[النساء : 100] وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا
(ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما) مهاجرا (كثيرا وسعة) في الرزق (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت) في الطريق كما وقع لجندع بن ضمرة الليثي (فقد وقع) ثبت (أجره على الله وكان الله غفورا رحيما)
قوله تعالى ومن يخرج من بيته الآية أخرج ابن أبي حاتم وأبو يعلي بسند جيد عن ابن عباس قال خرج ضمرة بن جندب من بيته مهاجرا فقال لاهله احملوني فأخرجوني من أرض المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات في الطريق قبل أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزل الوحي ومن يخرج من بيته مهاجرا الآية
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن أبي ضمرة الزرقي وكان بمكة فلما نزلت الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة فقال إني لغني وإني لذو حيلة فتجهز يريد النبي صلى الله عليه وسلم فأدركه الموت بالتنعيم فنزلت هذه الآية ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله
وأخرج ابن جرير نحو ذلك من طرق سعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والسدي والضحاك وغيرهم وسمي في بعضها ضمرة بن العيص أو العيص ابن ضمرة وفي بعضها جندب بن ضمرة الجندعي وفي بعضها الضمري وفي بعضها رجل من بني ضمرة وفي بعضها رجل من بني خزاعة وفي بعضها رجل من بني ليث وفي بعضها من بني بكر كنانة وفي بعضها من بني بكر
وأخرج ابن سعد في الطبقات عن يزيد بن عبد الله بن قسط أن جندع ابن ضمرة الضمري كان بمكة فمرض فقال لبنيه أخرجوني من مكة فقد قتلني غمها فقالوا إلى أين فأومأ بيده نحو المدينة يريد الهجرة فخرجوا به فلما بلغوا أضاة بني غفار مات فأنزل الله فيه ومن يخرج من بيته مهاجرا الآية
ك وأخرج ابن أبي حاتم وابن منة والبارودي في الصحابة عن هشام ابن عروة عن أبيه أن الزبير بن العوام قال هاجر خالد بن حرام إلى أرض الحبشة فنهشته حية في الطريق فمات فنزلت فيه ومن يخرج من بيته مهاجرا الآية
واخرج الأموي في مغازية عن عبد الملك بن عمير قال لما بلغ أكثم بن صيفي مخرج النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يأتيه فأبى قومه أن يدعوه قال فليأت من يبلغه عني ويبلغني عنه فانتدب له رجلان فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقالا نحن رسل أكثم بن صيفي وهو يسألك من أنت وما أنت وبم جئت قال أنا محمد بن عبد الله وأنا عبدالله ورسوله ثم تلا عليهم إن الله يأمر بالعدل والإحسان الآية فأتيا أكثم فقالا له ذلك قال أي قوم إنه يأمر بمكارم الأخلاق وينهي عن ملائمها فكونوا في هذا الأمر رؤساء ولا تكونوا فيه أذنابا فركب بعيره متوجها إلى المدينة فمات في الطريق فنزلت فيه ومن يخرج من بيته مهاجرا الآية مرسل إسناده ضعيف
وأخرج حاتم في كتاب المعمرين من طريقين عن ابن عباس أنه سئل عن هذه الآية فقال نزلت في أكثم بن صيفي قيل فاين الليثي قال هذا قبل الليثي بزمان وهي خاصة عامة
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: "ومن يهاجر في سبيل الله"، ومن يفارق أرض الشرك وأهلها هرباً بدينه منها ومنهم، إلى أرض الإسلام وأهلها المؤمنين، "في سبيل الله"،يعني: في منهاج دين الله وطريقه الذي شرعه لخلقه، وذلك الدين القيم، "يجد في الأرض مراغما كثيرا"، يقول: يجد هذا المهاجر في سبيل الله، "مراغما كثيرا"، وهو المضطرب في البلاد والمذهب. يقال منه: راغم فلان قومه مراغماً ومراغمة، مصدراً، ومنه قول نابغة بني جعدة:
كطود يلاذ بأركانه عزيز المراغم والمهرب
وقوله: "وسعة"، فإنه يحتمل السعة في أمر دينهم بمكة، وذلك منعهم -إياهم - كان - من إظهار دينهم وعبادة ربهم علانية.
ثم أخبر جل ثناؤه عمن خرج مهاجراً من أرض الشرك فاراً بدينه إلى الله وإلى رسوله، إن أدركته منيته قبل بلوغه أرض الإسلام ودار الهجرة فقال: عن كان كذلك، "فقد وقع أجره على الله"، وذلك ثواب عمله وجزاء هجرته وفراق وطنه وعشيرته إلى دار الإسلام وأهل دينه. يقول جل ثناؤه: ومن يخرج مهاجراً من داره إلى الله وإلى رسوله، فقد استوجب ثواب هجرته - إن لم يبلغ دار هجرته باخترام المنية إياه قبل بلوغه إياها - على ربه، "وكان الله غفورا رحيما"، يقول: ولم يزل الله تعالى ذكره، "غفورا" يعني: ساتراً ذنوب عباده المؤمنين بالعفو لهم عن العقوبة عليها، "رحيما"، بهم رفيقاً. وذكر أن هذه الآية نزلت بسبب بعض من كان مقيماً بمكة وهو مسلم، فخرج لما بلغه أن الله أنزل الآيتين قبلها، وذلك قوله: "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم"، إلى قوله: "وكان الله عفوا غفورا"، فمات في طريقه قبل بلوغه المدينة.
