[النساء : 16] وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا
(واللّذان) بتخفيف النون وتشديدها (يأتيانها) أي الفاحشة الزنا أو اللواط (منكم) أي الرجال (فآذوهما) بالسب والضرب بالنعال (فإن تابا) منها (وأصلحا) العمل (فأعرضوا عنهما) ولا تؤذوهما (إن الله كان توابا) على من تاب (رحيما) به ، وهذا منسوخ بالحد إن أريد بها الزنا وكذا إن أريد بها اللواط عند الشافعي لكن المفعول به لا يرجم عنده وإن كان محصنا بل يجلد ويغرب وإرادة اللواط أظهر بدليل تثنية الضمير والأول قال أراد الزاني والزانية ويرده تبيينهما بمن المتصلة بضمير الرجال واشتراكهما في الأذى والتوبة والإعراض وهو مخصوص بالرجال لما تقدم في النساء من الحبس
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله : "واللذان يأتيانها منكم"، والرجل والمرأة اللذان يأتيانها، يقول : يأتيان الفاحشة . و الهاء و الألف في قوله : "يأتيانها" عائدة على "الفاحشة" التي في قوله : "واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم". والمعنى : واللذان يأتيان منكم الفاحشة فآذوهما .
ثم اختلف أهل التأويل في المعنى بقوله : "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما".
فقال بعضهم : هما البكران اللذان لم يحصنا، وهما غير اللاتي عنين بالآية قبلها. وقالوا: قوله : "واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم"، معني به الثيبات المحصنات بالأزواج - وقوله : "واللذان يأتيانها منكم"، يعنى به البكران غير المحصنين.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط، عن السدي: ذكر الجواري والفتيان اللذين لم ينكحوا فقال : "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما".
حدثنا يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "واللذان يأتيانها منكم" البكرين، "فآذوهما".
وقال آخرون : بل عني بقوله : "واللذان يأتيانها منكم"، الرجلان الزانيان .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام الرفاعي قال ، حدثنا يحيى، عن ابن جريج ، عن مجاهد: "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما"، قال : الرجلان الفاعلان ، لا يكني .
حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "واللذان يأتيانها منكم"، الزانيان .
وقال آخرون : بل عني بذلك الرجل والمرأة، إلا أنه لم يقصد به بكر دون ثيب.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام الرفاعي قال ، حدثنا يحيى، عن ابن جريج، عن عطاء: "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما"، قال : الرجل والمرأة.
حدثنا محمد بن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا الحسين، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري قالا: "واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم"، إلى قوله : "أو يجعل الله لهن سبيلا"، فذكر الرجل بعد المرأة، ثم جمعهما جميعاً فقال : "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما".
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال عطاء وعبد الله بن كثير، قوله : "واللذان يأتيانها منكم"، قال، : هذه للرجل والمرأة جميعاً.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله : "واللذان يأتيانها منكم"، قول من قال: عني به البكران غير المحصنين إذا زنيا، وكان أحدهما رجلاً والآخر امرأة، لأنه لو كان مقصوداً بذلك قصد البيان عن حكم الزناة من الرجال ، كما كان مقصوداً بقوله : "واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم"، قصد البيان عن حكم الزواني ، لقيل : والذين يأتونها منكم فآذوهم، أو قيل : والذي يأتيها منكم، كما قيل في التي قبلها : "واللاتي يأتين الفاحشة"، فأخرج ذكرهن على الجميع ، ولم يقل : واللتان تأتيان الفاحشة.
وكذلك تفعل العرب إذا أرادت البيان على الوعيد على فعل أو الوعد عليه ، أخرجت أسماء أهله بذكر الجميع أو الواحد، وذلك أن الواحد يدل على جنسه ، ولا تخرجها بذكر اثنين . فتقول : الذين يفعلون كذا فلهم كذا، والذي يفعل كذا فله كذا، ولا تقول : اللذان يفعلان كذا فلهما كذا، إلا أن يكون فعلاً لا يكون إلا من شخصين مختلفين ، كالزنا لا يكون إلا من زان وزانية . فإذا كان ذلك كذلك قيل بذكر الاثنين ، يراد بذلك الفاعل والمفعول به . فأما أن يذكر بذكر الاثنين ، والمراد بذلك شخصان في فعل قد ينفرد كل واحد منهما به ، أو في فعل لا يكونان فيه مشتركين ، فذلك ما لا يعرف في كلامهما.
