[الزمر : 9] أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ
أم من) بتخفيف الميم (هو قانت) قائم بوظائف الطاعات (آناء الليل) ساعاته (ساجدا وقائما) للصلاة (يحذر الآخرة) يخاف عذابها (ويرجوا رحمة) جنة (ربه) كمن هو عاص بالكفر أو غيره وفي قراءة أم من فأم بمعنى بل والهمزة (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) أي لا يستويان كما لا يستوي العالم والجاهل (إنما يتذكر) يتعظ (أولوا الألباب) أصحاب العقول
قوله تعالى أمن هو قانت آناء الليل الآية أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله تعالى أمن هو قانت الآية قال نزلت في عثمان ابن عفان وأخرج ابن سعد من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال نزلت في عمار بن ياسر وأخرج جويبر عن ابن عباس قال نزلت في ابن مسعود وعمار بن ياسر وسالم مولى أبي حذيفة وأخرج جويبر عن عكرمة قال نزلت في عمار بن ياسر
اختلفت القراء في قراءة قوله "أمن" فقرأ ذلك بعض المكيين وبعض المدنيين وعامة الكوفيين أمن بتخفيف الميم ، ولقراءتهم ذلك كذلك وجهان : أحدهما أن يكون الألف في أمن بمعنى الدعاء، يراد بها : يا من هو قانت آناء الليل ، والعرب تنادي بالألف كما تنادي بيا، فتقول : أزيد أقبل ، ويا زيد أقبل ، ومنه قول أوس بن حجر:
أبني لبينى لستم بيد إلا يد ليست لها عضد
وإذا وجهت الألف إلى النداء كان معنى الكلام : قل تمتع أيها الكافر بكفرك قليلا، إنك من أصحاب النار، ويا من هو قانط آناء الليل ساجداً وقائماً إنك من أهل الجنة، ويكون في النار عما للفريق الكافر عند الله من الجزاء في الآخرة الكفاية عن بيان ما للفريق المؤمن ، إذ كان معلوماً اختلاف أحوالهما في الدنيا، ومعقولاً أن أحدهما إذا كان من أصحاب النار لكفره بربه أن الآخر من أصحاب الجنة، فحذف الخبر عما له ، اكتفاء بفهم السامع المراد منه من ذكره ، إذ كان قد دل على المحذوف بالمذكور. والثاني : أن تكون الألف التي في قوله أمن ألف استفهام ، فيكون معنى الكلام : أهذا كالذي جعل لله أنداداً ليضل عن سبيله ، ثم اكتفي بما قد سبق من خبر الله عن فريق الكفر به من أعدائه ، إذ كان مفهوماً المراد بالكلام ، كما قال الشاعر:
فأقسم لو شيء أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
فحذف لدفعناه وهو مراد في الكلام إذ كان مفهوماً عند السامع مراده . وقرأ ذلك بعض قراء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة "أمن" بتشديد الميم ، بمعنى : أم من هو؟ ويقولون : إنما هي "أمن" استفهام اعترض في الكلام بعد كلام قد مضى، فجاء بأم ، فعلى هذا التأويل يجب أن يكون جواب الاستفهام متروكاً من أجل أنه قد جرى الخبر عن فريق الكفر، وما أعد له في الآخرة، ثم أتبع الخبر عن فريق الإيمان ، فعلم بذلك الماراد، فاستغني بمعرفة السامع بمعناه من ذكر، إذ كان معقولاً أن معناه هذا أفضل أم هذا.
والقول في ذلك عندنا أنهما قراءتان قرأ بكل واحدة علماء من القراء5 مع صحة كل واحدة منهما في التأويل والإعراب ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقد ذكرنا اختلاف المختلفين ، والصواب من القول عندنا فيما مضى قبل في معنى القانت ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ، غير أنا نذكر بعض أقوال أهل التأويل في ذلك في هذا الموضع ، ليعلم الناظر في الكتاب اتفاق معنى ذلك في هذا الموضع وغيره . فكان بعضهم يقول : هو في هذا الموضع قراءة القارئ قائماً في الصلاة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن المثنى، قال : ثنا يحيى، عن عبيد الله ، أنه قال : أخبرني نافع ، عن ابن عمر، أنه كان إذا سئل عن القنوت ، قال : لا أعلم القنوت إلا قراءة القرآن وطول القيام ، وقرأ "أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما".