ذكر الأخبار الواردة بذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في قوله: "ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله"، قال: كان رجل من خزاعة يقال له ضمرة في المحيص - أو: العيص بن ضمرة بن زنباع - قال : فلما أمروا بالهجرة كان مريضاً، فأمر أهله أن يفرشوا له على سريره ويحملوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ففعلوا، فأتاه الموت وهو بالتنعيم، فنزلت هذه الآية.
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير أنه قال: نزلت هذه الآية: "ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله"، في ضمرة بن المحيص بن الزنباع - أو فلان بن ضمرة بن العيص بن الزنباع - حين بلغ التنعيم مات، فنزلت فيه.
حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن العوام التيمي، بنحو حديث يعقوب، عن هشيم، قال: وكان رجلاً من خزاعة.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة"، الآية، قال: لما أنزل الله هؤلاء الآيات، ورجل من المؤمنين يقال له: ضمرة بمكة، قال: والله إن لي من المال ما يبلغني المدينة وأبعد منها، وإني لأهتدي! أخرجوني، وهو مريض حينئذ، فلما جاوز الحرم قبضه الله فمات، فأنزل الله تبارك وتعالى: "ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله"، الآية.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال. لما نزلت: "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم"، قال رجال من المسلمين يومئذ وهو مريض: والله ما لي من عذر، إني لدليل بالطريق، وإني لموسر، فاحملوني، فحملوه، فأدركه الموت بالطريق، فنزل فيه: "ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله".
حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار قال: سمعت عكرمة يقول: لما أنزل الله: "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم"، الآيتين، قال رجل من بني ضمرة، وكان مريضاً: أخرجوني إلى الروح، فأخرجوه، حتى إذا كان بالحصحاص مات، فنزل فيه: "ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله"، الآية.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن المنذر بن ثعلبة، عن علباء بن أحمر اليشكري قوله: "ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله "، قال: نزلت في رجل من خزاعة.
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا قرة، عن الضحاك في قول الله جل وعز: "ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله"، قال: لما سمع رجل من أهل مكة أن بني كنانة قد ضربت وجوههم وأدبارهم الملائكة، قال لأهله: أخرجوني، وقد أدنف للموت. قال : فاحتمل حتى انتهى إلى عقبة قد سماها، فتوفي، فأنزل الله: "ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله"، الآية.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: لما سمع هذه - يعني: بقوله: "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم" إلى قوله: "وكان الله عفوا غفورا" ضمرة بن جندب الضمري، قال لأهله ، وكان وجعاً: أرحلوا راحلتي، فإن الأخشبين قد غماني- يعني: جبلي مكة- لعلي أن أخرج فيصيبني روح ! فقعد على راحلته، ثم توجه نحو المدينة، فمات بالطريق، فأنزل الله: "ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله". وأما حين توجه إلى المدينة فإنه قال: اللهم إني مهاجر إليك وإلى رسولك.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة قال: لما نزلت هذه الآية، يعني قوله: "إن الذين توفاهم الملائكة"، قال جندب بن ضمرة الجندعي: (اللهم أبلغت في المعذرة والحجة، ولا معذرة لي ولا حجة! قال: ثم خرج وهو شيخ كبير، فمات ببعض الطريق، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مات قبل أن يهاجر، فلا ندري أعلى ولاية أم لا! فنزلت: "ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله".
حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول: لما أنزل الله في الذين قتلوا مع مشركي قريش ببدر: "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم" الآية، سمع بما أنزل الله فيهم رجل من بني ليث كان على دين النبي صلى الله عليه وسلم مقيماً بمكة، وكان ممن عذر الله، كان شيخاً كبيراً وصباً؟ فقال لأهله: ما أنا ببائت الليلة بمكة!، فخرج به، حتى إذا بلغ التنعيم من طريق المدينة أدركه الموت، فنزل فيه: "ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله" الآية.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة"، قال: وهاجر رجل من بني كنانة يريد النبي صلى الله عليه وسلم مات في الطريق، فسخر به قومه واستهزأوا به وقالوا: لا هو بلغ الذي يريد، ولا هو أقام في أهله يقومون عليه، ويدفن! قال: فنزل القرآن: "ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله".
حدثنا أحمد بن منصور الرمادي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا شريك، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية: "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم"، فكان بمكة رجل يقال له ضمرة، من بني بكر، وكان مريضاً، فقال لأهله: أخرجوني من مكة، فإني أجد الحر. فقالوا: أين نخرجك؟ فأشار بيده نحو المدينة، فنزلت هذه الآية: "ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله" إلى آخر الآية.
حدثني الحارث بن أبي أسامة قال، حدثنا عبد العزيز بن أبان قال، حدثنا قيس عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت هذه الآية: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر"، قال: رخص فيها قوم من المسلمين ممن بمكة من أهل الضرر، حتى نزلت فضيلة المجاهدين على القاعدين، فقالوا: قد بين الله فضيلة المجاهدين على القاعدين، ورخص لأهل الضرر! حتى نزلت: "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم" إلى قوله: "وساءت مصيرا"، قالوا: هذه موجبة!حتى نزلت: "إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا"، فقال ضمرة بن العيص الزرقي، أحد بني ليث، وكان مصاب البصر: إني لذو حيلة، لي مال، ولي رقيق، فاحملوني. فخرج وهو مريض، فأدركه الموت عند التنعيم، فدفن عند مسجد التنعيم، فنزلت فيه هذه الآية: "ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت" الآية.