وإذ كان ذلك كذلك ، فبين فساد قول من قال : عني بقوله : "واللذان يأتيانها منكم"، الرجلان وصحة قول من قال : عني به الرجل والمرأة .
وإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أنهما غير اللواتي تقدم بيان حكمهن في قوله : "واللاتي يأتين الفاحشة"، لأن هذين اثنان ، وأولئك جماعة.
وإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الحبس كان للثيبات عقوبة حتى يتوفين من قبل أن يجعل لهن سبيلاً، لأنه أغلظ في العقوبة من الأذى الذي هو تعنيف وتوبيخ أو سب وتعيير، كما كان السبيل التي جعلت لهن من الرجم ، أغلظ من السبيل التي جعلت للأبكار من جلد المئة ونفي السنة.
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في الأذى الذي كان الله تعالى ذكره جعله عقوبة للذين يأتيان الفاحشة، من قبل أن يجعل لهما سبيلاً منه.
فقال بعضهم : ذلك الأذى، أذى بالقول واللسان ، كالتعيير والتوبيخ على ما أتيا من الفاحشة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: "فآذوهما"، قال : كانا يؤذيان بالقول جميعاً.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط، عن السدي: "فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما"، فكانت الجارية والفتى إذا زنيا يعنفان وبعيران حتى يتركا ذلك.
وقال آخرون : كان ذلك الأذى، أذى باللسان ، غير أنه كان سباً.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: "فآذوهما" ، يعني : سباً.
وقال آخرون : بل كان ذلك الأذى باللسان واليد .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله : "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما"، فكان الرجل إذا زنى أوذي بالتعيير وضرب بالنعال .
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره كان أمر المؤمنين بأذى الزانيين المذكورين ، إذا أتيا ذلك وهما من أهل الإسلام . و الأذى قد يقع لكل مكروه نال الإنسان ، من قول سيئ باللسان أو فعل . وليس في الآية بيان أي ذلك كان أمر به المؤمنون يومئذ، ولا خبر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من نقل الواحد ولا نقل الجماعة الموجب مجيئهما قطع العذر.
وأهل التأويل في ذلك مختلفون ، وجائز أن يكون ذلك أذى باللسان أو اليد، وجائز أن يكون كان أذى بهما. وليس في العلم بأي ذلك كان من أي نفع في دين ولا دنيا، ولا في الجهل به مضرة، إذ كان الله جل ثناؤه قد نسخ ذلك سن محكمه بما أوجب من الحكم على عباده فيهما وفي اللاتي قبلهما. فأما الذي أوجب من الحكم عليهم فيهما، فما أوجب في سورة النور: 2 بقوله : "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة". وأما الذي أوجب في اللاتي قبلهما، فالرجم الذي قضى به رسول الله في صلى الله عليه وسلم فيهما. وأجمع أهل التأويل جميعاً على أن الله تعالى ذكره قد جعل لأهل الفاحشة من الزناة والزواني سبيلاً بالحدود التي حكم بها فيهم.
وقال جماعة من أهل التأويل : إن الله سبحانه نسخ بقوله : "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة" [النور : 2]، قوله : "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما".
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما"، قال : كل ذلك نسخته الآية التي في النور بالحد المفروض.
حدثنا أبو هشام قال ، حدثني يحيى، عن ابن جريج، عن مجاهد: "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما" الآية ، قال : هذا نسخته الآية في سورة النور بالحد المفروض.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا أبو تميلة قال ، حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري قالا في قوله : "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما" الآية ، نسخ ذلك بآية الجلد فقال : "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة" [النور: 2].
