرمة, عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: "من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي, ما لم يشرك بي شيئاً" .
(الحديث الثالث عشر) قال الحافظ أبو بكر البزار والحافظ أبو يعلى: حدثنا هدبة بن خالد, حدثنا سهل بن أبي حازم عن ثابت, عن أنس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من وعده الله على عمل ثواباً, فهو منجزه له, ومن توعده على عمل عقاباً, فهو فيه بالخيار" تفردا به. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا بحر بن نصر الخولاني, حدثنا خالد يعني ابن عبد الرحمن الخراساني, حدثنا الهيثم بن حماد عن سلام بن أبي مطيع عن بكر بن عبد الله المزني, عن ابن عمر, قال: كنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نشك في قاتل النفس, وآكل مال اليتيم, وقاذف المحصنات, وشاهد الزور, حتى نزلت هذه الاية "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" فأمسك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة, ورواه ابن جرير من حديث الهيثم بن حماد به وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا عبد الملك بن أبي عبد الرحمن المقري, حدثنا عبد الله بن عاصم, حدثنا صالح يعني المري, حدثنا أبو بشر عن أيوب, عن نافع, عن ابن عمر, قال: كنا لا نشك فيمن أوجب الله له النار في الكتاب, حتى نزلت علينا هذه الاية "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" قال: فلما سمعناها كففنا عن الشهادة وأرجينا الأمور إلى الله عز وجل. وقال البزار: حدثنا محمد بن عبد الرحيم, حدثنا شيبان بن أبي شيبة, حدثنا حرب بن سريج عن أيوب, عن نافع, عن ابن عمر: قال: كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا نبينا صلى الله عليه وسلم يقول "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" وقال: "أخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة", وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع, أخبرني مجبر عن عبد الله بن عمر أنه قال: لما نزلت "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله" إلى آخر الاية, قام رجل فقال: والشرك بالله يا نبي الله ؟ فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما " رواه ابن جرير, وقد رواه ابن مردويه من طرق عن ابن عمر, وهذه الاية التي في سورة تنزيل مشروطة بالتوبة, فمن تاب من أي ذنب وإن تكرر منه, تاب الله عليه, ولهذا قال "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً" أي بشرط التوبة, ولو لم يكن كذلك لدخل الشرك فيه, ولا يصح ذلك لأنه تعالى قد حكم ههنا بأنه لا يغفر الشرك, وحكم بأنه يغفر ما عداه لمن يشاء, أي: وإن لم يتب صاحبه فهذه أرجى من تلك من هذا الوجه, والله أعلم. وقوله "ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً" كقوله "إن الشرك لظلم عظيم" وثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال: قلت: يا رسول الله, أي الذنب أعظم ؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك" وذكر تمام الحديث, وقال ابن مردويه: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد, حدثنا أحمد بن عمرو, حدثنا إبراهيم بن المنذر, حدثنا معن, حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة, عن الحسن, عن عمران بن حصين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أخبركم بأكبر الكبائر الشرك بالله" ثم قرأ "ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً", وعقوق الوالدين. ثم قرأ "أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير".
قوله 48- "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" هذا الحكم يشمل جميع طوائف الكفار من أهل الكتاب وغيرهم، ولا يختص بكفار أهل الحرب، لأن اليهود قالوا: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيخ ابن الله، وقالوا: ثالث ثلاثة. ولا خلاف بين المسلمين أن المشرك إذا مات على شركه لم يكن من أهل المغفرة التي تفضل الله بها على غير أهل الشرك حسبما تقتضيه مشيئته، وأما غير أهل الشرك من عصاة المسلمين فداخلون تحت المشيئة يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء. قال ابن جرير: قد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة في مشيئة الله عز وجل إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه ما لم تكن كبيرته شركاً بالله عز وجل. وظاهره أن المغفرة منه سبحانه تكون لمن اقتضته مشيئته تفضلاً منه ورحمة وإن لم يقع من ذلك المذنب توبة، وقيد ذلك المعتزلة بالتوبة. وقد تقدم قوله تعالى "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم" وهي تدل على أن الله سبحانه يغفر سيئات من اجتنب الكبائر فيكون مجتنب الكبائر ممن قد شاء الله غفران سيئاته.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء اليهود، وإذا كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم لوى لسانه وقال: أرعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك، ثم طعن في الإسلام وعابه، فأنزل الله فيه "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب" الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله "يحرفون الكلم عن مواضعه" يعني: يحرفون حدود الله في التوراة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله "يحرفون الكلم عن مواضعه" قال: تبديل اليهود التوراة "ويقولون سمعنا وعصينا" قالوا: سمعنا ما تقول ولا نطيعك "واسمع غير مسمع" قال: غير مقبول ما تقول "لياً بألسنتهم" قال: خلافاً يلووه به ألسنتهم "واسمع وانظرنا" قال: أفهمنا لا تعجل علينا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس في قوله "واسمع غير مسمع" قال: يقولون اسمع لا سمعت. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال:" كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤساء من أحبار اليهود: منهم عبد الله بن صوريا وكعب نب أسد، فقال لهم:
يا معشر اليهود اتقوا الله وأسلموا، فوالله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به الحق. فقالوا: ما نعرف ذلك يا محمد، وأنزل الله فيهم "يا أيها الذين أوتوا الكتاب" الآية". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله "من قبل أن نطمس وجوهاً" قال: طمسها أن تعمى "فنردها على أدبارها" يقول: نجعل وجوههم من قبل أقفيتهم فيمشون القهقرى، ونجعل لأحدهم عينين في قفاه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله "من قبل أن نطمس وجوهاً" يقول: عن صراط الحق " فنردها على أدبارها" قال: في الضلالة. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن أبي أيوب الأنصاري قال:" جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي ابن أخ لا ينتهي عن الحرام، قال: وما دينه؟ قال: يصلي ويوحد الله، قال: استوهب منه دينه فإن أبى فابتعه منه، فطلب الرجل منه ذلك فأبى عليه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: وجدته شحيحاً على دينه، فنزلت "إن الله لا يغفر أن يشرك به" الآية". وأخرج ابن الضريس وأبو يعلى وابن المنذر وابن عدي بسند صحيح عن ابن عمر
قال: كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا من نبينا صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" وقال: "إني ادخرت دعوتي وشفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" فأمسكنا عن كثير مما كان في أنفسنا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عمر قال:" لما نزلت "يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم" الآية. قام رجل فقال: والشرك يا نبي الله؟ فكره ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال "إن الله لا يغفر أن يشرك به" الآية". وأخرج ابن المنذر عن أبي مجلز أن سؤال هذا الرجل هو سبب نزول "إن الله لا يغفر أن يشرك به". وأخرج أبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال في هذه الآية: إن الله حرم المغفرة على من مات وهو كافر، وأرجأ أهل التوحيد إلى مشيئته فلم يؤيسهم من المغفرة. وأخرج الترمذي وحسنه عن علي قال: أحب آية إلي القرآن "إن الله لا يغفر أن يشرك به" الآية.