واختلف أهل التأويل في تأويل المراغم.
فقال بعضهم: هو التحول من أرض إلى أرض.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "مراغما كثيرا"، قال: المراغم، التحول من الأرض إلى الأرض .
حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "مراغما كثيرا"، يقول: متحولا. حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: "يجد في الأرض مراغما كثيرا"، قال: متحولا.
حدثنا القاسم قال، حدثناالحسين قال، حدثني حجاج قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن الحسن أو قتادة: "مراغما كثيرا"، قال: متحولا. حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: "يجد في الأرض مراغما كثيرا"، قال: مندوحة عما يكره.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: "مراغما كثيرا"، قال: مزحزحاً عما يكره .
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال ، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن محاهد: "مراغما كثيرا"،قال:متزحزحا عما يكره .
وقال آخرون: مبتغى معيشة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسن قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "يجد في الأرض مراغما كثيرا"، يقول: مبتغى للمعيشة.
وقال آخرون: المراغم، المهاجر.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "مراغما"، المراغم، المهاجر.
قال أبو جعفر: وقد بينا أولى الأقوال في ذلك بالصواب فيما مضى قبل.
واختلفوا أيضاً في معنى: السمعة التي ذكرها الله في هذا الموضع، فقال: "واسعة". فقال بعضهم: هي: السعة في الرزق.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "مراغما كثيرا وسعة"، قال: السعة في الرزق. حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: "مراغما كثيرا وسعة"، قال: السعة في الرزق.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "وسعة"، يقول: سعة في الرزق. وقال آخرون في ذلك ما:
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة"، إي والله، من الضلالة إلى الهدى، ومن العيلة إلى الغنى.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أن من هاجر في سبيله يجد في الأرض مضطرباً ومتسعاً. وقد يدخل في السعة، السعة في الرزق، والغنى من الفقر، ويدخل فيه السعة من ضيق الهم والكرب الذي كان فيه أهل الإيمان بالله من المشركين بمكة، وغير ذلك من معاني ا السعة، التي هي بمعنى الروح والفرج من مكروه ما كره الله للمؤمنين بمقامهم بين ظهري المشركين وفي سلطانهم. ولم يضع الله دلالة على أنه عنى بقوله: "وسعة"، بعض معاني السعة التي وصفنا. فكل معاني السعة التي هي بمعنى الروح والفرج مما كانوا فيه من ضيق العيش، وغم جوار أهل ا الشرك، وضيق الصدر بتعذر إظهار الإيمان بالله وإخلاص توحيده وفراق الأنداد والآلهة، داخل في ذلك.
وقد تأول قوم من أهل العلم هذه الآية - أعني قوله: "ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله"- أنها في حكم الغازي يخرج للغزو، فيدركه الموت بعد ما يخرج من منزله فاصلاً فيموت، أن له سهمه من المغنم، وإن لم يكن شهد الوقعة، كما:
حدثني المثنى قال، حدثنا يوسف بن عدي قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب: أن أهل المدينة يقولون: من خرج فاصلاً وجب سهمه، وتأولوا قوله تبارك وتعالى: "ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله".
فيه خمس مسائل:
الأولى -قوله تعالى :" ومن يهاجر في سبيل الله يجد " شرط وجوابه :" في الأرض مراغما" اختلف في تأويل المراغم ، فقال مجاهد: المراغم المتزحزح وقال ابن عباس والضحاك والربيع وغيرهم: المراغم المتحول والمذهب وقال ابن زيد: والمراغم والمهاجر وقاله أبو عبيدة: قال النحاس: فهذا الأقوال متفقة المعاني، فالمراغم المذهب والتحول في حال هجرة، وهو اسم الموضع الذي يراغم فيه، وهو مشتق من الرغام ورغم أنف فلان أي لصق بالتراب وراغمت فلاناً هجرته وعاديته، ولم أبال إن رغم أنفه. وقيل: إنما سمي مهاجراً مراغماً لأن الرجل كان إذا أسلم عادى قومه وهجرهم فسمي خروجه مراغماً وسمي مصيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم هجرة وقال السدي: المراغم المبتغي لمعيشة وقال ابن القاسم: سمعت مالكاً يقول: المراغم الذهاب في الأرض وهذا كله تفسير بالمعنى، وكله قريب بعضه من بعض، فأما الخاص باللفظة فإن المراغم موضع المراغمة كما ذكرنا، وهو أن يرغم كل واحد من المتنازعين أنف صاحبه بأن يغلبه على مراده، فكأن كفار قريش أرغموا أنوف المحبوسين بمكة فلو هاجر منهم مهاجر لأرغم أنوف قريش لحصوله في منعه منهم ، فتلك المنعة هي موضع المراغمة، ونه قوله النابغة:
كطود يلاذ بأركانه عزيز المراغم والمهرب
الثانية-قوله تعالى :" وسعة" أي في الرزق قاله ابن عباس والربيع والضحاك وقال قتادة: المعنى سعة من الضلالة إلى الهدى ومن العيلة إلى الغنى وقال مالك: السعة سعة البلاد وهذا أشبه بفصاحة العرب فإن بسعة الأرض وكثرة المعاقل تكون السعة في الرزق، واتساعا الصدر لهمومه وفكره وغير ذلك من وجوه الفرج. ونحو هذا المعنى قول الشاعر:
وكنت إذا خليل رام قطعي وجدت وراي منفسحاً عريضاً
آخر :
لكان لي مضطرب واسع في الأرض ذات الطول والعرض
الثالثة- قال مالك: هذه الآية دالة على أنه ليس لأحد المقام بأرض يسب فيهات السلف ويعمل فيها بغير الحق وقال : والمراغم الذهاب في الأرض والسعة سعة البلاد على ما تقدم، واستدل أيضاً بعض العلماء بهذه الآية على أن للغازي إذا خرج إلى الغزو ثم مات قبل القتال له سهمه وإن لم يحضر الحرب رواه ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ألله المدينة وروي ذلك عن ابن المبارك أيضاً .