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله : "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما"، فأنزل الله بعد هذا : "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة" [النور: 2]، فإن كانا محصنين رجما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط، عن السدي: "واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم" الآية، جاءت الحدود فنسختها.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول: نسخ الحد هذه الآية.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة: "فأمسكوهن في البيوت" الآية، قال : نسختها الحدود وقوله : "واللذان يأتيانها منكم"، نسختها الحدود.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما"، الآية، ثم نسخ هذا، وجعل السبيل لها إذا زنت وهي محصنة، رجمت وأخرجت ، وجعل السبيل للذكر جلد مائة.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله : "فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت"، قال : نسختها الحدود.
وأما قوله : فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما، فإنه يعني به جل ثناؤه : فإن تابا من الفاحشة التي أتيا فراجعا طاعة الله بينهما، "وأصلحا"، يقول : وأصلحا دينهما بمراجعة التوبة من فاحشتهما، والعمل بما يرضي الله ، "فأعرضوا عنهما"، يقول : فاصفحوا عنهما، وكفوا عنهما الأذى الذي كنت أمرتكم أن تؤذوهما به عقوبة لهما على ما أتيا من الفاحشة، ولا تؤذوهما بعد توبتهما.
وأما قوله : "إن الله كان توابا رحيما"، فإنه يعني : إن الله لم يزل راجعاً لعبيده إلى ما يحبون إذا هم راجعوا ما يحب منهم من طاعته ، "رحيما" بهم ، يعني : ذا رحمة ورأفة.
فيه سبع مسائل
الأولى- قوله تعالى :" اللذان" اللذان الذي، وكان القياس أن يقال: اللذيان كرحيان ومصفيان وشجيان قال سيبويه: حذفت الياء ليفرق بين الأسماء المتمكنة والأسماء المبهمات وقال أبو علي : حذفت الياء تخفيفاً إذ قد أمن اللبس في اللذان، لأن النون لا تنحذف، ونون التثنية في الأسماء المتمكنة قد تنحذف مع الإضافة في رحياك ومصطفيا القوم، فلو حذفت الياء لاشتبه المفرد بالاثنين. وقرأ ابن كثير اللذان بتشديد النون وهي لغة قريش وعلته أنه جعل التشديد عوضاً من ألف ذا على ما يأتي بيانه في سورة القصص عند قوله تعالى :" فذانك برهانان " [القصص:32] وفيها لغة أخرى اللذا بحذف النون هذا قول الكوفيين وقال البصريون: إنما حذفت النون لطول الاسم بالصلة. وكذلك قرأ هذان وفذانك برهانان بالتشديد فيهما والباقون بالتخفيف. وشدد أبو عمرو فذانك برهانان وحدها واللذان رفع بالابتداء قال سيبويه: المعنى وفيما يتلى عليكم اللذان يأتيانها أي الفاحشة منكم ودخلت الفاء في فآذوهما لأن في الكلام معنى الأمر، لأنه لما وصل الذي بالفعل تمكن فيه معنى الشرط إذا لا يقع عليه شيء بعينه فلما تمكن الشرط والإبهام فيه جرى مجرى الشرط فدخلت الفاء ولم يعلم فيه ما قبله من الإضمار كما لا يعمل في الشرط ما قبله فلما لم يحسن إضمار الفعل قبلهما لينصبا رفعا بالابتداء وهذا اختيار سيبويه ويجوز النصب على تقدير إضمار فعل وهو الاختيار إذا كان في الكلام معنى الأمر والنهي نحو قولك: اللذين عندك فأكرمهما.
الثانية- قوله تعالى :" فآذوهما" قال قتادة والسدي: معناه التوبيخ والتعبير وقالت فرقة: هو السب والجفاء دون تعيير. ابن عباس: النيل باللسان والضر بالنعال قال النحاس: وزعم قوم أنه منسوخ قلت: رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد قال " واللاتي يأتين الفاحشة" و" اللذان يأتيانها " كان في أول الأمر فنسختهما الآية التي في النور قاله النحاس. وقيل وهو أولى : إنه ليس بمنسوخ وأنه واجب أن يؤدبا بالتوبيخ فيقال لهما: فجرتما وفسقتما وخالفتما أمر الله عز وجل.