وقال آخرون : هو الطاعة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله "أمن هو قانت"يعني بالقنوت : الطاعة، وذلك أنه قال : "ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون" [الروم :25]. . . إلى "كل له قانتون" [الروم : 26 ] قال : مطيعون.
حدثنا محمد، قال : ثنا أحمد، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله "أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما"قال : القانت : المطيع.
وقوله "آناء الليل" يعني : ساعات الليل.
كما حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "أمن هو قانت آناء الليل"وله ، وأوسطه ، وآخره.
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد، قال : ثنا أسباط ، عن السدي "آناء الليل" قال : ساعات الليل . وقد مض بياننا عن معنى الآناء بشواهده ، وحكاية أقوال أهل التأويل فيها بما أغنى عن إعادثه في هذا الموضع.
وقوله "ساجدا وقائما" يقول : يقنت ساجداً أحياناً ، وأحياناً قائماً، يعني : يطيع ، والقنوت عندنا الطاعة، ولذلك نصب قوله "ساجدا وقائما" لأن معناه : أمن هو يقنت آناء الليل ساجداً طوراً ، وقائماً طوراً، فهما حال من قانت وقوله "يحذر الآخرة" يقول : يحذر عذاب الآخرة.كما:
حدثنا علي عن الحسن الأزدي ، قال : ثنا يحيى بن اليمان ، عن أشعث ، عن حعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، في قوله "يحذر الآخرة" قال : يحذر عقاب الآخرة، ويرجو رحمة ربه يقول : ويرجو أن يرحمه الله فيدخله الجنة . وقوله "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لقومك : هل يستوي الذين يعلمون ما لهم في طاعتهم لربهم من الثواب ، وما عليهم في معصيتهم إياه من التبعات ، والذين لا يعلمون ذلك ، فهم يخبطون في عشواء، لا يرجون بحسن أعمالهم خيراً ، ولا يخافون بسيئها شراً، يقول : ما هذان بمتساويين.
وقد روي عن أبي جعفر محمد بن علي في ذلك ما:
حدثني محمد بن خلف ، قال : ثني نصر بن مزاحم ، قال : ثنا سفيان الجريري ، عن سعيد بن أبي مجاهد عن جابر، عن أبي جعفر، رضوان الله عليه "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" قال : نحن الذين يعلمون ، وعدونا الذين لا يعلمون.
وقوله "إنما يتذكر أولو الألباب" يقول تعالى ذكره : إنما يعتبر حجج الله ، فيتعظ ، ويتفكر فيها، ويتدبرها أهل العقول والحجى ، لا أهل الجهل والنقص في العقول.
قوله تعالى : " أمن هو قانت آناء الليل " بين تعالى أن المؤمنليس كالكافر الذي مضى ذكره . وقرأ الحسن و أبو عمرو و عاصم و الكسائي ( أمن ) بالتشديد . وقرأ نافع و ابن كثير و يحيى بن وثاب و الأعمش و حمزة : ( أمن هو ) بلتخفيف على معنى النداء ، كأنه قال يا من هو قانت . وقال الفراء : الألف بمنزلة يا ، تقول يا زيد أقبل وأزيد أقبل . وحكي ذلك عن سيبويه وجميع النحويين ، كما قال أوس بن حجر :
أبني لبينى لستم بيد إلاى يداً ليست لها عضد
وقال آخر هو ذو الرمة :
أدارا بحزوى هجدت للعين عبرة فماء الهوى يرفض أو يترقون