الرابعة -قوله تعالى :" ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله " الآية قال عكرمة مولى ابن عباس: طلبت اسم هذا الراجل أربع عشرة سنة حتى وجدته، وفي قول عكرمة هذا دليل على شرف هذا العلم قديماً، وأن الاعتناء به حسن والمعرفة به فضل، ونحو منه قول ابن عباس: مكثت سنين أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يمنعني إلا مهابته ، والذي ذكره عكرمة هو ضمرة بن العيص أو العيص بن ضمرة بن زنباع، حكاه الطبري عن سعيد بن جبير. ويقال فيه :ضمرة أيضاً ويقال جندع بن ضمرة من بني ليث، وكان من المستضعفين بمكة وكان مريضاً فلما سمع ما أنزل الله في الهجرة قال: أخرجوني فهيء له فراش ثم وضع عليه وخرج به فمات في الطريق بالتنعم فأنزل الله فيه " ومن يخرج من بيته مهاجرا" الآية وذكر أبو عمر أنه قد قيل فيه : خالد بن حزام بن خويلد ابن أخي خديجة، وأنه هاجر إلى أرض الحبشة فنهشته حية في الطريق فمات قبل أن يبلغ أرض الحبشة ، فنزلت فيه الآية والله أعلم . وحكى أبو الفرج الجوزي أنه حبيب بن ضمرة وقيل: ضمرة بن جندب الضمري، عن السدي: وحكي عن عكرمة أنه جندب بن ضمرة الجندعي. وحكى عن ابن جابر أنه ضمرة بن بغيض الذي من بني ليث. وحكى المهدوي أنه ضمرة بن ضمرة بن نعيم. وقيل ضمرة بن خزاعة، والله أعلم وروى معمرة عن قتادة قال:
لما نزلت " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم " الآية قال رجل من المسلمين وهو مريض: والله ما لي من عذر إني لدليل في الطريق وإني لموسر فاحملوني فحملوه فأدركه الموت في الطريق فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : لو بلغ إلينا لتم أجرة وقد مات بالتنعيم وجاء بنوه إلى النبي صل الله عليه وسلم وأخبروه بالقصة فنزلت هذه الآية " ومن يخرج من بيته مهاجرا" الآية وكان اسمه ضمرة بن جندب ويقال: جندب بن ضمرة على ما تقدم "وكان الله غفورا" لما كان منه من الشرك "رحيما" حين قبل توبته .
الخامسة- قال ابن العربي: قسم العلماء رضي الله عنهم الذهاب في الأرض قسمين: : هرباً وطلباً، فالأول ينقسم إلى ستة أقسام- الهجرة وهي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام، وكانت فرضاً في أيام النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة، والتي انقطعت بالفتح هي القصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان فإن بقي في دار الحرب عصى، ويختلف في حاله. الثاني- الخروج من أرض البدعة قال ابن القاسم سمعت مالكاً يقول لا يحل لأحد أن يقيم بأرض يسب فيها السلف. قال ابن العربي: وهذا صحيح فإن المنكر إذا لم تقدر أن تغيره فزل عنه قال الله تعالى: " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم " إلى قوله :" الظالمين" [الأنعام :68] الثالث - الخروج من أرض غلب عليها الحرام: فإن طلب الحلال فرض على كل مسلم . الرابع - الفرار من الأذية في البدن، وذلك فضل من الله أرخص فيه، فإذا خشي على نفسه فقد أذن الله في الخروج عنه والفرار بنفسه ليخلصها من ذلك المحذور وأول من فعله إبراهيم عليه السلام فإنه لما خاف من قومه قال : " إني مهاجر إلى ربي " [ العنكبوت:26] وقال " إني ذاهب إلى ربي سيهدين " [ الصافات:99] وقال مخبراً عن موسى :
" فخرج منها خائفا يترقب" [القصص: 21] الخامس -خوف المرض في البلاد الوخمة والخروج منها إلى الأرض النزهة وقد أذن للرعاة حين استوخموا المدينة أن يخرجوا إلى المسرح فيكونوا فيه حتى يصحوا. وقد استثنى من ذلك الخروج من الطاعون، فمنع الله سبحانه بالحديث الصحيح عن نبيه صلى الله وسلم وقد تقدم بيانه في البقرة بيد أن علماءنا قالوا: هو مكروه السادس- الفرار خوف الأذية في المال، فإن حرمة مال المسلم كحرمة دمه والأهل مثله وأوكد. وأما قسم الطب فينقسم قسمين: طلب دين وطلب دنيا فأما طلب الدين فيتعدد بتعدد أنواعه إلى تسعة أقسام: سفر العبرة قال الله تعالى :" أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم " [ الروم : 9] وهو كثير.ويقال: إن ذا القرنين إنما طاف الأرض ليرى عجائبها، قيل: لينقذ الحق فيها الثاني- سفر الحج والأول وإن كان ندباً فهذا فرض الثالث - سفر الجهاد وله أحاكه الرابع- سفر المعاش فقد يتعذر على الرجل معاشه مع الإقامة فيخرج في طلبه لا يزيد عليه من صيد أو احتطاب أو احتشاش فهو فرض عليه الخامس- سفر التجارة والكسب الزائدة على القوت وذلك جائز بفضل الله سبحانه وتعالى : قال الله تعالى :
"ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " [البقرة:198] يعني التجارة وهي نعمة من الله بها في سفر الحج فكيف إذا انفردت السادس- في طلب العلم وهو مشهور السابع -قصد البقاع "قال صلى الله عليه وسلم:
