[النساء : 110] وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا
(ومن يعمل سوء) ذنبا يسوء به غيره كرمي طعمة اليهودي (أو يظلم نفسه) يعمل ذنبا قاصرا عليه (ثم يستغفر الله) منه أي يتب (يجد الله غفورا) له (رحيما) به
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : ومن يعمل ذنباً، وهو السوء، "أو يظلم نفسه"، بإكسابه إياها ما يستحق به عقوبة الله ، "ثم يستغفر الله"، يقول : ثم يتوب إلى الله بإنابته مما عمل من السوء وظلم نفسه ، ومراجعته ما يحبه الله من الأعمال الصالحة التي تمحو ذنبه وتذهب جرمه ، "يجد الله غفورا رحيما"، يقول : يجد ربه ساتراً عليه ذنبه بصفحه له عن عقوبة جرمه ، رحيماً به.
واختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية .
فقال بعضهم : عني بها الذين وصفهم الله بالخيانة بقوله : "ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم".
وقال آخرون : بل عني بها الذين كانوا يجادلون عن الخائنين ، الذين قال الله لهم : "ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا"، وقد ذكرنا قائلي القولين كليهما فيما مضى.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا: أنه عني بها كل من عمل سوءاً أو ظلم نفسه ، وإن كانت نزلت فى أمر الخائنين والمجادلين عنهم الذين ذكر الله أمرهم في الآيات قبلها .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن المثنى قال ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة، عن عاصم ، عن أبي وائل قال ، قال عبد الله : كانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم ذنباً أصبح قد كتب كفارة ذلك الذنب على بابه . لاذا أصاب البول شيئاً منه ، قرضه بالمقراض . فقال رجل : لقد آتى الله بني إسرائيل خيراً! فقال عبد الله : ما آتاكم الله خير مما آتاهم ، جعل الله الماء لكم طهوراً وقال : "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم" [آل عمران : 135]، وقال : "ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما".
حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، حدثنا ابن عون ، عن حبيب بن أبي ثابت قال : جاءت امرأة إلى عبد الله بن مغفل ، فسألته عن امرأة فجرت فحبلت ، فلما ولدت قتلت ولدها؟ فقال ابن مغفل : ما لها؟ لها النار! فانصرفت وهي تبكي ، فدعاها ثم قال : ما أرى أمرك إلا أحد أمرين : "من يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما"، قال : فمسحت عينها ثم مضت.
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما"، قال : أخبر الله عباده بحلمه وعفوه وكرمه ، وسعة رحمته ومغفرته ، فمن أذنب ذنبا صغيرا كان أو كبيرا، ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً، ولو كانت ذنوبه أعظم من السماوات والأرض والجبال.
قال ابن عباس: عرض الله التوبة على بني أبيرق بهذه الآية، أي " ومن يعمل سوءا" بأن يسرق " أو يظلم نفسه " بأن يشرك" ثم يستغفر الله " يعني بالتوبة فإن الاستغفار باللسان من غير توبة لا ينفع، وقد بيناه في آل عمران وقال الضحاك: نزلت الآية في شأن وحشي قاتل حمزة أشرك بالله وقتل حمزة، ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إني لنادم فهل لي من توبة ؟ فنزل: " ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه " الآية وقيل : المراد بهذه الآية العموم والشمول لجميع الخلق ن وروى سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود وعلقمة قالا: قال عبد الله بن مسعود من قرأ هاتين الآيتين من سورة النساء ثم استغفر غفر له : " ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما" " ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما" وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: كنت إذا سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعني الله به ما شاء وإذا سمعته من غير حلفته، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر : قال :
ما بين عبد الله يذنب ثم يتوضأ ويصلي ركعتين ويستغفر الله إلا غفر له ثم تلا هذه الآية " ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما".