فالتقدير على هذا " قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار " يا من هو قانت إنك من أصحاب الجنة ، كما يقال في الكلام : فلا نلا يصلي ولا يصوم ، فيا من يصلي ويصوم أبشر ، فحذف لدلالة الكلام عليه . وقيل : إن اللف في ( أمن ) ألف استفهام أي ( أمن هو قانت آناء الليل ) أفضل؟ أم من جعل لله أنداداً ؟ والتقدير الذي هو قانت خير . ومن شدد ( أمن ) فالمنعنى العاصون المتقدم ذكرهم خير ( أمن هو قانت ) فالجملة التي عادلت أم محذوفة ، والأصل أم من فأدغمت في الميم . النحاس : وأم بمعنى بل ، ومن بمعنى الذي ، والتقدير : أم الذي هو قانت أفضل ممن ذكر . وفي قانت أربعة أوجه : أحدها أنه المطيع ، وقاله ابن مسعود . والثاني أنه الخاشع في صلاته ، قاله ابن شهاب . الثالث أنه القائم في صلاته ، قاله يحيى بن سلام . الرابع أنه الداعي لربه . وقول ابن مسعود يجمع ذلك . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كل قنوت في القرآن فهو طاعة لله عز وجل " وروي عن جابر عن النبي أنه سئل أي الصلاة أفضل ؟ فقال : " طول القوت " وتأوله جماعة من أهل العلم على أنه طول القيام . وروى عبد الله عن نافع عن ابن عمر سئل عن القنوت فقال : ما أعرف القنوت إلا طول القيام وقراءة القرآن . وقال مجاهد : من القنوت طول الركوع وغض البصر . وكان العلماء إذا وقفوا في الصلاة غضوا أبصارهم، وخضعوا ولم يلتفتوا في صلاتهم ، ولم يعبثوا ولم يذكروا شيئاً من أمر الدنيا إلا ناسين . قال النحاس : أصل هذا أن القنوت الطاعة ، فكل ما قيل فيه فهو طاعة لله عزوجل ، فهذه الأشياء كلها داخلة في الطاعة وما هو أكثر منا كما قال نافع : قال لي ابن عمر قم فصل فقمت أصلي وكان علي ثوب خلق ، فدعاني فقال لي : أرأيت لو وجهتك في حاجة أكنت تمضي هكذا ؟ فقالت : كنت أتزين قال : فالله أحق أن تتزين له . واختلف في تعيين القانت هاهنا ، فذكر يحيى بن سلام أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال ابن عباس في وراية الضحاك عنه : هو أبو بكر رضي الله عنهما . وقال ابن عمر : هو عثمان رضي الله عنه . وقال مقاتل : إنه عمار بن ياسر . الكلبي : صهيب و أبو ذر وابن مسعود . وعن الكلبي أيضاً مرسل فيمن كان على هذه الحال . " آناء الليل " قال الحسن : ساعاته ، أوله وأوسطه وآخره . وعن ابن عباس : ( آناء الليل ) جوف الليل . قال ابن عباس : من أحب أن يهون الله عليه الوقوف يوم القيامة ، فليره الله في ظلمة الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرى ، ويرجو رحمة ربه . وقيل :ما يبن المغرب والعشاء . وقول الحسن عام . " يحذر الآخرة " قال سعيد بن جيبر : أي عذاب الآخرة . " ويرجو رحمة ربه " أي نعيم الجنة . وروي عن الحسن أنه سئل عن رجل يتمادى في المعاصي ويرجو فقال : هذا متمن . ولا يقف على قوله : " رحمة ربه " من خفف ( أمن هو قانت ) على معنى النداء ، لأن قوله : " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " متصل إلا أن يقدر في الكلام حذف وهو أيسر ، وعلى ما تقدم بيانه قال الزجاج : أي كما لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون كذلك لا يستوي المطيع والعاصي . وقال غيره : الذين يعلمون هم الذين ينفعون بعلمهم ويعلمون به ، فأما من لم ينتفع بعلمه ولم يعمل به فهو بمنزلة من لم يعلم . " إنما يتذكر أولو الألباب " أي أصحاب العقول من المؤمنين .