الثالثة- واختلف العلماء في تأويل قوله تعالى : واللاتي وقوله: واللذان فقال مجاهد وغيره : الآية الأولى في النساء عامة محصنات وغير محصنات، والآية الثانية في الرجال خاصة وبين لفظ التثنية صنفي الرجال من أحصن ومن لم يحصن فعقوبة النساء الحبس وعقوبة الرجال الأذى وهذا قول يقتضيه اللفظ، ويستوفي نص الكلام أنصاف الزناة، ويؤيده من جهة اللفظ قوله في الأولى: من نسائكم وفي الثانية منكم واختاره النحاس ورواه عن ابن عباس وقال السدي وقتادة وغيرهما: الأولى في السناء المحصنات يريد : ودخل معهن من أحصن من الرجال بالمعنى، والثانية في الرجل والمرأة البكرين قال ابن عطية: ومعنى هذا القول تام إلا أن لفظ الآية يقلق عنه. وقد رجحه الطبري وأباه النحاس وقال : تغليب المؤنث على المذكر بعيد لأنه لا يخرج الشيء إلى المجاز ومعناه صحيح في الحقيقة وقيل: كان الإمساك للمرأة الزانية دون الرجل، فخصت المرأة بالذكر في الإمساك ثم جمعا في الإيذاء قال قتادة: كانت المرأة تحبس ويؤذيان جميعاً، وهذا لأن الرجل يحتاج إلى السعي والاكتساب .
الرابعة- واختلف العلماء أيضاً في القول بمقتضى حديث عبادة الذي هو بيان لأحكام الزناة على ما بيناه: فقال بمقتضاه علي بن أبي طلاب لا اختلاف عنه في ذلك وأنه جلد شراحة الهمدانية مائة ورجمها بعد ذلك وقال : جلدتها بكتاب الله ورجمتها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بهذا القول الحسن البصري والحسن بن صالح بن حي وإسحاق وقال جماعة من العلماء : بل على الثيب الرجم بلا جلد وهذا يروى عن عمر وهو قول الزهري والنخعي ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد وأبي ثور متمسكين بأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزاً والغامدية ولم يجدلهما و"بقوله عليه السالم لأنيس:
اغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" ولم يذكر الجلد فلو كان مشروعاً لما سكت عنه قيل لهم: إنما سكت عنه لأنه ثابت بكتاب الله تعالى فليس يمتنع أن يسكت عنه لشهرته والتنصيص عليه في القرآن لأن قوله تعالى :" الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة "[النور:2] يعم جميع الزناة والله أعلم . ويبين هذا فعل علي بأخذه عن الخلفاء رضي الله عنهم ولم ينكر عليه فقيل له: عملت بالمنسوخ وتركت الناسخ وهذا واضح.
الخامسة- واختلفوا في نفي البكر مع الجلد، فالذي عليه الجمهور أنه ينفى مع الجلد قاله الخلفاء الراشدون: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وهو قول ابن عمر رضوان الله عليهم أجمعن وبه قال عطاء وطاوس وسفيان ومالك وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وقال بتركه حماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن والحجة للجمهور حديث عبادة المذكور وحديث أبي هريرة وزيد بن خالد حديث العسيف وفيه:
"فقال النبي صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله أما غنمك وجاريتك فرد عليك وجلد ابنه مائة وغربه عاماً" أخرجه الأئمة . احتج من لم ير نفيه.