يخبر تعالى عن كرمه وجوده أن كل من تاب إليه, تاب عليه من أي ذنب كان. فقال تعالى: "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً" قال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس أنه قال في هذه الاية: أخبر الله عباده بعفوه وحلمه وكرمه, وسعة رحمته, ومغفرته فمن أذنب ذنباً صغيراً كان أو كبيراً "ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً" ولو كانت ذنوبه أعظم من السموات والأرض والجبال, رواه ابن جرير, وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا محمد بن مثنى, حدثنا محمد بن أبي عدي, حدثنا شعبة عن عاصم عن أبي وائل, قال: قال عبد الله: كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم ذنباً أصبح قد كتب كفارة ذلك الذنب على بابه, وإذا أصاب البول منه شيئاً قرضه بالمقراض فقال رجل: لقد آتى الله بني إسرائيل خيراً, فقال عبد الله رضي الله عنه: ما آتاكم الله خير مما آتاهم, جعل الماء لكم طهوراً, وقال تعالى: "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم", وقال: "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً", وقال أيضاً: حدثني يعقوب, حدثنا هشيم عن ابن عون, عن حبيب بن أبي ثابت, قال: جاءت امرأة إلى عبد الله بن مغفل فسألته عن امرأة فجرت فحبلت, فلما ولدت قتلت ولدها, قال عبد الله بن مغفل: لها النار, فانصرفت وهي تبكي فدعاها ثم قال: ما أرى أمرك إلا أحد أمرين "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً" قال: فمسحت عينها ثم مضت.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا شعبة عن عثمان بن المغيرة, قال: سمعت علي بن ربيعة من بني أسد يحدث عن أسماء أو ابن أسماء من بني فزارة, قال: قال علي رضي الله عنه: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه. وحدثني أبو بكر ـ وصدق أبو بكر ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يذنب ذنباً, ثم يتوضأ ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله لذلك الذنب, إلا غفر له" وقرأ هاتين الايتين "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه" الاية, "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم", الاية. وقد تكلمنا على هذا الحديث وعزيناه إلى من رواه من أصحاب السنن, وذكرنا ما في سنده من مقال في مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه, وقد تقدم بعض ذلك في سورة آل عمران أيضاً.
وقد رواه ابن مردويه في تفسيره من وجه آخر عن علي فقال: حدثنا أحمد بن محمد بن زياد, حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحراني, حدثنا دواد بن مهران الدباغ حدثنا عمر بن يزيد عن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي, قال: سمعت أبا بكر ـ هو الصديق ـ يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد أذنب فقام فتوضأ فأحسن الوضوء, ثم قام فصلى واستغفر من ذنبه, إلا كان حقاً على الله أن يغفر له" لأن الله يقول: "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه" الاية, ثم رواه من طريق أبان بن أبي عياش عن أبي إسحاق السبيعي, عن الحارث, عن علي, عن الصديق, بنحوه, وهذا إسناد لا يصح. وقال ابن مردويه: حدثنا محمد بن علي بن دحيم, حدثنا أحمد بن حازم, حدثنا موسى بن مروان الرقي حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي عن تمام بن نجيح حدثني كعب بن ذهل الأزدي قال: سمعت أبا الدرداء يحدث قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلسنا حوله, وكانت له حاجة فقام إليها وأراد الرجوع, ترك نعليه في مجلسه أو بعض ما عليه, وأنه قام فترك نعليه, قال أبو الدرداء: فأخذ ركوة من ماء فاتبعته فمضى ساعة ثم رجع ولم يقض حاجته, فقال: "إنه أتاني آت من ربي فقال: إنه "من يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً" فأردت أن أبشر أصحابي" .
"قال أبو الدرداء: وكانت قد شقت على الناس الاية التي قبلها " من يعمل سوءا يجز به " فقلت: يا رسول الله, وإن زنى وإن سرق, ثم استغفر ربه غفز له ؟ قال نعم. ثم قلت الثانية, قال نعم. قلت الثالثة, قال نعم وإن زنى وإن سرق ثم استغفر الله, غفر الله له على رغم أنف أبي الدرداء". قال: فرأيت أبا الدرداء يضرب أنف نفسه بأصبعه, هذا حديث غريب جداً من هذا الوجه بهذا السياق, وفي إسناده ضعف.
