[النساء : 2] وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا
ونزل في يتيم طلب من وليه ماله فمنعه: (وآتوا اليتامى) الصغار الذين لا أب لهم (أموالهم) إذا بلغوا (ولا تتبدلوا الخبيث) الحرام (بالطيب) الحلال أي تأخذوه بدله كما تفعلون من أخذ الجيد من مال اليتيم وجعل الرديء من مالكم مكانه (ولا تأكلوا أموالَهم) مضمومةً (إلى أموالكم إنه) أي أكلها (كان حُوباً) ذنباً (كبيراً) عظيماً
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره أوصياء اليتامى. يقول لهم : وأعطوا، يا معشر أوصياء اليتامى [اليتامى] أموالهم إذا هم بلغوا الحلم ، وأونس منهم الرشد، "ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب"، يقول : ولا تستبدلوا الحرام عليكم من أموالهم بأموالكم الحلال لكم، كما:
حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله الله تعالى : "ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب"، قال : الحلال بالحرام.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
حدثنا سفيان قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: "ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب"، قال : الحرام . مكان الحلال.
قال أبو جعفر: ثم اختلف أهل التأويل في صفة تبديلهم الخبيث كان بالطيب ، الذي نهوا عنه ، ومعناه.
فقال بعضهم: كان أوصياء اليتامى يأخذون الجيد من ماله والرفيع منه ، ويجعلون مكانه لليتيم الرديء والخسيس ، فذلك تبديلهم الذي نهاهم الله تعالى عنه.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن يمان ، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم: "ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب"، قال : لا تعط زيفاً وتأخذ جيداً.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن يمان ، عن سفيان، عن السدي ، وعن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب ، ومعمر عن الزهري، قالوا : يعطي مهزولاً ويأخذ سميناً.
وبه عن سفيان ، عن رجل ، عن الضحاك قال : لا تعط فاسداً، وتأخذ جيداً.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي: "ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب"، كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم ويجعل مكانها الشاة المهزولة، ويقول: شاة بشاة! ويأخذ الدرهم الجيد ويطرح مكانه الزيف ، ويقول : درهم بدرهم!!.
وقال آخرون: معنى ذلك : لا تستعجل الرزق الحرام فتأكله قبل أن يأتيك الذي قدر لك من الحلال.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب"، قال : لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الحلال الذي قدر لك.
وبه عن سفيان، عن إسمعيل، عن أبي صالح مثله.
وقال آخرون : معنى ذلك ، كالذي:
حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله: "ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب"، قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا يورثون الصغار، يأخذه الأكبر، وقرأ وترغبون أن تنكحوهن، قال : إذا لم يكن لهم شيء: "والمستضعفين من الولدان" [النساء: 127]، لا يورثونهم. قال : فنصيبه من الميراث طيب ، وهذا الذي أخذه خبيث.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية، قول من قال : تأويل ذلك : ولا تتبدلوا أموال أيتامكم -أيها الأوصياء- الحرام عليكم الخبيث لكم ، فتأخذوا رفائعها وخيارها وجيادها ، بالطيب الحلال لكم من أموالكم، [أي : لا تاخذوا] الرديء الخسيس بدلاً منه.
وذلك أن تبدل الشيء بالشيء في كلام العرب : أخذ شيء مكان آخر غيره ، يعطيه المأخوذ منه أو يجعله مكان الذي أخذ.
فإذ كان ذلك معنى التبدل والاستبدال، فمعلوم أن الذي قاله ابن زيد، من أن معنى ذلك : هو أخذ أكبر ولد الميت جميع مال ميته ووالده ، دون صغارهم ، إلى ماله- قول لا معنى له . لأنه إذا أخذ الأكبر من ولده جميع ماله دون الأصاغر منهم ، فلم يستبدل مما أخذ شيئاً، فما التبدل الذي قال جل ثناؤه: "ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب"، ولم يتبدل الأخذ مكان المأخوذ بدلاً؟.