لا تشد الرحال إلا ثلاثة مساجد "الثامن - الثغور للرباط بها وتكثير سوادها للذنب عنها. التاسع -زيادة الإخوان في الله تعالى ، "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
زار رجل أخاً له في قرية فأرصد الله له ملكاً على مدرجته فقال ابن تريد فقال أريد أخاً لي في هذه القرية قال هل لك من نعمة تربها عليه قال لا غير أني أحببته في الله عز وجل قال فإني رسول الله إليك بأن اله قد أحبك كما أحبته فيه " رواه مسلم وغيره
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يزيد المقرىء, حدثنا حيوة وغيره, قالا: حدثنا محمد بن عبد الرحمن أبو الأسود, قال: قطع على أهل المدينة بعث, فاكتتبت فيه, فلقيت عكرمة مولى ابن عباس فأخبرته, فنهاني عن ذلك أشد النهي, قال: أخبرني ابن عباس أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سوادهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, يأتي السهم يرمى به فيصيب أحدهم, فيقتله أو يضرب عنقه فيقتل, فأنزل الله "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم", وراه الليث عن أبي الأسود. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي, حدثنا أبو أحمد يعني الزبيري, حدثنا محمد بن شريك المكي, حدثنا عمرو بن دينار عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: كان قوم من أهل مكة أسلموا وكانوا يستخفون بالإسلام, فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم, فأصيب بعضهم بفعل بعض. قال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم, فنزلت "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم" الاية. قال عكرمة: فكتب إلى من بقي من المسلمين بهذه الاية لا عذر لهم. قال: فخرجوا, فلحقهم المشركون, فأعطوهم التقية, فنزلت هذه الاية "ومن الناس من يقول آمنا بالله" الاية. قال عكرمة: نزلت هذه الاية في شباب من قريش كانوا تكلموا بالإسلام بمكة منهم علي بن أمية بن خلف وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة وأبو العاص بن منبه بن الحجاج والحارث بن زمعة, قال الضحاك: نزلت في ناس من المنافقين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وخرجوا مع المشركين يوم بدر فأصيبوا فيمن أصيب, فنزلت هذه الاية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين, وهو قادر على الهجرة وليس متمكناً من إقامة الدين فهو ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع, وبنص هذه الاية, حيث يقول تعالى: "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم" أي بترك الهجرة "قالوا فيم كنتم" أي لم مكثتم ها هنا وتركتم الهجرة "قالوا كنا مستضعفين في الأرض" أي لا نقدر على الخروج من البلد, ولا الذهاب في الأرض "قالوا ألم تكن أرض الله واسعة" الاية, وقال أبو داود: حدثنا محمد بن داود بن سفيان, حدثني يحيى بن حسان, أخبرنا سليمان بن موسى أبو داود, حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب, حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة, عن سمرة بن جندب, أما بعد, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله", وقال السدي: لما أسر العباس وعقيل ونوفل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: "افد نفسك وابن أخيك" فقال: يا رسول الله, ألم نصل إلى قبلتك, ونشهد شهادتك, قال "يا عباس, إنكم خاصمتم فخصمتم", ثم تلا عليه هذه الاية "ألم تكن أرض الله واسعة" الاية, وراه ابن أبي حاتم.
وقوله: "إلا المستضعفين" إلى آخر الاية, هذه عذر من الله لهؤلاء في ترك الهجرة, وذلك أنهم لا يقدرون على التخلص من أيدي المشركين, ولو قدروا ما عرفوا يسلكون الطريق, ولهذا قال: "لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً", قال مجاهد وعكرمة والسدي: يعني طريقاً.
وقوله تعالى: "فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم" أي يتجاوز من الله عنهم بترك الهجرة, عسى من الله موجبة, "وكان الله عفواً غفوراً", قال البخاري: حدثنا أبو نعيم, حدثنا شيبان عن يحيى, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة, قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء إذ قال: سمع الله لمن حمده, ثم قال قبل أن يسجد "اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة, اللهم أنج سلمة بن هشام, اللهم أنج الوليد بن الوليد, اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين, اللهم اشدد وطأتك على مضر, اللهم اجعلها سنين كسني يوسف".