بحديث أبي هريرة في الأمة ذكر فيه الجلد دون النهي وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: غرب عمر ربيعة بن أبي أمية بن خلف في الخمر إلى خيبر فلحق بهرقل فتنصر، فقال عمر: لا أغرب مسلماً بعد هذا قالوا: ولو كان التغريب حداً لله تعالى ما تركه عمر بعد ثم إن النص الذي في الكتاب إنما هو الجلد والزيادة على النص نسخ فيلزم عليه نسخ القاطع بخبر الواحد والجواب: أما حديث أبي هريرة فإنما هو في الإماء لا في الأحرار وقد صح عن عبيد الله بن عمر أنه ضرب أمته في الزنا ونفاها وأما حديث عمر وقوله: لا أغرب بعده مسلماً فيعني في الخمر - والله أعلم- لما "رواه نافع عن ابن عمر :
أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب وغرب وأن أبا بكر ضرب وغرب، وأن عمر ضرب وغرب" ، أخرجه الترمذي في جامعه، والنسائي في سننه عن أبي كريب محمد بن العلاء الهمداني عن عبد الله بن إدريس عن عبيد الله بن عمر عن نافع. قال الدارقطني تفرد به عبد الله بن إدريس ولم يسنده عنه أحد من الثقات غير أبي كريب، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم النفي فلا كلام لأحد معه، ومن خالفته السنة خاصمته. وبالله التوفيق.
وأما قولهم : الزيادة على النص نسخ، فليس بمسلم بل زيادة حكم آخر مع الأصل ثم هو قد زاد الوضوء بالنبيذ بخبر لم يصح على الماء واشترط الفقر في القربى إلى غير ذلك مما ليس منصوصاً عليه في القرآن. وقد مضى هذا المعنى في البقرة ويأتي.
السادسة- القائلون بالتغريب لم يختلفوا في تغريب الذكر الحر، واختلفوا في تغريب العبد والأمة فممن رأى التغريب فيهما ابن عمر جلد مملوكة له في الزنا ونفاها إلى فدك وبه قال الشافعي وأبو ثور والثوري والطبري وداود. واختلف قول الشافعي في نفي العبد، فمرة قال: استخير الله في نفي العبد ومرة قال: ينفى نصف سنة، ومرة قال : ينفى سنة إلى غير بدله، وبه قال الطبري: واختلف أيضاً قوله في نفي الأمة على قولين: قال مالك: ينفى الرجل ولا تنفى المرأة ولا العبد ومن نفي حبس في الموضع الذي ينفى إليه.وينفى من مصر إلى الحجاز وشغب وأسوان ونحوها، ومن المدينة إلى خيبر وفدك وكذلك فعل عمر بن عبد العزيز. ونفى علي من الكوفة إلى البصرة وقال الشافعي: أقل ذلك يوم وليلة قال ابن العربي: كان أصل النفي أن بني إسماعيل أجمع رأيهم على أن من أحدث حدثاً في الحرم غرب منه، فصارت سنة فيهم يدينون بها فلأجل ذلك استن الناس إذا أحدث أحد حدثا غرب عن بلده، وتمادى ذلك في الجاهلية إلى أن جاء الإسلام فأقره في الزنا خاصة. احتج من لم ير النفي على العبد بحديث أبي هريرة في الأمة ولأن تغريبه عقوبة لمالكة تمنعه من منافعه في مدة تغريبه، ولا يناسب ذلك تصرف الشرع، فلا يعاقب غير الجاني. وأيضاً فقد سقط عنه الجمعة والحج والجهاد الذي هو حق لله تعالى لأجل السيد فكذلك التغريب والله أعلم.
والمرأة إذا غربت ربما يكون ذلك سبباً لوقوعها فيما أخرجت من سببه وهو الفاحشة وفي الغريب سبب لكشف عورتها وتضييع لحالها ولأن الأصل منعها من الخروج من بيتها وإن صلاتها فيه أفضل و"قال صلى الله عليه وسلم :
اعروا النساء يلزمن الحجال" فحصل من هذا تخصيص عموم حديث التغريب بالمصلحة المشهود لها بالاعتبار وهو مختلف فيه عند الأصوليين والنظار وشذت طائفة فقالت : يجمع الجلد والرجم على الشيخ، ويجلد الشاب، تمسكاً بلفظ الشيخ في "حديث زيد بن ثابت أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" خرجه النسائي وهذا فاسد لأنه قد سماه في الحديث الآخر الثيب .
