[النساء : 24] وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا
(و)حرمت عليكم (المحصنات) أي ذوات الأزواج (من النساء) أن تنكحوهن قبل مفارقة أزواجهن حرائر مسلمات كن أو لا (إلا ما ملكت أيمانكم) من الإماء بالسبي فلكم وطؤهن وإن كان لهن أزواج في دار الحرب بعد الاستبراء (كتاب الله) نصب على المصدر أي كتب ذلك (عليكم وأحل) بالبناء للفاعل والمفعول (لكم ما وراء ذلكم) أي سوى ما حرم عليكم من النساء (أن تبتغوا) تطلبوا النساء (بأموالكم) بصداق أو ثمن (محصنين) متزوجين (غير مسافحين) زانين (فما) فمن (استمتعتم) تمتعتم (به منهن) ممن تزوجتم بالوطء (فآتوهن أجورهن) مهورهن التي فرضتم لهن (فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم) أنتم وهنَّ (به من بعد الفريضة) من حطها أو بعضها أو زيادة عليها (إن الله كان عليما) بخلقه (حكيما) فيما دبره لهم
قوله تعالى والمحصنات الآية روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي سعيد الخدري قال أصبنا سبايا من سبي أوطاس لهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم يقول إلا ما أفاء الله عليكم فاستحللنا بها فروجهن
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال نزلت يوم حنين لما فتح الله حنينا أصاب المسلمين نساء من نساء أهل الكتاب لهن أزواج وكان الرجل إذا أراد أن يأتي المرأة قالت إن لي زوجا فسئل صلى الله علية وسلم عن ذلك فأنزل الله والمحصنات من النساء الآية
قوله تعالى ولا جناح الآية أخرج ابن جرير عن معمر بن سليمان عن أبيه قال زعم حضرمي أن رجالا كانون يفرضون المهر ثم عسى أن تدرك أحدهم العسرة فنزلت ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: حرمت عليكم المحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم.
واختلف أهل التأويل في "المحصنات" التي عناهن الله في هذه الآية.
فقال بعضهم: هن ذوات الأزواج غير المسبيات منهن، و ملك اليمين: السبايا اللواتي فرق بينهن وبين أزواجهن السباء، فحللن لمن صرن له بملك اليمين، من غير طلاق كان من زوجها الحربي لها.
ذكر من قال:
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كل ذوات زوج، إتيانها زناً، إلا ما سبيت.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن عطية قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله.
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، يقول: كل امرأة لها زوج فهي عليك حرام، إلا أمة ملكتها ولها زوج بأرض الحرب، فهي لك حلال إذا استبرأتها.
وحدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن خالد، عن أبي قلابة في قوله: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، قال: ما سبيتم من النساء. إذا سبيت المرأة ولها زوج في قومها، فلا بأس أن تطأها.
حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، قال: كل امرأة محصنة لها زوج فهي محرمة، إلا ما ملكت يمينك من السبي وهي محصنة لها زوج، فلا تحرم عليك به. قال: كان أبي يقول ذلك.
حدثني المثنى قال، حدثنا عتبة بن سعيد الحمصي قال، حدثنا سعيد، عن مكحول في قوله: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، قال: السبايا.
واعتل قائلو هذه المقالة، بالأخبار التي رويت أن هذه الآية نزلت فيمن سبي من أوطاس.
ذكر الرواية بذلك:
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن أبي علقمة الهاشمي، عن أبي سعيد الخدري: "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً إلى أوطاس، فلقوا عدواً، فأصابوا سبايا لهن أزواج من المشركين، فكان المسلمون يتأثمون من غشيانهن، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم""، أي: هن حلال لكم إذا ما انقضت عددهن.
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن صالح أبي الخليل: أن أبا علقمة الهاشمي حدث، أن أبا سعيد الخدري حدث: "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم حنين سرية، فأصابوا حياً من أحياء العرب يوم أوطاس، فهزموهم وأصابوا لهم سبايا، فكان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأثمون من غشيانهن من أجل أزواجهن، فأنزل الله تبارك وتعالى: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"" منهن، فحلال لكم ذلك.
حدثني علي بن سعيد الكناني قال، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن أشعث بن سوار، عن عثمان البتي، عن أبي الخليل، عن أبي سعيد الخدري قال: "لما سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل أوطاس، قلنا: يا رسول الله، كيف نقع على نساء قد عرفنا أنسابهن وأزواجهن؟ قال: فنزلت هذه الآية: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"".
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن عثمان البتي، [عن أبي الخليل]، "عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا نساءً من سبي أوطاس لهن أزواج، فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، فاستحللنا فروجهن".
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن أبي سعيد قال: نزلت في يوم أوطاس، أصاب المسلمون سبايا لهن أزواج في الشرك، فقال: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، يقول: إلا ما أفاء الله عليكم. قال: فاستحللنا بها فروجهن.
وقال آخرون ممن قال: المحصنات ذوات الأزواج في هذا الموضع: بل هن كل ذات زوج من النساء، حرام على غير أزواجهن، إلا أن تكون مملوكة اشتراها مشتر من مولاها، فتحل لمشتريها، ويبطل بيع سيدها إياها النكاح بينها وبين زوجها.
ذكر من قال ذلك:
حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله في قوله: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، قال: كل ذات زوج عليك حرام، إلا أن تشتريها، أو ما ملكت يمينك.
حدثني المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم: أنه سئل عن الأمة تباع ولها زوج؟ قال: كان عبد الله يقول: بيعها طلاقها، ويتلو هذه الآية: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم".
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله في قوله: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، قال: كل ذات زوج عليك حرام إلا ما اشتريت بمالك، وكان يقول: بيع الأمة طلاقها.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب قوله: "والمحصنات من النساء"، قال: هن ذوات الأزواج، حرم الله نكاحهن، إلا ما ملكت يمينك، فبيعها طلاقها، قال معمر: وقال الحسن مثل ذلك.
حدثنا ابن بشار قال: حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن في قوله: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، قال: إذا كان لها زوج، فبيعها طلاقها.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: أن أبي بن كعب، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك قالوا: بيعها طلاقها.
حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: أن أبي بن كعب وجابراً وابن عباس قالوا: بيعها طلاقها.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عمر بن عبيد، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: قال عبد الله: بيع الأمة طلاقها.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن منصور، ومغيرة والأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله قال: بيع الأمة طلاقها.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سعيد، عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الله مثله.
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الله مثله.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: طلاق الأمة ست: بيعها طلاقها، وعتقها طلاقها، وهبتها طلاقها، وبراءتها طلاقها، وطلاق زوجها طلاقها.
حدثني أحمد بن المغيرة الحمصي قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن عيسى بن أبي إسحق، عن أشعث، عن الحسن، عن أبي بن كعب أنه قال: بيع الأمة طلاقها.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى، عن عوف، عن الحسن قال: بيع الأمة طلاقها، وبيعه طلاقها.
حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا خالد، عن أبي قلابة قال: قال عبد الله: مشتريها أحق ببضعها، يعني الأمة تباع ولها زوج.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر، عن أبيه، عن الحسن قال: طلاق الأمة بيعها.
حدثنا حميد قال، حدثنا سفيان بن حبيب قال، حدثنا يونس، عن الحسن: أن أبياً قال: بيعها طلاقها.
حدثنا أحمد قال، حدثنا سفيان، عن خالد، عن أبي قلابة، عن ابن مسعود قال: إذا بيعت الأمة ولها زوج، فسيدها أحق ببضعها.
حدثنا حميد قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثني سعيد، عن قتادة، عن أبي معشر، عن إبراهيم قال: بيعها طلاقها. قال: فقيل لإبراهيم: فبيعه؟ قال: ذلك ما لا نقول فيه شيئاً.
وقال آخرون: بل معنى "والمحصنات" في هذا الموضع: العفائف. قالوا: وتأويل الآية: والعفائف من النساء حرام أيضاً عليكم، إلا ما ملكت أيمانكم منهن بنكاح وصداق وسنة وشهود، من واحدة إلى أربع.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي جعفر، عن أبي العالية قال، يقول: "انكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع"، ثم حرم ما حرم من النسب والصهر، ثم قال: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، قال: فرجع إلى أول السورة، إلى أربع، فقال: هن حرام أيضاً إلا بصداق وسنة وشهود.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال: أحل الله لك أربعاً في أول السورة، وحرم نكاح كل محصنة بعد الأربع إلا ما ملكت يمينك. قال معمر، وأخبرني ابن طاوس، عن أبيه: إلا ما ملكت يمينك، قال: فزوجك مما ملكت يمينك، يقول: حرم الله الزنا، لا يحل لك أن تطأ امرأة إلا ما ملكت يمينك.
حدثني علي بن سعيد بن مسروق الكندي قال، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين قال، سألت عبيدة عن قول الله تعالى: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم"، قال: أربع.
حدثني علي بن سعيد قال، حدثنا عبد الرحيم، عن أشعث بن سوار، عن ابن سيرين، عن عبيدة، عن عمر بن الخطاب مثله.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير في قوله: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، قال: الأربع، فما بعدهن حرام.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: سألت عطاء عنها فقال: حرم الله ذوات القرابة. ثم قال: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، يقول: حرم ما فوق الأربع منهن.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي. "والمحصنات من النساء"، قال: الخامسة حرام كحرمة الأمهات والأخوات.
ذكر من قال: عنى بالمحصنات في هذا الموضع، العفائف من المسلمين وأهل الكتاب.
حدثني إسحق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال، حدثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: "والمحصنات" قال: العفيفة العاقلة، من مسلمة أو من أهل الكتاب.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس، عن بعض أصحابه، عن مجاهد: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، قال: العفائف.
وقال آخرون: المحصنات في هذا الموضع، ذوات الأزواج، غير أن الذي حرم الله منهن في هذه الآية، الزنا بهن، وأباحهن بقوله: "إلا ما ملكت أيمانكم" بالنكاح أو الملك.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى: "والمحصنات"، قال: نهى عن الزنا.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "والمحصنات من النساء" قال: نهى عن الزنا، أن تنكح المرأة زوجين.
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، قال: كل ذات زوج عليكم حرام، إلا الأربع اللاتي ينكحن بالبينة والمهر.
حدثنا أحمد بن عثمان قال، حدثنا وهب بن جرير قال، حدثنا أبي قال، سمعت النعمان بن راشد يحدث، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: أنه سئل عن المحصنات من النساء، قال: هن ذوات الأزواج.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الله قال: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، قال: ذوات الأزواج من المسلمين والمشركين. وقال علي: ذوات الأزواج من المشركين.
حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد، عن ابن عباس في قوله: "والمحصنات من النساء"، قال: كل ذات زوج عليكم حرام.
حدثني المثنى قال، حدثني الحماني قال، حدثنا شريك، عن عبد الكريم، عن مكحول نحوه.
حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن الصلت بن بهرام، عن إبراهيم نحوه.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم" إلى "وأحل لكم ما وراء ذلكم"، يعني ذوات الأزواج من النساء، لا يحل نكاحهن. يقول: لا تخبب ولا تعد، فتنشز على زوجها. وكل امرأة لا تنكح إلا ببينة ومهر فهي من المحصنات التي حرم الله، "إلا ما ملكت أيمانكم"، يعني التي أحل الله من النساء، وهو ما أحل من حرائر النساء مثنى وثلاث ورباع.
وقال آخرون: بل هن نساء أهل الكتاب.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عيسى بن عبيد، عن أيوب بن أبي العوجاء، عن أبي مجلز في قوله: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، قال: نساء أهل الكتاب.
وقال آخرون: بل هن الحرائر.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار قال، حدثني حماد بن مسعدة قال، حدثنا سليمان، عن عزرة في قوله: "والمحصنات من النساء"، قال: الحرائر.
وقال آخرون: "المحصنات" هن العفائف وذوات الأزواج، وحرام كل من الصنفين إلا بنكاح أو ملك يمين.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل، عن ابن شهاب، وسئل عن قول الله: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم" الآية، قال: نرى أنه حرم في هذه الآية المحصنات من النساء ذوات الأزواج أن ينكحهن مع أزواجهن -والمحصنات، العفائف- ولا يحللن إلا بنكاح أو ملك يمين. والإحصان إحصانان: إحصان تزويج، وإحصان عفاف، في الحرائر والمملوكات. كل ذلك حرم الله، إلا بنكاح أو ملك يمين.
وقال آخرون: نزلت هذه الآية في نساءكن يهاجرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهن أزواج، فيتزوجهن بعض المسلمين، ثم يقدم أزواجهن مهاجرين، فنهي المسلمون عن نكاحهن.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، حدثني حبيب بن أبي ثابت، عن أبي سعيد الخدري قال: كان النساء يأتيننا ثم يهاجر أزواجهن، فمنعناهن، يعني بقوله: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم".
وقد ذكر ابن عباس وجماعة غيره أنه كان ملتبساً عليهم تأويل ذلك.
حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة قال، قال رجل لسعيد بن جبير: أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الآية: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، فلم يقل فيها شيئاً؟ قال فقال: كان لا يعلمها.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، عن مجاهد قال: لو أعلم من يفسر لي هذه الآية، لضربت إليه أكباد الإبل، قوله: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم" إلى قوله: "فما استمتعتم به منهن"، إلى آخر الآية.
قال أبو جعفر: فأما المحصنات، فإنهن جمع محصنة، وهي التي قد منع فرجها بزوج. يقال: منه: أحصن الرجل امرأته فهو يحصنها إحصاناً، وحصنت هي فهي تحصن حصانة، إذا عفت، وهي حاصن من النساء، عفيفة، كما قال العجاج:
وحاصن من حاصنات ملس عن الأذى وعن قراف الوقس
ويقال أيضاً، إذا هي عفت وحفظت فرجها من الفجور: وقد أحصنت فرجها فهي محصنة، كما قال جل ثناؤه: "ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها" [التحريم: 12]، بمعنى: حفظته من الريبة، ومنعته من الفجور. وإنما قيل لحصون المدائن والقرى: حصون، لمنعها من أرادها وأهلها، وحفظها ما وراءها ممن بغاها من أعدائها. ولذلك قيل للدرع: درع حصينة.
فإذ كان أصل الإحصان ما ذكرنا من المنع والحفظ، فبين أن معنى قوله: "والمحصنات من النساء"، والممنوعات من النساء حرام عليكم إلا ما ملكت أيمانكم.
وإذ كان ذلك معناه، وكان الإحصان قد يكون بالحرية، كما قال جل ثناؤه: "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" [المائدة: 5]، ويكون بالإسلام، كما قال تعالى ذكره: "فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب" [النساء: 25]، ويكون بالعفة، كما قال جل ثناؤه: "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء" [النور: 4]، ويكون بالزوج، ولم يكن تبارك وتعالى خص محصنة دون محصنة في قوله: "والمحصنات من النساء"، فواجب أن تكون كل محصنة بأي معاني الإحصان كان إحصانها، حراماً علينا سفاحاً أو نكاحاً إلا ما ملكته أيماننا منهن بشراء، كما أباحه لنا كتاب الله جل ثناؤه، أو نكاح على ما أطلقه لنا تنزيل الله.
