[النساء : 138] بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
(بشر) أخبر يا محمد (المنافقين بأن لهم عذابا أليما) مؤلما هو عذاب النار
قال أبو جعفر: يعني بقوله ، جل ثناؤه : "بشر المنافقين"، أخبر المنافقين.
وقد بينا معنى التبشير فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
"بأن لهم عذابا أليما"، يعني : بأن لهم يوم القيامة من الله على نفاقهم ، "عذابا أليما"، وهو الموجع ، وذلك عذاب جهنم.
التبشير الإخبار بما ظهر أثره على البشرة، وقد تقدم بيانه في البقرة ومعنى النفاق.
يخبر تعالى عمن دخل في الإيمان, ثم رجع عنه, ثم عاد فيه, ثم رجع واستمر على ضلاله وازداد حتى مات, فإنه لا توبة بعد موته ولا يغفر الله له ولا يجعل له مما هو فيه فرجاً ولا مخرجاً ولا طريقاً إلى الهدى, ولهذا قال: "لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً". قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أحمد بن عبدة, حدثنا حفص بن جميع عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس في قوله تعالى: "ثم ازدادوا كفراً" قال: تمادوا على كفرهم حتى ماتوا, وكذا قال مجاهد. وروى ابن أبي حاتم من طريق جابر المعلى عن عامر الشعبي, عن علي رضي الله عنه, أنه قال: يستتاب المرتد ثلاثاً, ثم تلا هذه الاية "إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً", ثم قال: "بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً" يعني أن المنافقين من هذه الصفة, فإنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم, ثم وصفهم بأنهم يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين, بمعنى أنهم معهم في الحقيقة يوالونهم ويسرون إليهم بالمودة, ويقولون لهم إذا خلوا بهم: إنما نحن معكم, إنما نحن مستهزئون, أي بالمؤمنين, في إظهارنا لهم الموافقة, قال الله تعالى منكراً عليهم فيما سلكوه من موالاة الكافرين "أيبتغون عندهم العزة", ثم أخبر الله تعالى بأن العزة كلها له وحده لا شريك له ولمن جعلها له, كما قال تعالى في الاية الأخرى "من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً". وقال تعالى: "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون", والمقصود من هذا التهييج على طلب العزة من جناب الله والإقبال على عبوديته والانتظام في جملة عباده المؤمنين الذين لهم النصرة في الحياة الدنيا, ويوم يقوم الأشهاد, ويناسب هنا أن نذكر الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد, حدثنا أبو بكر بن عياش بن حميد الكندي, عن عبادة بن نسيء, عن أبي ريحانه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من انتسب إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزاً وفخراً, فهو عاشرهم في النار" تفرد به أحمد, وأبو ريحانة هذا هو أزدي, ويقال أنصاري, واسمه شمعون, بالمعجمة, فيما قاله البخاري, وقال غيره: بالمهملة, والله أعلم.
وقوله: "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم", أي إنكم إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله ويستهزأ وينتقص بها وأقررتموهم على ذلك, فقد شاركتموهم في الذي هم فيه, فلهذا قال تعالى: "إنكم إذاً مثلهم" في المأثم, كما جاء في الحديث "من كان يؤمن بالله واليوم الاخر, فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر" والذي أحيل عليه في هذه الاية من النهي في ذلك هو قوله تعالى في سورة الأنعام, وهي مكية "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم" الاية, قال مقاتل بن حيان: نسخت هذه الاية التي في سورة الأنعام, يعني نسخ قوله: " إنكم إذا مثلهم " لقوله " وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون ". وقوله: "إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً" أي كما أشركوهم في الكفر كذلك يشارك الله بينهم في الخلود في نار جهنم أبداً ويجمع بينهم في دار العقوبة والنكال والقيود والأغلال وشراب الحميم والغسلين لا الزلال.
قوله 138- "بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً" إطلاق البشارة على ما هو شر خالص لهم تهكم بهم وقد مر تحقيقه.
138-"بشر المنافقين"، اخبرهم يا محمد،"بأن لهم عذاباً أليماً"، والشارة: كل خبر يتغير به بشرة الوجه ساراً كان أو غير سار، وقال الزجاج : معناه اجعل في موضع بشارتك له العذاب، كما تقول العرب: تحيتك الضرب وعتابك السيف،أي: [بدلاً لك]من التحية ،ثم وصف المنافقين فقال:
138" بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما " يدل على أن الآية في المنافقين وهم قد آمنوا في الظاهر وكفروا في السر مرة بعد أخرى ثم ازدادوا بالإصرار على النفاق وإفساد الأمر على المؤمنين، ووضع " بشر " مكان أنذر تهكم بهم.
138. Bear unto the hypocrites the tidings that for them there is a painful doom;
138 - To the hypocrites give the glad tidings that there is for them (but) a grievous penalty;