[النساء : 147] مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا
(ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم) نعمه (وآمنتم) به والاستفهام بمعنى النفي أي لا يعذبكم (وكان الله شاكرا) لأعمال المؤمنين بالإثابة (عليما) بخلقه
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله : "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم"، ما يصنع الله ، أيها المنافقون ، بعذابكم ، إن أنتم تبتم إلى الله ورجعتم إلى الحق الواجب لله عليكم ، فشكرتموه على ما أنعم عليكم من نعمه في أنفسكم وأهاليكم وأولادكم ، بالإنابة إلى توحيده ، والاعتصام به ، وإخلاصكم أعمالكم لوجهه ، وترك رياء الناس بها، وآمنتم برسوله محمد صلى الله عليه وسلم فصدقتموه ، وأقررتم بما جاءكم به من عنده فعملتم به؟.
يقول : لا حاجة بالله أن يجعلكم في الدرك الأسفل من النار، إن أنتم أنبتم إلى طاعته وراجعتم العمل بما أمركم به ، وترك ما نهاكم عنه ، لأنه لا يجتلب بعذابكم إلى نفسه نفعاً، ولا يدفع عنها ضراً، وإنما عقوبته من عاقب من خلقه ، جزاء منه له على جراءته عليه ، وعلى خلافه أمره ونهيه ، وكفرانه شكر نعمه عليه . فإن أنتم شكرتم له على نعمه ، وأطعتموه في أمره ونهيه ، فلا حاجة به إلى تعذيبكم ، بل يشكر لكم ما يكون منكم من طاعة له وشكر، بمجازاتكم على ذلك بما تقصر عنه أمانيكم ، ولم تبلغه آمالكم ، "وكان الله شاكرا" لكم ولعباده على طاعتهم إياه بإجزاله لهم الثواب عليها، وإعظامه لهم العوض منها، "عليما" بما تعملون ، أيها المنافقون ، وغيركم من خير وشر، وصالح وطالح ، محص ذلك كله عليكم ، محيط بجميعه ، حتى يجازيكم جزاءكم يوم القيامة، المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته . وقد:
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما"، قال : إن الله جل ثناؤه لا يعذب شاكراً ولا مؤمناً.
استفهام بمعنى التقرير للمنافقين التقدير أي منفعة له في عذابكم إن شكرتم وآمنتم، فنبه تعالى أنه لا يعذب الشاكر المؤمن وأن تعذيبه عباده لا يزيد في ملكه وتركه عقوبتهم على فعلهم لا ينقص من سلطانه وقال مكحول: أربع من كن فيه كن له وثلاث من كن فيه كن عليه فالأربع اللاتي له : فالشكر والإيمان والدعاء والاستغفار قال الله تعالى : " ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم " وقال الله تعالى : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " [ الأنفال: 33] وقال تعالى : " قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم " [ الفرقان : 77] وأما الثلاث اللاتي عليه : فالمنكر والبغي والنكث قال الله تعالى : " فمن نكث فإنما ينكث على نفسه " [الفتح : 10] وقال تعالى : " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله " [ فاطر : 43] وقال تعالى : " إنما بغيكم على أنفسكم " [ يونس: 23] "وكان الله شاكرا عليما " أي يشكر عباده على طاعته ومعنى يشكرهم يثيبهم فيتقبل العمل القليل ويعطي عليه الثواب الجزيل، وذلك شكر منه على عبادته، والشكر في اللغة الظهور، يقال: دابة شكور إذا أظهرت من السمن فوق ما تعطى من العلف، وقد تقدم هذا المعنى مستوفى والعرب تقول في المثل أشكر من بروقة لأنها يقال : تخضر وتنضر بظل السحاب دون مطر والله أعلم .
ينهى الله تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين يعني مصاحبتهم ومصادقتهم, ومناصحتهم وإسرار المودة إليهم, وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم, كما قال تعالى: "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه" أي يحذركم عقوبته في ارتكابكم نهيه, ولهذا قال ههنا: "أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً" أي حجة عليكم في عقوبته إياكم. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا مالك بن إسماعيل, حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار, عن عكرمة, عن ابن عباس قوله: "سلطاناً مبيناً" قال كل سلطان في القرآن حجة, وهذا إسناد صحيح, وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب القرظي والضحاك والسدي والنضر بن عربي.
ثم أخبرنا تعالى "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار" أي يوم القيامة جزاء على كفرهم الغليظ. قال الوالبي عن ابن عباس "في الدرك الأسفل من النار" أي في أسفل النار, وقال غيره: النار دركات كما أن الجنة درجات, وقال سفيان الثوري عن عاصم, عن ذكوان أبي صالح, عن أبي هريرة "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار" قال في توابيت ترتج عليهم: كذا رواه ابن جرير عن ابن وكيع, عن يحيى بن يمان, عن سفيان الثوري به. ورواه ابن أبي حاتم عن المنذر بن شاذان, عن عبيد الله بن موسى, عن إسرائيل, عن عاصم, عن أبي صالح, عن أبي هريرة, "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار" قال: الدرك الأسفل بيوت لها أبواب تطبق عليهم, فتوقد من تحتهم ومن فوقهم. قال ابن جرير: حدثنا ابن بشار, حدثنا عبد الرحمن, حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل, عن خيثمة, عن عبد الله يعني ابن مسعود "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار" قال: في توابيت من نار تطبق عليهم أي مغلقة مقفلة, ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج, عن وكيع, عن سفيان, عن سلمة, عن خيثمة, عن ابن مسعود "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار" قال: في توابيت من حديد مبهمة عليهم, ومعنى قوله: مبهمة, أي مغلقة مقفلة لا يهتدى لمكان فتحها.