فالذي أباحه الله تبارك وتعالى لنا نكاحاً من الحرائر: الأربع، سوى اللواتي حرمن علينا بالنسب والصهر، ومن الإماء: ما سبينا من العدو، سوى اللواتي وافق معناهن معنى ما حرم علينا من الحرائر بالنسب والصهر، فإنهن والحرائر فيما يحل ويحرم بذلك المعنى، متفقات المعاني، وسوى اللواتي سبيناهن من أهل الكتابين ولهن أزواج، فإن السباء يحلهن لمن سباهن بعد الاستبراء، وبعد إخراج حق الله تبارك وتعالى الذي جعله لأهل الخمس منهن.
فأما السفاح، فإن الله تبارك وتعالى حرمه من جميعهن، فلم يحله من حرة ولا أمة، ولا مسلمة، ولا كافرة مشركة.
وأما الأمة التي لها زوج، فإنها لا تحل لمالكها إلا بعد طلاق زوجها إياها، أو وفاته وانقضاء عدتها منه. فأما بيع سيدها إياها، فغير موجب بينها وبين زوجها فراقاً ولا تحليلاً لمشتريها، لصحة الخبر "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه خير بريرة إذ أعتقتها عائشة، بين المقام مع زوجها الذي كان سادتها زوجوها منه في حال رقها، وبين فراقه، ولم يجعل صلى الله عليه وسلم عتق عائشة إياها لها طلاقاً". ولو كان عتقها وزوال ملك عائشة إياها لها طلاقاً، لم يكن لتخيير النبي صلى الله عليه وسلم إياها بين المقام مع زوجها والفراق، معنىً، ولوجب بالعتق الفراق، وبزوال ملك عائشة عنها الطلاق. فلما خيرها النبي صلى الله عليه وسلم بين الذي ذكرنا وبين المقام مع زوجها والفراق، كان معلوماً أنه لم يخير بين ذلك إلا والنكاح عقده ثابت كما كان قبل زوال ملك عائشة عنها. فكان نظيراً للعتق -الذي هو زوال ملك مالك المملوكة ذات الزوج عنها- البيع، الذي هو زوال ملك مالكها عنها، إذ كان أحدهما زوالاً ببيع، والآخر بعتق، في أن الفرقة لا تجب بينها وبين زوجها بهما ولا بواحد منهما، [ولا يجب بهما ولا بواحد منهما طلاق]، وإن اختلفا في معان أخر: من أن لها في العتق الخيار في المقام مع زوجها والفراق، لعلة مفارقة معنى البيع، وليس ذلك لها في البيع.
قال أبو جعفر: فإن قال قائل: وكيف يكون معنياً بالاستثناء من قوله: "والمحصنات من النساء"، ما وراء الأربع، من الخمس إلى ما فوقهن بالنكاح، والمنكوحات به غير مملوكات؟
قيل له: إن الله تعالى لم يخص بقوله: "إلا ما ملكت أيمانكم"، المملوكات الرقاب، دون المملوك عليها بعقد النكاح أمرها، بل عم بقوله: "إلا ما ملكت أيمانكم"، كلا المعنيين -أعني ملك الرقبة، وملك الاستمتاع بالنكاح- لأن جميع ذلك ملكته أيماننا. أما هذه فملك استمتاع، وأما هذه فملك استخدام واستمتاع وتصريف فيما أبيح لمالكها منها. ومن ادعى أن الله تبارك وتعالى عنى بقوله: "والمحصنات من النساء" محصنة وغير محصنة سوى من ذكرنا أولاً، بالاستثناء بقوله: "إلا ما ملكت أيمانكم"، بعض أملاك أيماننا دون بعض غير الذي دللنا على أنه غير معني به، سئل البرهان على دعواه من أصل أو نظير. فلن يقول في ذلك قولاً إلا ألزم في الآخر مثله.
فإن اعتل معتل منهم بحديث أبي سعيد الخدري أن هذه الآية نزلت في سبايا أوطاس.
قيل له: إن سبايا أوطاس لم يوطأن بالملك والسباء دون الإسلام. وذلك أنهن كن مشركات من عبدة الأوثان، وقد قامت الحجة بأن نساء عبدة الأوثان لا يحللن بالملك دون الإسلام، وأنهن إذا أسلمن فرق الإسلام بينهن وبين الأزواج، سبايا كن أو مهاجرات. غير أنهن إذا كن سبايا، حللن إذا هن أسلمن بالاستبراء. فلا حجة لمحتج في أن المحصنات اللاتي عناهن بقوله: "والمحصنات من النساء"، ذوات الأزواج من السبايا دون غيرهن، بخبر أبي سعيد الخدري أن ذلك نزل في سبايا أوطاس. لأنه وإن كان فيهن نزل، فلم ينزل في إباحة وطئهن بالسباء خاصة، دون غيره من المعاني التي ذكرنا. مع أن الآية تنزل في معنىً، فتعم ما نزلت به فيه وغيره، فيلزم حكمها جميع ما عمته، لما قد بينا من القول في العموم والخصوص في كتابنا كتاب البيان عن أصول الأحكام.
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: كتاباً من الله عليكم، فأخرج الكتاب مصدراً من غير لفظه. وإنما جاز ذلك لأن قوله تعالى: "حرمت عليكم أمهاتكم"، إلى قوله: "كتاب الله عليكم"، بمعنى: كتب الله تحريم ما حرم من ذلك وتحليل ما حلل من ذلك عليكم، كتاباً.
وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: "كتاب الله عليكم"، قال: ما حرم عليكم.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: سألت عطاء عنها فقال: "كتاب الله عليكم"، قال: هو الذي كتب عليكم الأربع، أن لا تزيدوا.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين قال: قلت لعبيدة: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم"، وأشار ابن عون بأصابعه الأربع.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا هشام، عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة عن قوله: "كتاب الله عليكم"، قال: أربع.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "كتاب الله عليكم"، الأربع.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "كتاب الله عليكم"، قال: هذا أمر الله عليكم. قال: يريد ما حرم عليهم من هؤلاء وما أحل لهم. وقرأ: "وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم"، إلى آخر الآية. قال: "كتاب الله عليكم"، الذي كتبه، وأمره الذي أمركم به. "كتاب الله عليكم"، أمر الله.
وقد كان بعض أهل العربية يزعم أن قوله: "كتاب الله عليكم"، منصوب على وجه الإغراء، بمعنى: عليكم كتاب الله، الزموا كتاب الله.
والذي قال من ذلك غير مستفيض في كلام العرب. وذلك أنها لا [تكاد] تنصب بالحرف الذي تغري به، [إذا أخرت الإغراء، وقدمت المغرى به]. لا تكاد تقول: أخاك عليك، وأباك دونك، وإن كان جائزاً.
والذي هو أولى بكتاب الله: أن يكون محمولاً على المعروف من لسان من نزل بلسانه. هذا، مع ما ذكرنا من تأويل أهل التأويل ذلك بمعنى ما قلنا، وخلاف ما وجهه إليه من زعم أنه نصب على وجه الإغراء.
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معنى ذلك: وأحل لكم ما دون الخمس، أن تبتغوا بأموالكم على وجه النكاح.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وأحل لكم ما وراء ذلكم"، ما دون الأربع، "أن تبتغوا بأموالكم".
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني: "وأحل لكم ما وراء ذلكم"، يعني: ما دون الأربع.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأحل لكم ما وراء ذلكم: من سمى لكم تحريمه من أقاربكم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: سألت عطاء عنها فقال: "وأحل لكم ما وراء ذلكم"، قال: ما رواء ذات القرابة، "أن تبتغوا بأموالكم"، الآية.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأحل لكن ما وراء ذلكم: عدد ما أحل لكم من المحصنات من النساء الحرائر ومن الإماء.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: "وأحل لكم ما وراء ذلكم"، قال: ما ملكت أيمانكم.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، ما نحن مبينوه. وهو أن الله جل ثناؤه بين لعباده المحرمات بالنسب والصهر، ثم المحرمات من المحصنات من النساء، ثم أخبرهم جل ثناؤه أنه قد أحل لهم ما عدا هؤلاء المحرمات المبينات في هاتين الآيتين، أن نبتغيه بأموالنا نكاحاً وملك يمين، لا سفاحاً.
فإن قال قائل: عرفنا المحللات اللواتي هن وراء المحرمات بالأنساب والأصهار، فما المحللات من المحصنات والمحرمات منهن؟
قيل: هو ما دون الخمس من واحدة إلى أربع -على ما ذكرنا عن عبيدة والسدي- من الحرائر. فأما ما عدا ذوات الأزواج، فغير عدد محصور بملك اليمين. وإنما قلنا إن ذلك كذلك، لأن قوله: "وأحل لكم ما وراء ذلكم"، عام في كل محلل لنا من النساء أن نبتغيها بأموالنا. فليس توجيه معنى ذلك إلى بعض منهن بأولى من بعض، إلا أن تقوم بأن ذلك كذلك حجة يجب التسليم لها. ولا حجة بأن ذلك كذلك.
واختلفت القرأة في قراءة قوله: "وأحل لكم ما وراء ذلكم".
فقرأ ذلك بعضهم: وأحل لكم بفتح الألف من أحل بمعنى: كتب الله عليكم، وأحل لكم ما وراء ذلكم.
وقرأه آخرون: "وأحل لكم ما وراء ذلكم"، اعتباراً بقوله: "حرمت عليكم أمهاتكم"، "وأحل لكم ما وراء ذلكم".
قال أبو جعفر: والذي نقول في ذلك، أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قرأة الإسلام، غير مختلفي المعنى، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب الحق.
وأما معنى قوله: "ما وراء ذلكم"، فإنه يعني: ما عدا هؤلاء حرمتهن عليكم، "أن تبتغوا بأموالكم"، يقول: أن تطلبوا وتتلمسوا بأموالكم، إما شراءً بها، وإما نكاحاً بصداق معلوم، كما قال جل ثناؤه: "ويكفرون بما وراءه" [البقرة: 91]، يعني: بما عداه وبما سواه.
وأما موضع: "أن" من قوله: "أن تبتغوا بأموالكم" فرفع، ترجمةً عن "ما" التي في قوله: "وأحل لكم ما وراء ذلكم" في قراءة من قرأ "وأحل" بضم الألف، ونصب على ذلك في قراءة من قرأ ذلك: وأحل بفتح الألف.
وقد يحتمل النصب في ذلك في القراءتين، على معنى: وأحل لكم ما وراء ذلكم لأن تبتغوا. فلما حذفت اللام الخافضة، اتصلت بالفعل قبلها فنصبت.
وقد يحتمل أن تكون في موضع خفض، بهذا المعنى، إذ كانت اللام في هذا الموضع معلوماً أن بالكلام إليها الحاجة.
قال أبو جعفر: يعني بقوله: جل ثناؤه: "محصنين"، أعفاء بابتغائكم ما وراء ما حرم عليكم من النساء بأموالكم، "غير مسافحين"، يقول: غير مزانين، كما:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "محصنين"، قال: متناكحين، "غير مسافحين"، قال: زانين بكل زانية.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: "محصنين" متناكحين، "غير مسافحين"، السفاح الزنا.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "محصنين غير مسافحين"، يقول: محصنين غير زناة.
القول في تأويل قوله: "فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة".
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "فما استمتعتم به منهن".
فقال بعضهم: معناه: فما نكحتم منهن فجامعتموهن، يعني: من النساء، "فآتوهن أجورهن فريضة"، يعني: صدقاتهن، فريضة معلومة.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة"، يقول: إذا تزوج الرجل منكم المرأة، ثم نكحها مرة واحدة، فقد وجب صداقها كله، والاستمتاع هو النكاح، وهو قوله: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة" [النساء: 4].
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن في قوله: "فما استمتعتم به منهن"، قال: هو النكاح.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "فما استمتعتم به منهن"، النكاح.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: "فما استمتعتم به منهن"، قال: النكاح أراد.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة" الآية، قال هذا النكاح، وما في القرآن إلا نكاح. إذا أخذتها واستمتعت بها، فأعطها أجرها، الصداق. فإن وضعت لك منه شيئاً، فهو لك سائغ. فرض الله عليها العدة، وفرض لها الميراث. قال: والاستمتاع هو النكاح ههنا، إذا دخل بها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فما تمتعتم به منهن بأجر تمتع اللذة، لا بنكاح مطلق على وجه النكاح الذي يكون بولي وشهود ومهر.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة، فهذه المتعة: الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمى، ويشهد شاهدين، وينكح بإذن وليها، وإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل، وهي منه برية، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها، وليس بينهما ميراث، ليس يرث واحد منهما صاحبه.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "فما استمتعتم به منهن"، قال: يعني نكاح المتعة.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يحيى بن عيسى قال، حدثنا نصير بن أبي الأشعث قال، حدثني ابن حبيب بن أبي ثابت، عن أبيه قال: أعطاني ابن عباس مصحفاً فقال: هذا على قراءة أبي، قال أبو كريب: قال يحيى: فرأيت المصحف عند نصير، فيه: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمىً.
حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا داود، عن أبي نضرة قال، سألت ابن عباس عن متعة النساء. قال: أما تقرأ سورة النساء؟ قال قلت: بلى! قال: فما تقرأ فيها: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمىً؟ قلت: لا! لو قرأتها هكذا ما سألتك! قال: فإنها كذا.
حدثنا ابن المثنى قال، حدثني عبد الأعلى قال، حدثني داود، عن أبي نضرة قال: سألت ابن عباس عن المتعة، فذكر نحوه.
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي سلمة، عن أبي نضرة قال: قرأت هذه الآية على ابن عباس: "فما استمتعتم به منهن". قال ابن عباس: إلى أجل مسمى. قال قلت: ما أقرؤها كذلك! قال: والله لأنزلها الله كذلك! ثلاث مرات.
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة، عن أبي إسحق، عن عمير: أن ابن عباس قرأ: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمىً.
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، وحدثنا خلاد بن أسلم قال، أخبرنا النضر قال، أخبرنا شعبة، عن أبي إسحق، عن ابن عباس بنحوه.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: في قراءة أبي بن كعب: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمىً.
حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن الحكم قال: سألته عن هذه الآية: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم" إلى هذا الموضع: "فما استمتعتم به منهن"، أمنسوخة هي؟ قال: لا. قال الحكم: وقال علي رضي الله عنه: لولا أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا عيسى بن عمر القارئ الأسدي، عن عمرو بن مرة: أنه سمع سعيد بن جبير يقرأ: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمىً فآتوهن أجورهن.
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب، تأويل من تأوله: فما نكحتموه منهن فجامعتموه، فآتوهن أجورهن، لقيام الحجة بتحريم الله متعة النساء على غير وجه النكاح الصحيح أو الملك الصحيح على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال، حدثني الربيع بن سبرة الجهني، عن أبيه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: استمتعوا من هذه النساء" والاستمتاع عندنا يومئذ التزويج.
وقد دللنا على أن المتعة على غير النكاح الصحيح حرام، في غير هذا الموضع من كتبنا، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وأما ما روى عن أبي بن كعب وابن عباس من قراءتهما: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمىً، فقراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين. وغير جائز لأحد أن يلحق في كتاب الله تعالى شيئاً لم يأت به الخبر القاطع العذر عمن لا يجوز خلافه.