وأما الذي قاله مجاهد وأبو صالح من أن معنى ذلك : لا تتعجل الرزق الحرام قبل مجيء الحلال ، فإنهما أيضاً، إن لم يكونا أرادا بذلك نحو القول الذي روي عن ابن مسعود أنه قال: إن الرجل ليحرم الرزق بالمعصية يأتيها، ففساده نظير فساد قول ابن زيد. لأن من استعجل الحرام فأكله ، ثم آتاه الله رزقه الحلال ، فلم يبدل شيئاً مكان شيء . وإن كانا قد أرادا بذلك ، أن الله جل ثناؤه نهى عباده أن يستعجلوا الحرام فيأكلوه قبل مجيء الحلال ، فيكون أكلهم ذلك سبباً لحرمان الطيب منه فذلك وجه معروف ، ومذهب معقول ، يحتمله التأويل ، غير أن أشبه [القولين] في ذلك بتأويل الآية، ما قلنا، لأن ذلك هو الأظهر من معانيه ، لأن الله جل ثناؤه إنما ذكر ذلك في قصة أموال اليتامى وأحكامها، فلأن يكون ذلك من جنس حكم أول الآية وآخرها، [أولى] من أن يكون من غير جنسه.
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره : ولا تخلطوا أموالهم -يعني أموال اليتامى بأموالكم- فتأكلوها مع أموالكم، كما:
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله : "ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم"، يقول : لا تأكلوا أموالكم وأموالهم ، تخلطوها فتأكلوها جميعاً.
حدثنا المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا أبو زهير، عن مبارك، عن الحسن قال : لما نزلت هذه الآية في أموال اليتامى، كرهوا أن يخالطوهم ، وجعل ولي اليتيم يعزل مال اليتيم عن ماله ، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله : "ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم" [البقرة: 220]، قال : فخالطوهم واتقوا.
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره [بقوله]: "إنه كان حوبا كبيرا"، إن أكلكم أموال أيتامكم، حوب كبير.
والهاء في قوله : "إنه" دالة على اسم الفعل ، أعني الأكل.
وأما الحوب فإنه الإثم ، يقال منه : حاب الرجل يحوب حوباً وحوباً وحيابة، ويقال منه : قد تحوب الرجل من كذا، إذا تأثم منه ، ومنه قول أمية بن الأسكر الليثي:
وإن مهاجرين تكنفاه غداتئذ، لقد خطئا وحابا
ومنه قيل : نزلنا بحوبة من الأرض ، وبحيبة من الأرض، إذا نزلوا بموضع سوء منها.
و الكبير العظيم.
فمعنى ذلك : إن أكلكم أموال اليتامى مع أموالكم ، إثم عند الله عظيم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو وعمرو بن علي قالا، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "حوبا كبيرا"، قال: إثماً.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله : "إنه كان حوبا كبيرا"، قال: إثماً عظيماً.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي: "كان حوبا"، أما "حوبا" فإثماً.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله "حوبا"، قال: إثماً.
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: "إنه كان حوبا كبيرا"، يقول: ظلماً كبيراً.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، سمعت ابن زيد يقول في قوله: "إنه كان حوبا كبيرا"، قال : ذنباً كبيراً، وهي لأهل الإسلام.
حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا يحيى بن سعيد قال ، حدثنا قرة بن خالد قال ، سمعت الحسن يقول : "حوبا كبيرا"، قال: إثماً والله عظيماً.
فيه خمس مسائل:
الأولى قوله تعالى:" وآتوا اليتامى أموالهم " وأراد باليتامى الذين كانوا أيتاماً، كقوله تعالى:" وألقي السحرة ساجدين" [الأعراف:120] ولا سحر مع السجود، فكذلك لا يتم مع البلوغ و"كان يقال للنبي صلى الله عليه وسلم : يتيم أبي طالب " استصحاباً لما كان. وآتوا أي أعطوا. والإيتاء والإعطاء، ولفلان أتو، أي عطاء, أبو زيد: أتوت الرجل آتوه إتاوةً، وهي الرشوة. واليتيم من لم يبلغ الحلم، وقد تقدم في البقرة مستوفى ، وهذه الآية خطاب للأولياء والأوصياء. نزلت - في قول مقاتل والكلبي- في رجل من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم، فلما بلغ اليتيم طلب المال فمنعه عمه، فنزلت، فقال العم: نعوذ بالله من الحوب الكبير! ورد المال "فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
من يوق شح نفسه ورجع به هكذا فإنه يحل داره يعني جنته، فلما قبض الفتى المال أنفقه في سبيل الله ، فقال عليه السلام: ثبت الأجر وبقي الوزر فقيل: كيف يا رسول الله؟ فقال: ثبت الأجر للغلام وبقي الوزر على والده" لأنه كان مشركاً.