وروى ابن أبي حاتم, حدثنا أبي, حدثنا أبو سلمة, حدثنا حماد بن سلمة, أخبرنا علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن أن ابن مسعود سئل عن المنافقين, فقال: يجعلون في توابيت من نار تطبق عليهم في أسفل درك من النار "ولن تجد لهم نصيراً" أي ينقذهم مما هم فيه ويخرجهم من أليم العذاب, ثم أخبر تعالى أن من تاب منهم في الدنيا, تاب عليه وقبل ندمه إذا أخلص في توبته وأصلح عمله, واعتصم بربه في جميع أمره, فقال تعالى: "إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله" أي بدلوا الرياء بالإخلاص فينفعهم العمل الصالح وإن قل, قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قراءة, أنبأنا ابن وهب, أخبرني يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر, عن خالد بن أبي عمران, عن عمران عن عمرو بن مرة, عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أخلص دينك يكفك القليل من العمل". "فأولئك مع المؤمنين" أي في زمرتهم يوم القيامة " وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما " ثم قال تعالى مخبراً عن غناه عما سواه, وأنه إنما يعذب العباد بذنوبهم فقال تعالى: "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم" أي أصلحتم العمل وآمنتم بالله ورسوله "وكان الله شاكراً عليماً" أي من شكر شكر له, ومن آمن قلبه به علمه وجازاه على ذلك أوفر الجزاء.
قوله 147- "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم" هذه الجملة متضمنة لبيان أنه لا غرض له سبحانه في التعذيب إلا مجرد المجازاة للعصاة. والمعنى: أي منفعة له في عذابكم إن شكرتم وآمنتم، فإن ذلك لا يزيد في ملكه كما أن ترك عذابكم لا ينقص من سلطانه "وكان الله شاكراً عليماً" أي: يشكر عباده على طاعته فيثيبهم عليها ويتقبلها منهم. والشكر في اللغة: الظهور، يقال شكور: إذا ظهر من سمنها فوق ما تعطى من العلف.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن الحسن في قوله "إن المنافقين يخادعون الله" الآية، قال: يلقي على مؤمن ومنافق نور يمشون به يوم القيامة حتى إذا انتهوا إلى الصراط طفئ نور المنافقين ومضى المؤمنون بنورهم فتلك خديعة الله إياهم. وأخرج ابن جرير عن السدي نحوه. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد وسعيد بن جبير نحوه أيضاً، ولا أدري من أين جاء لهم هذا التفسير، فإن مثله لا ينقل إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في الآية قال: نزلت في عبد الله بن أبي وأبي عامر بن النعمان. وقد ورد في الأحاديث الصحيحة وصف صلاة المنافق، وأنه يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرها أربعاً لا يذكر فيها إلا قليلاً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله "مذبذبين بين ذلك" قال: هم المنافقون "لا إلى هؤلاء" يقول: لا إلى أصحاب محمد "ولا إلى هؤلاء" اليهود، وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن مثل المنافق مثل الشاة الغائرة بين الغنمين تغير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة فلا تدري أيهما تتبع؟". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله "أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً" قال: إن الله السلطان على خلقه ولكنه يقول عذراً مبيناً. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: كل سلطان في القرآن فهو حجة والله سبحانه أعلم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود في قوله "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار" قال: في توابيت من حديد مقفلة عليهم، وفي لفظ مبهمة عليهم: أي مغلقة لا يهتدى لمكان فتحها. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي هريرة نحوه. وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن مسعود نحوه أيضاً. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم" الآية، قال: إن الله لا يعذب شاكراً ولا مؤمناً.
147-قوله تعالى:" ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم "، أي: إن شكرتم نعماءه "وآمنتم" به ، فيه تقديم وتأخير ، تقديره :إن آمنتم وشكرتم،لأن الشكر لا ينفع مع عدم الإيمان ، وهذا استفهام بمعنى التقرير معناه:إنه لا يعذب المؤمن لا شاكر، فإن تعذيبه عباده لا يزيد في ملكه ، وتركه عقوبتهم على فعلهم لا ينقص من سلطانه ، والشكر : ضد الكفر والكفر ستر النعمة، والشكر : إظهارها،"وكان الله شاكراً عليماً"، فالشكر من الله تعالى هو الرضى بالقليل من عبادة وإضعاف الثواب عليه والشكر من العبد: الطاعة ، ومن الله: الثواب.
147" ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم " أيتشفى به غيظاً أو يدفع به ضرراً أو يستجلب به نفعاً وهو الغني المتعالي عن النفع والضرر، وإنما يعاقب المصر بكفره لأن إصراره عليه كسوء مزاج يؤدي إلى مرض فإذا أزاله بالإيمان والشكر -ونفى نفسه عنه- تخلص من تبعته، وإنما قدم الشكر لأن الناظر يدرك النعمة أولاً فيشكر شكراً مبهماً، ثم يمعن النظر حتى يعرف المنعم فيؤمن به. " وكان الله شاكرا " مثيباً يقبل اليسير ويعطي الجزيل. " عليما " بحق شكركم وإيمانكم.
147. What concern hath Allah for your punishment if ye are thankful (for His mercies) and believe (in Him)? Allah was ever Responsive, Aware.
147 - What can God gain by your punishment, if ye are grateful and ye believe? nay, it is God that recogniseth (all good), and knoweth all things.