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معنى ذلك لا حرج عليكم، أيها الأزواج، إن أدركتكم عسرة بعد أن فرضتم لنسائكم أجورهن فريضة، فيما تراضيتم به من حط وبراءة، بعد الفرض الذي سلف منكم لهن ما كنتم فرضتم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه قال: زعم حضرمي: أن رجالاً كانوا يفرضون المهر، ثم عسى أن تدرك أحدهم العسرة، فقال الله: "ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة".
وقال آخرون: معنى ذلك: ولا جناح عليكم، أيها الناس، فيما تراضيتم أنتم والنساء اللواتي استمتعتم بهن إلى أجل مسمى، إذا انقضى الأجل الذي أجلتموه بينكم وبينهن في الفراق، أن يزدنكم في الأجل، وتزيدوا من الأجر والفريضة، قبل أن يستبرئن أرحامهن.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة"، إن شاء أرضاها من بعد الفريضة الأولى -يعني الأجرة التي أعطاها على تمتعه بها- قبل انقضاء الأجل بينهما، فقال: أتمتع منك أيضاً بكذا وكذا، فازداد قبل أن يستبرئ رحمها، ثم تنقضي المدة. وهو قوله: "فيما تراضيتم به من بعد الفريضة".
وقال آخرون: معنى ذلك: ولا جناح عليكم، أيها الناس، فيما تراضيتم به أنتم ونساؤكم بعد أن تؤتوهن أجورهن على استمتاعكم بهن من مقام وفراق.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة"، والتراضي: أن يوفيها صداقها ثم يخيرها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك ولا جناح عليكم فيما وضعت عنكم نساؤكم من صدقاتهن من بعد الفريضة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: "ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة"، قال: إن وضعت لك منه شيئاً فهو لك سائغ.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب، قول من قال: معنى ذلك: ولا حرج عليكم، أيها الناس، فيما تراضيتم به أنتم ونساؤكم من بعد إعطائهن أجورهن على النكاح الذي جرى بينكم وبينهن، من حط ما وجب لهن عليكم، أو إبراء، أو تأخير ووضع. وذلك نظير قوله جل ثناؤه: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا" [النساء: 4].
فأما الذي قاله السدي، فقول لا معنى له، لفساد القول بإحلال جماع امرأة بغير نكاح ولا ملك يمين.
وأما قوله: "إن الله كان عليما حكيما"، فإنه يعني: إن الله كان ذا علم بما يصلحكم، أيها الناس، في مناكحكم وغيرها من أموركم وأمور سائر خلقه، "حكيما" فيما يدبر لكم ولهم من التدبير، وفيما يأمركم وينهاكم، لا يدخل حكمته خلل ولا زلل.
فيه أربع عشرة
الأولى- قوله تعالى :" والمحصنات" عطف على المحرمات والمذكورات قبل. والتحصن : التمنع، ومنه الحصن لأنه يمتنع فيه ، ومنه قوله تعالى :" وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم" [الأنبياء: 80] أي لتمنعكم ومنه الحصان للفرس ( بكسر الحاء) لأنه يمنع صاحبه من الهلاك. والحصان (بفتح الحاء) المرأة العفيفة لمنعها نفسها من الهلاك وحصنت المرأة تصحن فهي حصان، مثل جنبت فهي جبان . وقال حسان في عائشة رضي الله عنها
‌حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
والمصدر الحصانة ( بفتح الحاء) والحصن كالعلم فالمراد بالمحصنات ههنا ذوات الأزواج يقال: امرأة محصنة أي متزوجة ومحصنة أي حرة ومنه " المحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب" [المائدة :5] ومحصنة أي عفيفة، قال الله تعالى :"محصنات غير مسافحات" وقال:" محصنين غير مسافحين " ومحصنة ومحصنة وحصان أي عفيفة أي ممتنعة من الفسق، والحرية تمنع الحرة مما يتعاطاه العبيد، قال الله تعالى :" والذين يرمون المحصنات" [النور:4] أي الحرائر وكان عرف الإماء في الجاهلية الزنى إلا ترى إلى قول هند بنت عتبة للنبي صلى الله عليه وسلم حين بايعته: وهل تزني الحرة ؟ والزوج أيضاً يمنع زوجه أن تزوج غيره فبناء (ح ص ن) معناه المنع كما بينا ويستعمل الإحصان في الإسلام، لأنه حافظ ومانع ولم يرد في الكتاب وورد في السنة ومنه "قول النبي صلى الله عليه وسلم :
الإيمان قيد الفتك " ومنه قول الهذلي :
فليس كعهد الدار يا أم مالك ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل
وقال الشاعر:
قالت هلم إلى الحديث فقلت لا يأبى عليك الله والإسلام
ومنه قول سحيم:
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياً
الثانية- إذا ثبت هذا فقد اختلف العلماء في تأويل هذه الآية فقال ابن عباس وأبو قلابة وابن زيد ومكحول الزهري وأبو سعيد الخدري : المراد بالمحصنات هنا المسبيات ذوات الأزواج خاصة أي هن محرمات إلا ما ملكت اليمين بالسبي من أرض الحرب فإن تلك حلال للذي تقع في سهمه وإن كان لها زوج، وهو قول الشافعي في أن السباء يقطع العصمة وقاله ابن وهب وابن عبد الحكم وروياه عن مالك، وقال به أشهب . ويدل عليه ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين بعث جيشاً إلى أوطاس فلقوا العدو فقاتلوهم وظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا فكان ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله عز وجل في ذلك "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم " أي فهن كلم حلال إذا انقضت عدتهن. وهذا نص صحيح صريح في أن الآية نزلت بسبب تحرج أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن وطء المسيبات ذوات الأزواج فأنزل الله تعالى في جوابهم" إلا ما ملكت أيمانكم" وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو الصحيح أن شاء الله تعالى : واختلفوا في استبرائها بماذا يكون فقال الحسن: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستبرؤون المسبية بحيضة، وقد روي ذلك من حديث أبي سعيد الخدري في سبايا أوطاس:
" لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض" ولم يجعل لفراش الزوج السابق أثراً حتى يقال إن المسبية مملوكة ولكنه كانت زوجة زال نكاحها فتعتد عدة الإماء، على ما نقل عن الحسن بن صالح قال: عليها العدة حيضتان إذا كان لها زوج في دار الحرب وكافة العلماء رأوا استبراءها واستبراء التي لا زوج لها واحداً في أن الجميع بحيضة واحدة. والمشهور من مذهب مالك أنه لا فرق بين أن يسبى الزوجان مجتمعين أو متفرقين، وروى عنه ابن بكير أنهما إن سبيا جميعاً واستبقى الرجل أقر على نكاحهما فرأى في هذه الرواية أن استبقاءه إبقاء لما يملكه، لأنه قد صار له عهد وزوجته من جملة ما يملكه، فلا يحال بينه وبينها، وهو قول أبي حنيفة والثوري وبه قال ابن القاسم ورواه عن مالك والصحيح الأول لما ذكرناه ولأن الله تعالى قال:" إلا ما ملكت أيمانكم " فأحال على ملك اليمين وجعله هو المؤثر فيتعلق الحكم به من حيث العموم والتعليل جميعاً: إما ما خصه الدليل وفي الآية قول ثان، قاله عبد الله بن مسعود وسعيد بن المسيب والحسن بن أبي الحسن وأبي بن كعب وجابر بن عبد الله وابن عباس في رواية عكرمة: أن الراد بالآية ذوات الأزواج أي فهن حرام إلا أن يشتري الرجل الأمة ذات الزوج فإن بيعها طلاقها والصدقة بها طلاقها وأن تورث طلاقها وتطليق الزوج طلاقها قال ابن مسعود: فإذا بيعت الأمة ولها زوج فالمشتري ببضعها وكذلك المسبية، كل ذلك موجب للفرقة بينها وبين زوجها قالوا: وإذا كان كذلك فلا بد أن يكون بيع الأمة طلاقهاً لها، لأن الفرج محرم على اثنين في حال واحدة بإجماع من المسلمين.
قتل: وهذا يرده حديث بريرة لأن عائشة رضي الله عنها اشترت بريرة وأعتقها ثم خيرها النبي صلى اله عليه وسلم وكانت ذات زوج، وفي إجماعهم على أن بريرة قد خيرت تحت زوج مغيث بعد أن اشترتها عائشة فأعتقها لدليل على أن بيع الأمة ليس طلاقها، وعلى ذلك جماعة فقهاء الأمصار من أهل الرأي والحديث وألا طلاق لها إلا الطلاق وقد احتج بعضهم بعموم قوله:" إلا ما ملكت أيمانكم" وقياساً على المسيبات، وما ذكرنه من حديث بريرة يخصه ويرده، وأن ذلك إنما هو خاص بالمسبيات على حديث أبي سعيد، وهو الصواب والحق إن شاء الله تعالى وفي الآية قول الثوري عن حماد عن إبراهيم قال ابن مسعود في قوله تعالى :" والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم" قال : ذوات الأزواج من المسلمين والمشركين وقال علي بن أبي طالب: ذوات الأزواج من المشركين. وفي الموطأ عن سعيد بن المسيب " والمحصنات من النساء " هن ذوات الأزواج، ويرجع ذلك إلى أن الله حرم الزنى وقالت طائفة: المحصنات في هذه الآية يردا به العفائف أي كل النساء حرام وألبسهن اسم الإحصان من كان منهم ذات زوج أو غير ذات زوج إذ الشرائع في أنفسها تقتضي ذلك .
" إلا ما ملكت أيمانكم " قالوا: معناه بنكاح أو شراء. هذا قول أبي العالية وعبيدة السلماني وطاوس وسعيد بن جبير وعطاء ورواه عبيدة عن عمر، فأدخلوا النكاح تحت ملك اليمين، ويكون معنى الآية عندهم في قوله تعالى :" إلا ما ملكت أيمانكم " يعني تملكون عصمتهن بالنكاح وتملكون الرقبة بالشراء، فكأنهن كلهن ملك يمين وما عدا ذلك فزنى وهذا قول حسن وقد قال ابن عباس: " والمحصنات" العفائف من المسلمين ومن أهل الكتاب قال ابن عطية: وبهذا التأويل يرجع معنى الآية إلى تحريم الزنى وأسند الطبري أن رجلاً قال لسعيد بن جبير: أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الآية فلم يقل فيها شيئاً فقال سعيد : كان ابن عباس لا يعلمها وأسند أيضاً عن مجاهد أنه قال : لو أعلم من يفسر لي هذه الآية لضربت إليه أكباد الإبل. قوله "والمحصنات" إلى قوله:" حكيما" قال ابن عطية: ولا أدري كيف نسب هذا القول إلى ابن عباس ولا كيف انتهى مجاهد إلى هذا القول ؟
الثالثة- قوله تعالى :" كتاب الله عليكم" نصب على المصدر المؤكد، أي حرمت هذه النساء كتاباً من الله عليكم. ومعنى حرمت عليكم كتب الله عليكم وقال الزجاج والكوفيون : هو نصب على الإغراء أي الزموا كتاب لله أو عليكم كتاب الله وفيه نظر على ما ذكره أبو علي فإن الإغراء لا يجوز فيه تقديم المنصوب على حرف الإغراء فلا يقال: زيداً عليك أو زيداً دونك، بل يقال: عليك زيداً ودونك عمراً وهذا الذي قاله صحيح على أن يكون منصوباً ب عليكم وأما على تقدير حذف الفعل فيجوز ويجوز الرفع على معنى هذا كتاب الله وفرضه وقرأ أبو حيوة ومحمد بن السميقع كتب الله عليكم على الفعل الماضي المسند إلى اسم الله تعالى ، والمعنى كتب الله عليكم ما قصه من التحريم، وقال عبيدة السلماني وغيره : قوله " كتاب الله عليكم" إشارة إلى ما ثبت في القرآن من قوله تعالى :" مثنى وثلاث ورباع" وفي هذا بعد والأظهر أن قوله :" كتاب الله عليكم " إنما هو إشارة إلى التحريم الحاجز بين الناس وبين ما كانت العرب تفعله .
الرابعة- قوله تعالى :" وأحل لكم ما وراء ذلكم " قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص " وأحل لكم " رداً على " حرمت عليكم" الباقون بالفتح رداً على قوله تعالى :" كتاب الله عليكم " وهذا يقتضي ألا يحرم من النساء إلا من ذكر وليس كذلك فإن الله تعالى قد حرم على لسان نبيه من لم يذكر في الآية فيضم إليها، قال الله تعالى :" وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" [الحشر:7] روى مسلم وغيره "عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها" وقال ابن شهاب: فنرى خالة أبيها وعمة أبيها بتلك المنزلة ، وقد قيل: أن تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها متلقى من الآية نفسها، لأن الله تعالى حرم الجمع بين الأختين، والجمع بين المرأة وعمتها في معنى الجمع بين الأختين، أو لأن الخالة في معنى الوالدة والعمة في معنى الوالد. والصحيح الأول لأن الكتاب والسنة كالشيء الواحد، فكأنه قال: أحللت لكم ما وراء ما ذكرنا في الكتاب، وما وراء ما أكملت به البيان على لسان محمد عليه السلام: وقول ابن شهاب: فنرى خالة أبيها وعمة أبيها بتلك المنزلة إنما صار إلى ذلك لأنه حمل الخالة والعمة على العموم وتم له ذلك لأن العمة اسم لكل أنثى شاركت أباك في أصليه أو أحدهما والخالة كذلك ما بيناه، وفي منصف أبي داود وغيره "عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لا تنكح المرأة على عمتها ولا العمة على بنت أخيها ولا المرأة على خالتها ولا الخالة على بنت أختها ولا تنكح الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على الكبر " وروى أبو داود أيضاً عن ابن عباس "عن النبي صلى الله عليه وسلم :
أنه كره أن يجمع بين العمة والخالة وبين العمتين والخالتين"، الرواية "لا يجمع " برفع العين على الخبر على المشروعية فيتضمن النهي عن ذلك وهذا الحديث مجمع على العمل به في تحريم الجمع بين من ذكر فيه بالنكاح، وأجاز الخوارج الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها وخالتها، ولا يعتد بخلافهم لأنهم مرقوا من الدين وخرجوا منه ولأنهم مخالفون للسنة الثابتة. و"قوله:
لا يجمع بين العمتين والخالتين" فقد أشكل على بعض أهل العلم وتحير في معناه حتى حمله على ما يبعد أو لا يجوز فقال : معنى بين العمتين على المجاز أي بين العمة وبنت أخيها فقيل لهما: عمتان كما قيل: سنة العمرين أبي بكر وعمر قال وبين الخالتين مثله قال النحاس: وهذا من التعسف الذي لا يكاد يسمع بمثله، وفيه أيضاً مع التعسف أنه يكون كلاماً مكرراً لغير فائدة لأنه إذا كان المعنى نهى أن يجمع بين العمة وبنت أخيها وبين العمتين يعنى به العمة وبنت أخيها صار الكلام مكرراً لغير فائدة، وأيضاً فلو كان كما قال لوجب أن يكون وبين الخالة ، وليس كذلك الحديث، لأن الحديث
"نهى عن يجمع بين العمة والخالة" فالواجب على لفظ الحديث ألا يجمع بين امرأتين إحداهما عمة الأخرى والأخرى خالة الأخرى. قال النحاس: وهذا يخرج على معنى صحيح،يكون رجل وابنه تزوجا امرأة وابنتها، تزوج الرجل البنت وتزوج الابن الأم فولد لكل واحد منهما ابنة من هاتين الزوجتين ، فابنة الأب عمة ابنة الابن وابنة الابن خالة ابنة الأب، وأما الجمع بين الخالتين فهذا يوجب أن يكونا امرأتين كل واحدة منهما خالة الأخرى، وذلك أن يكون رجل تزوج ابنة رجل وتزوج الآخر ابنته فولد لكل واحد منهما ابنة، فابنة كل واحد منهما خالة الأخرى وأما الجمع بين العمتين فيوجب ألا يجمع بين امرأتين كل واحدة منهما عمة الأخرى، وذلك أن يتزوج رجل أم رجل ويتزوج الآخر أم الآخر، فيولد لكل واحد منهما ابنة فابنة كل واحد منهما عمة الأخرى فهذا ما حرم الله على لسان رسول محمد صلى الله عليه وسلم مما ليس في القرآن.