الثانية: وإيتاء اليتامى أموالهم يكون بوجهين: أحدهما- إجراء الطعام والكسوة ما دامت الولاية، إذ لا يمكن إلا ذلك لمن لا يستحق الأخذ الكلي والاستبداد كالصغير والسفيه كالكبير. الثاني- الإيتاء وإسلام المال إليه، وذلك عند الإبتلاء والإرشاد، وتكون تسميته مجازاً المعنى:الذي كان يتيماً، وهو استصحاب الاسم، كقوله تعالى:" وألقي السحرة ساجدين" أي الذين كانوا سحرةً. و"كان يقال للنبي صلى الله عليه وسلم : يتيم أبي طالب" فإذا تحقق الولي رشده حرم عليه إمساك ماله عنه وكان عاصياً. وقال أبو حنيفة: إذا بلغ خمساً وعشرين سنة أعطي ماله كله على كل حال، لأنه يصير جداً.
قلت: لما لم يذكر الله تعالى في هذه الآية إيناس الرشد وذكره في قوله تعالى:" وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم" قال أبو بكر الرازي الحنفي في أحكام القرآن: لما لم يقيد الرشد في موضع وقيد في موضع وجب استعمالهما، فأقول: إذا بلغ خمساً وعشرين سنة هو سفيه لم يؤنس منه الرشد، وجب دفع المال إليه، وإن كان دون ذلك لم يجب، عملاً بالآيتين. وقال أبو حنيفة: لما بلغ رشده صار يصلح أن يكون جداً فإذا صار يصلح أن يكون جداً فكيف يصح إعطاؤه المال بعلة اليتيم وباسم اليتيم؟! وهل ذلك إلا في غاية البعد؟قال ابن العربي: وهذا باطل لا وجه له ، لا سيما على أصله الذي يرى المقدرات لا تثبت قياساً وإنما تؤخذ من جهة النص، وليس في هذه المسألة. وسيأتي ما للعلماء في الحجر إن شاء الله تعالى.
الثالثة: قوله تعالى:" ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب " أي لا تتبدلوا الشاة السمينة من مال اليتيم بالهزيلة، ولا الدرهم الطيب بالزيف. وكانوا في الجاهلية لعدم الدين لا يتحرجون عن أموال اليتامى، فكانوا يأخذون الطيب والجيد من أموال اليتامى ويبدلونه بالرديء من أموالهم، ويقولون: اسم باسم ورأس برأس، فنهاهم الله عن ذلك هذا قول سعيد بن المسيب والزهري والسدي والضحاك وهو ظاهر الآية. وقيل: المعنى لا تأكلوا أموال اليتامى وهي محرمة خبيثة وتدعوا الطيب وهو مالكم. وقال مجاهد وأبو صالح باذان: لا تتعجلوا أكل الخبيث من أموالهم وتدعوا انتظار الرزق الحلال من عند الله .
وقال ابن زيد: كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء والصبيان ويأخذ الأكبر الميراث. عطاء: لا تربح على يتيمك الذي عندك وهو غر صغير. وهذان القولان خارجان عن ظاهر الآية، فإنه يقال: تبدل الشيء بالشيء أي أخذه مكانه. ومنه البدل .
الرابعة- قوله تعالى:" ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم " قال مجاهد: وهذه الآية ناهية عن الخلط في الإنفاق فإن العرب كانت تخلط نفقتها بنفقة أيتامها فنهو عن ذلك ثم نسخ بقوله " وإن تخالطوهم فإخوانكم " [البقرة :220] وقال ابن فورك عن الحسن: تأول الناس في هذه الآية النهي عن الخلط فاجتنبوه من قبل أنفسهم فخفف عنهم في آية البقرة وقالت طائفة من المتأخرين : إن إلى بمعنى مع كقوله تعالى:" من أنصاري إلى الله " [آل عمران:52] وأنشد القتبي:
يسدون أبواب القباب بضمر إلى عنن مستوثقات الأواصر
وليس بجيد وقال الحذاق إلى على بابها وهي تتضمن الإضافة، أي لا تضيفوا أموالهم وتضموها إلى أموالكم في الأكل. فنهوا أن يعتقدوا أموال اليتامى كأموالهم فيتسلطوا عليها بالأكل والانتفاع .
الخامسة- قوله تعالى:" إنه كان حوبا كبيرا" إنه أي الأكل ." كان حوبا كبيرا" أي إثماً كبيراً، عن ابن عباس والحسن وغيرهما، يقال: حاب الرجل يحوب حوباً إذا أثم، وأصله الزجر للإبل، فسمي الإثم حوباً لأنه يزجر عنه وبه. ويقال في الدعاء: اللهم أغفر حوبتي، أي إثمي، والحوبة أيضاً الحاجة. ومنه في الدعاء: إليك أرفع حوبتي، أي حاجتي. والحوب الوحشة، ومنه "قوله عليه السلام لأبي أيوب.
