[النساء : 161] وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
(وأخذهم الربا وقد نهوا عنه) في التوراة (وأكلهم أموال الناس بالباطل) بالرشا في الحكم (وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما) مؤلما
وقوله: "وأخذهم الربا"، وهو أخذهم ما أفضلوا على رؤوس أموالهم ، لفضل تأخير في الأجل بعد محلها، وقد بينت معنى "الربا" فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته.
"وقد نهوا عنه" يعني: عن أخذ الربا. وقوله: "وأكلهم أموال الناس بالباطل"، يعني ما كانوا يأخذون من الرشى على الحكم، كما وصفهم الله به في قوله: "وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون" [المائدة: 62]. وكان من أكلهم أموال الناس بالباطل ، ما كانوا يأخذون من أثمان الكتب التي كانوا يكتبونها بأيديهم، ثم يقولون: "هذا من عند الله" [البقرة: 79]، وما أشبه ذلك من المآكل الخسيسة الخبيثة. فعاقبهم الله على جميع ذلك ، بتحريمه ما حرم عليهم من الطيبات التي كانت لهم حلالاً قبل ذلك.
وإنما وصفهم الله بأنهم أكلوا ما أكلوا من أموال الناس كذلك بالباطل، لأنهم أكلوه بغير استحقاق ، وأخذوا أموالهم منهم بغير استيجاب.
وقوله: "وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما"، يعني: وجعلنا للكافرين بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من هؤلاء اليهود، العذاب الأليم -وهو الموجع- من عذاب جهنم عنده، يصلونها في الآخرة، إذا وردوا على ربهم، فيعاقبهم بها.
:" وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل " كله تفسير للظلم الذي تعاطوه وكذلك ما قبله من نقضهم الميثاق وما بعده وقد مضى في آل عمران أن اختلاف العلماء في سبب التحريم على ثلاثة أقوال هذا أحدها.
الثانية - قال ابن العربي: لا خلاف في مذهب مالك أن الكفار مخاطبون ، وقد بين الله في هذه الآية أنهم قد نهوا عن الربا وأكل الأموال بالباطل فإن كان ذلك خبرا عما نزل على محمد في القرآن وأنهم دخلوا في الخطاب فبها ونعمت وإن كان خبراً عما أنزل الله على موسى في التوراة، وأنهم بدلوا وحرفوا وعصوا وخالفوا فهل يجوز لنا معاملتهم والقوم قد أفسدوا أموالهم في دينهم أم لا ؟ فظننت طائفة أن معاملتهم لا تجوز، وذلك لما في أموالهم من هذا الفساد والصحيح جواز معاملتهم مع رباهم واقتحام ما حرم الله سبحانه عليهم فقد قام الدليل القاطع على ذلك قرآنا وسنة، قال الله تعالى:" وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " [ المائدة :5] وهذا نص وقد عامل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود .
ومات ودرعه مرهونة عند يهودي في شعير أخذه لعياله الحاسم لداء الشك والخلاف اتفاق الأمة على جواز التجارة مع أهل الحرب، وقد سافر النبي صل لله عليه وسلم إليهم تاجراً وذلك من سفره أمر قاطع على جواز السفر إليهم والتجارة معهم فإن قيل: كان ذلك قبل النبوة قلنا: إنه لم يتدنس قبل النبوة بحرام ثبت ذلك تواتراً ولا اعتذر عنه إذ بعث ولا منع منه إذ نبئ ولا قطعة أحد من الصحابة في حياته، ولا أحد من المسلمين بعد وفاته ‎، فقد كانوا يسافرون في فك الأسرى وذلك واجب، وفي الصلح كما أرسل عثمان وغيره، وقد يجب وقد يكون ندباً فأما السفر إليهم لمجرد التجارة فمباح .