السابعة- قوله تعالى :" فإن تابا" أي من الفاحشة " وأصلحا " يعني العمل فيما بعد ذلك " فأعرضوا عنهما" أي تركوا أذاهما وتعييرهما. وإنما كان هذا قبل نزول الحدود.
فلما نزلت الحدود نسخت هذه الآية وليس المراد بالإعراض الهجرة ولكنها متاركة معرض، وفي ذلك احتقار لهم بسبب المعصية المتقدمة، وبحسب الجهالة في الآية الأخرى والله تواب أي راجع بعبادة عن المعاصي.
كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا ثبت زناها بالبينة العادلة, حبست في بيت فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت, ولهذا قال "واللاتي يأتين الفاحشة" يعني الزنا " من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا " فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك, قال ابن عباس رضي الله عنه: كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور, فنسخها بالجلد أو الرجم, وكذا روى عن عكرمة, وسعيد بن جبير والحسن وعطاء الخراساني وأبي صالح وقتادة وزيد بن أسلم والضحاك, أنها منسوخة, وهو أمر متفق عليه ـ قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا سعيد عن قتادة, عن الحسن, عن حطان بن عبد الله الرقاشي, عن عبادة بن الصامت, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي, أثر عليه, وكرب لذلك, وتربد وجهه, فأنزل الله عز وجل عليه ذات يوم, فلما سري عنه, قال: "خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً, الثيب بالثيب, والبكر بالبكر, الثيب جلد مائة ورجم بالحجارة, والبكر جلد مائة ثم نفي سنة", وقد رواه مسلم وأصحاب السنن من طرق عن قتادة, عن الحسن, عن حطان, عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه "خذوا عني خذوا عني, قد جعل الله لهن سبيلاً, البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام, والثيب بالثيب جلد مائة والرجم" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وهكذا رواه أبو داود الطيالسي عن مبارك ابن فضالة, عن الحسن, عن حطان بن عبد الله الرقاشي, عن عبادة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه الوحي, عرف ذلك في وجهه, فلما أنزلت "أو يجعل الله لهن سبيلاً" فلما ارتفع الوحي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خذوا خذوا قد جعل الله لهن سبيلا, البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة, والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة". وقد روى الإمام أحمد أيضاً هذا الحديث عن وكيع بن الجراح, حدثنا الفضل بن دلهم عن الحسن عن قبيصة بن حريث, عن سلمة بن المحبق, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خذوا عني خذوا عني, قد جعل الله لهن سبيلاً, البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة, والثيب بالثيب جلد مائة والرجم". وكذا رواه أبو داود مطولاً من حديث الفضل بن دلهم, ثم قال: وليس هو بالحافظ, كان قصاباً بواسط.
(حديث آخر) قال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا عباس بن حمدان, حدثنا أحمد بن داود حدثنا عمرو بن عبد الغفار, حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي, عن مسروق, عن أبي كعب, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "البكران يجلدان وينفيان, والثيبان يجلدان ويرجمان, والشيخان يرجمان" هذا حديث غريب من هذا الوجه ـ وروى الطبراني من طريق ابن لهيعة عن أخيه عيسى بن لهيعة, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: لما نزلت سورة النساء, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا حبس بعد سورة النساء". وقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى القول بمقتضى هذا الحديث, وهو الجمع بين الجلد والرجم في حق الثيب الزاني, وذهب الجمهور إلى أن الثيب الزاني إنما يرجم فقط من غير جلد, قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا والغامدية واليهوديين, ولم يجلدهم قبل ذلك, فدل على أن الرجم ليس بحتم, بل هو منسوخ على قولهم, والله أعلم وقوله تعالى: "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما" أي واللذان يأتيان الفاحشة فآذوهما, قال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير وغيرهما: أي بالشتم والتعيير والضرب بالنعال, وكان الحكم كذلك, حتى نسخه الله بالجلد أو الرجم, وقال عكرمة وعطاء والحسن وعبد الله بن كثير: نزلت في الرجل والمرأة إذا زنيا. وقال السدي: نزلت في الفتيان من قبل أن يتزوجوا. وقال مجاهد: نزلت في الرجلين إذا فعلا ـ لا يكنى, وكأنه يريد اللواط ـ والله أعلم, وقد روى أهل السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من رأيتموه يعمل عمل قوم لوط, فاقتلوا الفاعل والمفعول به". وقوله: "فإن تابا وأصلحا" أي أقلعا ونزعا عما كانا عليه وصلحت أعمالهما وحسنت, "فأعرضوا عنهما" أي لا تعنفوهما بكلام قبيح بعد ذلك, لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له "إن الله كان تواباً رحيماً". وقد ثبت في الصحيحين "إذا زنت أمة أحدكم, فليجلدها الحد ولا يثرب عليها" أي ثم لا يعيرها بما صنعت بعد الحد الذي هو كفارة لما صنعت.