إن طلاق أم أيوب لحوب" وفيه ثلاثة لغات حوبا بضم الحاء وهي قراءة العامة ولغة أهل الحجاز وقرأ الحسن حوباً بفتح الحاء وقال الأخفش: وهي لغة تميم مقاتل لغة الحبش.
والحوب المصدر، وكذلك الحيابة. والحوب الاسم وقرأ أبي بن كعب حاباً على المصدر مثل القال. ويجوز أن يكون اسماً مثل الزاد. والحوأب ( بهمرة بعد الواو): المكان الواسع والحوأب ماء أيضاً. ويقال: ألحق الله به الحوبة أي المسكنة والحاجة ومنه قولهم : بات بحيبة سوء، وأصل الياء والواو. وتحوب فلان أي تعبد وألقى الحوب عن نفسه والتحوب أيضاً التحزن. وهو أيضاً الصياح الشديد، كالزجر، وفلان يتحوب من كذا أي يتوجع وقال طفيل:
فذوقوا كما ذقنا غداة محجر من الغيظ في أكبادنا والتحوب
يأمر تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم إذا بلغوا الحلم كاملة موفرة, وينهى عن أكلها وضمها إلى أموالهم, ولهذا قال: "ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب" قال سفيان الثوري عن أبي صالح: لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الرزق الحلال الذي قدر لك. وقال سعيد بن جبير: لا تتبدلوا الحرام من أموال الناس بالحلال من أموالكم, يقول: لا تبذروا أموالكم الحلال وتأكلوا أموالهم الحرام. وقال سعيد بن المسيب والزهري: لا تعط مهزولاً وتأخذ سميناً. وقال إبراهيم النخعي والضحاك: لا تعط زائفاً وتأخذ جيداً. وقال السدي: كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم, ويجعل مكانها الشاة المهزولة ويقول: شاة بشاة, ويأخذ الدرهم الجيد ويطرح مكانه الزيف ويقول درهم بدرهم. وقوله "ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم" قال مجاهد وسعيد بن جبير ومقاتل بن حيان والسدي وسفيان بن حسين: أي لا تخلطوها فتأكلوها جميعاً. وقوله: "إنه كان حوباً كبيراً" قال ابن عباس: أي إثماً كبيراً عظيماً. وروى ابن مردويه عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله "حوباً كبيراً" قال: "إثماً كبيراً" ولكن في إسناده محمد بن يوسف الكديمي وهو ضعيف وروي هكذا عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وابن سيرين وقتادة ومقاتل بن حيان والضحاك وأبي مالك وزيد بن أسلم وأبي سنان مثل قول ابن عباس وفي الحديث المروي في سنن أبي داود "اغفر لنا حوبنا وخطايانا". وروى ابن مردويه بإسناده إلى واصل مولى أبي عيينة عن ابن سيرين عن ابن عباس, أن أبا أيوب طلق امرأته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا أيوب إن طلاق أم أيوب كان حوباً" قال ابن سيرين: الحوب الإثم, ثم قال ابن مردويه: حدثنا عبد الباقي حدثنا بشر بن موسى, حدثنا هوذة بن خليفة, حدثنا عوف عن أنس أن أبا أيوب أراد طلاق أم أيوب, فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن طلاق أم أيوب لحوب" فأمسكها, ثم روى ابن مردويه والحاكم في مستدركه من حديث علي بن عاصم عن حميد الطويل, سمعت أنس بن مالك أيضاً يقول: أراد أبو طلحة أن يطلق أم سليم امرأته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن طلاق أم سليم لحوب" فكف. والمعنى: إن أكلكم أموالهم مع أموالكم إثم عظيم وخطأ كبير فاجتنبوه. وقوله: " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى ", أي إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف أن لا يعطيها مهر مثلها فليعدل إلى ما سواها من النساء, فإنهن كثير ولم يضيق الله عليه. وقال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام عن ابن جريج, أخبرني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أن رجلاً كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عذق, وكان يمسكها عليه, ولم يكن لها من نفسه شيء فنزلت فيه " وإن خفتم أن لا تقسطوا " أحسبه قال: كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله. ثم قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله. حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى: " وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى ", قالت: يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها, فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره, فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا إليهن. ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق, وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن. قال عروة: قالت عائشة: وإن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الاية فأنزل الله "ويستفتونك في النساء", قالت عائشة: وقول الله في الاية الأخرى "وترغبون أن تنكحوهن" رغبة أحدكم عن يتيمته إذا كانت قليلة المال والجمال, فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال. وقوله: "مثنى وثلاث ورباع" أي انكحوا ما شئتم من النساء سواهن إن شاء أحدكم ثنتين وإن شاء ثلاثاً, وإن شاء أربعاً. كما قال الله تعالى: "جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع" أي منهم من له جناحان, ومنهم من له ثلاثة, ومنهم من له أربعة, ولا ينفي ما عدا ذلك في الملائكة لدلالة الدليل عليه, بخلاف قصر الرجال على أربع, فمن هذه الاية كما قال ابن عباس وجمهور العلماء, لأن المقام مقام امتنان وإباحة, فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره. قال الشافعي: وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة عن الله أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة, وهذا الذي قاله الشافعي رحمه الله مجمع عليه بين العلماء إلا ما حكي عن طائفة من الشيعة, أنه يجوز الجمع بين أكثر من أربع إلى تسع. وقال بعضهم: بلا حصر. وقد يتمسك بعضهم بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمعه بين أكثر من أربع إلى تسع كما ثبت في الصحيحين, وأما إحدى عشرة كما جاء في بعض ألفاظ البخاري: وقد علقه البخاري وقد روينا عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بخمس عشرة امرأة, ودخل منهن بثلاث عشرة, واجتمع عنده إحدى عشرة, ومات عن تسع. وهذا عند العلماء من خصائصه دون غيره من الأمة لما سنذكره من الأحاديث الدالة على الحصر في أربع, ولنذكر الأحاديث في ذلك, قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل ومحمد بن جعفر قالا: حدثنا معمر عن الزهري, قال ابن جعفر في حديثه: أنبأنا ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "اختر منهن أربعاً" فلما كان في عهد عمر طلق نساءه, وقسم ماله بين بنيه, فبلغ ذلك عمر فقال: إني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك فقذفه في نفسك, ولعلك لا تمكث إلا قليلا. وايم الله لتراجعن نساءك ولترجعن في مالك أو لأورثهن منك ولامرن بقبرك فيرجم كما رجم قبر أبي رغال. وهكذا رواه الشافعي والترمذي وابن ماجة والدارقطني والبيهقي وغيرهم, من طرق عن إسماعيل بن علية وغندر ويزيد بن زريع وسعيد بن أبي عروبة وسفيان الثوري وعيسى بن يونس, وعبد الرحمن بن محمد المحاربي, والفضل بن موسى وغيرهم من الحفاظ, عن معمر بإسناده مثله إلى قوله: "اختر منهن أربعاً" وباقي الحديث في قصة عمر من أفراد أحمد, وهي زيادة حسنة وهي مضعفة لما علل به البخاري هذا الحديث فيما حكاه عنه الترمذي حيث قال بعد روايته له سمعت البخاري يقول: هذا الحديث غير محفوظ. والصحيح ما روى شعيب وغيره عن الزهري. حدثت عن محمد بن سويد الثقفي أن غيلان بن سلمة ـ فذكره. قال البخاري: وإنما حديث الزهري عن سالم, عن أبيه أن رجلاً من ثقيف طلق نساءه فقال له عمر: لتراجعن نساءك أو لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغال. وهذا التعليل فيه نظر, والله أعلم ـ وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مرسلاً. وهكذا رواه مالك عن الزهري مرسلاً. قال أبو زرعة: وهو أصح. وقال البيهقي: ورواه عقيل عن الزهري: بلغنا عن عثمان بن محمد بن أبي سويد. وقال أبو حاتم: وهذا وهم إنما هو الزهري, عن محمد بن سويد. بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فذكره. قال البيهقي: ورواه يونس وابن عيينة عن الزهري عن محمد بن أبي سويد وهذا كما علله البخاري وهذا الإسناد الذي قدمناه من مسند الإمام أحمد, رجاله ثقات على شرط الشيخين ثم قد روي من غير طريق معمر بل والزهري. قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ, حدثنا أبو علي الحافظ, حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي, حدثنا أبو بريد عمرو بن يزيد الجرمي, أخبرنا سيف بن عبيد الله حدثنا سرار بن مجشر, عن أيوب, عن نافع وسالم, عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة كان عنده عشر نسوة فأسلم وأسلمن معه, فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعاً. هكذا أخرجه النسائي في سننه, قال أبو علي بن السكن: تفرد به سرار بن مجشر وهو ثقة. وكذا وثقه ابن معين قال أبو علي: وكذا رواه السميدع بن واهب عن سرار. قال البيهقي: وروينا من حديث قيس بن الحارث أو الحارث بن قيس, وعروة بن مسعود الثقفي وصفوان بن أمية يعني حديث غيلان بن سلمة. فوجه