يخبر تعالى أنه بسبب ظلم اليهود بما ارتكبوه من الذنوب العظيمة, حرم عليهم طيبات كان أحلها لهم, كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري, حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو, قال: قرأ ابن عباس: طيبات كانت أحلت لهم, وهذا التحريم قد يكون قدرياً بمعنى أنه تعالى قيضهم لأن تأولوا في كتابهم, وحرفوا وبدلوا أشياء كانت حلالاً لهم فحرموها على أنفسهم تشديداً منهم على أنفسهم وتضييقاً وتنطعاً, ويحتمل أن يكون شرعياً بمعنى أنه تعالى حرم عليهم في التوراة أشياء كانت حلالاً لهم قبل ذلك, كما قال تعالى: "كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة" وقد قدمنا الكلام على الاية, وأن المراد أن الجميع من الأطعمة كانت حلالاً لهم من قبل أن تنزل التوراة ما عدا ما كان حرم إسرائيل على نفسه من لحوم الإبل وألبانها, ثم إنه تعالى حرم أشياء كثيرة في التوراة كما قال في سورة الأنعام: "وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون" أي إنما حرمنا عليهم ذلك, لأنهم يستحقون ذلك بسبب بغيهم وطغيانهم ومخالفتهم رسولهم واختلافهم عليه, ولهذا قال: "فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيراً" أي صدوا الناس وصدوا أنفسهم عن اتباع الحق وهذه سجية لهم متصفون بها من قديم الدهر وحديثه, ولهذا كانوا أعداء الرسل وقتلوا خلقاً من الأنبياء, وكذبوا عيسى ومحمداً صلوات الله وسلامه عليهما.
وقوله: "وأخذهم الربا وقد نهوا عنه" أي أن الله قد نهاهم عن الربا فتناولوه وأخذوه واحتالوا عليه بأنواع من الحيل وصنوف من الشبه, وأكلوا أموال الناس بالباطل, قال تعالى: "وأعتدنا للكافرين منهم عذاباً أليماً", ثم قال تعالى: "لكن الراسخون في العلم منهم" أي الثابتون في الدين لهم قدم راسخة في العلم النافع. وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة آل عمران "والمؤمنون" عطف على الراسخين وخبره "يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك" قال ابن عباس: أنزلت في عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسد وزيد بن سعية وأسد بن عبيد, الذين دخلوا في الإسلام, وصدقوا بما أرسل الله به محمداً صلى الله عليه وسلم.
وقوله: "والمقيمين الصلاة" هكذا هو في جميع مصاحف الأئمة, وكذا هو في مصحف أبي بن كعب, وذكر ابن جرير أنها في مصحف ابن مسعود والمقيمون الصلاة, قال: والصحيح قراءة الجميع ثم رد على من زعم أن ذلك من غلط الكتاب, ثم ذكر اختلاف الناس فقال بعضهم: هو منصوب على المدح, كما جاء في قوله: "والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس" قال: وهذا سائغ في كلام العرب, كما قال الشاعر:
لا يبعدن قومي الذين همو سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكــــل معتـــــرك والطيبون معاقد الأزر
وقال آخرون: هو مخفوض عطفاً على قوله: "بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك" يعني وبالمقيمين الصلاة, وكأنه يقول: وبإقامة الصلاة أي يعترفون بوجوبها وكتابتها عليهم, أو أن المراد بالمقيمين الصلاة الملائكة وهذا اختيار ابن جرير, يعني يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالملائكة, وفي هذا نظر, والله أعلم. وقوله: "والمؤتون الزكاة" يحتمل أن يكون المراد زكاة الأموال, ويحتمل زكاة النفوس, ويحتمل الأمرين, والله أعلم, " والمؤمنون بالله واليوم الآخر " أي يصدقون بأنه لا إله إلا الله, ويؤمنون بالبعث بعد الموت, والجزاء على الأعمال خيرها وشرها. وقوله: "أولئك" هو الخبر عما تقدم "سنؤتيهم أجراً عظيماً" يعني الجنة.
161- "وأخذهم الربا وقد نهوا عنه" أي: معاملتهم فيما بينهم بالربا وأكلهم له وهو محرم عليهم "وأكلهم أموال الناس بالباطل" كالرشوة والسحت الذي كانوا يأخذونه.
161-"وأخذهم الربا وقد نهوا عنه"، في التوراة "وأكلهم أموال الناس بالباطل"، من الرشا في الحكم ، والمآكل التي يصيبونها من عوامهم ، عاقبناهم بان حرمنا عليهم طيبات ، فكانوا كلما تركبوا كبيرة حرم عليهم شيء من الطيبات التي كانت حلالً لهم ، قال الله تعالى"ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون"(الأنعام-146) "وأعتدنا للكافرين منهم عذاباً أليماً".
161" وأخذهم الربا وقد نهوا عنه " كان الربا محرماً عليهم كما هو محرم علينا، وفيه دليل على دلالة النهي للتحريم. " وأكلهم أموال الناس بالباطل " بالرشوة وسائر الوجوه المحرمة. " وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما " دون من تاب وآمن.
161. And of their taking usury when they were forbidden it, and of their devouring people's wealth by false pretences. We have prepared for those of them who disbelieve a painful doom.
161 - That they took usury, though they were forbidden; and that they devoured men's substance wrongfully; we have prepared for those among them who reject faith a grievous punishment.