قوله 16- "واللذان يأتيانها منكم" اللذان تثنية الذي، وكان القياس أن يقال اللذيان كرحيان. قال سيبويه: حذفت الياء ليفرق بين الأسماء الممكنة وبين الأسماء المبهمة. وقال أبو علي: حذفت الياء تخفيفاً. وقرأ ابن كثير "اللذان" بتشديد النون وهي لغة قريش، وفيه لغة أخرى وهي "اللذا" بحذف النون، وقرأ الباقون بتخفيف النون. قال سيبويه: المعنى وفيما يتلى عليكم اللذان يأتيانها: أي الفاحشة منكم، ودخلت الفاء في الجواب لأن في الكلام معنى الشرط. والمراد باللذان هنا الزاني والزانية تغليباً، وقيل: الآية الأولى في النساء خاصة محصنات وغير محصنات، والثانية في الرجال خاصة وجاء بلفظ التثنية لبيان صنفي الرجال من أحصن ومن لم يحصن فعقوبة النساء الحبس وعقوبة الرجال الأذى واختار هذا النحاس ورواه عن ابن عباس ورواه القرطبي عن مجاهد وغيره واستحسنه. وقال السدي وقتادة وغيرهما الآية الأولى في النساء المحصنات ويدخل معهن الرجال المحصنون، والآية الثانية في الرجل والمرأة البكرين، ورجحه الطبري وضعفه النحاس وقال: تغليب المؤنث على المذكر بعيد. وقال ابن عطية: إن معنى هذا القول تام إلا أن لفظ الآية يقلق عنه، وقيل: كان الإمساك للمرأة الزانية دون الرجل فخصت المرأة بالذكر في الإمساك ثم جمعا في الإيذاء قال قتادة: كانت المراة تحبس ويؤذيان جميعاً. واختلف المفسرون في تفسير الأذى، فقيل: التوبيخ والتعيير، وقيل: السب والجفاء من دون تعيير، وقيل: النيل باللسان والضرب بالنعال، وقد ذهب قوم إلى أن الأذى منسوخ كالحبس، وقيل: ليس بمنسوخ كما تقدم في الحبس. قوله "فإن تابا" أي: من الفاحشة "وأصلحا" العمل فيما بعد "فأعرضوا عنهما" أي: اتركوهما وكفوا عنهما الأذى، وهذا كان قبل نزول الحدود على ما تقدم من الخلاف.
16-قوله تعالى:"واللذان يأتيانها منكم"،يعني: الرجل والمرأة ،والهاء راجعة إلى الفاحشة ، قرأ ابن كثير اللذان ، واللذين ، وهاتان، وهذان مشددة النون للتأكيد، ووافقه أهل البصرة في (فذانك) والآخرون بالتخفيف، قال أبو عبيد : خص أبو عمرو (فذانك) بالتشديد لقلة الحروف في الاسم "فآذوهما"قالعطاءوقتادة: فعيروهما باللسان: أما خفت الله؟ أما استحييت من الله حيث زنيت؟ قا ل ابن عباس رضي الله عنهما: سبوهما واشتموهما، قال ابن عباس: هو باللسان واليد يؤذى بالتعيير وضرب النعال.
