[النساء : 43] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا
(يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة) أي لا تُصَلُّوا (وأنتم سكارى) من الشراب لأن سبب نزولها صلاة جماعة في حالة سكر (حتى تعلموا ما تقولون) بأن تصحوا (ولا جنبا) بإيلاج أو إنزال ، ونصبه على الحال وهو يطلق على المفرد وغيره (إلا عابري) مجتازي (سبيل) طريق أي مسافرين (حتى تغتسلوا) فلكم أن تصلوا واستثناء المسافر لأن له حكما آخر سيأتي ، وقيل المراد النهي عن قربان مواضع الصلاة أي المساجد إلى عبورها من غير مكث (وإن كنتم مرضى) مرضاً يضره الماء (أو على سفر) أي مسافرين وأنتم جنب أو محدثون (أو جاء أحد منكم من الغائط) هو المكان المعد لقضاء الحاجة أي أحدث (أو لامستم النساء) وفي قراءة {لمستم} بلا ألف وكلاهما بمعنى اللمس هو الجس باليد ، قاله ابن عمر وعليه الشافعي وألحق به الجس بباقي البشرة ، وعن ابن عباس هو الجماع (فلم تجدوا ماء) تتطهرون به للصلاة بعد الطلب والتفتيش وهو راجع إلى ماعدا المرضى (فتيمموا) اقصدوا بعد دخول الوقت (صعيدا طيبا) ترابا طاهرا فاضربوا به ضربتين (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) مع المرفقين منه ، ومَسَحَ يتعدى بنفسه وبالحرف (إن الله كان عفوا غفورا)
قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الآية روى أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم عن علي قال صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منا وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت قل يا أيها الكافرون لا أعبد ماتعبدون ونحن نعبد ما تعبدون فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون
ك وأخرج الفرياني وابن أبي حاتم وابن المنذر عن علي قال نزلت هذه الآية قوله ولا جنبا في المسافر تصيبه الجنابة فيتيمم ويصلي
وأخرج ابن مردويه عن الأسلع بن شريك قال كنت أرجل ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابتني جنابة في ليلة باردة فخشيت أن أغتسل بالماء البارد فأموت أو أمرض فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى الآية كلها
ك وأخرج الطبراني عن الأسلع قال كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم وأرحل له فقال لي ذات يوم يا أسلع قم فارحل فقلت يا رسول الله أصابتني جنابة فسكت رسول الله وأتاه جبريل بآية الصعيد فقال رسول الله قم يا أسلع فتيمم فأراني التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين فقمت فتيممت ثم رحلت له
وأخرج ابن جرير عن يزيد بن أبي حبيب أن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد فكانت تصيبهم جنابة ولا ماء عندهم فيريدون الماء ولا يجدون ممرا إلا في المسجد فأنزل الله قوله ولا جنبا إلا عابري سبيل
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار كان مريضا فلم يستطع أن يقوم فيتوضأ ولم يكن له خادم يناوله فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله وإن كنتم مرضى الآية
وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي قال نال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جراحة ففشت فيهم ثم ابتلوا بالجنابة فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت وإن كنتم مرضى الآية كلها
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "يا أيها الذين آمنوا"، صدقوا الله ورسوله، "لا تقربوا الصلاة"، لا تصلوا، "وأنتم سكارى"، وهو جمع سكران، "حتى تعلموا ما تقولون"، في صلاتكم فتميزون فيها ما أمركم الله به أو ندبكم إلى قيله فيها، مما نهاكم عنه وزجركم.
ثم اختلف أهل التأويل في السكر الذي عناه الله بقوله: "لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى".
فقال بعضهم: عنى بذلك السكر من الشراب.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن، عن علي: أنه كان هو وعبد الرحمن ورجل آخر شربوا الخمر، فصلى بهم عبد الرحمن فقرأ: "قل يا أيها الكافرون" فخلط فيها، فنزلت: "لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى".
حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن عبد الله بن حبيب: أن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاماً وشراباً، فدعا نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأكلوا وشربوا حتى ثملوا، فقدموا علياً يصلي بهم المغرب، فقرأ: " قل يا أيها الكافرون *لا أعبد ما تعبدون *ولا أنتم عابدون ما أعبد*ولا أنا عابد ما عبدتم *ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين "، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية: "لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون".
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى"، قبل أن تحرم الخمر، فقال الله: "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى"، الآية.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي رزين في قوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى"، قال: نزل هذا وهم يشربون الخمر. فقال: وكان هذا قبل أن ينزل تحريم الخمر.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي رزين قال: كانوا يشربون بعد ما أنزلت التي في البقرة، وبعد التي في النساء، فلما أنزلت التي في المائدة تركوها.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون"، قال: نهوا أن يصلوا وهم سكارى، ثم نسخها تحريم الخمر.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى"، قال: كانوا يجتنبون السكر عند حضور الصلوات، ثم نسخ بتحريم الخمر.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي وائل، وأبي رزين وإبراهيم في قوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى"، و "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما" [البقرة: 90]، وقوله: "تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا" [النحل: 67]، قالوا: كان هذا قبل أن ينزل تحريم الخمر.
وقال آخرون: معنى ذلك: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى من النوم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك : "لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى"، قال : ليست لمن يقربها سكران من الشراب ، إنما عني بها سكر النوم.
حدثنا أحمد بن حازم الغفاري قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا سلمة، عن الضحاك : "أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى"، قال : لم يعن بها سكر الخمر، وإنما عنى بها سكر النوم.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بتأوبل الآية، تأويل من قال : ذلك نهي من الله المؤمنين عن أن يقربوا الصلاة وهم سكارى من الشراب قبل تحريم الخمر، للأخبار المتظاهرة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك كذلك ، نهي من الله ، وأن هذه الآية نزلت فيمن ذكرت أنها نزلت فيه.
فإن قال لنا قائل : وكيف يكون ذلك معناه ، والسكران في حال زوال عقله ، نظير المجنون في حال زوال عقله ، وأنت ممن يحيل تكليف المجانين لفقدهم الفهم لما يؤمر وينهى؟
قيل له : إن السكران لو كان في معنى المجنون ، لكان غير جائز أمره ونهيه . ولكن السكران هو الذي يفهم ما يأتي ويذر، غير أن الشراب قد أثقل لسانه وأجزاء جسمه وأخدرها، حتى عجز عن إقامة قراءته في صلاته ، وحدودها الواجبة عليه فيها، من غير زوال عقله ، فهو بما أمر به ونهي عنه عارف فهم ، وعن أداء بعضه عاجز بخدر جسمه من الشراب . وأما من صار إلى حد لا يعقل ما يأتي ويذر، فذلك منتقل من السكر إلى الخبل ومعاني المجانين ، وليس ذلك الذي خوطب بقوله : "لا تقربوا الصلاة"، لأن ذلك مجنون ، وإنما خوطب به السكران ، والسكران ما وصفنا صفته.
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم : معنى ذلك : "لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون"، ولا تقربوها إلا عابري سبيل ، يعني : إلا أن تكونوا مجتازي طريق ، أي : مسافرين ، "حتى تغتسلوا".
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أبي مجلز، عن ابن عباس في قوله : "ولا جنبا إلا عابري سبيل"، قال : المسافر، وقال ابن المثنى: في السفر.
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "ولا جنبا إلا عابري سبيل"، يقول : لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب إذا وجدتم الماء، فإن لم تجدوا الماء فقد أحللت لكم أن تمسحوا بالأرض.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن أبن أبي ليلى، عن المنهال ، عن عباد بن عبدالله - أو: عن زر- عن علي رضي الله عنه : "ولا جنبا إلا عابري سبيل"، قال: إلا أن تكونوا مسافرين فلم تجدوا الماء ، فتيمموا.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير في قوله : "ولا جنبا إلا عابري سبيل"، قال : المسافر.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا هشام ، عن قتادة، عن أبي مجلز، عن ابن عباس بمثله.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا هرون بن المغيرة، عن عنبسة، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبدالله ، عن علي رضي الله عنه قال : نزلت في السفر: "ولا جنبا إلا عابري سبيل"، و عابر السبيل ، المسافر، إذا لم يجد ماء تيمم.
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا هرون ، عن ابن مجاهد، عن أبيه : "ولا جنبا إلا عابري سبيل"، قال : المسافر، إذا لم يجد الماء فإنه يتيمم ، فيدخله فيصلي.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "ولا جنبا إلا عابري سبيل"، قال : هو الرجل يكون في السفر، فتصيبه الجنابة فيتيمم ويصلي.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: "ولا جنبا إلا عابري سبيل"، قال : مسافرين ، لا يجدون ماء فيتيممون صعيداً طيباً، لم يجدوا الماء فيغتسلوا.
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "ولا جنبا إلا عابري سبيل"، قال : مسافرين لا يجدون ماء.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن مسعر، عن بكير بن الأخنس ، عن الحسن بن مسلم في قوله : "ولا جنبا إلا عابري سبيل"، قال : إلا أن يكونوا مسافرين ، فلم يجدوا الماء فيتيمموا.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عمرو، عن منصور، عن الحكم : "ولا جنبا إلا عابري سبيل"، قال : المسافر تصيبه الجنابة، فلا يجد ماء فيتيمم.
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير، وعن منصور، عن الحكم ، في قوله : "إلا عابري سبيل"، قالا: المسافر الجنب ، لايجد الماء فيتيمم فيصلي.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا سفيان ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير: "ولا جنبا إلا عابري سبيل"، إلا أن يكون مسافراً.
حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا سفيان ، عن منصور، عن الحكم نحوه.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبدالله بن كثير قال :كنا نسمع أنه في السفر.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد فى قوله : "ولا جنبا إلا عابري سبيل"، قال : هو المسافر الذي لا يجد الماء، فلا بد له من أن يتيمم ويصلي ، فهو يتيمم ويصلي ، قال : كان أبي يقول هذا.
وقال آخرون معنى ذلك ، لا تقربوا المصلى للصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ، ولا تقربوه جنبا حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل ، يعني : إلا مجتازين فيه للخروج منه .
فقال أهل هذه المقالة : أقيمت "الصلاة" مقام المصلى و المسجد ، إذ كانت صلاة المسلمين في مساجدهم أيامئذ، لا يتخلفون عن التجميع فيها. فكان في النهي عن أن يقربوا الصلاة، كفاية عن ذكر المساجد والمصلى الذي يصلون فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن عبد الكريم الجزري ، عن أبي عبيدة بن عبدالله ، عن أبيه في قوله : "ولا جنبا إلا عابري سبيل"، قال : هو الممر في المسجد.
حدثنا أحمد بن حازم قال ، حدثنا عبيدالله بن موسى ، عن أبي جعفر الرازي ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن يسار، عن ابن عباس : "ولا جنبا إلا عابري سبيل"، قال : لا تقرب المسجد إلا أن يكون طريقك فيه ، فتمر مارا ولا تجلس .
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا معاذ بن هشام قال ، حدثنا أبي ، عن قتادة، عن سعيد في الجنب : يمر في المسجد مجتازا وهو قائم ، لا يجلس وليس بمتوضىء . وتلا هذه الآية : "ولا جنبا إلا عابري سبيل" .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا هارون ، عن نهشل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : لا باس للحائض والجنب أن يمرا في المسجد ما لم يجلسا فيه.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا أبو الزبير قال : كان أحدنا يمر في المسجد وهو جنب مجتازا.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن في قوله : "ولا جنبا إلا عابري سبيل"، قال : الجنب يمر في المسجد ولا يقعد فيه .
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو حمد، وحدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم ، قالا جميعاً، حدثنا سفيان ، عن منصور، عن إبراهيم في قوله : "ولا جنبا إلا عابري سبيل"، قال : إذا لم يجد طريقاً إلا المسجد، يمر فيه.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل قال ، حدثنا إسرائيل ، عن منصور، عن إبراهيم في هذه الآية: "ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا"، قال : لا بأس أن يمر الجنب في المسجد، إذا لم يكن له طريق غيره .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم مثله.
حدثني المثنى قال ، حدثنا [الحماني ] قال ، حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير قال : الجنب يمر في المسجد ولا يجلس فيه . ثم قرأ: "ولا جنبا إلا عابري سبيل".
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن عبد الكريم ، عن أبي عبيدة مثله.
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن سماك ، عن عكرمة مثله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن أبي الضحى مثله.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون ، عن إسماعيل ، عن الحسن قال : لا بأس للحائض والجنب أن يمرا في المسجد، ولا يقعدا فيه .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا هارون ، عن عمرو، عن سعيد، عن الزهري قال : رخص للجنب أن يمر في المسجد.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال ، حدثني يزيد بن أبي حبيب عن قول الله :"ولا جنبا إلا عابري سبيل"، أن رجالاً من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد، تصيبهم جنابة ولا ماء عندهم ، فيريدون الماء ولا يجدون ممرا إلا فى المسجد، فأنزل الله تسارك وتعالى : "ولا جنبا إلا عابري سبيل".
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن المبارك، عن شعبة، عن حماد، عن إبراهيم: "ولا جنبا إلا عابري سبيل"، قال: لا يجتاز في المسجد، إلا أن لا يجد طريقاً غيره.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا هارون، عن ابن مجاهد، عن أبيه : لا يمر الجنب في المسجد، يتخذه طريقاً.
قال أبو جعفر: وأولى القولين بالتأويل لذلك ، تأويل من تأوله : "ولا جنبا إلا عابري سبيل"، إلا مجتازي طريق فيه . وذلك أنه قد بين حكم المسافر إذا عدم الماء وهو جنب في قوله : "وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا"، فكان معلوماً بذلك أن قوله : "ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا"، لو كان معنياً به المسافر، لم يكن لإعادة ذكره في قوله :"وإن كنتم مرضى أو على سفر" معنى مفهوم ، وقد مضى ذكر حكمه قبل ذلك.
وإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الآية : يا أيها الذين امنوا، لا تقربوا المساجد للصلاة مصلين فيها وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ، ولا تقربوها أيضا جنباً حتى تغتسلوا، إلا عابري سبيل .
والعابر السبيل: المجتازه مراً وقطعاً. يقال منه : عبرت هذا الطريق فأنا أعبره عبراً وعبوراً . ومنه قيل : عبر فلان النهر، إذا قطعه وجازه . ومنه قيل للناقة القوية على الأسفار: هي عبر أسفار، وعبر أسفار، لقوتهاعلى الأسفار.
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه : "وإن كنتم مرضى"، من جرح أو جدري وأنتم جنب ، كما:
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا أبو المنبه الفضل بن سليم ، عن الضحاك ، عن ابن مسعود قوله : "وإن كنتم مرضى أو على سفر"، قال : المريض الذي قد أرخص له في التيمم ، هو الكسير والجريح . فإذا أصابت الجنابة الكسير اغتسل ، ولم يحل جبائره . والجريح لا يحل جراحته ، إلا جراحة لا يخشى عليها.
حدثنا تميم بن المنتصر قال ، حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق ، عن شريك ، عن إسماعيل السدي ، عن أبي مالك قال في هذه الآية : "وإن كنتم مرضى أو على سفر"، قال : هي للمريض الذي به الجراحة التي يخاف منها أن يغتسل ، فلا يغتسل . فرخص له في التيمم .
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسياط ، عن السدي : "وإن كنتم مرضى"، و المرض هو الجراح . والجراحة التي يتخوف عليه من الماء، إن أصابه ضو صاحبه ، فذلك يتيمم صعيدا طيبا.
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد، عن قتادة، عن عززة، عن سعيد بن جبير في قوله : "وإن كنتم مرضى"، قال : إذا كان به جروح أو قروح يتيمم .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عمرو، عن منصور، عن إبراهيم : "وإن كنتم مرضى"، قال : من القروح تكون في الذراعين.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا هارون ، عن عمرو، عن منصور، عن إبراهيم : "وإن كنتم مرضى"، قال : القروح في الذراعين.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا هارون ، عن عمرو، عن جويبر، عن الضحاك قال: صاحب الجراحة التي يتخوف عليه منها، يتيمم . ثم قرأ : "وإن كنتم مرضى أو على سفر".
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبوحذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: "وإن كنتم مرضى"، و المرض ، أن يصيب الرجل الجرح والقرح والجدري ، فيخاف على نفسه من برد الماء وأذاه ، يتيمم بالصعيد كما يتيمم المسافر الذي لا يجد الماء.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا معاذ بن هشام قال ، حدثني أبي ، عن قتادة، عن عاصم -يعني الأحول - عن الشعبي : أنه سئل عن [قوله]: المجدور تصيبه الجنابة؟ قال : ذهب فرسان هذه الآية .
وقال آخرون في ذلك ، ما :
حدثني به يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا "، قال : المريض الذي لا يجد أحداً يأتيه بالماء، ولا يقدر عليه ، وليس له خادم ولا عون ، فإذا لم يستطع أن يتناول الماء، وليس عنده من يأتيه به ، ولا يحبو إليه ، تيمم وصلى إذا حلت الصلاة -قال : هذا كله قول أبي - إذا كان لا يستطيع أن يتناول الماء وليس عنده من يأتيه به ، لا يترك الصلاة، وهو أعذر من المسافر.
قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذا : وإن كنتم جرحى أو بكم قروح ، أو كسر، أو علة لا تقدرون معها على الاغتسال من الجنابة، وأنتم مقيمون غير مسافرين ، فتيمموا صعيداً طيباً.
وأما قوله : "أو على سفر"، فإنه يعني : أو إن كنتم مسافرين وأنتم أصحاء جنب ، فتيمموا صيدا. وكذلك تأويل قوله : "أو جاء أحد منكم من الغائط"، يقول : أو جاء أحد منكم من الغائط ، قد قضى حاجته وهو مسافر صحيح ، فليتيمم صعيداً أيضاً.
و الغائط : ما اتسع من الأودية وتصوب . وجعل كناية عن قضاء حاجة الإنسان ، لأن العرب كانت تختار قضاء حاجتها في الغيطان ، فكثر ذلك منها حتى غلب عليهم ذلك ، فقيل لكل من قضى حاجته التي كانت تقضى في الغيطان ، حيث قضاها من الأرض : متغوط وجاء فلان من الغائط ، يعنى به : قضى حاجته التي كانت تقضى في الغائط من الأرض .
وذكر عن مجاهد أنه قال في "الغائط": الوادي .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: "أو جاء أحد منكم من الغائط"، قال : الغائط ، الوادي .
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : أو باشرتم النساء بأيديكم.
ثم اختلف أهل التأويل في اللمس الذي عناه الله بقوله : "أو لامستم النساء".
فقال بعضهم : عنى بذلك الجماع .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا حميد بن مسعدة قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا شعبة، عن أبى بشر، عن سعيد بن جبير قال : ذكروا اللمس ، فقال ناس من الموالي : ليس بالجماع . وقال ناس من العرب : اللمس الجماع . قال : فأتيت ابن عباس فقلت : إن ناسا من الموالي والعرب اختلفوا في اللمس ، فقالت الموالي : ليس بالجماع ، وقالت العرب : الجماع . قال : من أي الفريقين كنت ؟ قلت : كنط من الموالي . قال : غلب فريق الموالي ، إن المس واللمس والمباشرة، الجماع ، ولكن الته يكنى ما شاء بما شاء.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن أبى قيس ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مثله .
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال : سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس : أنه قال : "أو لامستم النساء"، قال : هو الجماع .
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا وهب بن جرير قال ، حدثنا أبي ، عن قتادة، عن سعيد بن جبير قال : اختلفت أنا وعطاء وعبيد بن عمير في قوله : "أو لامستم النساء"، فقال عبيد بن عمير : هو الجماع. وقلت أنا و"عطاء": هو اللمس . قال : فدخلنا على ابن عباس فسألناه فقال : غلب فريق الموالي ، وأصابت العرب ، هو الجماع ، ولكن الله يعف ويكني .