وقوله: "ومن يكسب إثماً فإنما يكسبه على نفسه" الاية, كقوله تعالى: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" الاية, يعني أنه لا يغني أحد عن أحد, وإنما على كل نفس ما عملت لا يحمل عنها غيرها, ولهذا قال تعالى: "وكان الله عليماً حكيماً" أي من علمه وحكمته, وعدله ورحمته كان ذلك, ثم قال: "ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً" الاية, يعني كما اتهم بنو أبيرق بصنيعهم القبيح ذلك الرجل الصالح وهو لبيد بن سهل كما تقدم في الحديث أو زيد بن السمين اليهودي على ما قاله الاخرون, وقد كان بريئاً وهم الظلمة الخونة, كما أطلع الله على ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم, ثم هذا التقريع وهذا التوبيخ عام فيهم وفي غيرهم ممن اتصف بصفتهم فارتكب مثل خطيئتهم, فعليه مثل عقوبتهم.
وقوله: "ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء" وقال الإمام ابن أبي حاتم: أنبأنا هاشم بن القاسم الحراني فيما كتب إلي, حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق, عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري, عن أبيه, عن جده قتادة بن النعمان, وذكر قصة بني أبيرق, فأنزل الله "لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء" يعني أسيد بن عروة وأصحابه, يعني بذلك لما أثنوا على بني أبيرق ولاموا قتادة بن النعمان في كونه اتهمهم وهم صلحاء برآء, ولم يكن الأمر كما أنهوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولهذا أنزل الله فصل القضية وجلاءها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم امتن عليه بتأييده إياه في جميع الأحوال, وعصمته له, وما أنزل عليه من الكتاب وهو القرآن والحكمة, وهي السنة " وعلمك ما لم تكن تعلم " أي قبل نزول ذلك عليك, كقوله: " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب " إلى آخر السورة, وقال تعالى: "وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك" ولهذا قال: "وكان فضل الله عليك عظيماً".
هذا من تمام القصة السابقة، والمراد بالسوء: القبيح الذي يسوء به 110- "أو يظلم نفسه" بفعل معصية من المعاصي أو ذنب من الذنوب التي لا تتعدى إلى غيره "ثم يستغفر الله" يطلب منه أن يغفر له ما قارفه من الذنب "يجد الله غفوراً" لذنبه "رحيماً" به، وفيه ترغيب لمن وقع منه السرق من بني أبيرق أن يتوب إلى الله ويستغفره، وأنه غفور لمن يستغفره رحيم به. وقال الضحاك: إن هذه الآية نزلت في شأن وحشي قاتل حمزة، أشرك بالله وقتل حمزة، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هل لي من توبة؟ فنزلت. وعلى كل حال فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهي لكل عبد من عباد الله أذنب ذنباً ثم استغفر الله سبحانه.
110-"ومن يعمل سوءاً"، يعني السرقة ،"أو يظلم نفسه"، برميه البريء ، وقيل: ومن يعمل سوءاً أي: شركاً أو يظلم نفسه: يعني :إثماً دون الشرك ،"ثم يستغفر الله" أي: يتب إليه ويستغفره،"يجد الله غفوراً رحيماً"، يعرض التوبة على طعمة في هذه الآية.
110" ومن يعمل سوءا " قبيحاً يسوء به غيره. " أو يظلم نفسه " بما يختص به ولا يتعداه. وقيل المراد بالسوء ما دون الشرك، وبالظلم الشرك. وقيل: الصغيرة والكبيرة. " ثم يستغفر الله "بالتوبة. " يجد الله غفورا " لذنوبه. " رحيما " متفضلاً عليه، وفيه حث لطعمة وقومه على التوبة والاستغفار.
110. Yet whoso doeth evil or wrongeth his own soul, then seeketh pardon of Allah, will find Allah Forgiving, Merciful.
110 - If any one does evil or wrongs his own soul but afterwards seeks God's forgiveness, he will find God oft forgiving, most merciful.