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا أبو معمر المقري, حدثني عبد الوارث, حدثنا علي بن زيد عن سعيد بن المسيب, عن أبي هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يده بعد ما سلم وهو مستقبل القبلة, فقال: "اللهم خلص الوليد بن الوليد, وعياش بن أبي ربيعة, وسلمة بن هشام, وضعفة المسلمين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً من أيدي الكفار". وقال ابن جرير: حدثنا المثنى, حدثنا حجاج, حدثنا حماد عن علي بن زيد عن عبد الله أو إبراهيم بن عبد الله القرشي, عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في دبر صلاة الظهر "اللهم خلص الوليد, وسلمة بن هشام, وعياش بن أبي ربيعة وضعفة المسلمين من أيدي المشركين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا", ولهذا الحديث شاهد في الصحيح من غير هذا الوجه كما تقدم. وقال عبد الرزاق: أنبأنا ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد, قال: سمعت ابن عباس يقول: كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان. وقال البخاري: أنبأنا أبو النعمان, حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي مليكة, عن ابن عباس "إلا المستضعفين" قال: كنت أنا وأمي ممن عذر الله عز وجل.
وقوله: "ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة", هذا تحريض على الهجرة وترغيب في مفارقة المشركين وأن المؤمن حيثما ذهب وجد عنهم مندوحة وملجأ يتحصن فيه, والمراغم مصدر تقول العرب: راغم فلان قومه مراغماً ومراغمة, قال النابغة بن جعدة:
كطود يلاذ بأركانه عزيز المراغم والمهرب
وقال ابن عباس: المراغم التحول من أرض إلى أرض. وكذا روي عن الضحاك والربيع بن أنس والثوري. وقال مجاهد: "مراغماً كثيراً" يعني متزحزحاً عما يكره. وقال سفيان بن عيينة: مراغماً كثيراً يعني بروجاً, والظاهر ـ والله أعلم ـ أنه المنع الذي يتحصن به ويراغم به الأعداء. قوله "وسعة" يعني الرزق, قاله غير واحد منهم قتادة حيث قال: في قوله: " يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة " أي من الضلالة إلى الهدى, ومن القلة إلى الغنى, وقوله: "ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله" أي ومن يخرج من منزله بنية الهجرة فمات في أثناء الطريق فقد حصل له عند الله ثواب من هاجر, كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من الصحاح والمسانيد والسنن من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي, عن علقمة بن وقاص الليثي, عن عمر بن الخطاب, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى, فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله, ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها, أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه". وهذا عام في الهجرة وفي جميع الأعمال. ومنه الحديث الثابت في الصحيحين في الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً, ثم أكمل بذلك العابد المائة ثم سأل عالماً: هل له من توبة ؟ فقال له, ومن يحول بينك وبين التوبة ؟ ثم أرشده إلى أن يتحول من بلده إلى بلد آخر يعبد الله فيه. فلما ارتحل من بلده مهاجراً إلى البلد الاخر أدركه الموت في أثناء الطريق, فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب, فقال هؤلاء: إنه جاء تائباً, وقال هؤلاء إنه لم يصل بعد, فأمروا أن يقيسوا ما بين الأرضين فإلى أيهما كان أقرب فهو منها, فأمر الله هذه أن تقترب من هذه, وهذه أن تبعد فوجدوه أقرب إلى الأرض التي هاجر إليها بشبر, فقبضته ملائكة الرحمة. وفي رواية أنه لما جاءه الموت ناء بصدره إلى الأرض التي هاجر إليها.
قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون, حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم, عن محمد بن عبد الله بن عتيك, عن أبيه عبد الله بن عتيك, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من خرج من بيته مجاهداً في سبيل الله, ثم قال: ـ وأين المجاهدون في سبيل الله ـ فخر عن دابته فمات فقد وقع أجره على الله, أو لدغته دابة فمات فقد وقع أجره على الله, أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله ـ يعني بحتف أنفه على فراشه, والله إنها لكلمة ما سمعتها من أحد من العرب قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ومن قتل قعصاً فقد استوجب الجنة". وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة الحزامي, حدثني عبد الرحمن بن المغيرة الخزامي, عن المنذر بن عبدالله عن هشام بن عروة عن أبيه, أن الزبير بن العوام قال: هاجر خالد بن حزام إلى أرض الحبشة فنهشته حية في الطريق فمات فنزلت فيه "ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيماً", قال الزبير, فكنت أتوقعه وأنتظر قدومه وأنا بأرض الحبشة, فما أحزنني شيء حزن وفاته حين بلغتني, لأنه قل أحد ممن هاجر من قريش إلا ومعه بعض أهله, أو ذوي رحمه, ولم يكن معي أحد من بني أسد بن عبد العزى, ولا أرجو غيره, وهذا الأثر غريب جداً, فإن هذه القصة مكية, ونزول هذه الاية مدنية, فلعله أراد أنها أنزلت تعم حكمه مع غيره وإن لم يكن ذلك سبب النزول, والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا سليمان بن داود مولى عبد الله بن جعفر, حدثنا سهل بن عثمان, حدثنا عبد الرحمن بن سليمان, حدثنا أشعث هو ابن سوار, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما, قال: خرج ضمرة بن جندب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات في الطريق قبل أن يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فنزلت "ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله" الاية, وحدثنا أبي, حدثنا عبدالله بن رجاء, أنبأنا إسرائيل عن سالم, عن سعيد بن جبير, عن أبي ضمرة بن العيص الزرقي الذي كان مصاب البصر وكان بمكة, فلما نزلت "إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة" فقلت: إني لغني, وإني لذو حيلة, فتجهز يريد النبي صلى الله عليه وسلم فأدركه الموت بالتنعيم, فنزلت هذه الاية "ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت" الاية.