الخامسة- وإذا تقرر هذا فقد عقد العلماء فيمن يحرم الجمع بينهن عقداً حسناً فروى معتمر بن سليمان عن فضيل بن ميسرة عن أبي حريز عن الشعبي قال: كل امرأتين إذا جعلت موضع إحداهما ذكراً لم يجز له أن يتزوج الأخرى فالجمع بينهما باطل، فقلت له: عمن هذا قال : عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سفيان الثوري: تفسيره عندنا أن يكون من النسب، ولا يكون بمنزلة امرأة وابنة زوجها يجمع بينهما إن شاء، قال أبو عمر: وهذا على مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة والأوزاعي وسائر فقهاء الأمصار من أهل الحديث وغيرهم فيما علمت لا يختلفون في هذا الأصل. وقد كره قوم من السلف أن يجمع الرجل بين ابنة رجل وامرأته من أجل أن أحدهما لو كان ذكراً لم يحل له نكاح الأخرى والذي عليه العلماء أنه لا بأس بذلك، وأن المراعى النسب دون غيره، من المصاهرة، ثم ورد في بعض الأخبار التنبيه على العلة في منع الجمع بين من ذكر، وذلك ما يفضي إليه الجمع من قطع الأرحام القريبة مما يقع بين الضرائر من الشنآن والشرور بسبب الغيرة فروى ابن عباس قال :
"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج الرجل المرأة على العمة أو على الخالة وقال: إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم" ذكره أبو محمد الأصيلي في فوائدة وابن عبد البر وغيرهما ومن مراسيل أبي داود "عن عيسى بن طلحة قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على أخواتها مخافة القطيعة" وقد طرد بعض السلف هذه العلة فمنع الجمع بين المرأة وقريبتها، وسواء كانت بنت عم أو بنت عمة أو بنت خال أو بنت خالة روي ذلك عن أسحاق بن طلحة وعكرمة وقتادةو عطاء في رواية ابن أبي نجيح، وروى عنه ابن جريج أنه لا بأس بذلك وهو الصحيح وقد نكح حسن بن حسن بن علي في ليلة واحدة ابنة محمد بن علي وابنة عمر بن علي فجمع بن ابنتي عم ذكره عبد الرزاق، زاد ابن عيينة: فأصبح نساؤهم لا يدرين إلى أيتهما يذهبن وقد كره مالك هذا وليس بحرام عنده وفي سماع ابن القاسم: سئل مالك عن ابنتي العم أيجمع بينهما ؟ فقال : ما أعلمه حراماً قيل له : أفتكرهه قال : إن ناساً ليتقونه قال ابن القاسم: وهو حلال لا بأس به قال ابن المنذر: لا أعلم أحداً أبطل هذا النكاح، وهما داخلتان في جملة ما أبيح بالنكاح غير خارجتين منه بكتاب ولا سنة ولا إجماع وكذلك الجمع بين ابنتي عمة وابنتي خالة ، وقال السدي في قوله تعالى :" وأحل لكم ما وراء ذلكم" يعني النكاح فيما دون الفرج. وقيل : المعنى وأحل لكم لما وراء ذوات المحارم من أقربائكم قتادة: يعنى بذلك ملك اليمين خاصة .
السادسة- قوله تعلى :" أن تبتغوا بأموالكم " لفظ يجمع التزوج والشراء وأن في موضع نصب بدل من ما وعلى قراءة حمزة موضع رفع، ويحتمل أن يكون المعنى لأن أو بأن فتحذف اللام أو الباء فيكون في موضع نصب. و" محصنين"نصب على الحال ومعناه متعففين عن الزنى. " غير مسافحين " أي غير زانين . والسفاح الزنى، وهو مأخوذ من سفح الماء أي صبة وسيلانه ومنه "قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع الدفاف في عرس :
هذه النكاح لا السفاح ولا نكاح السر" وقد قيل: إن قوله " محصنين غير مسافحين " يحتمل وجهين : أحدهما: ما ذكرناه وهو الإحصان بعقد النكاح تقديره اطلبوا منافع البضع بأموالكم على وجه النكاح لا على وجه السفاح، فيكون للآية على هذا الوجه عموم ويحتمل أن يقال: " محصنين" أي الإحصان صفة لهن، ومعناه لتزوجوهن على شرط الإحصان فيهن والوجه الأول أولى لأنه متى أمكن جري الآية على عمومها والتعلق بمقتضاها فهو أولى ولأن مقتضى الوجه الثاني أن المسافحات لا يحل التزوج بهن وذلك خلاف الإجماع.
السابعة- قوله تعلى :" بأموالكم" أباح الله الفروج بالأموال ولم يفصل فوجب إذا حصل بغير المال ألا تقع الإباحة به، لأنها على الشرط المأذون فيه كما لو عقد على خمر أو خنزير أو ما لا يصح تملكه، ويرد على أحمد قوله في أن العتق يكون صداقاً لأنه لي فيه تسليم مال وإنما فيه إسقاط الملك من غير أن استحقت به تسليم مال إليها، فإن الذي كان يملكه المولى من عنده لم ينتقل إليها إنما سقط فإذا لم يسلم الزوج إليها شيئاً ولم تستحق عليه شيئاً وإنما أتلف به ملكه ، لم يكن مهراً. وهذا بين مع قوله تعالى :" وآتوا النساء" وذلك أمر يقتضي الإيجاب ، وإعطاء العتق لا يصح .وقوله تعلى :" فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه" [النساء:4] وذلك محال في العتق فلم يبق أن يكون الصداق إلا مالاً لقوله تعالى :" بأموالكم " واختلف من قال بذلك في قدر ذلك فتلعق الشافعي بعموم قوله تعالى:" بأموالكم " في جواز الصداق بقليل وكثير، وهو الصحيح ويعضده "قوله عليه السلام في حديث الموهوبة:
ولو خاتماً من حديد" و"قوله عليه السلام:
أنكحوا الأيامى ثلاثاً قيل: ما العلائق بينهم يا رسول الله ؟ قال: ما تراضى عليه الأهلون ولو قضيباً من أراك" و"قال : أبو سعيد الخدري:
سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صداق النساء فقال: هو ما اصطلح عليه أهلوهم" وروى "جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لو أن رجلاً أعطى امرأة ملء يديه طعاماً كانت له حلالاً" أخرجهما الدارقطني في نسنه قال الشافعي: كل ما جاز أن يكون ثمناً لشيء، أو جاز أن يكون أجرة جاز أن يكون صداقاً وهذا قول جمهور أهل العلم، وجماعة أهل الحديث من أهل المدينة وغيرها كلهم أجازوا الصداق بقليل المال وكثيره وهو قول عبد الله بن وهب صاحب مالك واختاره ابن المنذر وغيره قال سعيد بن المسيب: لو أصدقها سوطاً حلت له وأنكح ابنته من عبد الله بن وداعة بدرهمين وقال ربيعة يجوز النكاح بدرهم وقال أبو الزناد: ما تراضى به الأهلون وقال مالك: لا يكون الصداق أقل من ربع دينار أو ثلاثة دراهم كيلاً، قال بعضه أصحابنا في تعليل له : وكان أشبه بذلك قطع اليد،لأن البضع عضو واليد عضو يستباح بمقدر من المال وذلك ربع دينار أو ثلاثة دراهم كيلاً، قال بعض أصحابنا في تعليل له: وكأنه أشبه الأشياء بذلك قطع اليد، لأن البضع عضو واليد عضو يستباح بمقدر من المال وذلك ربع دينار أو ثلاثة دراهم كيلاً فرد مالك البضع إليه قياساً على اليد قال أبو عمر: قد تقدمه إلى هذا أبو حنيفة فقاس الصداق على قطع اليد، واليد عنده لا تقطع إلا في دينار ذهباً أو عشرة دراهم كيلاً ولا صداق عنده أقل من ذلك وعلى ذلك جماعة أصحابه وأهل مذهبه وهو قول أكثر أهل بلده في قطع اليد لا في أقل الصداق وقد قال الدراوردي لمالك : إذا قال لا صداق أقل من ربع دينار : تعرقت فيها يا أبا عبد الله أي سلكت فيها سبيل أهل العراق. وقد أحتج أبو حنيفة بما "رواه جابر أن رسو الله صلى الله عليه وسلم قال:
لا صداق دون عشرة دراهم" أخرجه الدارقطني وفي سنده مبشر بن عبيد متروك وروي عن داود الأودي عن الشعبي عن علي عليه السلام: لا يكون المهر أقل من عشرة دراهم، قال أحمد بن حنبل: لقن غياث بن إبراهيم داود الأودي عن الشعبي عن علي : لا مهر أقل من عشرة دراهم فصار حديثاً وقال النخعي: أقله أربعون درهماً. سعيد بن جبير : خمسون درهماً ابن شبرمة خمسة دراهم. ورواه الدارقطني عن ابن عباس عن علي رضي الله عنه : لا مهر أقل من خمسة دراهم.
الثامنة- قوله تعالى :" فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة" الاستمتاع التلذذ والأجور المهور، وسمي المهر أجراً لأنه أجر الاستمتاع، وهذا نص على أن المهر يسمى أجراً ، وذلك دليل على أنه في مقابلة البضع، لأن ما يقابل المنفعة يسمى أجراً وقد اختلف العلماء في المعقود عليه في النكاح ما هو: بدن المرأة أو منفعة البضع أو الحل، ثلاثة أقوال والظاهر المجموع فإن العقد يقتضي كل ذلك .والله أعلم
لتاسعة- واختلف العلماء في معنى الآية فقال الحسن ومجاهد وغيرهما: المعنى فما انتفعتم وتلذذتم بالجماع من النساء بالنكاح الصحيح " فآتوهن أجورهن" أي مهورهن، فإذا جامعها مرة واحدة فقد وجب المهر كاملاً إن كان مسمى أو مهر مثلها إن لم يسم فإن كان النكاح فاسداً فقد اختلفت الروية عن مالك في النكاح الفاسد، هل يستحق به مهر المثل، أو المسمى إذا كان مهراً صحيحاً ؟ فقال مرة: المهر المسمى وهو ظاهر مذهبه وذلك أن ما تراضوا عليه يقين ومهر المصل اجتهاد فيجب أن يرجع إلى ما تيقناه لأن الأموال لا تستحق بالشك ووجه قوله : مهل المثل" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
أيما امرأة نكحت بغير إذن وليهما فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها مهر مثلها بما استحل من فرجها" قال ابن خويز منداد: ولا يجوز أن تحمل الآية على جواز المتعة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وحرمه، ولأن الله تعالى قال :" فانكحوهن بإذن أهلهن" [النساء:25] ومعلوم أن النكاح بإذن الأهلين هو النكاح الشرعي بولي وشاهدين، ونكاح المتعة ليس كذلك وقال الجمهور :المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام وقرأ ابن عباس وأبي وابن جبير:فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن ثم نهى عنها النبي صلى الله عيه وسلم وقال سعيد بن المسيب: نسختها آية الميراث إذ كانت المتعة لا ميراث فيها. وقالت عائشة والقاسم بن محمد : تحريمها ونسخها في القرآن وذلك في قوله تعالى :" والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين " [المؤمنون:70] وليست المتعة نكاحاً ولا ملك يمين وروى الدارقطني "عن علي بن أبي طالب قال :
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة "، قال : وإنما كانت لهن لم يجد، فلما نزل النكاح والطلاق والعدة والميراث بين الزوج والمرأة نسخت وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : نسخ صوم رمضان كل صوم ونسخت الزكاة كل صدقة، ونسخ الطلاق والعدة والميراث المتعة، ونسخت الأضحية كل ذبح، وعن ابن مسعود قال : المتعة منسوخة نسخها الطلاق والعدة والميراث. وروى عطاء عن ابن عباس قال: ما كانت المتعة إلا رحمة من الله تعالى رحم بها عباد ولولا نهي عمر عنها ما زني إلا شقي.
العاشرة - واختلف العلماء كم مرة أبيحت ونسخت، ففي صحيح مسلم "عن عبد الله قال :
كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا نساء فقلنا: ألا نستخصي ؟ فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ". قال أبو حاتم البستي في صحيحه : قوله للنبي صلى الله عليه وسلم : ألا نستخصي دليل على أن المتعة كانت محظورة قبل أن أبيح لهم الاستمتاع، ولو لم تكن محظورة لم يكن لسؤالهم عن هذا معنى ثم رخص لهم في الغزو أن ينكحوا المرأة بالثوب إلى أجل ثم نهى عنها عام خيبر ثم أذن فيها عام الفتح ثم حرمها بعد ثلاث، فهي محرمة إلى يوم القيامة، وقال ابن العربي: وأما متعة النساء فهي من غرائب الشريعة، لأنها أبيحت في صدر الإسلام ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت في غزو أوطاس، ثم حرمت بعد ذلك واستقر الأمر على التحريم ، وليس لها أخت في الشريعة إلا مسألة القبلة، لأن النسخ طرأ عليها مرتين ثم استقرت بعد ذلك وقال غيره ممن جمع طرق الأحاديث فيها: إنها تقتضي التحليل والتحريم سبع مرات فروى ابن أبي عمرة إنها كانت في صدر الإسلام وروى سلمة بن الأكوع أنها كانت عام أوطاس، ومن رواية علي :
تحريمها يوم خيبر. ومن رواية الربيع بن سيرة :
إباحتها يوم الفتح.
قلت : وهذه الطرق كلها في صحيح مسلم ، وفي غيره عن علي نهيه عنها في غزوة تبوك، رواه إسحاق بن راشد عن الزهري عن عبد الله بن محمد بن علي عن أبيه عن علي ولم يتابع إسحاق بن راشد على هذه الرواية عن ابن شهاب، قاله أبو عمر رحمه الله وفي مصنف أبو داود من حديث الربيع بن سبرة :
النهي عنها في حجة الوداع، وذهب أبو داود إلى أن هذا أصح ما روي في ذلك وقال عمرو عن الحسن: ما حلت المتعة قط إلا ثلاثاً في عمرة القضاء ما حلت قبلها ولا بعدها. وروي هذا عن سبرة أيضاً فهذه سبعة مواطن أحلت فيها المتعة وحرمت . قال أبو جعفر الطحاوي: كل هؤلاء الذين رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم إطلاقها أخبروا أنها كانت في سفر، وأن النهي لحقها في ذلك السفر بعد ذلك فمنع منها وليس أحد منهما يخبر أنها كنت في حضر وكذلك روي عن ابن مسعود، فأما حديث سبرة الذي فيه إباحة النبي صلى الله عليه وسلم لها في حجة الوداع، فخارج عن معانيها كلها وقد اعتبرنا هذا الحرف فلم نجده إلا في رواية عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز خاصة ، وقد رواه إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز فذكر أن ذلك كان في فتح مكة وأنهم شكوا إليه العزبة فرخص لهم فيها ومحال أن يشكوا إليه العزبة في حجة الوداع، لأنهم كانوا حجوا بالنساء، وان تزويج النساء بمكة يمكنهم، ولم يكونوا حينئذ كما كانوا في الغزوات المتقدمة، ويحتمل أنه لما كانت عادة النبي صلى الله عليه وسلم تكرير مثل هذا في مغازيه وفي المواضع الجامعة ذكر تحريمها في حجة الوداع، لاجتماع الناس حتى يسمعه من لم يكن سمعه فأكد ذلك حتى لا تبقى شبهة لأحد يدعي تحليلها، ولأن هل مكة كانوا يستعملونها كثيراً .