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن عكرمة وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وعبيد بن عمير: اختلفوا في الملامسة، فقال سعيد بن جبير وعطاء: الملامسة ما دون الجماع. وقال عبيد: هو النكاح . فخرج عليهم ابن عباس فسألوه ، فقال : أخطأ الموليان وأصاب العربي ، الملامسة النكاح ، ولكن الله يكني ويعف .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن بشر، عن سعيد، عن قتادة قال : اجتمع سعيد بن جبير وعطاء وعبيد بن عمير، فذكر نحوه .
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا محمد بن عثمة قال ، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة قال ، قال سعيد بن جبير وعطاء في التماس : الغمز باليد. وقالى عبيد بن عمير: الجماع . فخرج عليهم ابن عباس فقال : أخطأ الموليان وأصاب العربي ، ولكنه يعف ويكني .
حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم قالا، قال ابن عباس : اللمس ، الجماع .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن علية وعبد الوهاب ، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس مثله .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، حدثنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال : اللمس والمس والمباشرة، الجماع ، ولكن الله يكني بما شاء.
حدثنا عبد الحميد بن بيان قال ، حدثنا إسحاق الأزرق ، عن سفيان ، عن عاصم الأحول ، عن بكر بن عبدالله ، عن ابن عباس قال : الملامسة الجماع ، ولكن الله كريم يكني عما شاء.
حدثني محمد بن عبدالله بن عبد الحكم قال ، حدثنا أيوب بن سويد، عن سفيان ، عن عاصم ، عن بكر بن عبدالله ، عن ابن عباس مثله.
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن داود، عن جعفر بن أبي وحشية، عن سعيد بن جبير قال : اختلفت العرب والموالي في السلامسة على باب ابن عباس ، ،قالت العرب : الجماع . وقالت الموالي : باليد . قال : فخرج ابن عباس فقال : غلب فريق الموالي ، الملامسة الجماع .
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا عبد الوهاب قال ، حدثنا داود، عن رجل ، عن سعيد بن جبير قال : كنا على باب ابن عباس ، فذكر نحوه.
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا يزيد بن هرون قال ، أخبرنا داود، عن سعيد بن جبير قال : قعد قوم على باب ابن عباس ، فذكر نحوه.
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبدالله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله : "أو لامستم النساء"، الملامسة هو النكاح .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير، عن الأعمش ، عن عبد الملك بن ميسرة، عن سعيد بن جبير قال : اجتمعت الموالي والعرب في المسجد، وابن عباس في الصفة، فاجتمعت الموالي على أن اللمس دون الجماع ، واجتمعت العرب على أنه الجماع . فقال ابن عباس : من أي الفريقبن أنت ؟ قلت : من الموالي . قال : غلبت .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال : اللمس ، الجماع .
وبه عن سفيان ، عن عاصم ، عن بكر، عن ابن عباس مثله .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حفص ، عن الأعمش ، عن حبيب ، عن سعيد، عن ابن عباس قال : هو الجماع .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا مالك ، عن زهير، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مثله .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حفص ، عن داود، عن جعفر بن إياس ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس : "أو لامستم النساء"، قال : الجماع.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أشعث ، عن الشعبي ، عن علي رضي الله عنه قال : الجماع.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الأعلى، عن يونس ، عن الحسن قال : الجماع .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا مالك ، عن خصيف قال : سألت مجاهداً فقال ذلك .
حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة والحسن قالا : غشيان النساء. وقال آخرون : عنى الله بذلك كل لمس ، بيد كان أو بغيرها من أعضاء جسد الإنسان ، وأوجبوا الوضوء على من مس بشيء من جسده شيئا من جسدها مفضياً إليه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن مخارق ، عن طارق بن شهاب ، عن عبدالله أنه قال شيئاً هذا معناه : الملامسة ما دون الجماع .
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن منصور، عن هلال ، عن أبي عبيدة، عن عبدالله -أو: عن أبي عبيدة، منصور الذي شك - قال : القبلة، من المس .
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن مخارق ، عن طارق ، عن عبدالله قال : اللمس ، ما دون الجماع .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية، عن شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم قال ، قال ابن مسعود : اللمس ، ما دون الجماع .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي عبيدة، عن عبدالله قال : القبله ، من اللمس.
حدثنا أبو السائب قال ، حدثنا أبو معاوية، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن فضيل ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي عبيدة، عن عبدالله بن مسعود قال: القبلة، من اللمس ، وفيها الوضوء .
حدثنا تميم بن المنتصر قال ، أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي عبيدة، عن عبدالله بن مسعود مثله .
حدثنا أحمد بن عبدة الضبي قال : أخبرنا سليم بن أخضر قال ، أخبرنا ابن عون ، عن محمد قال : سألت عبيدة عن قوله : "أو لامستم النساء"، قال : فأشار بيده هكذا - وحكاه سليم - وأراناه أبو عبدالله ، فضم أصابعه.
حدثني يعقوب وابن وكيع قالا، حدثنا ابن علية، عن سلمة بن علقمة، عن محمد قال : سألت عبيدة عن قوله : "أو لامستم النساء"، قال بيده ، فطبنت ما عنى، فلم أساله .
حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية، عن ابن عون قال : ذكروا عند محمد مس الفرج ، وأظنهم ذكروا ما قال ابن عمر في ذلك ، فقال محمد: قلت لعبيدة: قوله : "أو لامستم النساء"، فقال بيده . قال ابن عون بيده ، كأنه يتناول شيئا يقبض عليه .
حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية قال ، أخبرنا خالد، عن محمد قال ، قال عبيدة : اللمس باليد.
قال يعقوب، حدثنا ابن علية، عن هشام ، عن محمد قال : سألت عبيدة عن هذه الآية : "أو لامستم النساء"، فقال بيده ، وضم أصابعه ، حتى عرفت الذي أراد .
حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني عبيد الله بن عمر، عن نافع : أن ابن عمر كان يتوضأ من قبلة المرأة، ويرى فيها الوضوء، ويقول : هي من اللماس .
حدثنا عبد الحميد بن بيان قال ، أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل ، عن عامر قال : الملامسة ما دون الجماع .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا محل بن محرز، عن إبراهيم قال : اللمس من شهوة ينقض الوضوء.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية قال ، حدثنا شعبة، عن الحكم وحماد أنهما قالا: اللمس ، ما دون الجماع .
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن عطاء قال الملامسة، ما دون الجماع .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حفص ، عن أشعث ، عن الشعبي ، عن أصحاب عبدالله ، عن عبدالله قال : الملامسة ، ما دون الجماع .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير، عن بيان ، عن عامر، عن عبدالله قال : الملامسة، ما دون الجماع.
حدثنا ابن وكيع قال حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم ، عن عبدالله مثله.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثني أبي ، عن سفيان ، عن مغيرة، عن إبراهيم ، عن عبدالله مثله.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن بشر، عن سعيد، عن أبي معشر، عن إبراهيم قال ، قال عبدالله : الملامسة، ما دون الجماع. ثم قرأ: "أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء".
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير، عن هشام ، عن ابن سيرين قال : سألت عبيدة عن : "أو لامستم النساء"، فقال بيده هكذا، فعرفت ما يعني .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن أبيه ، وحسن بن صالح ، عن منصور، عن هلال بن يساف ، عن أبي عبيدة قال : القبلة من اللمس.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، عن زهير، عن خصيف ، عن أبي عبيدة: القبلة والشيء.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب ، قول من قال : عنى الله بقوله : "أو لامستم النساء"، الجماع دون غيره من معاني اللمس ، لصحة الخبر "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ".
حدثني بذلك إسماعيل بن موسى السدي قال ، أخبرنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عروة، "عن عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ ثم يقبل ، ثم يصلي ولا يتوضأ".
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عروة، "عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه ، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ. قلت : من هي إلا أنت ؟ فضحكت".
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا حفص بن غياث ، عن حجاج ، عن عمرو بن شعيب ، عن زينب السهمية، "عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقبل ثم يصلي ، ولا يتوضأ".
حدثنا أبو زيد عمربن شبة قال ، حدثنا شهاب بن عباد قال ، حدثنا مندل ، عن ليث ، عن عطاء، عن عائشة، وعن أبي روق ، عن إبراهيم التيمي ، "عن عائشة، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينال مني ألقبلة بعد الوضوء، ثم لا يعيد الوضوء".
حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال ، حدثني أبي قال ، حدثني يزيد بن سنان ، عن عبد الرحمن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، "عن أم سلمة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم ، ثم لا يفطر، ولا يحدث وضوءاً".
ففي صحة الخبر فيما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الدلالة الواضحة على أن اللمس في هذا الموضع ، لمس الجماع ، لا جميع معاني اللمس ، كما قال الشاعر:
وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا
يعني بذلك : ننك لماساً.
وذكر أن هذه الاية نزلت في قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابتهم جنابة، ولمجهم جراح.
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن محمد بن جابر، عن حماد، عن إبراهيم ، في المريض لا يستطيع الغسل من الجنابة، أو الحائض ، قال : يجزيهم التيمم . وقال أصاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جراحة ففشت فيهم ، ثم ابتلوا بالجنابة، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت : "وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط"، الآية كلها.
وقال آخرون : نزلت في قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أعوزهم الماء فلم يجدوه في سفر لهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان قال ، سمعت عبيد الله بن عمر، عن عبد الرحمن بن القاسم ، "عن عائشة أنها قالت : كنت في مسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كنا بذات الجيش ضل عقدي ، فأخبرت بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بالتماسه ، فالتمس فلم يوجد ، فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم وأناخ الناس ، فباتوا ليلتهم تلك ، فقال الناس : حبست عائشة النبي صلى الله عليه وسلم! قالت : فجاء إلي أبو بكر ورأس النبي صلى الله عليه وسلم في حجري وهو نائم ، فجعل يهمزني ويقرصني ويقول : من أجل عقدك حبست النبي صلى الله عليه وسلم! تالت : فلا أتحرك مخافة أن يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أوجعني ، فلا أدري كيف أصنع! فلما رآني لا أحير إليه ، انطلق . فلما استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وأراد الصلاة فلم يجد ماء، قالت : فأنزل الله تعالى آية التيمم . قالت : فقال ابن حضير: ما هذا بأول بركتكم يا آل أبي بكر!"
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة : "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر، ففقدت عائشة قلادة لها، فأمر الناس بالنزول ، فنزلوا وليس معهم ماء . فأتى أبو بكر على عائشة فقال لها: شققت على الناس ! وقال أيوب بيده ، يصف أنه قرصها قال : ونزلت آية التيمم ، ووجدت القلادة في مناخ البعير، فقال الناس : ما رأينا قط امرأة أعظم بركة منها!"
حدثني محمد بن عبدالله الهلالي قال ، حدثني عمران بن محمد الحداد قال ، حدثني الربيع بن بدر قال ، "حدثني أبي ، عن أبيه ،عن رجل منا، من بلعرج، يقال له الأسلع قال : كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم وأرحل له ، فقال لي ذات ليلة : يا أسلع ، قم فارحل لي . قلت : يا رسول الله ، أصابتني جنابة! فسكت ساعة، ثم دعاني وأتاه جبريل عليه السلام بآية الصعيد، ووصف لنا ضربتين".
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، حدثنا عمرو بن خالد قال ، حدثني الربيع بن بدر قال ، "حدثني أبي ، عن أبيه ، عن رجل منا يقال له الأسلع ، قال : كنت أخدم النبي بين ، فذكر مثاله إلا أنه قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قال : ساعة، الشك من عمرو، قال : وأتاه جبريل عليه السلام بآية الصعيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا أسلع فتيمم . قال : فتيممت ثم رحلت له . قال: فسرنا حتى مررنا بماء، فقال : يا أسلع ، مس - أو: أمس - بهذا جلدك . قال : وأراني التيمم ، كما أراه أبوه : ضربة للوجه ، وضربة لليدين والمرفقين".
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا حفص بن بغيل قال ، حدثنا زهير بن معاوية قال ، حدثنا عبدالله بن عثمان بن خثيم قال ، حدثني عبدالله بن عبيد الله بن أبي مليكة: "أنه حدثه ذكوان أبو عمرو، حاجب عائشة : أن ابن عباس دخل عليها في مرضها فقال : أبشري ، كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب إلا طيباً، وسقطت قلادتك ليلة الأبواء، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتقطها حتى أصبح في المنزل ، فأصبح الناس ليس معهم ماء، فأنزل الله تيمموا صيداً طيباً، فكان ذلك من سببك ، وما أذن الله لهذه الأمة من الرخصة".
حدثنا سفيان بن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير، عن هشام، عن أبيه ، عن عائشة: أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالاً في طلبها، فوجدوها . وأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء، فصلوا بغير وضوء . فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله آية التيمم . فقال أسيد بن حضير لعائشة : جزاك الله خيراً، فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيراً! .
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال ، حدثني عمي عبدالله بن وهب قال ، أخبرني عمرو بن الحارث : أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه ، عن أبيه ، "عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أنها قالت : سقطت قلادة لي بالبيداء، ونحن داخلون إلى المدينة، فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل . فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجري راقد، أقبل أبي فلكزني لكزة ثم قال : حبست الناس! ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضرت الصبح ، فالتمس الماء فلم يوجد، ونزلت : "يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة"الآية. قال أسيد بن حضير: لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر! ما أنتم إلا بركة! "
حدثني الحسن بن شبيب قال ، حدثنا ابن عيينة قال ، حدثنا عبدالله بن عثمان بن خثيم، عن عبدالله بن أبي مليكة قال : "دخل ابن عباس على عائشة فقال : كنت أعظم المسلمين بركة عالى المسلمين! سقطت قلادتك بالأبوأء، فأنزل الله فيك آية التيمم! "
واختلفت القرأة في قراءة قوله : "أو لامستم النساء".
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة وبعض البصريين والكوفيين : "أو لامستم" بمعنى : أو لمستم نساءكم ولمسنكم .
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين : أو لمستم النساء بمعنى : أو لمستم ، أنتم أيها الرجال ، نساءكم . وهما قراءتان متقاربتا المعنى . لأنه لا يكون الرجل لامساً أمرأته إلا وهي لامسته . ف ال سر في ذلك يدل على معنى اللماس ، و اللماس على معنى اللمس من كل واحد منهما صاحبه . فبأي القراءتين قرأ ذلك القارىء فمصيب ، لاتفاق معنييهما.
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه : "فلم تجدوا ماء"، أو لمستم النساء، فطلبتم الماء لتتطهروا به فلم تجدوه بثمن ولا غير ثمن، "فتيمموا" يقول : فتعمدوا.
وهو: تفعلوا من قول القائل : تيممت كذا - إذا قصدته وتعمدته - فأنا أتيممه ، وقد يقال منه : يممه فلان فهو ييممه وأممته أنا وأممته خفيفة، وتيممت وتأممت ، ولم يسمع فيها يممت خفيفة . ومنه قول أعشى بني ثعلبة:
تيممت قيساً وكم دونه من الأرض من مهمه ذي شزن
يعني بقوله : تيممت ، تعمدت وقصدت .
وقد ذكر أنها في قراءة عبد الله : فأموا صعيداً.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني عبد الله بن محمد قال ، حدثنا عبدان قال ، أخبرنا ابن المبارك قال ، سمعت سفيان يقول في قوله : "فتيمموا صعيدا طيبا"، قال : تحروا وتعمدوا صعيداً طيباً.
وأما الصعيد، فإن أهل التأويل اختلفوا فيه.
فقال بعضهم : هو الأرض الملساء التي لا نبات فيها ولا غراس.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: "صعيدا طيبا"، قال : التي ليس فيها شجر ولا نبات .
وقال آخرون : بل هو الأرض المستوية.
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد: الصعيد، المستوي.
وقال اخرون . بل الصعيد ، التراب .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا الحكم بن بشير قال ، حدثنا عمرو بن قيس الملائي قال : الصعيد ، التراب.
وقال آخرون : الصعيد ، وجه الأرض .
وقال آخرون : بل هو وجه الأرض ذات التراب والغبار.
قال أبو جعفر: وأولى ذلك بالصواب قول من قال . هو وجه الأرض الخالية من النبات والغروس والبناء، المستوية ، ومنه قول ذي الرمة:
كأنه بالضحى ترمي الصعيد به دبابة في عظام الرأس خرطوم
يعني : تضرب به وجه الأرض .
وأما قوله : "طيبا"، فإنه يعني به : طاهراً من الأقذار والنجاسات.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : "طيبا".
فقال بعضهم : حلالاً.
ذكر من قال ذلك :
حدثني عبد الله بن محمد قال ، حدثنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا ابن المبارك قال ، سمعت سفيان يقول في قوله : "صعيدا طيبا" قال : قال بعضهم : حلالاً.
وقال بعضهم بما:
حدثني عبد الله قال ، حدثنا عبدان قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن جريج قراءة، قال : قلت لعطاء: "فتيمموا صعيدا طيبا"، قال : طيب ما حولك . قلت : مكان جرد غير بطح ،أيجزىء عني ؟ ظل :نعم.
ومعنى الكلام : فإن لم تجدوا ماء، أيها الناس ، وكنتم مرضى، أو على سفر، أو جاء أحد منكم من الغائط ، أو لمستم النساء، فأردتم أن تصلوا، "فتيمموا"، يقول : فتعمدوا وجه الأرض الطاهرة، "فامسحوا بوجوهكم وأيديكم".
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : فامسحوا منه بوجوهكم وأيديكم ، ولكنه ترك ذكر منه ، اكتفاء بدلالة الكلام عليه .
والمسح منه بالوجه ، أن يضرب المتيمم بيديه على وجه الأرض الطاهر، أو ما قام مقامه ، فيمسح بما علق من الغبار وجهه . فإن كان الذي علق به من الغبار كثيرا فنفخ عن يديه أو نفضه ، فهو جائز. وإن لم يعلق بيديه من الغبار شيء وقد ضرب بيديه أو إحداهما الصعيد، ثم مسح بهما أو بها وجهه ، أجزأه ذلك ، لإجماع جميع الحجة على أن المتيمم لو ضرب بيديه الصعيد -وهو أرض رمل - فلم يعلق بيديه منها شيء فتيمم به ، أن ذلك مجزئه ، لم يخالف ذلك من يجوز أن يعتد خلافاً. فلما كان ذلك إجماعاً منهم ، كان معلوما أن الذي يراد به من ضرب الصعيد باليدين ، مباشرة الصعيد بهما، بالمعنى الذي أمر الله بمباشرته بهما، لا لأخذ تراب منه.
وأما المسح باليدين، فإن أهل التأويل اختلفوا في الحد الذي أمر الله بمسحه من اليدين.
فقال بعضهم : حد ذلك اللأكفان إلى الزندين ، وليس على المتيمم مسح ما وراء ذلك من الساعدين.
ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال ، حدثنا ابن إدريس ، عن حصين ، عن أبي مالك قال : تيمم عمار فضرب بيديه إلى التراب ضربة واحدة، ثم مسح بيديه واحدة على الأخرى، ثم مسح وجهه ، ثم ضرب بيديه أخرى، فجعل يلوي يده على الأخرى، ولم يمسح الذراع.
حدثنا أبو السائب قال ، حدثنا ابن إدريس ، عن ابن أبي خالد قال : رأيت الشعبي وصف لنا التيمم : فضرب بيديه إلى الأرض ضربة، ثم نفضهما ومسح وجهه ، ثم ضرب أخرى، فجعل يلوي كفيه إحداهما على الأخرى. ولم يذكر أنه مسح الذراع .
حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو الأحوص ، عن حصين ، عن أبي مالك قال : وضعع عماربن ياسر كفيه في التراب ، ثم رفعهما فنفخهما، فمسح وجهه وكفيه ، ثم قال : هكذا التيمم.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا أبو تميلة قال ، حدثنا سلام مولى حفص قال ، سمعت عكرمة يقول : التيمم ضربتان : ضربة للوجه ، وضربة للكفين.
حدثنا علي بن سهل قال ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، وعن سعيد وابن جابر: أن مكحولاً كان يقول : التيمم ضربة للوجه والكفين إلى الكوع ، ويتأول مكحول القرآن في ذلك : "فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق" [المائدة : 6]، وقوله في التيمم : "فامسحوا بوجوهكم وأيديكم"، ولم يستثن فيه كما استثنى في الوضوء "إلى المرافق"، قال مكحول : قال الله "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" [المائدة : 16]، فإنما تقطع يد السارق من مفصل الكوع.
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال ، حدثنا بشر بن بكر التنيسي، عن ابن جابر: أنه رأى مكحولاً يتيمم ، يضرب بيديه على الصعيد، ثم يمسح بهما وجهه وكفيه بواحدة.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبي قال : التيمم ضربة للوجه والكفين.
وعلة من قال هذه المقالة من الأثر، ما:
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عبدة ومحمد بن بشر، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه ، "عن عمار بن ياسر: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التيمم ، فقال: مرة للكفين والوجه". وفي حديث ابن بشر: أن عمارا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن التيمم .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عبيد بن سعيد القرشي ، عن شعبة، عن الحكم ، "عن ابن أبزى، قال : جاء رجل إلى عمر فقال : إني أجنبت فلم أجد الماء! فقال عمر: لا تصل . فقال له عمار: أما تذكر أنا في مسير على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجنبت أنا وأنت ، فأما أنت فلم تصل ، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : إنما كان يكفيك، وضرب حفيه الأرض ، ونفخ فيهما، ومسح وجهه وكفيه مرة واحدة؟"
وقالوا : أمر الله في التيمم بمسح الوجه واليدين ، فما مسح من وجهه ويديه في التيمم أجزأه ، إلا أن يمنع من ذلك ما يجب التسليم له من أصل أو قياس.
وقال آخرون : حد المسح الذي أمر الله به في التيمم ، أن يمسح جميع الوجه واليدين إلى المرفقين .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا عمران بن موسى القزاز قال ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال ، حدثنا أيوب عن نافع : أن ابن عمر تيمم بمربد النعم ، فضرب ضربة فمسح وجهه ، وضرب ضربة فمسح يديه إلى المرفقين .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر قال : سمعت عبيد الله ، عن نافع ، عن عبد الله أنه قال : التيمم مسحتان ، يضرب الرجل بيديه الأرض يمسح بهما وجهه ، ثم يضرب بهما مرة أخرى فيمسح يديه إلى المرفقين.
حدثني ابن المثنى قال ، حدثنا يحيى بن عبيد الله قال ، أخبرني نافع ، عن ابن عمر في التيمم قال : ضربة للوجه ، وضربة للكفين إلى المرفقين .
حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا، حدثنا ابن إدريس ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : كان يقول في المسح في التيمم : إلى المرفقين .
حدثنا حميد بن مسعدة قال ، حدثنا بشر بن المفضل قال ، حدثنا ابن عون لمال : سألت الحسن عن التيمم ، فضرب بيديه على الأرض فمسح بهما وجهه ، وضرب بيديه فمسح بهما ذراعيه ظاهرهما وباطنهما .
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا عبد الوهاب قال ، حدثنا داود، عن عامر: أنه قال في هذه الآية : "فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين" [المائدة : 16]، وقال في هذه الآية "فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه" [المائدة : 6]، قال : أمر أن يمسح في التيمم ، ما أمر أن يغسل في الوضوء، وأبطل ما أمر أن يمسح في الوضوء: الرأس والرجلان .
حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية، وحدثنا ابن المثنى قال ، حدثني محمدبن أبي عدي ، جميعاً، عن داود، عن الشعبي في التيمم قال : ضربة للوجه ، ولليدين إلى المرفقين .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي قال : أمر بالتيمم ، فيما أمر بالغسل .
حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية، عن أيوب قال : سألت سالم بن عبد الله عن التيمم ، فضرب بيديه على الأرض ضربة فمسح بهما وجهه ، ثم ضرب بيديه على الأرض ضربة أخرى، فمسح بهما يديه إلى المرفقين .
حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية قال ، أخبرنا حبيب بن الشهيد، عن الحسن : أنه سئل عن التيمم فقال : ضربة يمسح بها وجهه ، ثم ضربة أبرى يمسح بها يديه إلى المرفقين .
وعلة مات قال هذه المقالة : أن التيمم بدل من الوضوء، وعلى المتيمم أن يبلغ بالتراب من وجهه ويديه ما كان عليه أن يبلغه بالماء منهما في الوضوء. واعتلوا من الأثر بما:
حدثني به موسى بن سهل الرملي قالى، حدثنا نعيم بن حماد قال ، حدثنا خارجة بن مصعب ، عن عبد الله بن عطاء، عن موسى بن عقبة، عن الأعرج، "عن أبي جهيم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول ، فسلمت عليه ، فلم يرد علي . فلما فرغ قام إلى حائط فضرب بيديه عليه ، فمسح بهما وجهه ، ثم ضرب بيديه إلى الحائط فمسح بهما يديه إلى المرفقين ، ثم رد علي السلام".
وقال آخرون : الحد الذي أمر الله أن يبالغ بالتراب إليه في التيمم : الآباط.
ذكر من قال ذلك:
حدثني أحمد بن عبد الرحمن البرقي قال ، حدثني عمرو بن أبي سلمة التنيسي، عن الأوزاعي، عن الزهري قال : التيمم إلى الآباط.
وعلة من قال ذلك : أن الله أمر بمسح اليد في التيمم ، كما أمر بمسح الوجه . وقد أجمعوا أن عليه أن يمسح جميع الوجه ، فكذلك عليه جميع اليد، ومن طرف الكف إلى الإبط يد. واعتلوا من الخبر بما:
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا صيفي بن ربعي ، عن ابن أبي ذئب ، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي اليقظان قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهلك عقد لعائشة، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أضاء الصبح ، فتغيظ أبو بكر على عائشة، فنزلت عليه الرخصة، المسح بالصعيد. فدخل أبو بكر فقال لها: إنك لمباركة! نزل فيك رخصة! فضربنا بأيدينا: ضربة لوجوهنا، وضربة بأيدينا إلى المناكب والآباط.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك : أن الحد الذي لا يجزىء المتيمم أن يقصر عنه في مسحه بالتراب من يديه : الكفان إلى الزندين ، لإجماع الجميع على أن المقصير عن ذلك غير جائز. ثم هو فيما جاوز ذلك مخير، إن شاء بيغ بمسحه المرفقين ، وإن شاء الآباط . والعلة التي من أجلها جعلناه مخيرا فيما جاوز الكفين : أن الله لم يحد في مسح ذلك بالتراب في التيمم حداً لا يجوز التقصير عنه. فما مسح المتيمم من يديه أجزأه ، إلا ما أجمع عليه ، أو قامت الحجة بأنه لا يجزئه التقصير عنه. وقد أجمع الجميع على أن التقصير عن الكفين غير مجزىء، فخرج بذلك بالسنة، وما عدا ذلك فمختلف فيه . وإذا كان مختلفاً فيه ، وكان الماسح بكفيه داخلاً في عموم الآية، كان خارجاً مما لزمه من فرض ذلك.
واختلف أهل التأويل في الجنب ، هل هو ممن دخل في رخصة التيمم إذا لم يجد الماء أم لا؟.
فقال جماعة من أهل التأويل من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين: حكم الجنب فيما لزمه من التيمم إذا لم يجد الماء، حكم من جاء من الغائط وسائر من أحدث ممن جعل التيمم له طهوراً لصلاته . وقد ذكرت قول بعض من تأول قول الله : "أو لامستم النساء"، أو جامعتموهن ، وتركنا ذكر الباقين لكثرة من قال ذلك .
واعتل قائلو هذه المقالة، بأن للجنب التيمم إذا لم يجد الماء في سفره، بإجماع الحجة على ذلك نقلا عن نبيها صلى الله عليه وسلم، الذي يقطع العذر ويزيل الشك .
وقال جماعة من المتقدمين : لا يجزىء الجنب غير الاغتسال بالماء، وليس له أن يصلي بالتيمم ، والتيمم لا يطهره . قالوا : وإنما جعل التيمم رخصة لغير الجنب . وتأولوا قول الله : "ولا جنبا إلا عابري سبيل". قالوا: وقد نهى الله الجنب أن يقرب مصلى المسلمين إلا مجتازاً فيه حتى يغتسل ، ولم يرخص له بالتيمم . قالوا : وتأويل قوله : "أو لامستم النساء"، أو لامستموهن باليد، دون الفرج ، ودون الجماع . قالوا : فلم نجد الله رخص للجنب في التيمم ، بل أمره بالغسل ، وأن لا يقرب الصلاة إلا مغتسلاً. قالوا: والتيمم لا يطهره لصلاته.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش ، عن شقيق قال : كنت مع عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري ، فقال أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن ، أرأيت رجلاً أجنب فلم يجد الماء شهراً، أيتيمم ؟ فقال عبد الله : لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهراً. فقال أبو موسى: فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة : " فتيمموا صعيدا طيبا "؟ [المائدة: 6] فقال عبد الله : إن رخص لهم في هذا، لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد! فقال له أبو موسى : إنما كرهتم هذا لهذا؟ قال : نعم ! قال أبو موسى : ألم تسمع قول عمار لعمر: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة، فأجنبت فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة . قال : فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنما يكفيك أن تصنع هكذا: وضرب بكفيه ضربة واحدة، ومسح بهما وجهه ، ومسح كفيه ؟ قال عبد الله : ألم تر عمر لم يقنع لقول عمار؟ .
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن سلمة، عن أبي مالك ، وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن عبد الرحمن بن أبزى قال : كنا عند عمر بن الخطاب رحمه الله ، فأتاه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، إنا نمكث الشهر والشهرين لا نجد الماء! فقال عمر: أما أنا، فلو لم أجد الماء لم أكن لأصلي حتى أجد الماء. قال عمار بن ياسر: أتذكر يا أمير المؤمنين ، حيث كنا بمكان كذا وكذا ، ونحن نرعى الإبل ، فتعلم أنا أجنبنا؟ - قال : نعم ! - فاما أنا فتمرغت في التراب ، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن كان الصعيد لكافيك ! وضرب بكفيه الأرض ، ثم نفخ فيهما، ثم مسح وجهه وبعفهر ذراعيه ؟ فقال : اتق الله يا عمار! فقال : يا أمير المؤمنين ، إن شئت لم أذكره ! فقال : لا، ولكن نوليك من ذلك ما توليت.
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن الحكم قال : سمعت إبراهيم في دكان مسلم الأعور، فقلت : أرأيت إن لم تجد الماء وأنت جنب ؟ قال : لا أصلي .
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك : أن الجنب ممن أمره الله بالتيمم إذا لم يجد الماء، والصلاة، بقوله : "أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا". وقد بينا ثم أن معنى الملامسة، في هذا الموضع : الجماع ، بنقل الحجة التي لا يجوز الخطأ فيما نقلته مجمعةً عليه ، ولا السهو ولا التواطؤ والتشاعر، بأن حكم الجنب في ذلك حكم سائر من أحدث فلزمه التطهر لصلاته ، مع ما قد روي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأخبار التي قد ذكرنا بعضها، وتركنا ذكر كثير منها، استغناءً بما ذكرنا منها عما لم نذكر، وكراهة منا إطالة الكتاب باستقصاء جميعه.
واختلف أهل التاويل في تأويل قوله : "فلم تجدوا ماء فتيمموا"، وهل ذلك أمر من الله بالتيمم كلما لزمه طلب الماء، أم ذلك أمر منه بالتيمم كلما لزمه الطلب وهو محدث حدثاً يجب عليه منه الوضوء بالماء، لو كان للماء واجدا؟.
فقال بعضهم : ذلك أمر من الثه بالتيمم كلما لزمه فرض الطلب بعد الطلب ، محدثاً كان أو غير محدث.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم ، عن الحجاج ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول : التيمم لكل صلاة.
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن المبارك قال ، أخبرنا هشيم قال ، أخبرنا الحجاج ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي مثله .
حدثني عبد الله بن محمد قال ، حدثنا عبدان المروزي قال ، أخبرنا ابن المبارك قال ، أخبرنا عبد الوارث قال ، أخبرنا عامر الأحول ، عن نافع : أنه حدثه عن ابن عمر مثل ذلك .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا جابر بن نوح قأل ، أخبرنا مجالد، عن الشعبي قال : لا يصلي بالتيمم إلا صلاة واحدة.
حدثنا المثنى قال ، حدثنا سويد قال ، أخبرنا ابن المبارك، عن سعيد، عن قتادة قال : يتيمم لكل صلاة، ويتأول هذه الآية: "فلم تجدوا ماءً".
قال أخبرنا ابن المبارك قال، حدثنا الفريابي، عن الأوزاعي، عن يحيى بن سعيد وعبد الكريم وربيعة بن أبي عبد الرحمن قالوا : التيمم لكل صلاة.
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا أبو داود قال ، حدثنا عمران القطان ، عن قتادة، عن النخعي قال : يتيمم لكل صلاة.
وقال آخرون : بل ذلك أمر من الله بالتيمم بعد طلب الماء من لزمه فرض الطلب إذا كان محدثاً. فأما من لم يكن أحدث بعد تطهره بالتراب ، فلزمه فرض الطلب ، فليس عليه تجديد تيممه ، وله أن يصلي بتيممه الأول.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا حميد بن مسعدة قال ، حدثنا سفيان بن حبيب، عن يونس ، عن الحسن قال : التيمم بمنزلة الوضوء.
حدثنا إسماعيل بن موسى السدي قال ، حدثنا عمر بن شاكر، عن الحسن قال : يصلي المتيمم بتيممه ما لم يحدث ، فإن وجد الماء فليتوضأ.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن إدريس قال ، أخبرنا هشام ، عن الحسن قال : كان الرجل يصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم يحدث . وكذلك التيمم .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن إدريس قال ، أخبرنا هشام ، عن الحسن قال : كان الرجل يصلي الصلوات كلها بوضوء واحد.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو داود قال ، حدثنا أبي ، عن قتادة، عن الحسن قال : يصلي الصلوات بالتيمم ما لم يحدث .
حدثنا حميد بن مسعدة قال ، حدثنا سفيان بن حبيب، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : التيمم بمنزلة الوضوء.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندنا بالصواب ، قول من قال : يتيمم المصلي لكل صلاة لزمه طلب الماء شطهر لها فرضا، لأن الله جل ثناؤه أمر كل قائم إلى الصلاة بالتطهر بالماء، فإن لم يجد الماء فالتيمم . ثم أخرج القائم إلى الصلاة من كان قد تقدم من قيامه إليها الوضوء بالماء، سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن يكون قد أحدث حدثاً ينقض طهارته ، فيسقط فرض الوضوء عنه بالسنة . وأما القائم إليها وقد تقدم قيامه إليها التيمم لصلاة قبلها، ففرض التيمم له لازم بظاهر التنزيل ، بعد طلبه الماء إذا أعوزه.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : إن الله لم يزل ، "عفوا"، عن ذنوب عباده ، وتركه العقوبة على كثير منها ما لم يشركوا به ، كما عفا لكم ، أيها المؤمنون ، عن قيامكم إلى الصلاة التي فرضها عليكم في مساجدكم وأنتم سكارى، "غفورا"، يقول : فلم يزل يستر عليهم ذنوبهم بتركه معاجلتهم العذاب على خطاياهم ، كما ستر عليكم ، أيها المؤمنون ، بتركه معاجلتكم على صلاتكم في مساجدكم سكارى . يقول : فلا تعودوا لمثلها، فينالكم بعودكم لما قد نهيتكم عنه من ذلك ، منكلة.
فيه أربع وأربعون مسألة:
الأولى- قوله تعالى :" يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " خص الله سبحانه وتعالى بهذا الخطاب المؤمنين، لأنهم كانوا يقيمون الصلاة قد أخذوا من الخمر وأتلفت عليهم أذهانهم فخصوا بهذا الخطاب، إذ كان الكفار لا يفعلونها صحاة ولا سكارى روى أبو داود عن عمر بن الخطاب رضي الله عنها قال:
لما نزل تحريم الخمر قال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً ، فنزلت الآية التي في البقرة " يسألونك عن الخمر والميسر " [ البقرة :219] قال فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت الآية التي في النساء "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة ينادي: ألا لا يقربن الصلاة سكران ، فدعي عمر فقرئت لعيه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت هذه الآية :" فهل أنتم منتهون" [ المائدة:91] قال عمر: انتهينا. وقال سعيد بن جبير: كان الناس على أمر جاهليتهم حتى يؤمروا أو ينهوا فكانا يشربونها أول الإسلام حتى نزلت: " يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس " قالوا: نشربها للمنفعة لا للإثم ، فشربها رجل فتقدم يصلي بهم فقرأ قل يأيها الكافرون أعبد ما تعبدون فنزلت : " يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " فقالوا: في غير عين الصلاة فقال عمر: اللهم أنزل علينا في الخمر بيانا شافياً فنزلت " إنما يريد الشيطان" [ المائدة:91] الآية فقال: عمر: انتيهنا . انتيهنا ثم طاف منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا إن الخمر قد حرمت على ما يأتي بيانه في المائدة إن شاء الله تعالى : وروى الترمذي عن علي بن أبي طالب قال:
صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت" قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون " ونحن نعبد ما تبعدون قال : فأنزل الله تعالى :" يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون" قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح .ووجه الاتصال والنظم بما قبله أنه قال سبحانه وتعالى :" واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا"[النساء : 63].
ثم ذكر بعد الإيمان الصلاة التي هي رأس العبادات، ولذلك يقتل تاركها ولا يسقط فرضها، وانجز الكلام إلى ذكر شروطها التي لا تصح إلا بها .
الثانية - والجمهور من العلماء وجماعة الفقهاء على أن المراد بالسكر سكر الخمر ، إلا الضحاك فإنه قال: المراد سكر النوم "لقوله عليه السلام:
إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإنه لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه " وقال عبيدة السلماني: وأنتم سكارى يعني إذا كنت حاقناً "لقوله عليه السلام:
لا يصلين أحدكم وهو حاقن " في رواية "وهو ضام بين فخذيه "
قلت وقول الضحاك وعبيدة صحيح المعنى، فإن المطلوب من المصلي الإقبال على الله تعالى بقلبه وترك الالتفات إلى غيره والخلو عن كل ما يشوش عليه من نوم وحقنه وجوع وكل ما يشغل البال ويغير الحال "قال صلى الله عليه وسلم :
إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدئوا بالعشاء " فراعى صلى الله عليه وسلم زوال كل مشوش يتعلق به الخاطر، حتى يقبل على عبادة ربه بفراغ قبله وخالص لبه، فيخشع في صلاته ويدخل في هذه الآية :" قد أفلح المؤمنون* الذين هم في صلاتهم " "خاشعون" [ المؤمنون :1-2] على ما يأتي بيانه وقال ابن عباس: إن قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " منسوخ بآية المائدة :" إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا"[ المائدة :6] الآية ،فأمروا على هذا القول بألا يصلوا سكارى ثم أمروا بأن يصلوا على كل حال وهذا قبل التحريم وقال مجاهد: نسخت بتحريم الخمر وكذلك قال عكرمة وقتادة وهو الصحيح في الباب الحديث علي المذكور وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أقيمت الصلاة فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقربن الصلاة سكران ذكره النحاس. وعلى قول الضحاك وعبيدة الآية محكمة لا نسخ فيها .