الدلالة أنه لو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لسوغ له رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرهن في بقاء العشرة وقد أسلمن معه فلما أمره بإمساك أربع وفراق سائرهن دل على أنه لا يجوز الجمع بين أكثر من أربع بحال, فإذا كان هذا في الدوام, ففي الاستئناف بطريق الأولى والأحرى, والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب, (حديث آخر في ذلك) روى أبو داود وابن ماجه في سننهما من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن حميضة بن الشمردل وعند ابن ماجه بنت الشمردل, حكى أبو داود أن منهم من يقول الشمرذل بالذال المعجمة عن قيس بن الحارث, وعند أبي داود في رواية الحارث بن قيس بن عميرة الأسدي قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اختر منهن أربعاً", وهذا الإسناد حسن: ومجرد هذا الاختلاف لا يضر مثله لما للحديث من الشواهد. (حديث آخر في ذلك) قال الشافعي في مسنده: أخبرني من سمع ابن أبي الزناد يقول أخبرني عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن عن عوف بن الحارث عن نوفل بن معاوية الديلي رضي الله عنه, قال: أسلمت وعندي خمس نسوة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اختر أربعاً أيتهن شئت وفارق الأخرى" فعمدت إلى أقدمهن صحبة عجوز عاقر معي منذ ستين سنة فطلقتها. فهذه كلها شواهد بصحة ما تقدم من حديث غيلان كما قاله البيهقي رحمه الله. وقوله: " فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ", أي فإن خشيتم من تعداد النساء أن لا تعدلوا بينهن, كما قال تعالى, " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم " فمن خاف من ذلك فليقتصر على واحدة أو على الجواري السراري فإنه لا يجب قسم بينهن, ولكن يستحب فمن فعل فحسن, ومن لا فلا حرج, وقوله: " ذلك أدنى أن لا تعولوا " قال بعضهم ذلك أدنى ألا تكثر عيالكم, قاله زيد بن أسلم وسفيان بن عيينة والشافعي رحمهم الله, وهو مأخوذ من قوله تعالى: "وإن خفتم عيلة" أي فقراً "فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء" وقال الشاعر:
فما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل
وتقول العرب: عال الرجل يعيل عيلة إذا افتقر ولكن في هذا التفسير ههنا نظر, فإنه كما يخشى كثرة العائلة من تعداد الحرائر كذلك يخشى من تعداد السراري أيضاً والصحيح قول الجمهور " ذلك أدنى أن لا تعولوا " أي لا تجوروا, يقال: عال في الحكم إذا قسط وظلم وجار, وقال أبو طالب في قصيدته المشهورة:
بميزان قسط لا يخيس شعيرة له شاهد من نفسه غير عائل
وقال هشيم عن أبي إسحاق قال: كتب عثمان بن عفان إلى أهل الكوفة في شيء عاتبوه فيه: إني لست بميزان لا أعول. رواه ابن جرير, وقد روى ابن أبي حاتم وأبو حاتم ابن مردويه وابن حبان في صحيحه من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم, حدثنا محمد بن شعيب عن عمر بن محمد بن زيد عن عبد الله بن عمر عن هشام بن عروة, عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ذلك أدنى أن لا تعولوا " قال: "لا تجوروا" قال ابن أبي حاتم: قال أبي, هذا حديث خطأ, والصحيح: عن عائشة موقوف, وقال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن عباس وعائشة ومجاهد وعكرمة والحسن وأبي مالك وأبي رزين والنخعي والشعبي والضحاك وعطاء الخراساني وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان أنهم قالوا: لا تميلوا, وقد استشهد عكرمة رحمه الله ببيت أبي طالب الذي قدمناه, ولكن ما أنشده كما هو المروي في السيرة, وقد رواه ابن جرير ثم أنشده جيداً واختار ذلك. وقوله تعالى: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة" قال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: النحلة المهر, وقال محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة: نحلة فريضة, وقال مقاتل وقتادة وابن جريج: نحلة أي فريضة. زاد ابن جريج: مسماة, وقال ابن زيد: النحلة في كلام العرب: الواجب, يقول: لا تنكحها إلا بشيء واجب لها, وليس ينبغي لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكح امرأة إلا بصداق واجب, ولا ينبغي أن يكون تسمية الصداق كذباً بغير حق, ومضمون كلامهم: أن الرجل يجب عليه دفع الصداق إلى المرأة حتماً, وأن يكون طيب النفس بذلك كما يمنع المنيحة ويعطي النحلة طيباً بها كذلك يجب أن يعطي المرأة صداقها طيباً بذلك فإن طابت هي له به بعد تسميته أو عن شيء منه فليأكله حلالاً طيباً, ولهذا قال: "فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً" قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان, حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن السدي عن يعقوب بن المغيرة بن شعبة عن علي قال: إذا اشتكى أحدكم شيئاً فليسأل امرأته ثلاثة دراهم أو نحو ذلك فليبتع بها عسلاً ثم ليأخذ ماء السماء فيجتمع هنيئاً مريئاً شفاء مباركاً. وقال هشيم عن سيار عن أبي صالح قال: كان الرجل إذا زوج ابنته أخذ صداقها دونها فنهاهم الله عن ذلك, ونزل "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة" رواه ابن أبي حاتم وابن جرير, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي, حدثنا وكيع عن سفيان عن عمير الخثعمي عن عبد الملك بن المغيرة الطائفي عن عبد الرحمن بن البيلماني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة" قالوا: يا رسول الله فما العلائق بينهم ؟ قال: "ما تراضى عليه أهلوهم" وقد روى ابن مردويه من طريق حجاج بن أرطأة عن عبد الملك بن المغيرة عن عبد الرحمن بن البيلماني عن عمر بن الخطاب قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أنكحوا الأيامى ـ ثلاثا ـ" فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله ما العلائق بينهم ؟ قال: "ماتراضى عليه أهلوهم" ابن البيلماني ضعيف ثم فيه انقطاع أيضاً.
قوله 2- "وآتوا اليتامى أموالهم" خطاب للأولياء والأوصياء. والإيتاء: الإعطاء. واليتيم: من لا أب له. وقد خصصه الشرع بمن لم يبلغ الحلم. وقد تقدم تفسير معناه في البقرة مستوفى، وأطلق اسم اليتيم عليهم عند إعطائهم أموالهم، مع أنهم لا يعطونها إلا بعد ارتفاع اسم اليتم بالبلوغ مجازاً باعتبار ما كانوا عليه، ويجوز أن يراد باليتامى المعنى الحقيقي، وبالإيتاء ما يدفعه الأولياء والأوصياء إليهم من النفقة والكسوة لا دفعها جميعها وهذه الآية مقيدة بالآية الأخرى وهي قوله تعالى "فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم" فلا يكون مجرد ارتفاع اليتم بالبلوغ مسوغاً لدفع أموالهم إليهم حتى يؤنس منهم الرشد. قوله "ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب" نهي لهم عن أن يصنعوا صنع الجاهلية في أموا اليتامى فإنهم كانوا يأخذون الطيب من أموال اليتامى ويعوضونه بالرديء من أموالهم ولا يرون بذلك بأساً، وقيل المعنى: لا تأكلوا أموا اليتامى وهي محرمة خبيثة وتدعوا الطيب من أموالكم. وقيل: المراد لا تتعجلوا أكل الخبيث من أموالهم وتدعوا انتظار الرزق الحلال من عند الله. والأول أولى، فإن تبدل الشيء بالشيء في اللغة أخذه مكانه وكذلك استبداله، ومنه قوله تعالى: "ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل" وقوله "أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير". وأما التبديل فقد يستعمل كذلك كما في قوله "وبدلناهم بجنتيهم جنتين" وأخرى بالعكس كما في قولك بدلت الحلقة بالخاتم: إذا أذبتها وجعلتها خاتماً، نص عليه الأزهري. قوله "ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم" ذهب جماعة من المفسرين إلى أن المنهي عنه في هذه الآية هو الخلط فيكون الفعل مضمناً معنى الضم: أي لا تأكلوا أموالهم مضمومة إلى أموالكم، ثم نسخ هذا بقوله تعالى "وإن تخالطوهم فإخوانكم" وقيل: إن إلى بمعنى مع كقوله تعالى "من أنصاري إلى الله". والأول أولى. والحوب: الإثم يقال: حاب الرجل يحوب حوباً: إذا أثم، وأصله الزجر للإبل، فسمي الإثم حوباً لأنه يزجر عنه. والحوبة: الحاجة. والحوب أيضاً: الوحشة، وفيه ثلاث لغات: ضم الحاء وهي قراءة الجمهور. وفتح الحاء وهي قراءة الحسن، قال الأخفش: وهي لغة تميم. والثالثة الحاب. وقرأ أبي بن كعب حاباً على المصدر كقال قالاً. والتحوب التحزن، ومنه قول طفيل:
فذوقوا كما ذقنا عداه يحجر من الغيظ في أكبادنا والتحوب
2-قوله تعالى:"وآتوا اليتامى أموالهم"، قال مقاتلوالكلبي : "نزلت في رجل من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم ، فلما بلغ اليتيم طلب المال فمنعه عمه فترافعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية ، فلما سمعها العم قال: أطعنا الله وأطعنا الرسول نعوذ بالله من الحوب الكبير، فدفع إليه ماله فقال النبي صلى الله عليه وسلم :من يوق شح نفسه ويطع ربه هكذا فإنه يحل داره، يعني: جنته، فلما قبض الفتى ماله أنفق في سبيل الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ثبت الأجر وبقي الوزر فقالوا: كيف بقي الوزر ؟ فقال: ثبت الأجر للغلام وبقي الوزر على والده".