الحادية عشرة- روى الليث بن سعد عن بكير بن الأشج عن عمار مولى الشريد قال: سألت ابن عباس عن المتعة أسفاح هي أن نكاح؟ قال: لا سفاح ولا نكاح، قلت فما هي :؟ قال : المتعة كما قال الله تعالى . قلت: هل عيها عدة ؟ قال:نعم حيضة قلت: يتوارثان قال: :لا قال أبو عمر:لم يختلف العلماء من السلف والخلف أن المتعة نكاح إلى أجل لا ميراث فيه، والفرقة تقع عند انقضاء الأجل من غير طلاق، وقال ابن عطية: وكانت المتعة أن يتزوج الرجل المرأة بشاهدين وإذن الولي إلى أجل مسمى وعلى أن لا ميراث بينهما، ويعطيها ما اتفقا عليه فإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل ويستبرئ رحمها لأن الولد لا حق فيه بلا شك فإن لم تحمل حلت لغيره. وفي كتاب النحاس: في هذا خطأ وأن الولد لا يلحق في نكاح المتعة
قلت: هذا هو المفهوم من عبارة النحاس. فإنه قال: وإنما المتعة أن يقول لها: أتزوجك يوماً - أو ما أشبه ذلك على أنه لا عدة عليك ولا ميراث بيننا ولا طلاق ولا شاهد يشهد على ذلك وهذا هو الزنى بعينه ولم يبح قط في الإسلام، ولذلك قال عمر: لا أوتى برجل تزوج متعة إلا غيبته تحت الحجارة .
الثانية عشرة - وقد اختلف علماؤنا إذا دخل في نكاح المتعة هل يحد ولا يلحق به الولد أو يدفع الحد للشبهة ويلحق به الولد على قولين ولكن يغزر ويعاقب وإذا لحق اليوم الولد في نكاح المتعة في قول بعض العلماء مع القول بتحريمه فكيف لا يلحق في ذلك الوقت الذي أبيح، فدل على أن نكاح المتعة كان على حكم النكاح الصحيح ويفارقه في الأجل والميراث، وحكى المهدوي عن ابن عباس أن نكاح المتعة كان بلا ولي ولا شهود، وفيما حكاه ضعيف لما ذكرنا قال ابن العربي: وقد كان ابن عباس يقول بجوازها ثم ثبت رجوعه عنا فانعقد الإجماع على تحريمها فإذا فعلها أحد رجم في مشهور المذهب وفي رواية أخرى عن مالك: لا يرجم لأن نكاح المتعة ليس بحرام، ولكن الأصل آخر لعلمائنا غريب انفردوا به دون سائر العلماء، وهو أن ما حرم بالسنة هل هو مثل ما حرم بالقرآن أم لا ؟ فمن رواية بعض المدنين عن مالك أنهما ليسا بسواء وهذا ضعيف وقال أبو بكر الطرطوسي: ولم يرخص في نكاح المتعة إلا عمران بن حصين وابن عباس وبعض الصحابة وطائفة من أهل البيت وفي قول ابن عباس يقول الشاعر :
‌أقول للركب إذ دال الثواء بنا يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس
في بضة رخصة الأطراف ناعمة تكون مثواك حتى مرجع الناس
وسائر العلماء والفقهاء من الصحابة والتابعين والسلف الصالحين على أن هذه الآية منسوخة وأن المتعة حرام وقال أبو عمر: أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن كلهم يرون المتعة حلالاً على مذهب ابن عباس وحرمها سائر الناس، وقال عمر قال الزهري: ازداد النسا لها مقتاً قال الشاعر:
قال المحدث لما طال مجلسه يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس
كما تقدم
الثالثة عشرة- قوله تعالى:" أجورهن " يعم المال وغيره، فيجوز أن يكون الصداق منافع أعيان وقد اختلف في هذا العلماء فمنعه مالك والمزني والليث وأحمد وأبو حنيفة وأصحابه: إلا أن أبا حنيفة قال: إذا تزوج على ذلك فالنكاح جاز وهو في حكم من لم يسم لها، ولها مهر مثلها إن دخل بها، وإن لم يدخل بها فلها المتعة وكرهه ابن القاسم في كتاب محمد وأجازه أصبغ قال ابن شاس: فإن وقع مضى في قول أكثر الأصحاب وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم: وقال الشافعي: النكاح ثابت وعليه أن يعلمها ما شرط لها فإن طلقها قبل الدخول ففيها للشافعي قولان: أحدهما أن لها نصف أجر تعليم تلك السورة والآخر أن لها نصف مهر مثلها وقال إسحاق: النكاح جائز قال أبو الحسن اللخمي : والقول بجواز جميع ذلك أحسن، والإجارة والحج كغيرهما من الأموال التي تتملك وتباع وتشترى. وإنما كره ذلك مالك لأنه يستحب أن يكون الصداق معجلاً والإجارة والحج في معنى المؤجل. احتج أهل القول الأول بأن الله تعالى قال: " بأموالكم " وتحقيق المال ما تتعلق به الأطماع ويعد للانتفاع ومنفعة الرقبة في الإجارة ومنفعة التعليم للعلم كله ليس بمال. قال الطحاوي: والأصل المجتمع عليه أن رجلاً لو استأجر رجلاً على أن يعلمه سورة من القرآن سماها بدرهم لم يجز لأن الإجارات لا تجوز إلا لأحد معنيين، إما على عمل بعينه كخياطة ثوب وما أشبهه، وإما على وقت معلوم وكان إذا استأجره على تعليم سورة فتلك إجارة لا على وقت معلوم ولا على عمل معلوم ولا على عمل معلوم وإنما استأجره على أن يعلم، وقد يفهم بقليل التعليم وكثيره في قليل الأوقات وكثيرها وكذلك لو باعه داره على أن يعلمه سورة من القرآن لم يجز للمعاني التي ذكرناها في الإجارة وإذا كان التعليم لا يملك به المنافع ولا أعيان الأموال ثبت بالنظر أنه لا تملك به الأبضاع والله الموفق. احتج من أجاز ذلك بحديث سهل بن سعد في حديث الموهبة وفيه فقال:
"اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن"، في رواية قال : "انطلق فقد زوجتكها فعلمها من القرآن": قالوا: ففي هذا دليل على انعقاد النكاح وتأخر المهر الذي هو التعليم وهذا على الظاهر من قوله :
"بما معك من القرآن " فإن الباء للعوض كما تقول: خذ هذا بهذا أي عوضاً منه، وقوله في الرواية الأخرى: "فعلمها" نص في الأمر بالتعليم والمساق يشهد بأن ذلك لأجل النكاح ولا يلتفت لقول من قال إن ذلك كان إكراماً للرجل بما حفظه من القرآن، أي لما حفظه فتكون الباء بمعنى اللام فإن الحديث الثاني يصرح بخلافه في قوله : "فعلماه من القرآن " ولا حجة فيما روى عن أبي طلحة أنه خطب أم سليم فقالت: إن أسلم تزوجته فأسلم فتزجها فلا يعلم مهر كان أكرم من مهرها، كان مهرها الإسلام ، فإن ذلك خاص به وأيضاً فإنه لا يصل إليهما منه شيء بخلاف التعليم وغيره من المنافع، وقد زوج شعيب عليه السلام ابنته من موسى عليه السلام: على أن يرعى له غنماً في صداقها على ما يأتي بيانه في سورة القصص وقد روي من حديث ابن عباس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أصحابه:
يا فلان هل تزوجت؟ قال :لا وليس معي ما أتزوج به قال: أليس معك قل هو الله أحد قال بلى قال: ثلث القرآن أليس معك أية الكرسي قال : بلى قال ربع القرآن، أليس معك إذا زلزلت قال : بلى قال ربع القرآن تزوج تزوج؟"
قلت وقد أخرج الدارقطني حديث سهل من حديث ابن مسعود وفيه زيادة تبين ما احتج به مالك وغيره وفيه "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
من ينكح هذه فقام ذلك الرجل فقال: أنا يا رسول الله، فقال: ألك مال ؟ قال : لا يا رسول الله قال: فهل تقرأ من القرآن شيئاً قال : نعم سورة البقرة وسورة المفصل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكحتكها على أن تقرئها وتعلمها وإذا رزقك الله عوضتها" فتزوجها الرجل على ذلك وهذا نص - لو صح - في أن التعليم لا يكون صداقاً قال الدارقطني: تفرد به عتبة بن السكن وهو متروك الحديث و" فريضة " نصب على المصدر في موضع الحال أو مفروضة .
الرابعة عشرة- قوله تعالى : " ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة " أي من زيادة ونقصان في المهر، فإن ذلك سائغ عند التراضي بعد استقرار الفريضة والمراد إبراء المرأة عن المهر، أو توفية الرجل كل المهر أن طلق قبل الدخول وقال القائلون بأن الآية في المتعة هذا إشارة إلى ما تراضيا عليه من زيادة في مدة المتعة في أول الإسلام فإنه كان يتزوج الرجل المرة شهراً على دينار مثلاً، فإذا انقضى اشهر فربما كان يقول: زيديني في الأجل أزدك في المهر. فبين أن ذلك كان جائزاً عند التراضي
هذه الاية الكريمة هي آية تحريم المحارم من النسب وما يتبعه من الرضاع والمحارم بالصهر, كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان, حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان بن حبيب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: حرمت عليكم سبع نسباً وسبع صهراً, وقرأ "حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم" الاية، وحدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد, حدثنا أبو أحمد, حدثنا سفيان عن الأعمش, عن إسماعيل بن رجاء عن عمير, مولى ابن عباس, عن ابن عباس قال: يحرم من النسب سبع ومن الصهر سبع, ثم قرأ "حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت" فهن النسب. وقد استدل جمهور العلماء على تحريم المخلوقة من ماء الزاني عليه بعموم قوله تعالى: "وبناتكم" فإنها بنت, فتدخل في العموم كما هو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل, وقد حكي عن الشافعي شيء في إباحتها لأنها ليست بنتاً شرعية, فكما لم تدخل في قوله تعالى: "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين" فإنها لا ترث بالإجماع, فكذلك لا تدخل في هذه الاية, والله أعلم, وقوله تعالى: "وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة" أي كما يحرم عليك أمك التي ولدتك, كذلك يحرم عليك أمك التي أرضعتك, ولهذا ثبت في الصحيحين من حديث مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم, عن عمرة بنت عبد الرحمن, عن عائشة أم المؤمنين, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة", وفي لفظ لمسلم "يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب", وقال بعض الفقهاء: كل ما يحرم بالنسب يحرم بالرضاعة إلا في أربع صور, وقال بعضهم: ست صور هي مذكورة في كتب الفروع والتحقيق أنه لا يستثنى شيء من ذلك, لأنه يوجد مثل بعضها من النسب, وبعضها إنما يحرم من جهة الصهر فلا يرد على الحديث شيء أصلاً البتة, ولله الحمد وبه الثقة. ثم اختلف الأئمة في عدد الرضعات المحرمة, فذهب ذاهبون إلى أنه يحرم مجرد الرضاع لعموم هذه الاية, وهذا قول مالك, ويروى عن ابن عمر, وإليه ذهب سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والزهري. وقال آخرون: لا يحرم أقل من ثلاث رضعات, لما ثبت في صحيح مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه, عن عائشة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: "لا تحرم المصة ولا المصتان" وقال قتادة, عن أبي الخليل, عن عبد الله بن الحارث, عن أم الفضل, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان, والمصة ولا المصتان", وفي لفظ آخر "لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان" رواه مسلم. وممن ذهب إلى هذا القول: الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه, وأبو عبيد وأبو ثور, وهو مروي عن علي وعائشة وأم الفضل وابن الزبير وسليمان بن يسار وسعيد بن جبير رحمهم الله. وقال آخرون: لا يحرم أقل من خمس رضعات, لما ثبت في صحيح مسلم من طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر, عن عمرة, عن عائشة رضي الله عنها, قالت: كان فيما أنزل من القرآن "عشر رضعات معلومات يحرمن" ثم نسخن بخمس معلومات, فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن, وروى عبد الرزاق عن معمر, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة, نحو ذلك. وفي حديث سهلة بنت سهيل, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن ترضع سالماً مولى أبي حذيفة خمس رضعات, وكانت عائشة تأمر من يريد أن يدخل عليها أن يرضع خمس رضعات, وبهذا قال الشافعي وأصحابه, ثم ليعلم أنه لا بد أن تكون الرضاعة في سن الصغر دون الحولين على قول الجمهور. وكما قدمنا الكلام على هذه المسألة في سورة البقرة عند قوله "يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" ثم اختلفوا هل يحرم لبن الفحول, كما هو قول جمهور الأئمة الأربعة وغيرهم, أو إنما يختص الرضاع بالأم فقط, ولا ينتشر إلى ناحية الأب, كما هو قول لبعض السلف ؟ على قولين, تحرير هذا كله في كتاب الأحكام الكبير. وقوله " وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ", أما أم المرأة فإنها تحرم بمجرد العقد على ابنتها, سواء دخل بها أو لم يدخل, وأما الربيبة وهي بنت المرأة فلا تحرم بمجرد العقد على أمها حتى يدخل, فإن طلق الأم قبل الدخول بها جاز له أن يتزوج بنتها, ولهذا قال " وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم " في تزويجهن, فهذا خاص بالربائب وحدهن. وقد فهم بعضهم عود الضمير إلى الأمهات والربائب, فقال: لا تحرم واحدة من الأم ولا البنت بمجرد العقد على الأخرى حتى يدخل بها, لقوله "فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم". وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار, حدثنا ابن أبي عدي وعبد الأعلى عن سعيد, عن قتادة, عن خلاس بن عمرو, عن علي رضي الله تعالى عنه, في رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها, أيتزوج أمها ؟ قال: هي بمنزلة الربيبة, وحدثنا ابن بشار, حدثنا يحيى بن سعيد عن قتادة, عن سعيد بن المسيب, عن زيد بن ثابت, قال: إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فلا بأس أن يتزوج أمها. وفي رواية عن قتادة, عن سعيد, عن زيد بن ثابت, أنه كان يقول: إذا ماتت عنده فأخذ ميراثها كره أن يخلف على أمها, فإذا طلقها قبل أن يدخل بها فإن شاء فعل. وقال ابن المنذر: حدثنا إسحاق عن عبد الرزاق, عن ابن جريج, قال: أخبرني أبو بكر بن حفص عن مسلم بن عويمر الأجدع, أن بكر بن كنانة أخبره أن أباه أنكحه امرأة بالطائف, قال: فلم أجامعها حتى توفى عمي عن أمها, وأمها ذات مال كثير, فقال أبي: هل لك في أمها ؟ قال: فسألت ابن عباس وأخبرته الخبر, فقال: انكح أمها ؟ قال: وسألت ابن عمر, فقال: لا تنكحها, فأخبرت أبي بما قالا, فكتب إلى معاوية فأخبره بما قالا, فكتب معاوية: إني لا أحل ما حرم الله, ولا أحرم ما أحل الله, وأنت وذاك والنساء سواها كثير. فلم ينه ولم يأذن لي فانصرف أبي عن أمها فلم ينكحها. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن سماك بن الفضل عن رجل عن عبد الله بن الزبير, قال: الربيبة والأم سواء لا بأس بها إذا لم يدخل بالمرأة, وفي إسناده رجل مبهم لم يسم. وقال ابن جريج: أخبرني عكرمة بن خالد أن مجاهداً قال له "وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم" أراد بهما الدخول جميعاً, فهذا القول كما ترى مروي عن علي وزيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير ومجاهد وسعيد بن جبير وابن عباس, وقد توقف فيه معاوية. وذهب إليه من الشافعية أبو الحسن أحمد بن محمد بن الصابوني فيما نقله الرافعي عن العبادي. وقد روي عن ابن مسعود مثله, ثم رجع عنه, قال الطبراني: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري, حدثنا عبد الرزاق عن الثوري, عن أبي فروة, عن أبي عمرو الشيباني, عن ابن مسعود: أن رجلاً من بني كمخ من فزارة تزوج امرأة فرأى أمها فأعجبته. فاستفتى ابن مسعود, فأمره أن يفارقها ثم تزوج أمها, فتزوجها وولدت له أولاداً, ثم أتى ابن مسعود المدينة, فسئل عن ذلك, فأخبر أنها لا تحل له, فلما رجع إلى الكوفة قال للرجل: إنها عليك حرام ففارقها. وجمهور العلماء على أن الربيبة لا تحرم بالعقد على الأم بخلاف الأم, فإنها تحرم بمجرد العقد. قال ابن أبي حاتم: حدثنا جعفر بن محمد ابن هارون بن عزرة, حدثنا عبد الوهاب عن سعيد, عن قتادة, عن عكرمة, عن ابن عباس, أنه كان يقول: إذا طلق الرجل المرأة قبل أن يدخل بها أو ماتت لم تحل له أمها, وروي أنه قال: إنها مبهمة, فكرهها. ثم قال: وروي عن ابن مسعود وعمران بن حصين ومسروق وطاوس وعكرمة وعطاء والحسن ومكحول وابن سيرين وقتادة والزهري نحو ذلك. وهذا مذهب الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة, وجمهور الفقهاء قديماً وحديثاً, ولله الحمد والمنة ـ قال ابن جرير: والصواب قول من قال: الأم من المبهمات, لأن الله لم يشترط معهن الدخول كما اشترطه مع أمهات الربائب, مع أن ذلك أيضاً إجماع من الحجة التي لا يجوز خلافها فيما جاءت به متفقة عليه. وقد روي بذلك أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر غير أن في إسناده نظراً, وهو ما حدثني به المثنى, حدثنا حبان بن موسى, حدثنا ابن المبارك, أخبرنا المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا نكح الرجل المرأة فلا يحل له أن يتزوج أمها, دخل بالبنت أو لم يدخل, وإذا تزوج بالأم فلم يدخل بها ثم طلقها, فإن شاء تزوج الابنة", ثم قال: وهذا الخبر وإن كان في إسناده ما فيه, فإن في إجماع الحجة على صحة القول به مستغنى عن الاستشهاد على صحته بغيره. وأما قوله تعالى: "وربائبكم اللاتي في حجوركم" فالجمهور على أن الربيبة حرام سواء كانت في حجر الرجل, أو لم تكن في حجره, قالوا: وهذا الخطاب خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له, كقوله تعالى: "ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا". وفي الصحيحين أن أم حبيبة قالت: يا رسول الله أنكح أختي بنت أبي سفيان, وفي لفظ لمسلم عزة بنت أبي سفيان, قال "أو تحبين ذلك" ؟ قالت: نعم لست لك بمخلية, وأحب من شاركني في خير أختي, قال "فإن ذلك لا يحل لي". قالت: فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة, قال "بنت أم سلمة" ؟ قالت: نعم. قال "إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي, إنها لبنت أخي من الرضاعة, أرضعتني وأبا سلمة ثويبة, فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن" وفي رواية للبخاري "إني لو لم أتزوج أم سلمة ما حلت لي", فجعل المناط في التحريم مجرد تزوجه أم سلمة, وحكم بالتحريم لذلك, وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة وجمهور الخلف والسلف وقد قيل: بأنه لا تحرم الربيبة إلا إذا كانت في حجر الرجل, فإذا لم تكن كذلك فلا تحرم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا إبراهيم بن موسى, أنبأنا هشام ـ يعني ابن يوسف ـ عن ابن جريج, حدثني إبراهيم بن عبيد بن رفاعة, أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان, قال: كانت عندي امرأة فتوفيت, وقد ولدت لي فوجدت عليها, فلقيني علي بن أبي طالب فقال: ما لك ؟ فقلت: توفيت المرأة. فقال علي: لها ابنة ؟ قلت: نعم وهي بالطائف. قال: كانت في حجرك ؟ قلت: لا, هي بالطائف قال: فانكحها, قلت: فأين قول الله "وربائبكم اللاتي في حجوركم" ؟ قال: إنها لم تكن في حجرك إنما ذلك إذا كانت في حجرك, هذا إسناد قوي ثابت إلى علي بن أبي طالب على شرط مسلم, وهو قول غريب جداً, وإلى هذا ذهب داود بن علي الظاهري وأصحابه. وحكاه أبو القاسم الرافعي عن مالك رحمه الله, واختاره ابن حزم, وحكى لي شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي أنه عرض هذا على الشيخ الإمام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله, فاستشكله وتوقف في ذلك, والله أعلم. وقال ابن المنذر, حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا الأثرم عن أبي عبيدة قوله "اللاتي في حجوركم", قال: في بيوتكم, وأما الربيبة في ملك اليمين فقد قال الإمام مالك بن أنس, عن ابن شهاب: أن عمر بن الخطاب سئل عن المرأة وبنتها من ملك اليمين, توطأ إحداهما بعد الأخرى ؟ فقال عمر: ما أحب أن أخبرهما جميعاً يريد أن أطأهما جميعاً بملك يميني, وهذا منقطع. وقال سنيد بن داود في تفسيره: حدثنا أبو الأحوص, عن طارق بن عبد الرحمن, عن قيس, قال: قلت لابن عباس: أيقع الرجل على امرأة وابنتها مملوكين له ؟ فقال: أحلتهما آية وحرمتهما آية, ولم أكن لأفعله. وقال الشيخ أبو عمر بن عبد البر رحمه الله: لا خلاف بين العلماء أنه لا يحل لأحد أن يطأ امرأة وبنتها من ملك اليمين, لأن الله حرم ذلك في النكاح, قال "وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم" وملك اليمين عندهم تبع للنكاح إلا ما روي عن عمر وابن عباس, وليس على ذلك أحد من أئمة الفتوى ولا من تبعهم. وروى هشام عن قتادة: بنت الربيبة وبنت ابنتها لا تصلح وإن كانت أسفل ببطون كثيرة, وكذا قال قتادة عن أبي العالية, ومعنى قوله "اللاتي دخلتم بهن" أي نكحتموهن, قاله ابن عباس وغير واحد. وقال ابن جريج عن عطاء: هو أن تهدى إليه فيكشف ويفتش ويجلس بين رجليها. وقلت: أرأيت إن فعل ذلك في بيت أهلها ؟ قال: هو سواء, وحسبه قد حرم ذلك عليه ابنتها. وقال ابن جرير: وفي إجماع الجميع على أن خلوة الرجل بامرأة لا يحرم ابنتها عليه إذا طلقها قبل مسيسها ومباشرتها أو قبل النظر إلى فرجها بشهوة ما يدل على أن معنى ذلك هو الوصول إليها بالجماع.
وقوله تعالى: "وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم" أي وحرمت عليكم زوجات أبنائكم الذين ولدتموهم من أصلابكم, يحترز بذلك عن الأدعياء الذين كانوا يتبنونهم في الجاهلية. كما قال تعالى: " فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم " الاية, وقال ابن جريج: سألت عطاء عن قوله "وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم". قال: كنا نحدث ـ والله أعلم ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نكح امرأة زيد, قال المشركون بمكة في ذلك, فأنزل الله عز وجل: "وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم" ونزلت "وما جعل أدعياءكم أبناءكم", ونزلت "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم", وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي, حدثنا الجرح بن الحارث عن الأشعث, عن الحسن بن محمد: أن هؤلاء الايات مبهمات "وحلائل أبنائكم" "وأمهات نسائكم", ثم قال: وروي عن طاوس وإبراهيم والزهري ومكحول, نحو ذلك. (قلت) معنى مبهمات أي عامة في المدخول بها وغير المدخول, فتحرم بمجرد العقد عليها, وهذا متفق عليه, فإن قيل: فمن أين تحرم امرأة ابنه من الرضاعة كما هو قول الجمهور, ومن الناس من يحكيه إجماعاً وليس من صلبه, فالجواب من قوله صلى الله عليه وسلم "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" وقوله تعالى: "وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف" الاية. أي وحرم عليكم الجمع بين الأختين معاً في التزويج, وكذا في ملك اليمين إلا ما كان منكم في جاهليتكم فقد عفونا عنه وغفرناه. فدل على أنه لا مثنوية فيما يستقبل ولا استثناء فيما سلف, كما قال "لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى" فدل على أنهم لا يذوقون فيها الموت أبداً, وقد أجمع العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة قديماً وحديثاً على أنه يحرم الجمع بين الأختين في النكاح, ومن أسلم وتحته أختان, خير فيمسك إحداهما ويطلق الأخرى لا محالة. قال الإمام أحمد: حدثنا موسى بن داود, حدثنا ابن لهيعة عن أبي وهب الجيشاني, عن الضحاك بن فيروز, عن أبيه, قال: أسلمت وعندي امرأتان أختان, فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أطلق أحداهما. ثم رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث ابن لهيعة, وأخرجه أبو داود والترمذي أيضاً من حديث يزيد بن أبي حبيب, كلاهما عن أبي وهب الجيشاني, قال الترمذي واسمه ديلم بن الهوشع. عن الضحاك بن فيروز الديلمي, عن أبيه به, وفي لفظ للترمذي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم "اختر أيتهما شئت", ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن. وقد رواه ابن ماجه أيضاً بإسناد آخر فقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, حدثنا عبد السلام بن حرب عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة, عن أبي وهب الجيشاني عن أبي خراش الرعيني, قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي أختان تزوجتهما في الجاهلية, فقال "إذا رجعت فطلق إحداهما" قلت: فيحتمل أن أبا خراش هذا هو الضحاك بن فيروز, ويحتمل أن يكون غيره, فيكون أبو وهب قد رواه عن اثنين عن فيروز الديلمي, والله أعلم. وقال ابن مردويه: حدثنا عبد الله بن يحيى بن محمد بن يحيى, حدثنا أحمد بن يحيى الخولاني, حدثنا هيثم بن خارجة, حدثنا يحيى بن إسحاق عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة, عن رزيق بن حكيم, عن كثير بن مرة, عن الديلمي, قال: قلت: يا رسول الله, إن تحتي أختين, قال "طلق أيهما شئت", فالديلمي المذكور أولاً هو الضحاك بن فيروز الديلمي قال أبو زرعة الدمشقي: كان يصحب عبد الملك بن مروان, والثاني هو أبو فيروز الديلمي رضي الله عنه, وكان من جملة الأمراء باليمن الذين ولوا قتل الأسود العنسي المتنبىء لعنه الله, وأما الجمع بين الأختين في ملك اليمين فحرام أيضاً لعموم الاية. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة, عن عبد الله بن أبي عنبة أو عتبة عن ابن مسعود أنه سئل عن الرجل يجمع بين الأختين, فكرهه فقال له ـ يعني السائل: يقول الله تعالى: "إلا ما ملكت أيمانكم" فقال له ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: وبعيرك مما ملكت يمينك. وهذا هو المشهور عن الجمهور والأئمة الأربعة وغيرهم, وإن كان بعض السلف قد توقف في ذلك. قال الإمام مالك, عن ابن شهاب, عن قبيصة بن ذؤيب: أن رجلاً سأل عثمان بن عفان عن الأختين في ملك اليمين, هل يجمع بينهما ؟ فقال عثمان: أحلتهما آية وحرمتهما آية, وما كنت لأصنع ذلك, فخرج من عنده, فلقي رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك, فقال: لو كان لي من الأمر شيء ثم وجدت أحداً فعل ذلك لجعلته نكالاً. قال مالك: قال ابن شهاب: أراه علي بن أبي طالب. قال: وبلغني عن الزبير بن العوام مثل ذلك. قال ابن عبد البر النمري رحمه الله في كتاب الاستذكار: إنما كنى قبيصة بن ذؤيب عن علي بن أبي طاب لصحبته عبد الملك بن مروان, وكانوا يستثقلون ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه, ثم قال أبو عمر: حدثني خلف بن أحمد قراءة عليه: أن خلف بن مطرف حدثهم: حدثنا أيوب بن سليمان وسعيد بن سليمان ومحمد بن عمر بن لبابة, قالوا: حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن إبراهيم, حدثنا أبو عبد الرحمن المقري عن موسى بن أيوب الغافقي, حدثني عمي إياس بن عامر, قال: سألت علي بن أبي طالب فقلت: إن لي أختين مما ملكت يميني, اتخذت إحداهما سرية فولدت لي أولاداً ثم رغبت في الأخرى فما أصنع ؟ فقال علي رضي الله عنه: تعتق التي كنت تطأ ثم تطأ الأخرى, قلت: فإن ناساً يقولون: بل تزوجها ثم تطأ الأخرى, فقال علي: أرأيت إن طلقها زوجها أو مات عنها, أليس ترجع إليك ؟ لأن تعتقها أسلم لك. ثم أخذ علي بيدي فقال لي: إنه يحرم عليك مما ملكت يمينك ما يحرم عليك في كتاب الله عز وجل من الحرائر إلا العدد, أو قال: إلا الأربع, ويحرم عليك من الرضاع ما يحرم عليك في كتاب الله من النسب, ثم قال أبو عمر: هذا الحديث رحلة, لو لم يصب الرجل من أقصى المغرب أو المشرق إلى مكة غيره لما خابت رحلته. قلت: وقد روي عن علي نحو ما روي عن عثمان. وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم, حدثنا محمد بن العباس, حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي, حدثنا عبد الرحمن بن غزوان, حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: قال لي علي بن أبي طالب: حرمتهما آية وأحلتهما آية ـ يعني الأختين ـ قال ابن عباس: يحرمهن علي قرابتي منهن ولا يحرمهن علي قرابة بعضهن من بعض, يعني الإماء وكانت الجاهلية يحرمون ما تحرمون إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين. فلما جاء الإسلام أنزل الله "ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف" "وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف" يعني في النكاح, ثم قال أبو عمر: روى الإمام أحمد بن حنبل, حدثنا محمد بن سلمة عن هشام, عن ابن سيرين, عن ابن سيرين, قال: يحرم من الإماء ما يحرم من الحرائر إلا العدد, وعن ابن مسعود والشعبي نحو ذلك. قال أبو عمر: وقد روي مثل قول عثمان عن طائفة من السلف منهم ابن عباس, ولكنهم اختلف عليهم, ولم يلتفت إلى ذلك أحد من فقهاء الأمصار والحجاز ولا العراق ولا ما وراءهما من المشرق ولا بالشام ولا المغرب, إلا من شذ عن جماعتهم باتباع الظاهر ونفي القياس, وقد ترك من يعمل ذلك ما اجتمعنا عليه, وجماعة الفقهاء متفقون على أنه لا يحل الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء كما لا يحل ذلك في النكاح. وقد أجمع المسلمون على أن معنى قوله "حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم" إلى آخر الاية, أن النكاح وملك اليمين في هؤلاء كلهن سواء, فكذلك يجب أن يكون نظراً وقياساً الجمع بين الأختين وأمهات النساء والربائب. وكذلك هو عند جمهورهم, وهم الحجة المحجوج بها من خالفها وشذ عنها. وقوله تعالى: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم" أي وحرم عليكم من الأجنبيات المحصنات, وهن المزوجات "إلا ما ملكت أيمانكم", يعني إلا ما ملكتموهن بالسبي فإنه يحل لكم وطؤهن إذا استبرأتموهن, فإن الاية نزلت في ذلك. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا سفيان هو الثوري عن عثمان البتي, عن أبي الخليل, عن أبي سعيد الخدري, قال: أصبنا نساء من سبي أوطاس, ولهن أزواج, فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج, فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم, فنزلت هذه الاية "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم" فاستحللنا بها فروجهن, وهكذا رواه الترمذي عن أحمد بن منيع عن هشيم, ورواه النسائي من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج, ثلاثتهم عن عثمان البتي, ورواه ابن جرير من حديث أشعث بن سوراي عن عثمان البتي, ورواه مسلم في صحيحه من حديث شعبة عن قتادة, كلاهما عن أبي الخليل صالح بن أبي مريم, عن أبي سعيد الخدري, فذكره, وهكذا رواه عبد الرزاق عن معمر, عن قتادة, عن أبي الخليل, عن أبي سعيد الخدري به. وقد روي من وجه آخر عن أبي الخليل, عن أبي علقمة الهاشمي, عن أبي سعيد الخدري, قال الإمام أحمد: حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد, عن قتادة, عن أبي الخليل, عن أبي علقمة, عن أبي سعيد الخدري أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابوا سبايا يوم أوطاس, لهن أزواج من أهل الشرك, فكأن أناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كفوا وتأثموا من غشيانهن, قال: فنزلت هذه الاية في ذلك "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم" وهكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي من حديث سعيد بن أبي عروبة, زاد مسلم: وشعبة, ورواه الترمذي من حديث همام بن يحيى, ثلاثتهم عن قتادة بإسناده نحوه. وقال الترمذي: هذا حديث حسن, ولا أعلم أن أحداً ذكر أبا علقمة في هذا الحديث إلا ما ذكر همام عن قتادة ـ كذا قال ـ وقد تابعه سعيد وشعبة, والله أعلم.