48-"إن الله لا يغفر أن يشرك به"، قال الكلبي: نزلت في وحشي بن حرب وأصحابه ، وذلك انه لما قتل حمزة كان قد جعل له على قتله أن يعتق فلم يوف له بذلك، فلما قدم مكة ندم على صنيعه هو وأصحابه فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم :أنا قد ندمنا على الذي صنعنا وانه ليس يمنعنا عن الإسلام إلا أنا سمعناك تقول وأنت بمكة:" والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر"الآيات(الفرقان-68) وقد دعونا مع الله إلهاً آخر وقتلنا النفس التي حرم الله وزنينا، فلولا هذه الآيات لاتبعناك ، فنزلت:"إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً" الآيتين،(الفرقان-70-71) فبعث بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ، فلما قرؤوا كتبوا إليه:إن هذا شرط شديد نخاف أن لا نعمل عملاً صالحاً، فنزل: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " ، فبعث بها إليهم فبعثوا إليه:إنا نخاف أن لا نكون من أهل المشيئة فنزلت: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله" (الزمر-53) ، فبعث بها إليهم فدخلوا في الإسلام ورجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبل منهم، ثم قال لوحشي: أخبرني كيف قتلت حمزة؟ فلما اخبره قال: ويحك غيب وجهك عني، فلحق وحشي بالشام فكان بها إلى أن مات.
وقال أبو مجلز عن ابن عمر رضي الله عنه لما نزلت:" قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم" الآية قام رجل فقال: والشرك يا رسول الله ، فسكت ثم قام إليه مرتين أو ثلاثاً فنزلت "إن الله لا يغفر أن يشرك به".
وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير: قال ابن عمر رضي الله عنه: كنا على عهد محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات الرجل على كبية شهدنا انه من اهل النار حتى نزلت هذه الآية"إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" فامسكنا عن الشهادات.
حكي عن علي رضي الله عنه أن هذه الآية أرجى آية في القرآن "ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء".
"ومن يشرك بالله فقد افترى"، اختلق،"إثماً عظيماً"، أخبرنا احمد بن عبد الله الصالحي أنا أحمد بن الحسن الحيري أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي أنا محمد بن حماد أنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال :"أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله ما الموجبتان؟ قال: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة،ومن مات يشرك بالله شيئاً دخل النار".
اخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أخبرنا أبو معمر أنا عبد الوارث عن الحسين يعني: المعلم عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر حدثه أن أبا الأسود الدؤلي حدثه أن أبا ذر حدثه قال :" أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب ابيض وهو نائم ، ثم أتيته وقد استيقظ فقال:ما من عبد قال: لا إله إلا الله ، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال وإن زنى وإن سرق قلت : وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر" ، وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال: وإن رغم أنف أبي ذر.
48"إن الله لا يغفر أن يشرك به" لأنه بت الحكم على خلود عذابه وأن ذنبه لا ينمحي عنه أثره فلا يستعد للعفو بخلاف غيره. "ويغفر ما دون ذلك" أي ما دون الشرك صغيراً كان أو كبيراً. "لمن يشاء" تفضلاً عليه وإحساناً. والمعتزلة علقوه بالفعلين على معنى إن الله لا يغفر الشرك لمن يشاء. وهو من لم يتب ويغفر ما دونه لمن يشاء وهو من تاب. وفيه تقييد بلا دليل إذ ليس عموم آيات الوعيد بالمحافظة أولى منه ونقض لمذهبهم فإن تعليق الأمر بالمشيئة ينافي وجوب التعذيب قبل التوبة والصفح بعدها، فالآية كما هي حجة عليهم فهي حجة على الخوارج الذين زعموا أن كل ذنب شرك وأن صاحبه خالد في النار. "ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً" ارتكب ما يستحقر دونه الآثام، وهو إشارة إلى المعنى الفارق بينه وبين سائر الذنوب، والافتراء كما يطلق على القول يطلق على الفعل وكذلك الاختلاق.
48. Lo! Allah forgiveth not that a partner should be ascribed unto Him. He forgiveth (all) save that to whom He will. Whoso ascribeth partners to Allah, he hath indeed invented a tremendous sin.
48 - God forgiveth not that partners should be set up with him; but he forgiveth anything else, to whom he pleaseth; to set up partners with God is to devise a sin most heinous indeed.