الثالثة - قوله تعالى :" لا تقربوا " إذا قيل: لا تقرب بفتح الراء كان معناه لا تلبس بالفعل وإن كان بضم الراء كان معناه لا تدن منه، والخطاب لجماعة الأمة الصالحين، وأما السكران إذا عدم الميز لسكره فليس بمخاطب في ذلك الوقت لذهاب عقله وإنما هو مخاطب بامتثال ما يجب عليه وبتكفير ما ضيع في وقت سكره من الأحكام التي تقرر تكلفيه إياها قبل السكر.
الرابعة - قوله تعالى :" الصلاة " اختلف العلماء في المراد بالصلاة هنا فقالت: طائفة هي العبادة المعروفة نفسها، وهو قول أبي حنيفة ولذلك قال :" حتى تعلموا ما تقولون " وقالت طائفة: المراد مواضع الصلاة، وهو قول الشافعي فحذف المضاف وقد قال تعالى :" لهدمت صوامع وبيع وصلوات " [ الحج : 40] فسمى مواضع الصلاة صلاة ويدل على هذا التأويل قوله تعالى :" ولا جنبا إلا عابري سبيل " وهذا يقتضي جواز العبور للجنب في المسجد لا الصلاة فيه وقال أبو حنيفة: المراد بقوله تعالى : " ولا جنبا إلا عابري سبيل" المسافر إذا لم يجد الماء فإنه يتيمم ويصلي وسيأتي بيانه ، وقالت طائفة :المراد الموضع الصلاة معاً لأنهم كانوا حينئذ لا يأتون المسجد إلا للصلاة ولا يصلون إلا مجتمعين فكانا متلازمين .
الخامسة - قوله تعالى :" وأنتم سكارى " ابتداء وخبر وجملة في موضع الحال من تقربوا وسكارى جمع سكران مثل سكران وكسالى وقرأ النخعي سكرى بفتح السين على مثال فعلى وهو تكسير سكران، وإنما كسر على سكرى لأن السكر آفة تلحق العقل فجرى مجرى صرعى وبابه، وقرأ الأعمش سكرى كحبلى فهو صفة مفردة وجاز الإخبار بالصفة المفردة عن الجماعة على ما يستعملونه من الإخبار عن الجماعة بالواحد والسكر : نقيض الصحو يقال: سكر يسكر سكراً، من باب حمد يحمد وسكرت عينه تسكر أي تحيرت ومنه قوله تعالى :" إنما سكرت أبصارنا " [ الحجر : 15] وسكرت الشق سددته، فالسكران قد انقطع عما كان عليه من العقل.
السادسة - وفي هذه الآية دليل بل نص على أن الشرب كان مباحاً في أول الإسلام حتى ينتهي بصاحبه إلى السكر، وقال قوم : السكر محرم في العقل وما أبيح في شيء من الأديان وحملوا السكر في هذه الآية على النوم، وقال القفال : يحتمل أنه كان أبيح لهم من الشراب ما يحرك الطبع إلى السخاء والشجاعة والحمية .
قلت : وهذا المعنى موجود في أشعارهم وقد قال حسان:
ونشربها فتتركنا ملوكا
وقد أشبعنا هذا المعنى في البقرة قال القفال : فأما ما يزل العقل حتى يصير صاحبه في حد الجنون والإغماء فما أبيح قصده بل لو اتفق من غير قصد فيكون مرفوعاً عن صاحبه.
قلت: هذا صحيح، وسيأتي بيانه في المائدة إن شاء الله تعالى في قصة حمزة وكان المسلمون لما نزلت هذه الآية يجتنبون الشرب أوقات الصلوات فإذا صلوا العشاء شربوها فلم يزالوا على ذلك حتى نزل تحريمها في المائدة في قوله تعالى :" فهل أنتم منتهون " [المائدة :91]
السابعة- قوله تعالى :" حتى تعلموا ما تقولون " أي حتى تعلموه متيقنين فيه من غير غلط والسكران لا يعلم ما يقول، ولذلك قال عثمان بن عفان رضي الله عنه : إن السكران لا يلزمه طلاقه وروي عن ابن عباسو طاوس وعطاء والقاسم وربيعة وهو قول الليث بن سعد وإسحاق وأبي ثور والمزني، واختاره الطحاوي وقال : أجمع العلماء على أن طلاق المعتوه لا يجوز والسكران معتوه كالموسوس معتوه بالوسواس ولا يختلفون أن من شرب البنج فذهب عقله أن طلاقه غير جائز فكذلك من سكر من الشراب . وأجازت طائفة طلاقه وروي عن عمر بن الخطاب ومعاوية وجماعة من التابعين وهو وقول أبو حنيفة والثوري والأوزاعي واختلف فيه قول الشافعي: وألزمه مالك الطلاق والقود في الجرح والقتل ولم يلزمه النكاح والبيع، وقال أبو حنيفة: أفعال السكران وعقوده كلها ثابتة كأفعال الصاحي، إلا الردة فإنه إذا ارتد فإنه لا تبين منه امرأته إلا استحساناً وقال أبو يوسف: يكون مرتداً في حال سكره وهو قول الشافعي إلا أنه لا يقتله في حال سكره ولا يستتيبه .
وقال الإمام أبو عبد الله المازري: وقد رويت عندنا رواية شاذة أنه لا يلزم طلاق السكران وقال محمد بن عبد الحكم: لا يلزمه طلاق ولا عتاق قال ابن شاس: ونزل الشيخ أبو الوليد الخلاف على المخلط الذي معه بقية من عقله إلا أنه لا يملك الاختلاط من نفسه فيخطئ ويصيب قال : فأما السكران الذي لا يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة فلا اختلاط في أنه كالمجنون في جميع أفعاله وأحواله فيما بينه وبين الناس، وفيما بينه وبين الله تعالى أيضاً، إلا فيما ذهب وقته من الصلوات، فقيل: إنها تسقط عنه بخلاف المجنون من أجل أنه بإدخاله السكر على نفسه كالمتعمد لتركها حتى خرج وقتها، وقال سفيان الثوري: حد السكر اختلال العقل، فإذا استقرئ فخلط في قراءته وتكلم بما لا يعرف جلد وقال أحمد: إذا تغير عقله عن حال الصحة فهو سكران وحكي عن مالك نحوه. قال ابن المنذر: إذا خلط في قراءته فهو سكران، استدلالاً بقول الله تعالى :" حتى تعلموا ما تقولون " فإذا كان بحيث لا يعلم ما يقول تجب المسجد مخافة التلويث ولا تصح صلاه وإن صلى قضى وإن كان بحيث يعلم ما يقول فأتى بالصلاة فحكمه حكم الصاحي .
الثامنة - قوله تعالى :" ولا جنبا" عطف على موضع الجملة المنصوبة في قوله " حتى تعلموا" أي لا تصلوا وقد أجنبتم ويقال: تجنبتم وأجنبتم وجنبتم بمعنى ولفظ الجنب لا يؤنث ولا يثن ولا يجمع لأنه على وزن المصدر كالعبد والقرب، وربما خففوه فقالوا: جبن وقد قرأه كذلك قوم وقال الفراء يقال جنب الرجل وأجنب من الجنابة: وقيل: يجمع الجنب في لغة على أجناب، مثل عنق وأعناق، وطنب وأطناب ومن قال للواحد جانب قال في الجمع جناب: كقولك: راكب وركاب، والأصل البعد كأن الجنب بعد بخروج الماء الدافق عن حال الصلاة قال:
فلا تحرمني نائلاً عن جناية فإني امرؤ وسط القباب غريب
ورجل جنب غريب: والجنابة مخالطة الرجل والمرأة .
التاسعة- والجمهور من الأمة على أن الجنب هو غير الطاهر من إنزال أو مجاوزة ختان وروي عن بعض الصحابة ألا غسل إلا من إنزال "لقوله عليه السلام:
إنما الماء من الماء " أخرجه مسلم . وفي البخاري "عن أبي بن كعب أنه قال :
يا رسول الله إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل ؟ قال : يغسل ما مس المرأة منه ثم يتوضأ ويصلي" قال أبو عبد الله الغسل أحوط وذلك الآخر إنما بيناه لاختلافهم وأخرجه مسلم في صحيحه بمعناه، وقال في آخره: "قال أبو العلاء بن الشخير كان رسول اله صلى الهل عليه وسلم ينسخ بعضه بعضاً كما ينسخ القرآن بعضه بعضاً "قال أبو إسحاق: هذا منسوخ وقال الترمذي: كان هذا الحكم في أول الإسلام ثم نسخ .
قلت: على هذا جماعة العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، وأن الغسل يجب بنفس التقاء الختانين. وقد كان فيه خلاف بين الصحابة ثم رجعوا فيه إلى رواية عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
إذا جلس بين شعبها الأربع ومس، الختان الختان فقد وجب الغسل" أخرجه مسلم وفي الصحيحين من "حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قعد بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل" زاد مسلم "وإن لم يزل " قال ابن القصار: وأجمع التابعون ومن بعدهم بعد خلاف من قبلهم على الأخذ بحديث إذا التقى الختان وإذا صح الإجماع بعد الخلاف كان مسقطاً للخلاف قال القاضي عياض: لا نعلم أحداً قال به خلاف الصحابة إلا ما حكي عن الأعمش ثم بعده داود الأصبهاني. وقد روي أن عمر رضي الله عنه رضي الله عنه حمل الناس على ترك الأخذ بحديث
"الماء من الماء " لما اختلفوا وتأوله ابن عباس على الاحتلام ، أي إنما يجب الاغتسال بالماء من إنزال الماء في الاحتلام. ومتى لم يكن إنزال وإن رأى أنه يجامع فلا غسل وهذا مال خلاف فيه بين كافة العلماء.
العاشرة- قوله تعالى :" إلا عابري سبيل" يقال: عبرت الطريق أي قطعته من جانب إلى جانب: وعبرت النهر عبوراً وهذا عبر النهر أي شطه، ويقال: عبر بالضم والمعبر ما يعبر عليه من سفينة أو قنطرة وهذا عابر السبيل أي مار الطريق، وناقة عبر أسفار : لا تزال يسافر عليها ويقطع بها الفلاة والهاجرة لسرعة مشيها، وقال الشاعر.
عيرانة سرح اليدين شملة عبر الهواجر، كالهزف الخاضب
وعبر القوم ماتوا وأنشد:
قضاء اله يغلب كل شيء ويعلب بالجزوع وبالصبور
فإن نعبر فإن لنا لمات وإن نغبر فنحن على نذور
يقول: إن متنا قلنا أقران، وإن بقينا فلا بد لنا من الموت، حتى كأن علينا في إتيانه نذوراً.
الحادية عشرة- واختلف العلماء في قوله :" إلا عابري سبيل " فقال علي رضي الله عنه وابن عباس وابن جبير ومجاهد والحكم، عابر السبيل المسافر. ولا يصح لأحد أن يقرب الصلاة وهو جنب إلا بعد الاغتسال إلا المسافر فإنه يتيمم، وهذا قول أبي حنيفة لأن الغالب في الماء لا يعدم في الحضر فالحاضر يغتسل الوجود الماء ، والمسافر يتيمم إذا لم يجده قال ابن المنذر: وقال أصحاب الرأي في الجنب المسافر يمر على مسجد فيه عني ماء يتيمم الصعيد ويدخل المسجد ويستقي منها ثم يخرج الماء من المسد ورخصت طائفة في دخول الجنب والمسجد واحتج بعضهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم
المؤمن ليس بنجس " قال ابن المنذر: وبه نقول: وقال ابن عباس أيضاً وابن مسعود وعكرمة والنخعي: عابر سبيل الخاطر المجتاز وهو قول عمرو بن دينار ومالك والشافعي وقالت طائفة: لا يمر الجنب في المسجد إلا ألا يجد بداً فيتيم ويمر فيه وهكذا قال الثوري وإسحاق بن راهويه وقال أحمد وإسحاق في الجنب، إذا توضأ لا بأس أن يجلس في المسجد حكاه ابن المنذر وروى بعضهم في سبب الآية أن قوماً من الأنصار كانت أبواب دورهم شارعة في المسجد فإذا أصاب أحدهم الجنابة اضطر إلى المرور في المسجد .
قلت: وهذا صحيح يعضده ما رواه أبو داود عن جسره بنت دجاجة قالت سمعت عائشة رضي الله عنها تقول:
"جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال: وجهوا هذا البيوت عن المسجد ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئاً رجاء أن تنزل لهم رخصة فخرج إليهم فال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسد لحائض لولا جنب " وفي صحيح مسلم .
ينهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن فعل الصلاة في حال السكر الذي لا يدري معه المصلي ما يقول, وعن قربان محالها التي هي المساجد للجنب, إلا أن يكون مجتازاً من باب إلى باب من غير مكث, وقد كان هذا قبل تحريم الخمر, كما دل عليه الحديث الذي ذكرناه في سورة البقرة عند قوله تعالى: "يسألونك عن الخمر والميسر" الاية. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلاها على عمر, فقال "اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً", فلما نزلت هذه الاية تلاها عليه فقال "اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً" فكانوا لا يشربون الخمر في أوقات الصلوات فلما نزل قوله: "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون" إلى قوله تعالى: "فهل أنتم منتهون" فقال عمر: انتهينا انتهينا. وفي رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن شرحبيل عن عمر بن الخطاب في قصة تحريم الخمر, فذكر الحديث وفيه: فنزلت الاية التي في النساء "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون" فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قامت الصلاة ينادي: أن لا يقربن الصلاة سكران, لفظ أبي داود. ذكروا في سبب نزول هذه الاية ما رواه ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن حبيب, حدثنا أبو داود, حدثا شعبة, أخبرني سماك بن حرب قال: سمعت مصعب بن سعد يحدث عن سعد قال: نزلت في أربع آيات, صنع رجل من الأنصار طعاماً فدعا أناساً من المهاجرين وأناساً من الأنصار, فأكلنا وشربنا حتى سكرنا, ثم افتخرنا, فرفع رجل لحى بعير ففزر به أنف سعد, فكان سعد مفزور الأنف, وذلك قبل تحريم الخمر, فنزلت "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى" الاية, والحديث بطوله عند مسلم من رواية شعبة, ورواه أهل السنن إلا ابن ماجه من طرق عن سماك به.
(سبب آخر) قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عمار, حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الدشتكي, حدثنا أبو جعفر عن عطاء بن السائب, عن أبي عبد الرحمن السلمي, عن علي بن أبي طالب, قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً فدعانا وسقانا من الخمر, فأخذت الخمر منا, وحضرت الصلاة فقدموا فلاناً, قال فقرأ: قل يا أيها الكافرون ما أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون, فأنزل الله "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون" هكذا رواه ابن أبي حاتم, وكذا رواه الترمذي عن عبد بن حميد, عن عبد الرحمن الدشتكي به, وقال: حسن صحيح. وقد رواه ابن جرير عن محمد بن بشار, عن عبد الرحمن بن مهدي, عن سفيان الثوري, عن عطاء بن السائب, عن أبي عبد الرحمن, عن علي: أنه كان هو وعبد الرحمن ورجل آخر, شربوا الخمر فصلى بهم عبد الرحمن فقرأ "قل يا أيها الكافرون" فخلط فيها, فنزلت "لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى" وهكذا رواه أبو داود والنسائي من حديث الثوري به, ورواه ابن جرير أيضاً عن ابن حميد, عن جرير, عن عطاء, عن أبي عبد الرحمن السلمي, قال: كان علي في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عبد الرحمن بن عوف, فطعموا فأتاهم بخمر فشربوا منها, وذلك قبل أن يحرم الخمر, فحضرت الصلاة فقدموا علياً فقرأ بهم "قل يا أيها الكافرون" فلم يقرأها كما ينبغي, فأنزل الله عز وجل "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى" ثم قال: حدثني المثنى, حدثنا الحجاج بن المنهال, حدثنا حماد عن عطاء بن السائب, عن عبد الرحمن بن حبيب وهو أبو عبد الرحمن السلمي: أن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاماً وشراباً, فدعا نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم المغرب, فقرأ: قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون, وأنتم عابدون ما أعبد, وأنا عابد ما عبدتم, لكم دينكم ولي دين, فأنزل الله عز وجل هذه الاية "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون" وقال العوفي عن ابن عباس في الاية: إن رجالاً كانوا يأتون الصلاة وهم سكارى قبل أن يحرم الخمر, فقال الله "لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى" الاية, رواه ابن جرير, وكذا قال أبو رزين ومجاهد. وقال عبد الرزاق عن معمر, عن قتادة: كانوا يجتنبون السكر عند حضور الصلوات ثم نسخ بتحريم الخمر. وقال الضحاك في الاية: لم يعن بها سكر الخمر وإنما عنى بها سكر النوم, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم, ثم قال ابن جرير: والصواب أن المراد سكر الشراب, قال: ولم يتوجه النهي إلى السكران الذي لا يفهم الخطاب, لأن ذاك في حكم المجنون, وإنما خوطب بالنهي الثمل الذي يفهم التكليف, وهذا حاصل ما قاله, وقد ذكره غير واحد من الأصوليين, وهو أن الخطاب يتوجه إلى من يفهم الكلام دون السكران الذي لا يدري ما يقال له فإن الفهم شرط التكليف, وقد يحتمل أن يكون المراد التعريض بالنهي عن السكر بالكلية لكونهم مأمورين بالصلاة في الخمسة الأوقات من الليل والنهار, فلا يتمكن شارب الخمر من أداء الصلاة في أوقاتها دائماً, والله أعلم, وعلى هذا فيكون كقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" وهو الأمر لهم بالتأهب للموت على الإسلام والمداومة على الطاعة لأجل ذلك. وقوله "حتى تعلموا ما تقولون" هذا أحسن ما يقال في حد السكران أنه الذي لا يدري ما يقول, فإن المخمور فيه تخليط في القراءة وعدم تدبره وخشوعه فيها. وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد, حدثنا أبي, حدثنا أيوب عن أبي قلابة, عن أنس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا نعس أحدكم وهو يصلي فلينصرف فلينم حتى يعلم ما يقول" انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم, ورواه هو والنسائي من حديث أيوب به. وفي بعض ألفاظ الحديث "فلعله يذهب يستغفر فيسب نفسه" وقوله: "ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا" قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عمار, حدثنا عبد الرحمن الدشتكي, أخبرنا أبو جعفر الرازي عن زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار, عن ابن عباس في قوله: "ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا" قال لا تدخلوا المسجد وأنتم جنب, إلا عابري سبيل, قال: تمر به مراً, ولا تجلس, ثم قال: وروي عن عبد الله بن مسعود, وأنس, وأبي عبيدة, وسعيد بن المسيب, وأبي الضحى, وعطاء, ومجاهد, ومسروق, وإبراهيم النخعي, وزيد بن أسلم, وأبي مالك, وعمرو بن دينار, والحكم بن عتيبة, وعكرمة, والحسن البصري, ويحيى بن سعيد الأنصاري, وابن شهاب, وقتادة نحو ذلك, وقال ابن جرير: حدثنا المثنى, حدثنا أبو صالح, حدثني الليث, حدثنا يزيد بن أبي حبيب, عن قول الله عز وجل "ولا جنباً إلا عابري سبيل" أن رجالاً من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد, فكانت تصيبهم الجنابة ولا ماء عندهم, فيردون الماء ولا يجدون ممراً إلا في المسجد, فأنزل الله "ولا جنباً إلا عابري سبيل" ويشهد لصحة ما قاله يزيد بن أبي حبيب رحمه الله, ما ثبت في صحيح البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "سدوا كل خوخة في المسجد إلا خوخة أبي بكر" وهذا قاله في آخر حياته صلى الله عليه وسلم, علماً منه أن أبا بكر رضي الله عنه سيلي الأمر بعده, ويحتاج إلى الدخول في المسجد كثيراً للأمور المهمة فيما يصلح للمسلمين, فأمر بسد الأبواب الشارعة إلى المسجد, إلا بابه رضي الله عنه, ومن روى إلا باب علي, كما وقع في بعض السنن فهو خطأ, والصواب ما ثبت في الصحيح. ومن هذه الاية احتج كثير من الأئمة على أنه يحرم على الجنب المكث في المسجد, ويجوز له المرور, وكذا الحائض والنفساء أيضاً, في معناه, إلا أن بعضهم قال: يمنع مرورهما لاحتمال التلويث, ومنهم من قال: إن أمنت كل واحدة منهما التلويث في حال المرور, جاز لهما المرور, وإلا فلا. وقد ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "ناوليني الخمرة من المسجد" فقلت: إني حائض, فقال "إن حيضتك ليست في يدك" وله عن أبي هريرة مثله, ففيه دلالة على جواز مرور الحائض في المسجد, والنفساء في معناها, والله أعلم, وروى أبو داود من حديث أفلت بن خليفة العامري, عن جسرة بنت دجاجة, عن عائشة, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب", قال أبو مسلم الخطابي: ضعف هذا الحديث جماعة وقالوا: أفلت مجهول, لكن رواه ابن ماجه, من حديث أبي الخطاب الهجري, عن محدوج الذهلي, عن جسرة, عن أم سلمة, عن النبي صلى الله عليه وسلم به, قال أبو زرعة الرازي: يقولون: جسرة, عن أم سلمة, والصحيح جسرة عن عائشة, فأما ما رواه أبو عيسى الترمذي: من حديث سالم بن أبي حفصة عن عطية, عن أبي سعيد الخدري, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا علي لا يحل لأحد أن يجنب, في هذا المسجد غيري وغيرك" فإنه حديث ضعيف لا يثبت, فإن سالماً هذا متروك, وشيخه عطية ضعيف, والله أعلم.