وقد روى الطبراني من حديث الضحاك عن ابن عباس: أنها نزلت في سبايا خيبر, وذكر مثل حديث أبي سعيد, وقد ذهب جماعة من السلف إلى أن بيع الأمة يكون طلاقاً لها من زوجها أخذاً بعموم هذه الاية, وقال ابن جرير: حدثنا ابن مثنى, حدثنا محمد بن جعفر, عن شعبة, عن مغيرة, عن إبراهيم أنه سئل عن الأمة تباع ولها زوج ؟ قال: كان عبد الله يقول: بيعها طلاقها. ويتلو هذه الاية "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم" وكذا رواه سفيان عن منصور ومغيرة والأعمش عن إبراهيم عن ابن مسعود, قال: بيعها طلاقها وهو منقطع, ورواه سفيان الثوري عن خالد, عن أبي قلابة, عن ابن مسعود, قال: إذا بيعت الأمة ولها زوج, فسيدها أحق ببضعها. ورواه سعيد عن قتادة, قال: إن أبي بن كعب وجابر بن عبد الله وابن عباس, قالوا: بيعها طلاقها. وقال ابن جرير: حدثني يعقوب ابن علية عن خالد, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: طلاق الأمة ست: بيعها طلاقها, وعتقها طلاقها, وهبتها طلاقها, وبراءتها طلاقها, وطلاق زوجها طلاقها, وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب قوله "والمحصنات من النساء" قال: هن ذوات الأزواج حرم الله نكاحهن إلا ما ملكت يمينك, فبيعها طلاقها. قال معمر: وقال الحسن مثل ذلك, وهكذا رواه سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة, عن الحسن في قوله "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم" قال إذا كان لها زوج, فبيعها طلاقها. وروى عوف عن الحسن: بيع الأمة طلاقها, وبيعه طلاقها, فهذا قول هؤلاء من السلف, وقد خالفهم الجمهور قديماً وحديثاً, فرأوا أن بيع الأمة ليس طلاقاً لها لأن المشتري نائب عن البائع, والبائع كان قد أخرج عن ملكه هذه المنفعة وباعها مسلوبة عنها, واعتمدوا في ذلك على حديث بريرة المخرج في الصحيحين وغيرهما, فإن عائشة أم المؤمنين اشترتها ونجزت عتقها, ولم ينفسخ نكاحها من زوجها مغيث, بل خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم, بين الفسخ والبقاء, فاختارت الفسخ وقصتها مشهورة, فلو كان بيع الأمة طلاقها كما قال هؤلاء ما خيرها النبي صلى الله عليه وسلم, فلما خيرها دل على بقاء النكاح, وأن المراد من الاية المسبيات فقط, والله أعلم. وقد قيل: المراد بقوله "والمحصنات من النساء" يعني العفائف حرام عليكم حتى تملكوا عصمتهن بنكاح وشهود ومهور وولي, واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً, حكاه ابن جرير عن أبي العالية وطاوس وغيرهما. وقال عمر وعبيدة "والمحصنات من النساء" ما عدا الأربع حرام عليكم إلا ما ملكت أيمانكم.
وقوله تعالى: "كتاب الله عليكم" أي هذا التحريم كتاب كتبه الله عليكم, فالزموا كتابه, ولا تخرجوا عن حدوده, والزموا شرعه وما فرضه. وقال عبيدة وعطاء والسدي في قوله "كتاب الله عليكم" يعني الأربع. وقال إبراهيم "كتاب الله عليكم" يعني ما حرم عليكم. وقوله تعالى: "وأحل لكم ما وراء ذلكم" أي ما عدا من ذكرن من المحارم, هن لكم حلال, قاله عطاء وغيره. وقال عبيدة والسدي "وأحل لكم ما وراء ذلكم" ما دون الأربع, وهذا بعيد, والصحيح قول عطاء كما تقدم. وقال قتادة: "وأحل لكم ما وراء ذلكم" يعني ما ملكت أيمانكم, وهذه الاية هي التي احتج بها من احتج على تحليل الجمع بين الأختين, وقول من قال: أحلتهما آية وحرمتهما آية, وقوله تعالى: "أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين" أي تحصلوا بأموالكم من الزوجات إلى أربع, أو السراري ما شئتم بالطريق الشرعي, ولهذا قال "محصنين غير مسافحين". وقوله تعالى: "فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة" أي كما تستمتعون بهن فآتوهن مهورهن في مقابلة ذلك, كما قال تعالى: "وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض" وكقوله تعالى: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة", وكقوله "ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً" وقد استدل بعموم هذه الاية على نكاح المتعة, ولا شك أنه كان مشروعاً في ابتداء الإسلام, ثم نسخ بعد ذلك, وقد ذهب الشافعي وطائفة من العلماء إلى أنه أبيح ثم نسخ مرتين. وقال آخرون: أكثر من ذلك. وقال آخرون: إنما أبيح مرة ثم نسخ مرة, ثم نسخ, ولم يبح بعد ذلك. وقد روي عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القول بإباحتها للضرورة, وهو وراية عن الإمام أحمد, وكان ابن عباس وأبي بن كعب وسعيد بن جبير والسدي يقرؤون " فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ", وقال مجاهد: نزلت في نكاح المتعة, ولكن الجمهور على خلاف ذلك. والعمدة ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب, قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة, وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر. ولهذا الحديث ألفاظ مقررة هي في كتاب الأحكام. وفي صحيح مسلم عن الربيع بن سبرة بن معبد الجهني, عن أبيه, أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة, فقال "يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء, وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة, فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله, ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً" وفي رواية لمسلم: في حجة الوداع, وله ألفاظ موضعها كتاب الأحكام, وقوله تعالى: "ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة" من حمل هذه الاية على نكاح المتعة إلى أجل مسمى, قال: فلا جناح عليكم إذا انقضى الأجل أن تراضوا على زيادة به, وزيادة للجعل, قال السدي: إن شاء أرضاها من بعد الفريضة الأولى, يعني الأجر الذي أعطاها على تمتعه بها قبل انقضاء الأجل بينهما, فقال: أتمتع منك أيضاً بكذا وكذا, فازاد قبل أن يستبرىء رحمها يوم تنقضي المدة, وهو قوله تعالى: "ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة". قال السدي: إذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل, وهي منه بريئة وعليها أن تستبرىء ما في رحمها, وليس بينهما ميراث, فلا يرث واحد منهما صاحبه, ومن قال بهذا القول الأول جعل معناه كقوله "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة" الاية, أي إذا فرضت لها صداقاً فأبرأتك منه أو عن شيء منه, فلا جناح عليك ولا عليها في ذلك. وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن الأعلى, حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه, قال: زعم الحضرمي أن رجالاً كانوا يفرضون المهر, ثم عسى أن يدرك أحدهم العسرة, فقال: ولا جناح عليكم أيها الناس فيما تراضيتم به من بعد الفريضة. يعني إن وضعت لك منه شيئاً فهو لك سائغ. واختار هذا القول ابن جرير. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة" والتراضي أن يوفيها صداقها ثم يخيرها, يعني في المقام أو الفراق. وقوله تعالى: "إن الله كان عليماً حكيماً" مناسب ذكر هذين الوصفين بعد شرع هذه المحرمات.
قوله 24- "والمحصنات من النساء" عطف على المحرمات المذكورات. وأصل التحصن التمنع، ومنه قوله تعالى "لتحصنكم من بأسكم" أي لتمنعكم، ومنه الحصان بكسر الحاء للفرس لأنه يمنع صاحبه من الهلاك. والحصان بفتح الحاء: المرأة العفيفة لمنعها نفسها، ومنه قول حسان:
حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
والمصدر الحصانة بفتح الحاء. والمراد بالمحصنات هنا ذوات الأزواج. وقد ورد الإحصان في القرآن لمعان، هذا أحدها. والثاني يراد به الحرة، ومنه قوله تعالى "ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات" وقوله "والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم". والثالث يراد به العفيفة ومنه قوله تعالى "محصنات غير مسافحات"، "محصنين غير مسافحين". والرابع المسلمة، ومنه قوله تعالى "فإذا أحصن".
وقد اختلف أهل العلم في تفسير هذه الآية، أعني قوله "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم" فقال ابن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو قلابة ومكحول والزهري: المراد بالمحصنات هنا: المسبيات ذوات الأزواج خاصة، أي هن محرمات علكم إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي من أرض الحرب، فإن تلك حلال وإن كان لها زوج، وهو قول الشافعي: أي أن السباء يقطع العصمة، وبه قال ابن وهب وابن عبد الحكم وروياه عن مالك، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبو ثور. واختلفوا في استبرائها بماذا يكون؟ كما هو مدون في كتب الفروع. وقالت طائفة: المحصنات في هذه الآية العفائف، وبه قال أبو العالية وعبيدة السلماني وطاوس وسعيد بن جبير وعطاء، ورواه عبيدة عن عمر. ومعنى الآية عندهم: كل النساء حرام إلا ما ملكت أيمانكم: أي تملكون عصمتهن بالنكاح وتملكون الرقبة بالشراء. وحكى ابن جرير الطبري أن رجلاً قال لسعيد بن جبير: أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الآية فلم يقل فيها شيئاً؟ فقال: كان ابن عباس لا يعلمها. وروى ابن جرير أيضاً عن مجاهد أنه قال: لو أعلم من يفسر لي هذه الآية لضربت إليه أكباد الإبل انتهى. ومعنى الآية والله أعلم لا سترة به. أي وحرمت عليكم المحصنات من النساء: أي المزوجات أعم من أن يكن مسلمات أو كافرات إلا ما ملكت أيمانكم منهن، أما يسبي فإنها تحل ولو كانت ذات زوج، أو بشراء فإنها تحل ولو كانت مزوجة، وينفسخ النكاح الذي كان عليها بخروجها عن ملك سيدها الذي زوجها، وسيأتي ذكر سبب نزول الآية إن شاء الله، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقد قرئ "المحصنات" بفتح الصاد وكسرها، فالفتح على أن الأزواج أحصنوهن، والكسر على أنهن أحصن فروجهن عن غير أزواجهن أو أحصن أزواجهن. قوله "كتاب الله عليكم" منصوب على المصدرية: أي كتب الله ذلك عليكم كتاباً. وقال الزجاج والكوفيون: إنه منصوب على الإغراء: أي الزموا كتاب الله، أو عليكم كتاب الله، واعترضه أبو علي الفارسي بأن الإغراء لا يجوز فيه تقديم المنصوب وهذا الاعتراض إنما يتوجه على قول من قال: إنه منصوب بعليكم المذكور في الآية، وروي عن عبيدة السلماني أنه قال: إن قوله "كتاب الله عليكم" إشارة إلى قوله تعالى "مثنى وثلاث ورباع" وهو بعيد بل هو إشارة إلى التحريم المذكور في قوله "حرمت عليكم" إلى آخر الآية. قوله "وأحل لكم ما وراء ذلكم" قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص وأحل على البناء للمجهول، وقرأ الباقون على البناء للمعلوم عطفاً على الفعل المقدر في قوله "كتاب الله عليكم" وقيل على قوله "حرمت عليكم" ولا يقدح في ذلك اختلاف الفعلين، وفيه دلالة على أنه يحل لهم نكاح ما سوى المذكورات، وهذا عام مخصوص بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها. وقد أبعد من قال: إن تحريم الجمع بين المذكورات مأخوذ من الآية هذه لأنه حرم الجمع بين الأختين، فيكون ما في معناه في حكمه، وهو الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها، وكذلك تحريم نكاح الأمة لمن يستطيع نكاح حرة كما سيأتي، فإنه يخصص هذا العموم. قوله "أن تبتغوا بأموالكم" في محل نصب على العلة: أي حرم عليكم ما حرم وأحل لكم ما أحل لأجل أن تبتغوا بأموالكم النساء الللاتي أجلهن الله لكم ولا تبتغوا بها الحرام فتذهب حال كونكم "محصنين" أي متعففين عن الزنا "غير مسافحين" أي غير زانين. والسفاح: الزنا وهو مأخوذ من سفح الماء: أي صبه وسيلانه، فكأنه سبحانه أمرهم بأن يطلبوا بأموالهم النساء على وجه النكاح، لا على وجه السفاح، وقيل إن قوله "أن تبتغوا بأموالكم" بدل من ما في قوله "ما وراء ذلكم" أي وأحل لكم الابتغاء بأموالكم. والأول أولى، وأراد سبحانه بالأموال المذكورة ما يدفعونه في مهور الحرائر وأثمان الإماء. قوله "فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن" ما موصولة فيها معنى الشرط، والفاء في قوله "فآتوهن" لتضمن الموصول معنى الشرط، والعائد محذوف: أي فآتوهن أجورهن عليه.