وقوله "وآتوا" خطاب للأولياء والأوصياء، واليتامى: جمع يتيم، واليتيم : اسم لصغير لا أب له ولا جد وإنما يدفع المال إليهم بعد البلوغ ، وسماهم يتامى ها هنا على معنى انهم كانوا يتامى.
"ولا تتبدلوا" أي: لا تستبدلوا،" الخبيث بالطيب" ،أي: مالهم الذي هو حرام عليكم بالحلال من أموالكم ، واختلفوا في هذا التبدل ، قال سعيد بن المسيب والنخعي والسدي : كان أولياء اليتامى يأخذون الجيد من مال اليتيم ويجعلون مكانه الردئ فربما كان أحدهم يأخذ الشاه السمينة من مال اليتيم ويجعل مكانها المهزولة ، ويأخذ الدرهم الجيد ويجعل مكانه الزيف ، ويقول: درهم بدرهم ، فنهوا عن ذلك.
وقيل: كان أهل الجاهلية لا يورثون السناء والصبيان ويأخذ الأكبر الميراث، فنصيبه من الميراث طيب، وهذا الذي يأخذه خبيث، وقالمجاهد: لا تتعجل الرزق الحرام قبل أن يأتيك الحلال.
"ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم"، أي: مع أموالكم ، كقوله تعالى "من أنصاري إلى الله"أي: مع الله،" إنه كان حوباً كبيراً"أي: إثماً عظيماً.
2" وآتوا اليتامى أموالهم " أي إذا بلغوا، واليتامى جمع يتيم وهو الذي مات أبوه، من اليتم وهو الانفراد. ومنه الدرة اليتيمة، إما على أنه لما جرى مجرى الأسماء كفارس وصاحب جمع على يتائم، ثم قلب فقيل يتامى أو على أنه جمع على يتمي كأسرى لأنه من باب الآفات. ثم جمع يتمي على يتامى كأسرى وأسارى، والاشتقاق يقتضي وقوعه على الصغار والكبار، لكن العرف خصصه بمن لم يبلغ . وروده في الآية إما للبلغ على الأصل أو الاتساع لقرب عهدهم بالصغر، حثاً على أن يدفع إليهم أموالهم أول بلوغهم قبل أن يزول عنهم هذا الاسم إن أونس منهم الرشد، ولذلك أمر بابتلائهم صغاراً أو لغير البلغ والحكم مقيد كأنه قال، وآتوهم إذا بلغوا. ويؤيد الأول ما روي: أن رجلاً من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم فلما بلغ طلب المال منه فمنعه فنزلت. فلما سمعها العم قال: أطعنا الله رسوله نعوذ بالله من الحوب الكبير. " ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب " ولا تستبدلوا الحرام من أموالهم بالحلال من أموالكم، أو الأمر الخبيث وهو اختزال أموالهم بالأمر الطيب الذي هو حفظها. وقيل ولا تأخذوا الرفيع من أموالهم وتعطوا الخسيس مكانها، وهذا تبديل وليس بتبدل. " ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم " ولا تأكلوها مضمومة إلى أموالكم، أي لا تنفقوهما معاً ولا تسووا بينهما، وهذا حلال وذاك حرام وهو فيما زاد على قدر أجره لقوله تعالى: " فليأكل بالمعروف " " إنه " الضمير للأكل.
" كان حوبا كبيرا " ذنباً عظيماً. وقرئ حوباً وهو مصدر حاب " حوبا " وحابا كقال قولاً وقالاً.
2. Give unto orphans their wealth. Exchange not the good for the bad (in your management thereof) nor absorb their wealth into your own wealth. Lo! that would be a great sin.
2 - To orphans restore their property (when they reach their age), nor substitute (your) worthless things for (their) good ones; and devour not their substance (by mixing it up) with your own. for this is indeed a great sin.