(حديث آخر) في معنى الاية. قال ابن أبي حاتم: حدثنا المنذر بن شاذان, حدثنا عبيد الله بن موسى, أخبرني ابن أبي ليلى عن المنهال, عن زر بن حبيش, عن علي "ولا جنباً إلا عابري سبيل" قال: لا يقرب الصلاة, إلا أن يكون مسافراً تصيبه الجنابة, فلا يجد الماء فيصلي, حتى يجد الماء, ثم رواه من وجه آخر عن المنهال بن عمرو, عن زر, عن علي بن أبي طالب, فذكره. قال: وروي عن ابن عباس في إحدى الروايات, وسعيد بن جبير والضحاك, نحو ذلك. وقد روى ابن جرير, من حديث وكيع, عن ابن أبي ليلى عن المنهال, عن عباد بن عبد الله, أو عن زر بن حبيش عن علي, فذكره. ورواه من طريق العوفي وأبي مجلز: عن ابن عباس, فذكره. ورواه عن سعيد بن جبير, وعن مجاهد, والحسن بن مسلم, والحكم بن عتيبة, وزيد بن أسلم, وابنه عبد الرحمن مثل ذلك. وروى من طريق ابن جريج عن عبد الله بن كثير, قال: كنا نسمع أنه في السفر. ويستشهد لهذا القول بالحديث الذي رواه أحمد وأهل السنن من حديث أبي قلابة عن عمر بن بجدان, عن أبي ذر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الصعيد الطيب طهور المسلم, وإن لم تجد الماء عشر حجج, فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك, فإن ذلك خير" ثم قال ابن جرير بعد حكايته القولين: والأولى قول من قال "ولا جنباً إلا عابري سبيل" أي إلا مجتازي طريق فيه, وذلك أنه قد بين حكم المسافر إذا عدم الماء وهو جنب, في قوله "وإن كنتم مرضى أو على سفر" إلى آخره, فكان معلوماً بذلك أن قوله "ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا" لو كان معنياً به المسافر, لم يكن لإعادة ذكره في قوله "وإن كنتم مرضى أو على سفر" معنى مفهوم, وقد مضى حكم ذكره قبل ذلك, فإذا كان ذلك كذلك فتأويل الاية: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا المساجد للصلاة مصلين فيها, وأنتم سكارى, حتى تعلموا ما تقولون, ولا تقربوها أيضاً جنباً, حتى تغتسلوا, إلا عابري سبيل, قال: والعابر السبيل: المجتاز مراً وقطعاً, يقال منه: عبرت هذا الطريق, فأنا أعبره عبرا وعبوراً, ومنه يقال عبر فلان النهر, إذا قطعه وجاوزه, ومنه قيل للناقة القوية على الأسفار, هي عبر الأسفار لقوتها على قطع الأسفار, وهذا الذي نصره, هو قول الجمهور, وهو الظاهر من الاية, وكأنه تعالى نهى عن تعاطي الصلاة على هيئة ناقصة تناقض مقصودها, وعن الدخول إلى محلها على هيئة ناقصة, وهي الجنابة المباعدة للصلاة, ولمحلها أيضاً, والله أعلم. وقوله "حتى تغتسلوا" دليل لما ذهب إليه الأئمة الثلاثة, أبو حنيفة ومالك والشافعي, أنه يحرم على الجنب المكث في المسجد حتى يغتسل أو يتيمم, إن عدم الماء, أو لم يقدر على استعماله بطريقه, وذهب الإمام أحمد: إلى أنه متى توضأ الجنب, جاز له المكث في المسجد, لما روى هو وسعيد بن منصور في سننه بسند صحيح: أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك. قال سعيد بن منصور في سننه: حدثنا عبد العزيز بن محمد, هو الدراوردي, عن هشام بن سعد, عن زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار, قال: رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, يجلسون في المسجد وهم مجنبون, إذا توضؤوا وضوء الصلاة. وهذا إسناد على شرط مسلم, والله أعلم.
وقوله "وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً" أما المرض المبيح للتيمم, فهو الذي يخاف معه من استعمال الماء, فوات عضو أو شينه أو تطويل البرء, ومن العلماء من جوز التيمم بمجرد المرض, لعموم الاية, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل, حدثنا قيس, عن خصيف عن مجاهد في قوله "وإن كنتم مرضى" قال: نزلت في رجل من الأنصار, كان مريضاً فلم يستطع أن يقوم فيتوضأ, ولم يكن له خادم فيناوله, فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له, فأنزل الله هذه الاية, هذا مرسل والسفر معروف, ولا فرق فيه بين الطويل والقصير, وقوله "أو جاء أحد منكم من الغائط" الغائط هو المكان المطمئن من الأرض, كنى بذلك عن التغوط, وهو الحدث الأصغر, وأما قوله "أو لامستم النساء" فقرىء لمستم ولامستم, واختلف المفسرون والأئمة في معنى ذلك على قولين: (أحدهما): أن ذلك كناية عن الجماع, لقوله تعالى: "وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم" وقال تعالى "يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها" قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا وكيع, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, في قوله "أو لامستم النساء" قال: الجماع. وروي عن علي وأبي بن كعب ومجاهد وطاوس والحسن وعبيد بن عمير وسعيد بن جبير والشعبي وقتادة ومقاتل بن حيان, نحو ذلك, وقال ابن جرير: حدثني حميد بن مسعدة,حدثنا يزيد بن زريع, حدثنا شعبة عن أبي بشر, عن سعيد بن جبير, قال: ذكروا اللمس, فقال ناس من الموالي: ليس بالجماع, وقال ناس من العرب: اللمس الجماع, قال: فأتيت ابن عباس فقلت له: إن ناساً من الموالي والعرب اختلفوا في اللمس, فقالت الموالي: ليس بالجماع, وقالت العرب: الجماع, قال: فمن أي الفريقين كنت ؟ قلت: كنت من الموالي, قال: غلب فريق الموالي. إن اللمس والمس والمباشرة: الجماع, ولكن الله يكني ما شاء بما شاء, ثم رواه عن ابن بشار, عن غندر, عن شعبه به نحوه, ثم رواه من غير وجه, عن سعيد بن جبير نحوه. ومثله قال: حدثني يعقوب, حدثنا هشيم, قال حدثنا أبو بشر: أخبرنا سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: اللمس والمس والمباشرة: الجماع ولكن الله يكني بما يشاء, حدثنا عبد الحميد بن بيان, أنبأنا إسحاق الأزرق, عن سفيان, عن عاصم الأحول, عن بكر بن عبد الله, عن ابن عباس, قال: الملامسة: الجماع, ولكن الله كريم يكني بما يشاء, وقد صح من غير وجه, عن عبد الله بن عباس, أنه قال ذلك, ثم رواه ابن جرير: عن بعض من حكاه ابن أبي حاتم عنهم, ثم قال ابن جرير وقال آخرون: عنى الله تعالى بذلك كل لمس بيد أو بغيرها من أعضاء الإنسان, وأوجبوا الوضوء على كل من مس بشيء من جسده شيئاً من جسدها مفضياً إليه, ثم قال: حدثنا ابن بشار, حدثنا عبد الرحمن, حدثنا سفيان, عن مخارق, عن طارق, عن عبد الله بن مسعود, قال: اللمس ما دون الجماع, وقد رواه من طرق متعددة, عن ابن مسعود بمثله, وروى من حديث الأعمش, عن إبراهيم, عن أبي عبيدة, عن عبد الله بن مسعود, قال: القبلة من المس وفيها الوضوء. وروى الطبراني بإسناده, عن عبد الله بن مسعود, قال: يتوضأ الرجل من المباشرة ومن اللمس بيده, ومن القبلة, وكان يقول في هذه الاية "أو لامستم النساء" هو الغمز, وقال ابن جرير: حدثني يونس, أخبرنا ابن وهب, أخبرني عبيد الله بن عمر, عن نافع: أن ابن عمر كان يتوضأ من قبلة المرأة, ويرى فيها الوضوء, ويقول: هي من اللماس. وروى ابن أبي حاتم وابن جرير أيضاً: من طريق شعبة عن مخارق, عن طارق, عن عبد الله, قال: اللمس ما دون الجماع, ثم قال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن عمر, وعبيدة, وأبي عثمان النهدي, وأبي عبيدة يعني ابن عبد الله بن مسعود, وعامر الشعبي, وثابت بن الحجاج, وإبراهيم النخعي, وزيد بن أسلم, نحو ذلك, (قلت) وروى مالك, عن الزهري, عن سالم بن عبد الله بن عمر, عن أبيه, أنه كان يقول: قبلة الرجل امرأته وجسه بيده من الملامسة, فمن قبل امرأته أوجسها بيده, فعليه الوضوء, وروى الحافظ أبو الحسن الدار قطني في سننه: عن عمر بن الخطاب نحو ذلك, ولكن روينا عنه من وجه آخر: أنه كان يقبل امرأته ثم يصلي ولا يتوضأ, فالرواية عنه مختلفة, فيحمل ما قاله في الوضوء إن صح عنه, على الاستحباب, والله أعلم. والقول بوجوب الوضوء من المس, هو قول الشافعي وأصحابه, ومالك, والمشهور عن أحمد بن حنبل رحمهم الله, قال ناصر هذه المقالة: قد قرىء في هذه الاية لامستم ولمستم, واللمس يطلق في الشرع على الجس باليد, قال تعالى: "ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس فلمسوه بأيديهم" أي جسوه, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لماعز حين أقر بالزنا, يعرض له بالرجوع عن الإقرار: "لعلك قبلت أو لمست", وفي الحديث الصحيح "واليد زناها اللمس", وقالت عائشة رضي الله عنها: قل يوم إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف علينا, فيقبل ويلمس, ومنه ما ثبت في الصحيحين, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الملامسة, وهو يرجع إلى الجس باليد, على كلا التفسيرين, قالوا: ويطلق في اللغة على الجس باليد, كما يطلق على الجماع, قال الشاعر:
وألمست كفي كفه أطلب الغنى
واستأنسوا أيضاً بالحديث الذي رواه أحمد, حدثنا عبد الله بن مهدي, وأبو سعيد, قالا: حدثنا زائدة, عن عبد الملك بن عمير, وقال أبو سعيد: حدثنا عبد الملك بن عمير, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى, عن معاذ, قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال: يا رسول الله, ما تقول في رجل لقي امرأة لا يعرفها, فليس يأتي الرجل من امرأته شيئاً إلا أتاه منها, غير أنه لم يجامعها, قال: فأنزل الله عز وجل هذه الاية "أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين", قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "توضأ ثم صل" قال معاذ: فقلت: يا رسول الله, أله خاصة أم للمؤمنين عامة ؟ فقال "بل للمؤمنين عامة", ورواه الترمذي من حديث زائدة به, وقال: ليس بمتصل, ورواه النسائي: من حديث شعبة, عن عبد الملك بن عمير, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى, مرسلاً, قالوا: فأمره بالوضوء, لأنه لمس المرأة ولم يجامعها, وأجيب بأنه منقطع بين ابن أبي ليلى ومعاذ, فإنه لم يلقه, ثم يحتمل أنه إنما أمره بالوضوء والصلاة للتوبة, كما تقدم في حديث الصديق: "ما من عبد يذنب ذنباً فيتوضأ ويصلي ركعتين إلا غفر الله له" الحديث, وهو مذكور في سورة آل عمران, عند قوله "ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم" الاية, ثم قال ابن جرير: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عنى الله بقوله: "أو لامستم النساء" الجماع, دون غيره من معاني اللمس, لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قبل بعض نسائه, ثم صلى ولم يتوضأ, ثم قال: حدثني بذلك إسماعيل بن موسى السدي, قال: أخبرنا أبو بكر بن عياش, عن الأعمش, عن حبيب بن أبي ثابت, عن عروة, عن عائشة, قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ, ثم يقبل ثم يصلي, ولا يتوضأ, ثم قال: حدثنا أبو كريب, حدثنا وكيع, عن الأعمش, عن حبيب, عن عروة, عن عائشة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قبل بعض نسائه, ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ, قلت: من هي إلا أنت ؟ فضحكت, وهكذا رواه أبو داود والترمذي, وابن ماجه, عن جماعة من مشايخهم, عن وكيع به, ثم قال أبو داود: روي عن الثوري أنه قال: ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني, وقال يحيى القطان لرجل: احك عني أن هذا الحديث شبه لا شيء, وقال الترمذي: سمعت البخاري يضعف هذا الحديث, وقال: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة, وقد وقع في رواية ابن ماجه: عن أبي بكر بن أبي شيبة, وعلي بن محمد الطنافسي, عن وكيع, عن الأعمش, عن حبيب بن أبي ثابت, عن عروة بن الزبير, عن عائشة, وأبلغ من ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده: من حديث هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة, وهذا نص في كونه عروة بن الزبير, ويشهد له قوله: من هي إلا أنت فضحكت, لكن روى أبو داود عن إبراهيم بن مخلد الطالقاني, عن عبد الرحمن بن مغراء, عن الأعمش, قال: حدثنا أصحاب لنا, عن عروة المزني, عن عائشة, فذكره, والله أعلم. وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا أبو زيد, عمر بن شبة عن شهاب بن عباد, حدثنا مندل بن علي, عن ليث, عن عطاء, عن عائشة وعن أبي روق, عن إبراهيم التيمي, عن عائشة رضي الله عنها, قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينال مني القبلة بعد الوضوء, ثم لا يعيد الوضوء, وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا سفيان عن أبي روق الهمداني, عن إبراهيم التيمي, عن عائشة رضي الله عنها, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ثم صلى ولم يتوضأ, رواه أبو داود والنسائي, من حديث يحيى القطان, زاد أبو داود: وابن مهدي, كلاهما عن سفيان الثوري به. ثم قال أبو داود والنسائي: لم يسمع إبراهيم التيمي من عائشة, ثم قال ابن جرير أيضاً: حدثنا سعيد بن يحيى الأموي, حدثنا أبي, حدثنا يزيد بن سنان, عن عبد الرحمن الأوزاعي, عن يحيى بن أبي كثير, عن أبي سلمة, عن أم سلمة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم, ثم لا يفطر ولا يحدث وضوءاً. وقال أيضاً: حدثنا أبو كريب, حدثنا حفص بن غياث, عن حجاج, عن عمرو بن شعيب, عن زينب السهمية, عن عائشة, عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقبل ثم يصلي ولا يتوضأ. وقد رواه الإمام أحمد, عن محمد بن فضيل, عن حجاج بن أرطأة, عن عمرو بن شعيب, عن زينب السهمية, عن عائشة, عن النبي صلى الله عليه وسلم به, وقوله تعالى: " فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا " استنبط كثير من الفقهاء من هذه الاية: أنه لا يجوز التيمم لعادم الماء إلا بعد طلب الماء, فمتى طلبه فلم يجده, جاز له حينئذ التيمم, وقد ذكروا كيفية الطلب في كتب الفروع, كما هو مقرر في موضعه, كما هو في الصحيحين من حديث عمران بن حصين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً لم يصل في القوم, فقال "يا فلان ما منعك أن تصلي مع القوم, ألست برجل مسلم" قال: بلى يا رسول الله, ولكن أصابتني جنابة ولا ماء, قال "عليك بالصعيد فإنه يكفيك" ولهذا قال تعالى: " فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا " فالتيمم في اللغة, هو القصد, تقول العرب: تيممك الله بحفظه, أي قصدك, ومنه قول امرىء القيس شعراً:
ولما رأت أن المنية وردهـــــا وأن الحصى من تحت أقدامها دامي
تيممت العين التي عند ضارج يفيء عليها الفيء عرمضها طامي
والصعيد قيل: هو كل ما صعد على وجه الأرض, فيدخل فيه التراب والرمل والشجر والحجر والنبات, وهو قول مالك, وقيل: ما كان من جنس التراب, كالرمل والزرنيخ والنورة, وهذا مذهب أبي حنيفة, وقيل: هو التراب فقط, وهو مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهما, واحتجوا بقوله تعالى: "فتصبح صعيداً زلقاً" أي تراباً أملس طيباً, وبما ثبت في صحيح مسلم, عن حذيفة بن اليمان, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة, وجعلت لنا الأرض كلها مسجداً, وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء" وفي لفظ "وجعل ترابها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء" قالوا: فخصص الطهورية بالتراب, في مقام الامتنان, فلو كان غيره يقوم مقامه لذكره معه, والطيب ههنا قيل: الحلال, وقيل: الذي ليس بنجس, كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن, إلا ابن ماجه من حديث أبي قلابة, عن عمرو بن بجدان, عن أبي ذر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الصعيد الطيب طهور المسلم, وإن لم يجد الماء عشر حجج, فإذا وجده فليمسه بشرته فإن ذلك خير" وقال الترمذي: حسن صحيح, وصححه ابن حبان أيضاً, ورواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده, عن أبي هريرة وصححه الحافظ أبو الحسن القطان, وقال ابن عباس: أطيب الصعيد تراب الحرث, رواه ابن أبي حاتم, ورفعه ابن مردويه في تفسيره, وقوله: "فامسحوا بوجوهكم وأيديكم" التيمم بدل عن الوضوء في التطهر به, لا أنه بدل منه في جميع أعضائه, بل يكفي مسح الوجه واليدين فقط بالإجماع, ولكن اختلف الأئمة في كيفية التيمم على أقوال: أحدها وهو مذهب الشافعي في الجديد: أنه يجب أن يمسح الوجه واليدين إلى المرفقين بضربتين, لأن لفظ اليدين يصدق إطلاقهما على ما يبلغ المنكبين, وعلى ما يبلغ المرفقين, كما في آية الوضوء, ويطلق ويراد بهما ما يبلغ الكفين, كما في آية السرقة "فاقطعوا أيديهما" قالوا: وحمل ما أطلق ههنا على ما قيد في آية الوضوء أولى لجامع الطهورية, وذكر بعضهم: ما رواه الدارقطني عن ابن عمر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "التيمم ضربتان: ضربة للوجه, وضربة لليدين إلى المرفقين" ولكن لا يصح, لأن في أسانيده ضعفاء, لا يثبت الحديث بهم, وروى أبو داود عن ابن عمر, في حديث, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه, ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه, ولكن في إسناده محمد بن ثابت العبدي, وقد ضعفه بعض الحفاظ, ورواه غيره من الثقات, فوقفوه على فعل ابن عمر, قال البخاري وأبو زرعة وابن عدي: وهو الصواب, وقال البيهقي: رفع هذا الحديث منكر, واحتج الشافعي بما رواه عن إبراهيم بن محمد, عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية, عن الأعرج, عن ابن الصمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تيمم فمسح وجهه وذراعيه. وقال ابن جرير: حدثني موسى بن سهل الرملي, حدثنا نعيم بن حماد, حدثنا خارجة بن مصعب, عن عبد الله بن عطاء, عن موسى بن عقبة, عن الأعرج, عن أبي جهيم, قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول, فسلمت عليه, فلم يرد علي حتى فرغ, ثم قام إلى الحائط فضرب بيديه عليه, فمسح بهما وجهه, ثم ضرب بيديه على الحائط فمسح بهما يديه إلى المرفقين, ثم رد علي السلام. والقول الثاني: أنه يجب مسح الوجه واليدين إلى الكفين بضربتين, وهو قول الشافعي في القديم. والثالث: أنه يكفي مسح الوجه والكفين بضربة واحدة. قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن الحكم, عن ذر, عن ابن عبد الرحمن بن أبزى, عن أبيه, أن رجلاً أتى عمر, فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء, فقال عمر لا تصل, فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء, فأما أنت فلم تصل, وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت, فلما أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له, فقال "إنما كان يكفيك, وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده الأرض, ثم نفخ فيها ومسح بها وجهه وكفيه" وقال أحمد أيضاً: حدثنا عفان, حدثنا أبان, حدثنا قتادة, عن عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى, عن أبيه, عن عمار, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في التيمم "ضربة للوجه والكفين" .