وقال الطبراني: حدثنا الحسن بن عروبة البصري, حدثنا حيوة بن شريح الحمصي حدثنا بقية بن الوليد, حدثنا ابن ثوبان عن أبيه, حدثنا مكحول عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري, أنبأنا أبو مالك, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله قال: من انتدب خارجاً في سبيلي غازياً ابتغاء وجهي, وتصديق وعدي, وإيماناً برسلي فهو في ضمان على الله, إما أن يتوفاه بالجيش فيدخله الجنة, وإما أن يرجع في ضمان الله, وإن طالب عبداً فنغصه حتى يرده إلى أهله مع ما نال من أجر, أو غنيمة, ونال من فضل الله فمات, أو قتل, أو رفصته فرسه, أو بعيره, أو لدغته هامة, أو مات على فراشه بأي حتف شاء الله, فهو شهيد". وروى أبو داود من حديث بقية من فضل الله إلى آخره, وزاد بعد قوله: فهو شهيد, وإن له الجنة. وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا إبراهيم بن زياد سبلان, حدثنا أبو معاوية, حدثنا محمد بن إسحاق عن حميد بن أبي حميد, عن عطاء بن يزيد الليثي, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خرج حاجاً فمات, كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة, ومن خرج معتمراً فمات, كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة, ومن خرج غازياً في سبيل الله فمات, كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة". وهذا حديث غريب من هذا الوجه.
قوله 100- "ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة" هذه الجملة متضمنة للترغيب في الهجرة والتنشيط إليها. وقوله "في سبيل الله" فيه دليل على أن الهجرة لا بد أن تكون بقصد صحيح ونية خالصة غير مشوبة بشيء من أمور الدنيا، ومنه الحديث الصحيح "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه".
وقد اختلف في معنى قوله سبحانه "يجد في الأرض مراغماً" فقال ابن عباس وجماعة من التابعين ومن بعدهم: المراغم المتحول والمذهب. وقال مجاهد: المراغم المتزحزح. وقال ابن زيد: المراغم المهاجر، وبه قال أبو عبيدة. قال النحاس: فهذه الأقوال متفقة المعاني، فالمراغم: المذهب والمتحول، وهو الموضع الذي يراغم فيه، وهو مشتق من الرغام وهو التراب، ورغم أنف فلان: أي لصق بالتراب، وراغمت فلاناً: هجرته وعاديته ولم أبال أن رغم أنفه، وقيل: إنما سمي مهاجراً ومراغماً، لأن الرجل كان إذا أسلم عادى قومه وهجرهم، فسمي خروجه مراغماً، وسمي مسيره إلى النبي صلى الله عليه وسلم هجرة. والحاصل في معنى الآية أن المهاجر يجد في الأرض مكاناً يسكن فيه على رغم أنف قومه الذين هاجرهم: أي على ذلهم وهوانهم. قوله "وسعة" أي: في البلاد، وقيل: في الرزق، ولا مانع من حمل السعة على ما هو أعم من ذلك. قوله "ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله" قرئ: يدركه بالجزم على أنه معطوف على فعل الشرط، وبالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وبالنصب على إضمار أن. والمعنى: أن من أدركه الموت قبل أن يصل إلى مطلوبه، وهو المكان الذي قصد الهجرة إليه أو الأمر الذي قصد الهجرة له "فقد وقع أجره على الله" أي: ثبت ذلك عنده ثبوتاً لا يتخلف "وكان الله غفوراً" أي: كثير المغفرة "رحيماً" أي: كثير الرحمة. وقد استدل بهذه الآية على أن الهجرة واجبة على كل من كان بدار الشرك أو بدار يعمل فيها بمعاصي الله جهاراً إذا كان قادراً على الهجرة ولم يكن من المستضعفين لما في هذه الآية الكريمة من العموم وإن كان السبب خاصاً كما تقدم. وظاهرها عدم الفرق بين مكان ومكان وزمان وزمان. وقد ورد في الهجرة أحاديث، وورد ما يدل على أنه لا هجرة بعد الفتح. وقد أوضحنا ما هو الحق في شرحنا على المنتقى فليرجع إليه.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كان قوم من أهل مكة أسلموا وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر فأصيب بعضهم وقتل البعض فقال المسلمون: قد كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم، فنزلت بهم هذه الآية "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم" قال: فكتب إلي من بقي بمكة من المسلمين بهذه الآية، وأنه لا عذر لهم، فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة، فنزلت فيهم هذه الآية "ومن الناس من يقول: آمنا بالله فإذا أوذي في الله" إلى آخر الآية فكتب المسلمون إليهم بذلك فحزنوا وأيسوا من كل خير، فنزلت فيهم "ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم" فكتبوا إليهم بذلك أن الله قد جعل لكم مخرجاً فاخرجوا فخرجوا فأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى نجا من نجا، وقتل من قتل. وقد أخرجه البخاري وغيره عنه مقتصراً على أوله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله "إن الذين توفاهم الملائكة" إلى قوله "وساءت مصيراً" قال: نزلت في قيس بن الفاكه بن المغيرة والحارث بن ربيعة بن الأسود وقيس ابن الوليد بن المغيرة وأبي العاص بن منبه بن الحجاج وعلي بن أمية بن خلف، قال: لما خرج المشركون من قريش وأتباعهم لمنع أبي سفيان بن حرب وعير قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأن يطلبوا ما نيل منهم يوم نخلة، خرجوا معهم بشباب كارهين كانوا قد أسلموا واجتمعوا ببدر على غير موعد، فقتلوا ببدر كفاراً ورجعوا عن الإسلام وهم هؤلاء الذين سميناهم. وأخرج نحوه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن إسحاق. وقد روي نحو هذا من طرق. وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس أنه تلا هذه الآية "إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان" فقال: كنت أنا وأمي من المستضعفين أنا من الولدان وأمي من النساء. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله "لا يستطيعون حيلة" قال: قوة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله "لا يستطيعون حيلة" قال: نهوضاً إلى المدينة "ولا يهتدون سبيلاً" قال: طريقاً إلى المدينة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله "مراغماً كثيراً وسعة" قال: المراغم المتحول من أرض إلى أرض. والسعة: الرزق. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد "مراغما" قال: متزحزحاً عما يكره. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله "وسعة" قال: ورخاء. وأخرج أيضاً عن مالك قال: سعة البلاد. وأخرج أبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني قال السيوطي بسند رجاله ثقات عن ابن عباس قال: خرج ضمرة بن جندب من بيته مهاجراً فقال لقومه: احملوني فأخرجوني من أرض الشرك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمات في الطريق قبل أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل الوحي "ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله" الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من وجه آخر عنه نحوه. وأخرج ابن سعد وأحمد والحاكم وصححه عن عبد الله بن عتيك قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من خرج من بيته مجاهداً في سبيل الله، وأين المجاهدون في سبيل الله؟ فخر عن دابته فمات فقد وقع أجره على الله، أو لدغته دابة فمات فقد وقع أجره على الله، أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله: يعني: بحتف أنفه على فراشه، والله إنها لكلمة ما سمعتها من أحد من العرب قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قتل قعصاء فقد استوجب الجنة". وأخرج أبو يعلى والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خرج حاجاً فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة ومن خرج معتمراً فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن خرج غازياً في سبيل الله فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة". قال ابن كثير: وهذا حديث غريب من هذا الوجه.
100-قوله تعالى:"ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعةً" ، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما:"مراغماً"أي: متحولاً يتحول إليه ، وقال مجاهد : متزحزحاً عما يكره، وقال أبو عبيدة : المراغم : يقال:راغمت قومي وهاجرتهم ، وهو المضطرب والمذهب.
روى أنه لما نزلت هذه الآية سمعها رجل من بني ليث شيخ كبير مريض يقاله له جندع بن ضمرة، فقال: والله لا أبيت الليلة بمكة ، أخرجوني ، فخرجوا به يحملونه على سرير حتى أتوا به التنعيم فأدركه الموت ، فصفق يمينه على شماله ثم قال: الله هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعك عليه رسولك، فمات فبلغ خبره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: لو وافى المدينة لكان أتم وأوفى أجراً، وضحك المشركون وقالوا: / ما أدراك هذا ما طلب ، فأنزل الله :"ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت" أي: قبل بلوغه إلى مهاجره ،"فقد وقع "أي: وجب" أجره على الله"، بإيجابه على نفسه فضلاً منه ،"وكان الله غفوراً رحيماً".
100" ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا " متحولاً من الرغام وهو التراب. وقيل طريق يراغم قومه بسلوكه أي يفارقهم على رغم أنوفهم وهو أيضاً من الرغام. " وسعة " في الرزق وإظهار الدين. " ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت " وقرئ " يدركه " بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي ثم هو يدركه و بالنصب على إضمار أن كقوله:
سأترك منزلي ببني تميم وألحق بالحجاز فأستريحا
" فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما " الوقوع والوجوب متقاربان والمعنى: ثبت أجره عند الله تعالى ثبوت الأمر الواجب. والآية الكريمة نزلت في جندب بن ضمرة حمله بنوه على سرير متوجهاً إلى المدينة، فلما بلغ التنعيم أشرف على الموت فصفق بيمينه على شماله فقال: الهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايع عليه رسولك صلى الله عليه وسلم فمات.
100. Whoso migrateth for the cause of Allah will find much refuge and abundance in the earth, and whoso forsaketh his home, a fugitive unto Allah and His messenger, and death overtaketh him, his reward is then incumbent on Allah. Allah is ever Forgiving, Merciful.
100 - He who for sakes his home in the cause of God, finds in the earth many a refuge, wide and spacious: should he die as a refugee from home for God and his apostle, his reward becomes due and sure with God: and God is oft forgiving, most merciful.