وقد اختلف أهل العلم في معنى الآية: فقال الحسن ومجاهد وغيرهما: المعنى فما انتفعتم وتلذذتم بالجماع من النساء بالنكاح الشرعي "فآتوهن أجورهن" أي مهورهن. وقال الجمهور: إن المراد بهذه الآية نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام، ويؤيد ذلك قراءة أبي بن كعب وابن عباس وسعيد بن جبير فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن ثم نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم كما صح ذلك من حديث علي قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، وهو في الصحيحين وغيرهما، وفي صحيح مسلم من حديث سبرة بن معبد الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم فتح مكة "يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، والله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً". وفي لفظ لمسلم أن ذلك كان في حجة الوداع، فهذا هو الناسخ. وقال سعيد بن جبير: نسختها آيات الميراث إذ المتعة لا ميراث فيها. وقالت عائشة والقاسم بن محمد: تحريمها ونسخها في القرآن، وذلك قوله تعالى " والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين " وليست المنكوحة بالمتعة من أزواجهم ولا مما ملكت أيمانهم، فإن من شأن الزوجة أن ترث وتورث، وليست المستمتع بها كذلك. وقد روي عن ابن عباس أنه قال بجواز المتعة وأنها باقية لم تنسخ. وروي عنه أنه رجع عن ذلك عند أن بلغه الناسخ. وقد قال بجوازها جماعة من الروافض ولا اعتبار بأقوالهم. وقد أتعب نفسه بعض المتأخرين بتكثير الكلام على هذه المسألة وتقوية ما قاله المجوزون لها، وليس هذا المقام مقام بيان بطلان كلامه.
وقد طولنا البحث ودفعنا الشبه الباطلة التي تمسك بها المجوزون لها في شرحنا للمنتقى فليرجع إليه. قوله "فريضة" منتصب على المصدرية المؤكدة أو على الحال: أي مفروضة. قوله "ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة" أي: من زيادة أو نقصان في المهر فإن ذلك سائغ عند التراضي، هذا عند من قال بأن الآية في النكاح الشرعي، وأما عند الجمهور القائلين بأنها في المتعة، فالمعنى التراضي في زيادة مدة المتعة أو نقصانها أو في زيادة ما دفعه إليها إلى مقابل الاستمتاع بها أو نقصانه.
24-قوله تعالى:"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، يعني : ذوات الأزواج ، لا يحل للغير نكاحهن قبل مفارقة الأزواج ، وهذه السابعة من النساء اللاتي حرمت بالسبب.
قال أبو سعيد الخدري: نزلت في نساء كن يهاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهن أزواج فيتزوجهن بعض المسلمين ، ثم قدم أزواجهن مهاجرين فنهى الله المسلمين عن نكاحهن ثم استثنى فقال:"إلا ما ملكت أيمانكم" يعني: السبايا اللواتي سبين ولهن أزواج في دار الحرب فيحل لمالكهن وطؤهن بعد الاستبراء، لأن بالسبي يرتفع النكاح بينها وبين زوجها.
قالأبو سعيد الخدري: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين جيشاً إلى أوطاس فأصابوا سبايا لهن أزواج من المشركين، فكرهوا غشيانهن، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقالعطاء: أراد بقوله "إلا ما ملكت أيمانكم" أن تكون أمته في نكاح عبده فيجوز أن ينزعها وقيل: أراد بالمحصنات الحرائر ومعناه: أن ما فوق الأربع حرام منهن إلا ما ملكت أيمانكم ، فإنه لا عدد عليكم في الجواري.
قوله تعالى:"كتاب الله عليكم"، نصب على المصدر ، أي : كتب الله عليكم كتاب الله ، وقيل: نصب على الإغراء ، أي: ألزموا كتاب الله عليكم ، أي: فرض الله تعالى.
قوله تعالى:"وأحل لكم ما وراء ذلكم"، قرأ أبو جعفر وحمزةوالكسائي وحفص"أحل" بضم الأول وكسر الحاء، لقوله"حرمت عليكم"، وقرأ الآخرون بالنصب، أي: أحل الله لكم ما وراء ذلكم، أي: ما سوى ذلكم الذي ذكرت من المحرمات، "أن تبتغوا"، تطلبوا،"بأموالكم"، أي تنكحوا بصداق أو تشتروا بثمن ،"محصنين"، أي: متزوجين متعففين،"غير مسافحين"، أي: غير زانين، مأخوذ من سفح الماء وصبه وهو المني،"فما استمتعتم به منهن"، اختلفوا في معناه، فقالالحسن ومجاهد : أراد ما انتفعتم وتلذذتم بالجماع من النساء بالنكاح الصحيح،"فآتوهن أجورهن"،أي: مهورهن وقال آخرون : هو نكاح المتعة وهو أن ينكح امرأة إلى مدة فإذا انقضت تلك المدة بانت منه بلا طلاق، وتستبرىء رحمها وليس بينهما ميراث، وكان ذلك مباحاً في ابتداء الإسلام ثم نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهرأناعبد الغافر بن محمد الفارسيأنامحمد بن عيسى الجلوديأناإبراهيم بن محمد بن سفيانأنامسلم بن الحجاجأنامحمد بن عبد الله بن نميرأناأبي أناعبد العزيز بن عمرحدثني الربيع بن سبرة الجهنيأن أباه حدثه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله تعالى قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً".
وأخبرناأبو الحسن السرخسيأنازاهر بن أحمدأناأبو إسحاق الهاشميأناأبو مصعب عنمالكعنابن شهاب عنعبد اللهوالحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية".
وإلى هذا ذهب عامة أهل العلم:أن نكاح المتعة حرام، والآية منسوخة.
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يذهب إلى أن الآية محكمة ، ويرخص في نكاح المتعة. وروي عن أبي نضرة قالت سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن المتعة ، فقال: أما تقرأ في سورة النساء:" فما استمتعتم به منهن " " إلى أجل مسمى "،قلت: لا أقرؤها هكذا، قال ابن عباس: هكذا أنزل الله ، ثلاث مرات .
وقيل: إن ابن عباس رضي الله عنهما رجع عن ذلك.
وروى سالم عنعبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ما بال رجال ينكحون هذه المتعة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها؟، لا أجد رجلاً نكحها إلا رجمته بالحجارة وقال: هدم المتعة النكاح والطلاق والعدة والميراث.
قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: لا أعلم في الإسلام شيئاً احل ثم حرم ثم احل ثم حرم غير المتعة.
قوله تعالى:"فآتوهن أجورهن"أي: مهورهن،"فريضةً ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة"، فمن حمل ما قبله على نكاح المتعة أراد انهما (إذا عقد عقداً إلى أجل بمال).
فإذا تم الأجل فإن شاءت المرأة زادت في الأجل وزاد الرجل في الأجر ، وإن لم يتراضيا فارقها ، ومن حمل الآية على الاستمتاع بالنكاح الصحيح، قال المراد بقوله"ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به" من الإبراء عن المهر والافتداء والاعتياض "إن الله كان عليماً حكيماً".
(فصل في قدر الصداق وفيما يستحب منه)
اعلم أنه لا تقدير لأكثر الصداق لقوله تعالى:"وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً " والمتسحب أن لا يغالى فيه، قال عمر بن الخطاب: ألا لا تغالوا صدقة النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله لكان أولاكم بها نبي الله صلى الله عليه وسلم ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئاً من نسائه ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية.
أخبرناأبو الحسن السرخسيأنازاهر بن أحمد أناجعفر بن محمد المفلسأناهارون بن إسحاق أنايحيى بن محمد الحارثيأناعبد العزيز بن محمدعنيزيد بن عبد الله بن الهاديعنمحمد بن إبراهيمعنأبي سلمة قال: سألت عائشة رضي الله عنها كم كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه؟ قالت: كان صداقة لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشأ ، قالت:أتدري ما النش؟قلت: لا، قالت:نصف أوقية ، فتلك خمسمائة درهم، هذا صداق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه.
أما أقل الصداق فقد اختلفوا فيه: فذهب جماعة إلى أنه لا تقدير لأقله، بل ما جاز أن يكون مبيعاً أو ثمناً جاز أن يكون صداقاً ، وهو قول ربيعة وسفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، قال عمر بن الخطاب: في ثلاث قبضات زبيب مهر، وقال سعيد بن المسيب: لو أصدقها سوطاً جاز.
وقال قوم: يتقدر: بنصاب السرقة، وهو قول مالك وأبي حنيفة ، غير أن نصاب السرقة عند مالك ثلاثة دراهم وعند أبي حنيفة عشرة دراهم.
والدليل على انه لا يتقدر: ما أخبرنا أبو الحسن السرخسي قال: أخبرنازاهر بن احمدأخبرناأبو إسحاق الهاشميأناأبو مصعب عن مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت : يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك ، فقامت قياماً طويلاً فقام رجل فقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك فيها حاجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل عندك من شيء تصدقها؟ قال: ما عندي إلا إزاري هذا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أعطيتها جلست لا إزار لك، فالتمس شيئاً فقال: ما أجد ، فقال: فالتمس ولو خاتماً من حديد، فالتمس فلم يجد شيئاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل معك من القرآن شيء؟ قال: نعم سورة كذا وسورة كذا- لسور سماها- فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قد زوجتكها بما معك من القرآن".
وفيه دليل على أنه لا تقدير لأقل الصداق، لأنه قال:التمس شيئاً فهذا يدل على جواز أي شيء كان من المال ، وقال: ولو خاتماً من حديد، ولا قيمة لخاتم الحديد إلا القليل التافه.
وفي الحديث دليل على أنه يجعل تعليم القرآن صداقاً وهو قول الشافعي رحمه الله ، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجوز، وهو قول أصحاب الرأي، وكل عمل جاز الاستئجار عليه مثل البناء والخياطة وغير ذلك من الأعمال جاز أن يجعل صداقاً ، ولم يجوز أبوحنيفة رضي الله عنه أن يجعل منفعة الحر صداقاً والحديث حجة لمن جوزه بعدما أخبر الله تعالى عن شعيب عليه السلام حيث زوج ابنته من موسى عليهما السلام على العمل، فقال: " إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج "(القصص-27).
24" والمحصنات من النساء " ذوات الأزواج، أحصنهن التزويج أو الأزواج. وقرأ الكسائي بكسر الصاد في جميع القرآن لأنهن أحصن فروجهن. " إلا ما ملكت أيمانكم " يريد ما ملكت أيمانكم من اللاتي سبين ولهن أزواج كفار فهن حلال للسابين، والنكاح مرتفع بالسبي "لقول أبي سعيد رضي الله تعالى عنه: أصبنا سبايا يوم أوطاس ولهن أزواج كفار، فكرهنا أن نقع عليهن فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية فاستحللناهن". وإياه عني الفرزدق بقوله:
وذات حليل أنكحتها رماحنا حلال لمن يبني بها لم تطلق
وقال أبو حنيفة لو سبي الزوجان لم يرتفع النكاح ولم تحل للسابي. وإطلاق الآية والحديث حجة عليه. " كتاب الله عليكم " مصدر مؤكد، أي كتب الله عليكم تحريم هؤلاء كتاباً. وقرئ " كتب " الله بالجمع والرفع أي هذه فرائض الله عليكم " كتب الله " بلفظ الفعل. " وأحل لكم " عطف عل الفعل المضمر الذي نصب كتاب الله وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم على البناء للمفعول عطفاً على " حرمت ". " ما وراء ذلكم " ما سوى المحرمات الثمان المذكورة. وخص عنه بالسنة ما في معنى المذكورات كسائر محرمات الرضاع، والجمع بين المرأة وعمتها وخالتها. " أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين " مفعول له والمعنى أحل لكم ما وراء ذلكم إرادة أن تبتغوا النساء بأموالكم بالصرف في مهورهن، أو أثمانهن في حال كونكم محصنين غير مسافحين، ويجوز أن لا يقدر مفعول تبتغوا وكأنه قيل إرادة أن تصرفوا أموالكم محصنين غير مسافيحين أو بدل مما وراء ذلكم بدل الاشتمال. واحتج به الحنفية على أن المهر لابد وأن يكون مالاً. ولا حجة فيه. والإحصان العفة فإنها تحصين للنفس عن اللوم والعقاب، والسفاح الزنا من السفح وهو صب المني فإنه الغرض منه. " فما استمتعتم به منهن " فمن تمتعتم به من المنكوحات، أو فما استمتعتم به منهن من الجماع أو عقد عليهن. " فآتوهن أجورهن " مهورهن فإن المهر في مقابلة الإستمتاع. " فريضة " حال من الأجور بمعنى مفروضة، أو صفة مصدر محذوف أي إيتاء مفروضاً أو مصدر مؤكد. " ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة " فيما يزاد على المسمى أو يحط عنه بالتراضي، أو فيما تراضيا به في نفقة أو مقام أو فراق. وقيل: نزلت الآية في المتعة التي كانت ثلاثة أيام حين فتحت مكة ثم نسخت، لما روي أنه عليه الصلاة والسلام أباحها ثم أصبح يقول: "يا أيها الناس إني كنت أمرتكم بالاستمتاع من هذه النساء ألا إن الله حرم ذلك إلى يوم القيامة". وهي النكاح المؤقت بوقت معلوم سمي بها إذ الغرض منه مجرد الاستمتاع بالمرأة، أو تمتيعها بما تعطي. وجوزها ابن عباس رضي الله عنهما ثم رجع عنه. " إن الله كان عليما " بالمصالح. " حكيما " فيما شرع من الأحكام.
24. And all married women (are forbidden unto you save those (captives) whom your right hands possess. It is a decree of Allah for you. Lawful unto you are all beyond those mentioned, so that ye seek them with your wealth in honest wedlock, not debauchery. And those of whom ye seek content (by marrying them), give unto them their portions as a duty. And there is no sin for you in what ye do by mutual agreement after the duty (hath been done). Lo! Allah is ever Knower, Wise.
24 - Also (prohibited are) women already married, except those whom your right hands possess: thus hath God ordained (prohibitions) against you: except for these, all others are lawful, provided ye seek (them in marriage) with gifts from your property, desiring chastity, not lust, seeing that ye derive benefit from them, give them their dowers (at least) as prescribed; but if, after a dower is prescribed, ye agree mutually (to vary it), there is no blame on you, and God is all knowing all wise.