(طريق أخرى) قال أحمد: حدثنا عفان, حدثنا عبد الواحد, عن سليمان الأعمش, حدثنا شقيق, قال: كنت قاعداً مع عبد الله وأبي موسى, فقال أبو موسى لعبد الله: لو أن رجلاً لم يجد الماء لم يصل ؟ فقال عبد الله: لا, فقال أبو موسى: أما تذكر إذ قال عمار لعمر: ألا تذكر إذ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وإياك في إبل, فأصابتني جنابة فتمرغت في التراب, فلما رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته, فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال "إنما كان يكفيك أن تقول هكذا, وضرب بكفيه إلى الأرض, ثم مسح كفيه جميعاً, ومسح وجهه مسحة واحدة بضربة واحدة" ؟ فقال عبد الله: لا جرم, ما رأيت عمر قنع بذاك, قال: فقال له أبو موسى: فكيف بهذه الاية في سورة النساء "فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً" ؟ قال: فما درى عبد الله ما يقول, وقال: لو رخصنا لهم في التيمم لأوشك أحدهم إذا برد الماء على جلده أن يتيمم: وقال تعالى في آية المائدة "فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه" استدل بذلك الشافعي, على أنه لا بد في التيمم, أن يكون بتراب طاهر, له غبار يعلق بالوجه واليدين منه شيء, كما روى الشافعي بإسناده المتقدم عن ابن الصمة: أنه مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول, فسلم عليه فلم يرد عليه, حتى قام إلى جدار فحته بعصا كانت معه, فضرب بيده عليه, ثم مسح وجهه وذراعيه, وقوله: "ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج" أي في الدين الذي شرعه لكم "ولكن يريد ليطهركم" فلهذا أباح لكم, إذا لم تجدوا الماء, أن تعدلوا إلى التيمم بالصعيد, "وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون" ولهذا كانت هذه الأمة مخصوصة بمشروعية التيمم, دون سائر الأمم, كما ثبت في الصحيحين, عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي, نصرت بالرعب مسيرة شهر, وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً, فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل" وفي لفظ "فعنده طهوره ومسجده, وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي, وأعطيت الشفاعة, وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة" وتقدم في حديث حذيفة عند مسلم "فضلنا على الناس بثلاث, جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة, وجعلت لنا الأرض مسجداً وتربتها طهوراً إذا لم نجد الماء" وقال تعالى في هذه الاية الكريمة: "فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفواً غفوراً" أي ومن عفوه عنكم وغفرانه لكم أن شرع التيمم, وأباح لكم فعل الصلاة به إذا فقدتم الماء, توسعة عليكم ورخصة لكم, وذلك أن هذه الاية الكريمة فيها تنزيه الصلاة, أن تفعل على هيئة ناقصة, من سكر حتى يصحو المكلف ويعقل ما يقول, أو جنابة حتى يغتسل, أو حدث حتى يتوضأ, إلا أن يكون مريضاً أو عادماً للماء, فإن الله عز وجل قد أرخص في التيمم, والحالة هذه رحمة بعباده ورأفة بهم , وتوسعة عليهم, ولله الحمد والمنة.
(ذكر سبب نزول مشروعية التيمم) وإنما ذكرنا ذلك ههنا لأن هذه الاية التي في النساء متقدمة النزول على آية المائدة, وبيانه أن هذه نزلت قبل تحتم تحريم الخمر, والخمر إنما حرم بعد أحد بيسير يقال: في محاصرة النبي صلى الله عليه وسلم لبني النضير, وأما المائدة فإنها من أواخر ما نزل ولا سيما صدرها, فناسب أن يذكر السبب ههنا, وبالله الثقة. قال أحمد: حدثنا ابن نمير عن هشام, عن أبيه, عن عائشة أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت, فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالاً في طلبها فوجدوها, فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء فصلوا بغير وضوء, فشكوا ذلك إلى رسول الله, فأنزل الله آية التيمم, فقال أسيد بن الحضير لعائشة: جزاك الله خيراً, فو الله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيراً.
(طريق أخرى) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف, أنبأنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه, عن عائشة, قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش, انقطع عقد لي, قأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه, وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء, فأتى الناس إلى أبي بكر فقالوا: ألا ترى إلى ما صنعت عائشة, أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء ؟ فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام, فقال: حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء ؟ قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر, وقال ما شاء الله أن يقول, وجعل يطعن بيده في خاصرتي ولا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح على غير ماء فأنزل الله آية التيمم, فتيمموا, فقال أسيد بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر, قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته, وقد رواه البخاري أيضاً عن قتيبة وإسماعيل, ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب, حدثنا أبي عن صالح قال, قال ابن شهاب: حدثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس, عن عمار بن ياسر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرس بأولات الجيش ومعه زوجته عائشة, فانقطع عقد لها من جزع ظفار, فحبس الناس ابتغاء عقدها, وذلك حتى أضاء الفجر, وليس مع الناس ماء, فأنزل الله على رسوله رخصة التطهير بالصعيد الطيب, فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربوا بأيديهم إلى الأرض, ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئاً, فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب, ومن بطون أيديهم إلى الاباط. وقد رواه ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا صيفي, عن ابن أبي ذئب, عن الزهري, عن عبيد الله, عن أبي اليقظان, قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلك عقد لعائشة, فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أضاء الفجر, فتغيظ أبو بكر على عائشة, فنزلت عليه رخصة المسح بالصعيد الطيب, فدخل أبو بكر فقال لها: إنك لمباركة نزلت فيك رخصة, فضربنا بأيدينا ضربة لوجوهنا, وضربة لأيدينا إلى المناكب والاباط.
(حديث آخر) قال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم, حدثنا الحسن بن أحمد بن الليث, حدثنا محمد بن مرزوق, حدثنا العباس بن أبي سوية, حدثني الهيثم بن رزيق المالكي من بني مالك بن كعب بن سعد وعاش مائة وسبع عشرة سنة, عن أبيه, عن الأسلع بن شريك, قال: كنت أرحل ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابتني جنابة في ليلة باردة, وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحلة, فكرهت أن أرحل ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جنب, وخشيت أن أغتسل بالماء البارد فأموت أو أمرض, فأمرت رجلاً من الأنصار فرحلها, ثم رضفت أحجاراً فأسخنت بها ماء فاغتسلت, ثم لحقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه, فقال: "يا أسلع ما لي أرى رحلتك تغيرت" قلت: يا رسول الله لم أرحلها, رحلها رجل من الأنصار, قال "ولم" ؟ قلت: إني أصابتني جنابة فخشيت القر على نفسي, فأمرته أن يرحلها, ورضفت أحجاراً فأسخنت بها ماء فاغتلست به, فأنزل الله تعالى: "لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون" إلى قوله "إن الله كان عفواً غفوراً" وقد روي من وجه آخر عنه.
قوله 43- "يا أيها الذين آمنوا" جعل الخطاب خاصاً بالمؤمنين لأنهم كانوا يقربون الصلاة حال السكر، وأما الكفار فهم لا يقربونها سكارى ولا غير سكارى. قوله "لا تقربوا" قال أهل اللغة: إذا قيل: لا تقرب بفتح الراء معناه لا تتلبس بالفعل، وإذا كان بضم الراء كان معناه: لا تدن منه. والمراد هنا: النهي عن التلبس بالصلاة وغشيانها. وبه قال جماعة من المفسرين، وإليه ذهب أبو حنيفة. وقال آخرون: المراد مواضع الصلاة، وبه قال الشافعي: وعلى هذا فلا بد من تقدير مضاف، ويقوي هذا قوله "ولا جنباً إلا عابري سبيل" وقالت طائفة: المراد الصلاة ومواضعها معاً، لأنهم كانوا حينئذ لا يأتون المسجد إلا للصلاة، ولا يصلون إلا مجتمعين، فكانا متلازمين. قوله "وأنتم سكارى" الجملة في محل نصب على الحال، وسكارى جمع سكران، مثل كسالى جمع كسلان. وقرأ النخعي سكري بفتح السين، وهو تكسير سكران. وقرأ الأعمش سكرى كحبلى صفة مفردة. وقد ذهب العلماء كافة إلى أن المراد بالسكر هنا سكر الخمر، إلا الضحاك فإنه قال: المراد سكر النوم. وسيأتي بيان سبب نزول الآية، وبه يندفع ما يخالف الصواب من هذه الأقوال. قوله "حتى تعلموا ما تقولون" هذا غاية النهي عن قربان الصلاة في حال السكر: أي حتى يزول عنكم أثر السكر وتعلموا ما تقولونه، فإن السكران لا يعلم ما يقوله وقد تمسك بهذا من قال: إن طلاق السكران لا يقع، لانه إذا لم يعلم ما يقوله انتفى القصد. وبه قال عثمان بن عفان وابن عباس وطاوس وعطاء والقاسم وربيعة، وهو قول الليث بن سعد وإسحاق وأبي ثور والمزني، واختاره الطحاوي وقال: أجمع العلماء على أن طلاق المعتوه لا يجوز، والسكران معتوه كالموسوس. وأجازت طائفة وقوع طلاقه وهو محكي عن عمر بن الخطاب ومعاوية وجماعة من التابعين، وهو قول أبي حنيفة والثوري والأوزاعي. واختلف قول الشافعي في ذلك. وقال مالك: يلزمه الطلاق والقود في الجراح والقتل ولا يلزمه النكاح والبيع. قوله "ولا جنباً" عطف على محل الجملة الحالية، وهي قوله "وأنتم سكارى" والجنب لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع لأنه ملحق بالمصدر كالبعد والقرب. قال الفراء: يقال: جنب الرجل وأجنب من الجنابة، وقيل: يجمع الجنب في لغة على أجناب، مثل عنق وأعناق، وطنب وأطناب. وقوله "إلا عابري سبيل" استثناء مفرغ، أي: لا تقربوها في حال من الأحوال إلا في حال عبور السبيل. والمراد به هنا السفر، ويكون محل هذا الاستثناء المفرغ النصب على الحال من ضمير لا تقربوا بعد تقييده بالحال الثانية، وهي قوله "ولا جنباً" لا بالحال الأولى، وهي قوله "وأنتم سكارى" فيصير المعنى: لا تقربوا الصلاة حال كونكم جنباً إلا حال السفر، فإنه يجوز لكم أن تصلوا بالتيمم، وهذا قول علي وابن عباس وابن جبير والحكم وغيرهم، قالوا: لا يصح لأحد أن يقرب الصلاة وهو جنب إلا بعد الاغتسال إلا المسافر فإنه يتيمم، لأن الماء قد يعدم في السفر لا في الحضر، فإن الغالب أنه لا يعدم. وقال ابن مسعود وعكرمة والنخعي وعمرو بن دينار ومالك والشافعي: عابر السبيل هو المجتاز في المسجد، وهو مروي عن ابن عباس، فيكون معنى الآية على هذا لا تقربوا مواضع الصلاة: وهي المساجد في حال الجنابة إلا أن تكونوا مجتازين فيها من جانب إلى جانب، وفي القول الأول قوة من جهة كون الصلاة فيه باقية على معناها الحقيقي، وضعف من جهة ما في حمل عابر السبيل على المسافر، وإن معناه: أنه يقرب الصلاة عند عدم الماء بالتيمم، فإن هذا الحكم يكون في الحاضر إذا عدم الماء، كما يكون في المسافر وفي القول الثاني قوة من جهة عدم التكلف في معنى قوله "إلا عابري سبيل" وضعف من جهة حمل الصلاة على مواضعها، وبالجملة فالحال الأولى، أعني قوله
"وأنتم سكارى" تقوي بقاء الصلاة على معناها الحقيقي من دون تقدير مضاف، وكذلك ما سيأتي من سبب نزول الآية يقوي ذلك. وقوله "إلا عابري سبيل" يقوي تقدير المضاف: أي لا تقربوا مواضع الصلاة. ويمكن أن يقال: إن بعض قيود النهي أعني "لا تقربوا" وهو قوله "وأنتم سكارى" يدل على أن المراد بالصلاة معناها الحقيقي وبعض قيود النهي وهو قوله "إلا عابري سبيل" يدل على أنه المراد مواضع الصلاة، ولا مانع من اعتبار كل واحد منهما مع قيده الدال عليه، ويكون ذلك بمنزلة نهيين مقيد كل واحد منهما بقيد، وهما لا تقربوا الصلاة التي هي ذات الأذكار والأركان وأنتم سكارى، ولا تقربوا مواضع الصلاة حال كونكم جنباً إلا حال عبوركم في المسجد من جانب إلى جانب، وغاية ما يقال في هذا أنه من الجمع بين الحقيقة والمجاز وهو جائز بتأويل مشهور. وقال ابن جرير بعد حكايته للقولين: الأولى قول من قال "ولا جنباً إلا عابري سبيل" إلا مجتازي طريق فيه، وذلك أنه قد بين حكم المسافر إذا عدم الماء، وهو جنب في قوله: "وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً" فكان معلوما بذلك : أي أن قوله " ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا " لو كان معنياً به المسافر لم يكن لإعادة ذكره في قوله
"وإن كنتم مرضى أو على سفر" معنى مفهوم. وقد مضى ذكر حكمه قبل ذلك، فإن كان ذلك كذلك فتأويل الآية: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا المساجد للصلاة مصلين فيها وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون، ولا تقربوها أيضاً جنباً حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل. قال: والعابر السبيل المجتاز مراً وقطعاً، يقال منه: عبرت هذا الطريق فأنا أعبره عبراً وعبوراً، ومنه قيل: عبر فلان النهر إذا قطعه وجاوزه، ومنه قيل للناقة القوية: هي عبر أسفار لقوتها على قطع الأسفار. قال ابن كثير: وهذا الذي نصره يعني ابن جرير هو قول الجمهور، وهو الظاهر من الآية انتهى. قوله "حتى تغتسلوا" غاية للنهي عن قربان الصلاة أو مواضعها حال الجنابة. والمعنى: لا تقربوها حال الجنابة حتى تغتسلوا إلا حال عبوركم السبيل. قوله "وإن كنتم مرضى" المرض عبارة عن خروج البدن عن حد الاعتدال والاعتياد إلى الاعوجاج والشذوذ، وهو على ضربين كثير ويسير. والمراد هنا: أن يخاف على نفسه التلف أو الضرر باستعمال الماء، أو كان ضعيفاً في بدنه لا يقدر على الوصول إلى موضع الماء. وروي عن الحسن أنه يتطهر وإن مات، وهذا باطل يدفعه قوله تعالى "وما جعل عليكم في الدين من حرج". وقوله "ولا تقتلوا أنفسكم" وقوله: "يريد الله بكم اليسر". قوله "أو على سفر" فيه جواز التيمم لمن صدق عليه اسم المسافر، والخلاف مبسوط في كتب الفقه، وقد ذهب الجمهور إلى أنه لا يشترط أن يكون سفر قصر، وقال قوم: لا بد من ذلك. وقد أجمع العلماء على جواز التيمم للمسافر. واختلفوا في الحاضر، فذهب مالك وأصحابه وأبو حنيفة ومحمد إلى أنه يجوز في الحضر والسفر. وقال الشافعي: لا يجوز للحاضر الصحيح أن يتيمم إلا أن يخاف التلف. قوله "أو جاء أحد منكم من الغائط" هو المكان المنخفض والمجيء منه كناية عن الحدث، والجمع الغيطان والأغواط، وكانت العرب تقصد هذا الصنف من المواضع لقضاء الحاجة تستراً عن أعين الناس، ثم سمي الحدث الخارج من الإنسان من المواضع لقضاء الحاجة تستراً عن أعين الناس، ثم سمي الحدث الخارج من الإنسان غائطاً توسعاً، ويدخل في الغائط جميع الأحداث الناقضة للوضوء. قوله "أو لامستم النساء" قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر لامستم وقرأ حمزة والكسائي لمستم قيل: المراد بها بما في القراءتين الجماع، وقيل: المراد به مطلق المباشرة، وقيل: إنه يجمع الأمرين جميعاً. وقال محمد بن يزيد المبرد: الأولى في اللغة أن يكون لامستم بمعنى قبلتم ونحوه، ولمستم بمعنى: غشيتم.