فإن قيل: ذكر الحبس في الآية الأولى وذكر في هذه الآية الإيذاء ، فكيف وجه الجمع؟
قيل: الآية الأولى في النساء وهذه في الرجال ،وهو قول مجاهد، وقيل: الآية الأولى في الثيب وهذه في البكر.
"فإن تابا"، من الفاحشة"وأصلحا" ، العمل فيما بعد،"فأعرضوا عنهما"، فلا تؤذوهما ، "إن الله كان تواباً رحيماً".
وهذا كله كان قبل نزول الحدود ، فنسخت بالجد والرجم، فالجلد في القرآن قال الله تعالى:"الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة" (النور-2) والرجم في السنة.أخبرناأبو الحسن محمد بن محمد السرخسيأخبرناأبو علي زاهر بن احمد السرخسيأناأبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عنمالك عن ابن شهاب عنعبيد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما أنهما أخبراه" أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: اقض يا رسول الله بيننا بكتاب الله ، وقال الآخر وكان أفقههما:أجل يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي أن أتكلم ، قال: تكلم ، قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا ، فزنى بامرأته فأخبروني أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي ، ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب سنة ، وإنما الرجم على امرأته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ، أما غنمك وجاريتك فرد عليك،وجلد ابنه مائة وغربه عاماً، وأمر أنيس الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمهافاعترفت فرجمها".
أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي أناأحمد بن عبد الله النعيميأنا محمد بن يوسف،أخبرنا ابن إسماعيل،أخبرناعبد العزيز بن عبد الله ،حدثنيإبراهيم بن سعد عنصالح عنابن شهاب عن عبيد بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال: قال عمر رضي الله عنه إن الله تعالى بعث محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان مما انزل الله تعالى آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله تعالى ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى والرجم في كتاب الله تعالى حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف.
وجملة حد الزنا: أن الزاني إذا كان محصناً- وهو الذي اجتمع فيه أربعة أوصاف: العقل والبلوغ والحرية والإصابة بالنكاح الصحيح- فحده الرجم، مسلماً كان أو ذمياً ، وهو المراد من الثيب المذكور في الحديث ، وذهب أصحاب الرأي إلى أن الإسلام من شرائط الإحصان، ولا يرجم الذمي ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم يهوديين زنيا، وكانا قد أحصنا.
وإن كان الزاني غير محصن بأن لم تجتمع فيه هذه الأوصاف نظر:إن كان غير بالغ أو كان مجنوناً فلا حد عليه ، وإن كان حراً عاقلاً بالغاً، غير أنه لم يصب بنكاح صحيح فعليه جلد مائة وتغريب عام، وإن كان عبداً فعليه جلد خمسين، وفي تغريبه قولان،إن قلنا يغرب فيه قولان ، أصحهما نصف سنة ، كما يجلد خمسين على نصف حد الحر.
16" واللذان يأتيانها منكم " يعني الزانية والزاني. وقرأ ابن كثير " واللذان " بتشديد النون وتمكين مد الألف، والباقون بالتخفيف من غير تمكين. " فآذوهما " بالتوبيخ والتقريع، وقيل بالتعيير والجلد. " فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما " فاقطعوا عنهما الإيذاء، أو أعرضوا عنهما بالإغماض والستر. " إن الله كان توابا رحيما " علة الأمر بالإعراض وترك المذمة. قيل هذه الآية سابقة على الأولى نزولاً وكان عقوبة الزنى الأذى ثم الحبس ثم الجلد. وقيل الأولى في السحاقات وهذه في اللواطين، والزانية والزاني في الزناة.
16. And as for the two of you who are guilty thereof, punish them both. And if they repent and improve, then let them be. Lo! Allah is Relenting, Merciful.
16 - If two among you are guilty of lewdness, punish them both. if they repent and amend, leave them alone; for God is oft returning, most merciful.