واختلف العلماء في معنى ذلك على أقوال، فقالت فرقة: الملامسة هنا مختصة باليد دون الجماع، قالوا: والجنب لا سبيل له إلى التيمم بل يغتسل أو يدع الصلاة حتى يجد الماء. وقد روي هذا عن عمر بن الخطاب وابن مسعود. قال ابن عبد البر: لم يقل بقولهما في هذه المسألة أحد من فقهاء الأمصار من أهل الرأي وحملة الآثار انتهى. وأيضاً الأحاديث الصحيحة تدفعه وتبطله كحديث عمار وعمران بن حصين وأبي ذر في تيمم الجنب. وقالت طائفة: هو الجماع كما في قوله "ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن"، وقوله "وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن" وهو مروي عن علي وأبي بن كعب وابن عباس ومجاهد وطاوس والحسن وعبيد بن عمير وسعيد بن جبير والشعبي وقتادة ومقاتل بن حبان وأبي حنيفة. وقال مالك: الملامس بالجماع يتيمم، والملامس باليد يتيمم إذا التذ، فإن لمسها بغير شهوة فلا وضوء، وبه قال أحمد وإسحاق. وقال الشافعي: إذا أفضى الرجل بشيء من بدنه إلى بدن المرأة سواء كان باليد أو غيرها من أعضاء الجسد انتقضت به الطهارة وإلا فلا. وحكاه القرطبي عن ابن مسعود وابن عمر والزهري وربيعة. وقال الأوزاعي: إذا كان اللمس باليد نقض الطهر، وإن كان بغير اليد لم ينقضه لقوله تعالى "فلمسوه بأيديهم" وقد احتجوا بحجج تزعم كل طائفة أن حجتها تدل على أن الملامسة المذكورة في الآية هي ما ذهبت إليه، وليس الأمر كذلك. فقد اختلفت الصحابة ومن بعدهم في معنى الملامسة المذكورة في الآية، وعلى فرض أنها ظاهرة في الجماع، فقد ثبتت القراءة المروية عن حمزة والكسائي بلفظ " أو لامستم " وهي محتملة بلا شك ولا شبهة ومع الاحتمال فلا تقوم الحجة بالمحتمل. وهذا الحكم تعم به البلوى ويثبت به التكليف العام، فلا يحل إثباته بمحتمل قد وقع النزاع في مفهومه. وإذا عرفت هذا فقد ثبتت السنة الصحيحة بوجوب التيمم على من اجتنب ولم يجد الماء، فكان الجنب داخلاً في الآية بهذا الدليل، وعلى فرض عدم دخوله فالسنة تكفي في ذلك. وأما وجوب الوضوء أو التيمم على من لمس المرأة بيده أو بشيء من بدنه فلا يصح القول به استدلالاً بهذه الآية لما عرفت من الاحتمال. وأما ما استدلوا به من أنه صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال: يا رسول الله ما تقول في رجل لقي امرأة لا يعرفها؟ وليس يأتي الرجل من امرأته شيئاً إلا قد أتاه منها غير أنه لم يجامعها فأنزل الله "أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين". أخرجه أحمد والترمذي والنسائي من حديث معاذ، قالوا: فأمره بالوضوء لأنه لمس المرأة ولم يجامعها، ولا يخفاك أنه لا دلالة بهذا الحديث على محل النزاع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بالوضوء ليأتي بالصلاة التي ذكرها الله سبحانه في هذه الآية، إذ لا صلاة إلا بوضوء. وأيضاً فالحديث منقطع لأنه من رواية ابن أبي ليلى عن معاذ ولم يلقه، وإذا عرفت هذا فالأصل البراءة عن هذا الحكم، فلا يثبت إلا بدليل خالص عن الشوائب الموجبة لقصوره عن الحجة. وأيضاً قد ثبت عن عائشة من طرق أنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ ثم يقبل، ثم يصلي ولا يتوضا". وقد روي هذا الحديث بألفاظ مختلفة، رواه أحمد وابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وما قيل من أنه من رواية حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة ولم يسمع من عروة فقد رواه أحمد في مسنده من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، ورواه ابن جرير من حديث ليث عن عطاء عن عائشة، ورواه أحمد أيضاً وأبو داود والنسائي من حديث أبي روق الهمداني عن إبراهيم التيمي عن عائشة ورواه أيضاً ابن جرير من حديث أم سلمة، ورواه أيضاً من حديث زينب السهمية. ولفظ حديث أم سلمة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم ولا يفطر ولا يحدث وضوءاً". ولفظ حديث زينب السهمية: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل ثم يصلي ولا يتوضأ". ورواه أحمد عن زينب السهمية عن عائشة. قوله "فلم تجدوا ماء" هذا القيد إن كان راجعاً إلى جميع ما تقدم مما هو مذكور بعد الشرط، وهو المراض والسفر والمجيء من الغائط وملامسة النساء كان فيه دليل على أن المرض والسفر بمجردهما لا يسوغان التيمم، بل لا بد مع وجود أحد السببين من عدم الماء فلا يجوز للمريض أن يتيمم إلا إذا لم يجد ماء، ولا يجوز للمسافر أن يتيمم إلا إذا لم يجد ماء، ولكنه يشكل على هذا أن الصحيح كالمريض إذا لم يجد الماء تيمم، وكذلك المسافر عدم الماء في حقه غالب، وإن كان راجعاً إلى الصورتين الأخيرتين: أعني قوله "أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء" كما قال بعض المفسرين كان فيه إشكال، وهو أن من صدق عليه اسم المريض أو المسافر جاز له التيمم، وإن كان واجداً للماء قادراً على استعماله وقد قيل: إنه رجع هذا القيد إلى الآخرين مع كونه معتبراً في الأولين لندرة وقوعه فيهما. وأنت خبير بأن هذا كلام ساقط وتوجيه بارد. وقال مالك ومن تابعه: ذكر الله المرض والسفر في شرط التيمم اعتباراً بالأغلب في من لم يجد الماء بخلاف الحاضر، فإن الغالب وجوده، فلذلك لم ينص الله سبحانه عليه انتهى. والظاهر أن المرض بمجرده مسوغ للتيمم، وإن كان الماء موجوداً إذا كان يتضرر باستعماله في الحال أو في المال، ولا تعتبر خشية التلف فالله سبحانه يقول "يريد الله بكم اليسر" ويقول "وما جعل عليكم في الدين من حرج"، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الدين يسر" ويقول: "يسروا ولا تعسروا" وقال: "قتلوه قتلهم الله" ويقول: "أمرت بالشريعة السمحة" فإذا قلنا: إن قيد عدم وجود الماء راجع إلى الجميع كان وجه التنصيص على المرض هو أنه يجوز له التيمم والماء حاضر موجود إذا كان استعماله يضره، فيكون اعتبار ذلك القيد في حقه إذا كان استعماله لا يضره، فإن في مجرد المرض مع عدم الضرر باستعمال الماء ما يكون مظنة لعجزه عن الطلب، لأنه يلحقه بالمرض نوع ضعف. وأما وجه التنصيص على المسافر فلا شك أن الضرب في الأرض مظنة لإعواز الماء في بعض البقاع دون بعض. قوله "فتيمموا" التيمم لغة: القصد، يقال: تيممت الشيء: قصدته، وتيممت الصعيد: تعمدته، وتيممته بسهمي ورمحي: قصدته دون من سواه، وأنشد الخليل:
يممته الرمح شزراً ثم قلت له هذي البسالة لا لعب الزحاليق
وقال امرؤ القيس:
تيممتها من أذرعات وأهلها بيثرب أدنى دارها نظر عالي
وقال:
تيممت العين التي عند ضارج يفيء عليها الظل عرمضها ظامي
قال ابن السكيت: قوله "فتيمموا" أي: اقصدوا، ثم كثر استعمال هذه الكلمة حتى صار التيمم مسح الوجه واليدين بالتراب. وقال ابن الأنباري في قولهم قد تيمم الرجل: معناه قد مسح التراب على وجهه. وهذا خلط منهما للمعنى اللغوي بالمعنى الشرعي، فإن العرب لا تعرف التيمم بمعنى مسح الوجه واليدين، وإنما هو معنى شرعي فقط، وظاهر الأمر الوجوب، وهو مجمع على ذلك. والأحاديث في هذا الباب كثيرة، قوله "صعيداً" الصعيد: وجه الأرض سواء كان عليه تراب أو لم يكن، قاله الخليل وابن الأعرابي والزجاج. قال الزجاج: لا أعلم فيه خلافاً بين أهل اللغة، قال الله تعالى "وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً" أي: أرضاً غليظة لا تنبت شيئاً، وقال تعالى "فتصبح صعيداً زلقا" وقال ذو الرمة:
كأنه بالضحى يرمي الصعيد به ونابه في عظام الرأس خرطوم
وإنما سمي صعيداً لأنه نهاية ما يصعد إليه من الأرض، وجمع الصعيد صعدات.
وقد اختلف أهل العلم فيما يجزئ التيمم به، فقال مالك وأبو حنيفة والثوري والطبري: إنه يجزئ بوجه الأرض كله تراباً كان أو رملاً أو حجارةً، وحملوا قوله "طيباً" على الطاهر الذي ليس بنجس. وقال الشافعي وأحمد وأصحابهمما: إنه لا يجزئ التيمم إلا بالتراب فقط، واستدلوا بقوله تعالى "صعيداً زلقاً" أي: تراباً أملس طيباً، وكذلك استدلوا بقوله "طيباً" قالوا: والطيب التراب الذي ينبت. وقد تنوزع في معنى الطيب، فقيل: الطاهر كما تقدم، وقيل: المنبت كما هنا، وقيل: الحلال. والمحتمل لا تقوم به حجة ولو لم يوجد في الشيء الذي يتيمم به إلا ما في الكتاب العزيز، لكان الحق ما قاله الأولون، لكن ثبت في صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضلنا الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجداً، وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء" وفي لفظ "وجعل ترابها لنا طهوراً" فهذا مبين لمعنى الصعيد المذكور في الآية، أو مخصص لعمومه، أو مقيد لإطلاقه، ويؤيد هذا ما حكاه ابن فارس عن كتاب الخليل: تيمم الصعيد: أي أخذ من غباره انتهى، والحجر الصلد لا غبار له. قوله "فامسحوا بوجوهكم وأيديكم" هذا المسح مطلق يتناول المسح بضربة أو ضربتين، ويتناول المسح إلى المرفقين وبضربتين وما ورد في المسح إلى المرفقين أو إلى الرسغين، وقد بينته السنة بياناً شافياً، وقد جمعنا بين ما ورد في المسح بضربة وبضربتين وما ورد في المسح إلى الرسغ وإلى المرفقين في شرحنا للمنتقى وغيره من مؤلفاتنا بما لا يحتاج فيه إلى غيره. قوله "إن الله كان عفواً غفوراً" أي: عفا عنكم وغفر لكم تقصيركم ورحمكم بالترخيص لكم والتوسعة عليكم.
وقد أخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه، والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، والضياء في المختارة عن علي بن أبي طالب قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً، فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون، فأنزل الله "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون". وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه: أن الذي صلى بهم عبد الرحمن. وأخرج ابن المنذر عن عكرمة في الآية قال: نزلت في أبي بكر وعمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف وسعد، صنع لهم علي طعاماً وشراباً فأكلوا وشربوا، ثم صلى بهم المغرب فقرأ "قل يا أيها الكافرون" حتى ختمها فقال: ليس لي دين وليس لكم دين، فنزلت. وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والنسائي والبيهقي في سننه عن ابن عباس في هذه الآية قال: نسختها "إنما الخمر والميسر" الآية. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال: لم يعن بها الخمر إنما عنى بها سكر النوم. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس "وأنتم سكارى" قال: النعاس. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن علي. قوله "ولا جنباً إلا عابري سبيل" قال: نزلت في المسافر تصيبه الجنابة فيتيمم ويصلي. وفي لفظ قال: لا يقرب الصلاة إلا أن يكون مسافراً تصيبه الجنابة فلا يجد الماء فيتيمم ويصلي حتى يجد الماء. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس في الآية يقول: لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب إذا وجدتم الماء، فإن لم تجدوا الماء فقد أحللت أن تمسحوا بالأرض. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: لا يمر الجنب ولا الحائض في المسجد، إنما أنزلت "ولا جنباً إلا عابري سبيل" للمسافر يتيمم ثم يصلي. وأخرج الدارقطني والطبراني وأبو نعيم في المعرفة، وابن مردويه والبيهقي في سننه والضياء في المختارة عن الأسلع بن شريك قال: كنت أرحل ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأصابني جنابة في ليلة باردة، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحلة، فكرهت أن أرحل ناقة وأنا جنب، وخشيت أن أغتسل بالماء البارد فأموت أو أمرض، فأمرت رجلاً من الأنصار فرحلها، ثم رضفت أحجار فأسخنت بها ماء فاغتسلت، ثم لحقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال: يا أسلع، ما لي أراك راحلتك تغيرت؟ قلت: يا رسول الله لم أرحلها، رحلها رجل من الأنصار، قال: ولم؟ قلت: إني أصابني جنابة فخشيت القر على نفسي، فأمرته أن يرحلها ورضفت أحجاراً فأسخنت بها ماء فاغتسلت به، فأنزل الله "يا أيها الذين آمنوا" إلى قوله "ولا جنباً إلا عابري سبيل". وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وابن جرير والطبراني والبيهقي من وجه آخر عن أسلع قال: "كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم وأرحل له، فقال لي ذات ليلة: يا أسلع قم فارحل لي، قلت: يا رسول الله أصابتني جنابة، فسكت عني ساعة حتى جاء جبريل بآية الصعيد، فقال: قم يا أسلع فتيمم" الحديث. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عطاء الخراساني عن ابن عباس "لا تقربوا الصلاة" قال: المساجد. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي من طريق عطاء الخراساني عنه "ولا جنباً إلا عابري سبيل" قال: لا تدخلوا المسجد وأنتم جنب إلا عابري سبيل، قال: تمر به مرأ ولا تجلس. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود نحوه. وأخرج عبد الرزاق والبيهقي في سننه عنه أنه كان يرخص للجنب أن يمر في المسجد ولا يجلس فيه، ثم قرأ قوله ‌"ولا جنباً إلا عابري سبيل". وأخرج البيهقي عن أنس نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير والبيهقي عن جابر قال: كان أحدنا يمر في المسجد وهو جنب مجتازاً. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله "وإن كنتم مرضى" قال: نزلت في رجل من الأنصار كان مريضاً فلم يستطع أن يقوم فيتوضأ ولم يكن له خادم فيناوله، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأنزل الله هذه الآية. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله "وإن كنتم مرضى" قال: هو الرجل المجدور أو به الجراح أو القرح يجنب فيخاف إن اغتسل أن يموت فيتيمم. وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي قال: نال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جراح ففشت فيهم، ثم ابتلوا بالجنابة، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت "وإن كنتم مرضى" الآية. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم والبيهقي من طرق عن ابن مسعود في قوله "أو لامستم النساء" قال: اللمس ما دون الجماع والقبلة منه، وفيه الوضوء. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن ابن عمر أنه كان يتوضأ من قبلة المرأة، ويقول: هي اللماس. وأخرج الدارقطني والبيهقي والحاكم عن عمر قال: إن القبلة من اللمس فتوضأ منها. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن علي قال: اللمس هو الجماع ولكن الله كنى عنه. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر سعيد بن جبير قال: كنا في حجرة ابن عباس ومعنا عطاء بن أبي رباح ونفر من الموالي وعبيد بن عمير ونفر من العرب فتذاكرنا اللماس، فقلت أنا وعطاء والموالي: اللمس باليد، وقال عبيد بن عمير والعرب: هو الجماع، فدخلت على ابن عباس فأخبرته فقال: غلبت الموالي وأصابت العرب، ثم قال: إن اللمس والمس والمباشرة إلى الجماع ما هو، ولكن الله يكني ما شاء بما شاء. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: إن أطيب الصعيد أرض الحرث.
43-قوله عز وجل:"يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى" الآية، والمراد من السكر: السكر من الخمر، عند الأكثرين، وذلك ان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه صنع طعاماً ودعا ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واتاهم بخمر فشربوها قبل تحريم الخمر وسكروا فحضرت صلاة المغرب فقدموا رجلاً ليصلي بهم فقرأ"قل يا أيها الكافرون " أعبد ما تعبدون ، بحذف (لا) هكذا إلى آخر السورة ،فانزل الله تعالى هذه الآية، فكانوا بعد نزول هذه الآية يجتنبون السكر أوقات الصلوات حتى نزل تحريم الخمر.
وقال الضحاك بن مزاحم:أراد به سكر النوم ، نهى عن الصلاة عند غلبة النوم ، أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن احمد أنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن المغلس أنا هارون بن إسحاق الهمذاني أخبرنا عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ينعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه".
قوله تعالى:" حتى تعلموا ما تقولون ، ولا جنباً"، نصب على الحال، يعني: ولا تقربوا الصلاة وأنتم جنب يقال: رجل جنب وامرأة جنب، ورجال جنب ونساء جنب.
وأصل الجنابة : البعد ، وسمي جنباً لأنه يتجنب موضع الصلاة، أو لمجانبته الناس وبعده منهم، حتى يغتسل.
قوله تعالى:"إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا" ، اختلفوا في معناه، فقالوا :[إلا أن تكونوا مسافرين ولا تجدون الماء فتيمموا ، منع الجنب من الصلاة حتى يغسل] إلا أن يكون في سفر ولا يجد ماء فيصلي بالتيمم، وهذا قول علي وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد رضي الله عنهم.
وقال الآخرون : المراد من الصلاة موضع الصلاة ، كقوله تعالى:"وبيع وصلوات" (الحج -40)، ومعناه: لاتقربوا المسجد وأنتم جنب إلا مجتازين فيه للخروج منهن مثل أن ينام في المسجد فيجنب أو تصيبه جنابة والماء في المسجد أو يكون طريقه عليه، فيمر فيه ولا يقيم وهذا قول عبد الله بن مسعود وسعيد بن المسيب والضحاك والحسن وعكرمة والنخعي والزهري، وذلك أن قوماً من الأنصار كانت أبوابهم من المسجد فتصيبهم الجنابة ولا ماء عندهم ولا ممر لهم إلا في المسجد ، فرخص لهم في العبور.
واختلف أهل العلم فيه: فأباح بعضهم المرور فيه على الإطلاق ، وهو قول الحسن وبه قال مالك والشافعي رحمهم الله ، ومنع بعضهم على الإطلاق وهو قول أصحاب الرأي، وقال بعضهم: يتيمم للمرور فيه.
أما المكث فلا يجوز عند أكثر أهل العلم لما روينا عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب" وجوز أحمد المكث فيه وضعف الحديث لأن رواية مجهول ، وبه قال المزني.
ولا يجوز للجنب الطواف كما لا يجوز له الصلاة ولا يجوز له قراءة القرآن ، اخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم البغوي أنا علي بن الجعد أنا شعبة أخبرني عمرو ابن مرة قال سمعت عبد الله بن سلمة يقول: دخلت على علي رضي الله عنه فقال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي الحاجة ويأكل معنا اللحم ويقرأ القرآن وكان لا يحجبه أو لا يحجزه عن قراءة القرآن شيء إلا الجنابة "
وغسل الجنابة يجب بأحد الأمرين :إما بنزول المني أو بالتقاء الختانين ، وهو تغييب الحشفة في الفرج وان لم ينزل، وكان الحكم في الابتداء أن من جامع امرأته فأكسل لا يجب عليه الغسل ثم صار منسوخاً.
اخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا سفيان عن علي بن زيدعن سعيد بن المسيب أن أبا موسى الأشعري سأل عائشة رضي الله عنها عن التقاء الختانين فقالت عائشة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إذا التقى الختانان ، أو مس الختان الختان فقد وجب الغسل".
قوله تعالى:"وإن كنتم مرضى"، جمع مريض، وأراد به مريضاً يضره إمساس الماء مثل الجدري ونحوه،أو كان على موضع طهارته جراحة يخاف من استعمال الماء فيها التلف او زيادة الوجع، فإنه يصيلي بالتيمم وإن كان الماء موجوداً ، وإن كان بعض أعضاء طهارته صحيحاً والبعض جريحاً غسل الصحيح منها وتيمم للجريح ، لما أخبرنا أبو طاهر عمر بن عبد العزيز القاشانيأنا أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي أنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي أنا أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني أنا موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي أنا محمد بن سلمة عن الزبير بن خريق عن جابر بن عبد الله قال:" خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجر فشجه في رأسه ، فاحتلم فسأل أصحابه : هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء ، فاغتسل فمات ، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال: قتلوه قتلهم الله ، ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب- شك الراوي-/ على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده"
ولم يجوز أصحاب الرأي الجمع بين التيمم والغسل ، وقالوا:إن كان أكثر أعضائه صحيحاً غسل الصحيح ولا يتيمم عليه ، وإن كان الأكثر جريحاً اقتصر على التيمم.
والحديث حجة لمن أوجب الجمع بينهما.
قوله تعالى:" أو على سفر" أراد أنه إذا كان في سفر طويلاً كان أو قصيراً، وعدم الماء فإنه يصلي بالتيمم ولا إعادة عليه، لما روي عن أبي ذر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :" إن الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشره".
أما إذا لم يكن الرجل مريضاً ولا في سفر لكنه عدم الماء في موضع لا يعدم فيه الماء غالباً بأن كان في قرية انقطع ماؤها فإنه يصلي بالتيمم ثم يعيد إذا قدر على الماء عند الشافعي ، وعند مالك والأوزاعي لا إعادة عليهن وعند أبي حنيفة رضي الله عنه يؤخر الصلاة حتى يجد الماء.
قوله تعالى:" أو جاء أحد منكم من الغائط" ، أراد به إذا أحدث، والغائط :اسم للمطمئن من الأرض ، وكانت عادة العرب إتيان الغائط للحدث فكني عن الحدث بالغائط" أو لامستم النساء" ، قرأ حمزة والكسائي" لامستم " ها هنا وفي المائدة ، وقرأ الباقون " لامستم النساء".
واختلفوا في معنى اللمس والملامسة، فقال قوم: المجامعة ن وهو قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة، وكني باللمس[ عن الجماع لأن الجماع لا يحصل إلا باللمس].
وقال قوم : هما التقاء البشرتين سواء كان بجماع أو غير جماع ن وهو قول ابن مسعود وابن عمر، والشعبي والنخعي.
واختلف الفقهاء في حكم الآية فذهب جماعة إلى أنه إذا أفضى الرجل بشيء من بدنه إلى شيء من بدن المرأة ولا حائل بينهما ، ينتقض وضوؤهما، وهو قول ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما، وبه قال الزهري والأوزاعي والشافعي رضي الله عنهم.
وقال مالك والليث بن سعد واحمد وإسحاق :إن كان اللمس بشهوة نقض الطهر، وإن لم يكن بشهوة فلا ينتقض.
وقال قوم: لا ينتقض الوضوء باللمس بحال، وهو قول ابن عباس وبه قال الحسن والثوري.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا ينتقض إلا أن يحدث الانتشار.
واحتج من لم يوجب الوضوء باللمس بما أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبد الله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت:" كنت أنام بين يدي رسول الله ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي وإذا قام بسطتهما ، قالت والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح ".
أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أن أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت :" كنت نائمةً إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم ففقدته من الليل فلمسته بيدي فوضعت يدي على قدميه وهو ساجد وهو يقول: أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك".
واختلف قول الشافعي رضي الله عنه فيما لو لمس امرأة من محارمه كالأم والبنت والأخت أو لمس أجنبية صغيرة، أصح القولين أنه لا ينقض الوضوء لأنها ليست بمحل الشهوة كما لو لمس رجلاً.
واختلف قوله في انتقاض وضوء الملموس على قولين، أحدهما: ينتقض لاشتراكهما في الالتذاذ كما يجب الغسل عليهما بالجماع، والثاني: لا ينتقض لحديث عائشة رضي الله عنها حيث قالت : فوضعت يدي على قدميه وهو ساجد.
ولو لمس شعر امرأة أو سنها أو ظفرها لا ينتقض وضوءه عنده.
واعلم أن المحدث لا تصح صلاته مالم يتوضأ إذا وجد الماء أو يتيمم إذا لم يجد الماء . أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي أخبرنا أبو طاهر الزيادي أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان أنا أحمد بن يوسف المسلي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه أنا أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ".
والحدث هو خروج الخارج من أحد الفرجين عيناً كان أو أثراً، والغلبة على العقل بجنون أو إغماء على أي حال كان، وأما النوم فمذهب الشافعي رضي الله عنه انه يوجب الوضوء إلا أن ينام قاعداً متمكناً فلا وضوء عليهن لما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أخبرنا عبد العزيز الخلال أنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أنا الشافعي أنا الثقة عن حميد الطويل عن أنس رضي الله عنهما قال:" كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء فينامون ، أحسبه قال قعوداً حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون و لا يتوضؤون".
وذهب قوم إلى النوم يوجب الوضوء بكل حال وهو قول أبي هريرة رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها ، وبه قال الحسن وإسحاق والمزني، وذهب قوم إلى أنه لو نام قائماً أو قاعداً أو ساجداً فلا وضوء عليه حتى ينام مضطجعاً وبه قال الثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي.
واختلفوا في مس الفرج من نفسه أو من غيره فذهب جماعة إلى أنه يوجب الوضوء وهو قول عمر وابن عباس وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنها ، وبه قال سعيد بن المسيب وسليمان ابن يسار، وعروة بن الزبير ، وإليه ذهب الأوزاعي والشافعي ، وأحمد وإسحاق، وكذلك المرأة تمس فرجها، غير أن الشافعي رضي الله عنه يقول لا ينتقض إلا أن يمس ببطن الكف او بطون الأصابع.
واحتجوا بما أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم انه سمع عروة بن الزبير يقول: دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء ، فقال مروان: من مس الذكر الوضوء، فقال عروة: ما علمت ذلك ، فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان ،أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا مس أحدكم ذكره فليتوضاً".
وذهب جماعة إلى انه لا يوجب الوضوء، روي ذلك عن علي وابن مسعودوأبي الدرداء وحذيفة وبه قال الحسن ، وإليه ذهب الثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي.
واحتجوا بما روي عن طلق بن علي رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن مس الرجل ذكره ، فقال: هل هو إلا بضعة منك؟ ويروي ( هل هو إلا بضعة أو مضغة منه)".
ومن أوجب الوضوء منه قال: هذا منسوخ بحديث بسرة لأن أبا هريرة يروي أيضاً: أن الوضوء من مس الذكر وهو متأخر الإسلام وكان قدوم طلق بن علي على رسول الله/ صلى الله عليه وسلم أول زمن الهجرة حين كان يبني المسجد.
واختلفوا في خروج النجاسة من غير الفرجين بالفصد والحجامة وغيرهما من القيء ونحوه، فذهب جماعة إلى أنه لا يوجب الوضوء، روي ذلك عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس، وبه قال عطاء وطاووس والحسن وسعيد بن المسيب وإليه ذهب مالك والشافعي.
وذهبت جماعة إلى غياب الوضوء بالقيء والرعاف والفصد والحجامة منهم سفيان الثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق .
واتفقوا على أن القليل منه وخروج الريح من غير السبيلين لا يوجب الوضوء ولو أوجب الوضوء كثيرة لأوجب قليله كالفرج.
"فلم تجدوا ماء فتيمموا"، اعلم أن التيمم من خصائص هذه الأمة ، روى حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وجعلت لنا الأرض كلها مسجداً ، وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء".
وكان بدء التيمم ما أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد السرخسي أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:" خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس أبا بكر رضي الله عنه فقالوا ألا ترى ما صنعت عائشة أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فجاء أبو بكر رضي الله عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال : أحبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء، قالت : فعاتبني أبو بكر رضي الله عنه وقال ماشاء الله أن يقول ، وجعل يطعن بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذين فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح على غير ماء ، فأنزل الله تعالى آية التيمم "فتيمموا" فقال أسيد بن حضير وهو أحد النقباء: ماهذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر، قالت عائشة رضي الله عنا : فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته".
وأخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبيد بن إسمعيل أنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها :" أنها استعارت من أسماء قلادةً فهلكت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناساً من أصحابه في طلبها فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم شكوا ذلك إليه فنزلت آية التيمم. فقال أسيد بن حضير: جزاك الله خيراً فوا الله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لك منه مخرجاً وجعل للمسلمين فيه بركة".
"فتيمموا"،أي: اقصدوا،"صعيداً طيباً"،أي: تراباً طاهراً نظيفاً، قال ابن عباس رضي الله عنهما: الصعيد هو التراب.
واختلف أهل العلم فيما يجوز به التيمم، فذهب الشافعي رحمه الله تعالى إلى انه يختص بما يقع لعيه اسم التراب مما يعلق باليد منه غبار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"وجعلت تربتها لنا طهوراً".
وجوز اصحاب الرأي التيمم بالزرنيخ والجص والنورة وغيرها من طبقات الأرض ، حتى قالوا: لو ضرب يديه على صخرة لا غبار عليها أو على التراب ثم نفخ فيه حتى زال كله فمسح به وجهه ويديه صح تيممه ، وقالوا: الصعيد وجه الأرض، لما روي عن جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:"جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً".
وهذا مجمل ، وحديث حذيفة في تخصيص التراب مفسر، والمفسر من الحديث يقضي على المجمل.
وجوز بعضهم التيمم بكل ما هو متصل بالأرض من شجر ونبات ، ونحوهما وقال:إن الصعيد اسم لما تصاعد على وجه الأرض.
والقصد إلى التراب شرط لصحة التيمم، لأن الله تعالى قال: " فتيمموا"، والتيمم : القصد ، حتى لو وقف في مهب الريح فأصاب الغبار وجهه ونوى لم يصح.
قوله تعالى:" فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفواً غفوراً" اعلم أن سمح الوجه واليدين واجب في التيمم ، واختلفوا في كيفيته : فذهب اكثر أهل العلم إلى أنه يمسح الوجه واليدان مع المرفقين، بضربتينن يضرب كفيه على التراب فيمسح جميع وجهه ، ولا يجب إيصال التراب إلى ما تحت الشعور، ثم يضرب ضربةً أخرى فيمسح يديه إلى المرفقين ، لما اخبرنا عبد الوهاب بن محمد بن الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عن الأعرج عن أبي الصمة قال:" مررت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلمت عليه فلم يرد علي حتى قام إلى جدار فحته بعصاً كانت معه، ثم وضع يديه على الجدار فمسح وجهه وذراعيه ثم رد علي "ففيه دليل على وجوب مسح اليدين إلى المرفقين كما يجب غسلهما في الوضوء إلى المرفقين، ودليل على أن التيمم لا يصح ما لم يعلق باليد غبار التراب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حت الجدار بالعصا، ولو كان مجرد الضرب كافياً لما كان حته.
وذهب الزهري إلى انه يمسح اليدين إلى المنكبين لما روي عن عمار أنه قال : "تيممنا إلى المناكب". وذلك حكاية فعله لم ينقله عن النبي صلى الله عليه وسلم كما روي أنه قال:" أجنبت فتمعكت في التراب فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالوجه والكفين".
وذهب جماعة إلى أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين وهو قول علي وابن عباس رضي الله عنهم،وبه قال الشعبي وعطاء بن أبي رباح ومكحول ، وإليه ذهب الأوزاعي وأحمد وإسحاق ، واحتجوا بما أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا احمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا آدم أنا شعبة اخبرنا الحكم عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبزي عن أبيه قال:" جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : إني أجنبت فلم أصب الماء فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنا كنا في سفر أنا وأنت، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت فصليت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم :إنما كان يكفيك هكذا، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه".
وقال محمد بن إسماعيل أنا محمد بن كثير عن شعبة بإسناده فقال عمار لعمر رضي الله عنه:" تمعكت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:يكفيك الوجه والكفان".
وفي الحديث دليل على الجنب إذا لم يجد الماء يصلي بالتيمم ، وكذا الحائض والنفساء إذا طهرتا وعدمتا الماء.
وذهب عمر وابن مسعود رضي الله عنهما إلى أن الجنب لا يصلي / بالتيمم بل يؤخر الصلاة إلى أن يجد الماء فيغتسل، وحملا قوله تعالى:"أو لامستم النساء" على اللمس باليد دون الجماع، وحديث عمار رضي الله عنه حجة ، وكان عمر نسي ما ذكر له عمار فلم يقنع بقوله . وروي أن ابن مسعود رضي الله عنه رجع عن قوله وجوز التيمم للجنب ،والدليل عليه أيضاً : ما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن احمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا إبراهيم بن محمد عن عياد بن منصور عن أبي رجاء العطاردي عن عمران بن حصين رضي الله عنهم "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا كان جنباً أن يتيمم ثم يصلي فإذا وجد الماء اغتسل".
وأخبرنا عمر بن عبد العزيز أنا أبو القاسم بن جعفر الهاشمي أنا أبو علي اللؤلؤي أنا أبو داود السجستاني أنا مسدد أنا خالد الواسطي عن خالد الحذاء عن أبي عمرو بن بجدان عن أبي ذر رضي الله عنهم قال: "اجتمعت غنيمة من الصدقة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا ابا ذر ابد فيها ، فبدوت إلى الربذة وكانت تصيبني الجنابة فامكث الخمس والست ، فاتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك فإن ذلك خير".
ومسح الوجه واليدين في التيمم ، تارة يكون بدلاً من غسل جميع البدن في حق الجنب والحائض والنفساء واليمت، وتارة يكون بدلاً عن غسل الأعضاء الأربع في حق المحدث، وتارة يكون بدلاً عن غسل بعض أعضاء الطهارة ، بأن يكون على بعض أعضاء طهارته جراحة لا يمكنه غسل محلها ، فعليه أن يتيمم بدلاً عن غسله.
ولا يصح التيمم لصلاة الوقت إلا بعد دخول الوقت ، ولا يجوز أن يجمع بين فريضتين بتيمم واحد ، لأن الله تعالى قال:"إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم" إلى أن قال:" فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً" ، ظاهر الآية يدل على وجوب الوضوء أو التيمم إذا لم يجد الماء عند كل صلاة ، إلا أن ادليل قد قام في الوضوء فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم فتح مكة الصلوات بوضوء واحد، فبقي التيمم على ظاهره ، وهذا قول علي وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم ، وبه قال الشعبي والنخعي وقتادة ، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق.
وذهب جماعة إلى ان التيمم كالطهارة بالماء يجوز تقديمه على وقت الصلاة، ويجوز أن يصلي به ما شاء من الفرائض ما لم يحدثن وهو قول سعيد بن المسيب والحسن والزهري والثوري وأصحاب الرأي.
واتفقوا على أنه يجوز ان يصلي بتيمم واحد مع الفريضة ما شاء من النوافل، قبل الفريضة وبعدها، وان يقرأ القرآن إن كان جنباً ، وإن كان تيممه بعذر السفر وعدم الماء فيشترط طلب الماء، وهو ان يطلبه من رحله ورفقائه.
وإن كان في صحراء لا حائل دون نظره ينظر حواليه، وإن كان دون نظره حائل قريب من تل أو جدار عدل عنه، لأن الله تعالى قال:" فلم تجدوا ماء فتيمموا" ، ولا يقال: لم يجد الماء:إلا لمن طلب.
وعند أبي حنيفة رضي الله عنه : طلب الماء ليس بشرط ، فإن رأي الماء ولكن بينه وبين الماء حائل من عدو أو سبع يمنعه من الذهاب إليه ، أو كان الماء في البئر وليس معه آلة الاستقاء ، فهو كالمعدوم ، يصلي بالتيمم ولا إعادة عليه.
43"يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون" أي لا تقوموا إليها وأنتم سكارى من نحو نوم أو خمر حتى تنتهوا وتعلموا ما تقولون في صلاتكم. روي (أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه صنع مأدبة ودعا نفراً من الصحابة -حين كانت الخمر مباحاً- فأكلوا وشربوا حتى ثملوا، وجاء وقت صلاة المغرب فتقدم أحدهم ليصلي بهم فقرأ: أعبد ما تعبدون). فنزلت. وقيل أراد بالصلاة مواضعها وهي المساجد وليس المراد منه نهي السكران عن قربان الصلاة، وإنما المراد النهي عن الإفراط في الشرب والسكر، من السكر وهو السد. وقرىء "سكارى" بالفتح وسكرى على أنه جمه كهلكى. أو مفرد بمعنى وأنتم قوم سكرى، أو جماعة سكرى وسكرى كحبلى على أنها صفة للجماعة. "ولا جنباً" عطف على قوله "وأنتم سكارى" إذ الجملة في موضع النصب على الحال، والجنب الذي أصابته الجنابة، يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع، لأنه يجرى مجرى المصدر. "إلا عابري سبيل" متعلق بقوله "ولا جنباً"، استثناء من أعم الأحوال أي لا تقربوا الصلاة جنباً في عامة الأحوال إلا في السفر وذلك إذا لم يجد الماء وتيمم، ويشهد له تعقيبه بذكر التيمم، أو صفة لقوله "جنباً" أي جنباً غير عابري سبيل. وفي دليل على أن التيمم لا يرفع الحدث. ومن فسر الصلاة بمواضعها فسر عابري سبيل بالمجتازين فيها، وجوز الجنب عبور المسجد. وبه قال الشافعي رضي الله عنه. وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: لا يجوز له المرور في المسجد إلا إذا كان فيه الماء أو الطريق. "حتى تغتسلوا" غاية النهي عن القربان حال الجنابة، وفي الآية تنبيه على أن المصلي ينبغي أن يتحرز عما يلهيه ويشغل قلبه، ويزكي نفسه عما يجب تطهيرها عنه. "وإن كنتم مرضى" مرضاً يخاف معه من استعمال الماء، فإن الواجد كالفاقد. أو مرضاً يمنعه من الوصول إليه. "أو على سفر" لا تجدونه فيه. " أو جاء أحد منكم من الغائط " فأحدث بخروج الخارج من أحد السبيلين،وأصل الغائط المكان المطمئن من الأرض. "أو لامستم النساء" أو مسستم بشرتهن ببشرتكم، وبه استدل الشافعي على أن اللمس ينقض الوضوء. وقيل: أو جامعتموهن. وقرأ حمزة و الكسائي هنا وفي المائدة لمستم ، واستعماله كناية عن الجماع أقل من الملامسة. "فلم تجدوا ماءً" فلم تتمكنوا من استعماله، إذ الممنوع عنه كالمفقود. ووجه هذا التقسيم أن المترخص بالتيمم إما محدث أو جنب، والحالة المقتضية له في غالب الأمر مرض أو سفر. والجنب لما سبق ذكره اقتصر على بيان حاله والمحدث لما لم يجر ذكره ذكر من أسبابه ما يحدث بالذات وما يحدث بالعرض، واستغنى عن تفصيل أحواله بتفصيل حال الجنب وبيان العذر مجملاً فكأنه قيل: وإن كنتم جنباً مرضى أو على سفر أو محدثين جئتم من الغائط أو فلم تجدوا ماء "فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم". أي فتعمدوا شيئاً من وجه الأرض طاهراً. ولذلك قالت الحنفية: لو ضرب المتيمم يده على حجر صلد ومسح به أجزأه. وقال أصحابنا لابد من أن يعلق باليد شيء من التراب لقوله تعالى في المائدة "فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه" أي بعضه، وجعل من لابتداء الغاية تعسف إذ لا يفهم من نحو ذلك إلا التبعيض، واليد اسم للعضو إلى المنكب، وما روي أنه عليه الصلاة والسلام تيمم ومسح يديه إلى مرفقيه، والقياس على الوضوء دليل على أن المراد ها هنا "وأيديكم إلى المرافق". "إن الله كان عفواً غفوراً" فلذلك يسر الأمر عليكم ورخص لكم.
43. O ye who believe! Draw not near unto prayer when ye are drunken, till ye know that which ye utter, nor when ye are polluted, save when journeying upon the road, till ye have bathed. And if ye be ill, or on a journey, or one of you cometh from the closet, or ye have touched women, and ye and not water, than go to high clean soil and rub your faces and your hands (therewith). Lo! Allah is Benign, Forgiving.
43 - Ye who believe approach not prayers with a mind befogged, until ye van understand all that ye say, nor in a state of ceremonial impurity (except when travelling on the road), until after washing your whole body. if ye are ill, or on a journey, or one of you cometh from offices of nature, or ye have been in contact with women, and ye find no water, then take for yourselves clean sand or earth, and rub therewith your faces and hands. for God doth blot out sins and forgive again and again.