يقول عز وجل أمن هذه صفته كمن أشرك بالله وجعل له أنداداً, لا يستوون عند الله كما قال تعالى: "ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون" وقال تبارك وتعالى ههنا: "أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً" أي في حال سجوده وفي حال قيامه ولهذا استدل بهذه الاية من ذهب إلى أن القنوت هو الخشوع في الصلاة وليس هو القيام وحده كما ذهب إليه آخرون. وقال الثوري عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: القانت المطيع لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم وقال ابن عباس رضي الله عنهما والحسن والسدي وابن زيد: آناء الليل جوف الليل. وقال الثوري عن منصور بلغنا أن ذلك بين المغرب والعشاء, وقال الحسن وقتادة آناء الليل أوله وأوسطه وآخره. وقوله تعالى: " يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه " أي في حال عبادته خائف راج ولا بد في العبادة من هذا وهذا وأن يكون الخوف في مدة الحياة هو الغالب ولهذا قال تعالى: " يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه " فإذا كان عند الاحتضار فليكن الرجاء هو الغالب عليه كما قال الإمام عبد بن حميد في مسنده: حدثنا يحيى بن عبد الحميد حدثنا جعفر بن سليمان حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل وهو في الموت فقال له: "كيف تجدك ؟" فقال: أرجو وأخاف, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله عز وجل الذي يرجو وأمنه الذي يخافه". رواه الترمذي والنسائي في اليوم والليلة وابن ماجه من حديث سيار بن حاتم عن جعفر بن سليمان به وقال الترمذي غريب, وقد رواه بعضهم عن ثابت عن أنس عن النبي مرسلاً.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عمر بن شيبة عن عبيدة النميري حدثنا أبو خلف بن عبد الله بن عيسى الخراز حدثنا يحيى البكاء أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما يقرأ " أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه " قال ابن عمر ذاك عثمان بن عفان رضي الله عنه وإنما قال ابن عمر رضي الله عنهما ذلك لكثرة صلاة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه بالليل وقراءته حتى إنه ربما قرأ القرآن في ركعة كما روى ذلك أبو عبيدة عنه رضي الله تعالى عنه, وقال الشاعر:
ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا
وقال الإمام أحمد: كتب إلي الربيع بن نافع حدثنا الهيثم بن حميد عن زيد بن واقد عن سليمان بن موسى عن كثير بن مرة عن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ بمائة آية في ليلة كتب له قنوت ليلة" وكذا رواه النسائي في اليوم والليلة عن إبراهيم بن يعقوب عن عبد الله بن يوسف والربيع بن نافع كلاهما عن الهيثم بن حميد به. وقوله تعالى: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" أي هل يستوي هذا والذي قبله ممن جعل لله أنداداً ليضل عن سبيله "إنما يتذكر أولو الألباب" أي إنما يعلم الفرق بين هذا وهذا من له لب وهو العقل, والله أعلم.
ثم لما ذكر سبحانه صفات المشركين وتمسكهم بغير الله عند اندفاع المكروهات عنهم ذكر صفات المؤمنين فقال: 9- "أمن هو قانت آناء الليل" وهذا إلى آخره من تمام الكلام المأمور به رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمعنى ذلك الكافر أحسن حالاً ومالاً، أمن هو قائم بطاعات الله في السراء والضراء في ساعات الليل، مستمر على ذلك غير مقتصر على دعاء الله سبحانه عند نزول الضرر به. قرأ الحسن وأبو عمرو وابن عامر وعاصم والكسائي "أمن" بالتشديد، وقرأ نافع وابن كثير وحمزة ويحيى بن وثاب والأعمش بالتخفيف، فعلى القراءة الأولى أم داخلة على من الموصولة وأدغمت الميم في الميم وأم هي المتصلة معادلها محذوف تقديره: الكافر خير أم الذي هو قانت. وقيل هي المنقطعة المقدرة ببل والهمزة أي بل أمن هو قانت كالكافر، وأما على القراءة الثانية فقيل الهمزة للاستفهام دخلت على من، والاستفهام للتقرير ومقابله محذوف: أي أمن هو قانت كمن كفر. وقال الفراء: إن الهمزة في هذه القراءة للنداء ومن منادى، وهي عبارة عن النبي صلى الله عليه وسلم المأمور بقوله قل تمتع والتقدير: يا من هو قانت، قيل كيت وكيت، وقيل التقدير: يا من هو قانت إنك من أصحاب الجنة. ومن القائلين بأن الهمزة للنداء الفراء، وضعف ذلك أبو حيان، وقال: هو أجنبي عما قبله وعما بعده، وقد سبقه إلى هذا التضعيف أبو علي الفارسي، واعترض على هذه القراءة من أصلها أبو حاتم والأخفش ولا وجه لذلك فإنا إذا ثبتت الرواية بطلت الدراية.
وقد اختلف في تفسير القانت هنا فقيل المطيع، وقيل الخاشع في صلاته، وقيل القائم في صلاته، وقيل الداعي لربه. قال النحاس: أصل القنوت الطاعة، فكل ما قيل فيه فهو داخل في الطاعة، والمراد بآناء الليل ساعاته، وقيل جوفه، وقيل ما بين المغرب والعشاء، وانتصاب "ساجداً وقائماً" على الحال أي جامعاً بين السجود والقيام، وقدم السجود على القيام لكونه أدخل في العبادة، ومحل "يحذر الآخرة" النصب على الحال أيضاً: أي يحذر عذاب الآخرة قاله سعيد بن جبير ومقاتل " ويرجو رحمة ربه " فيجمع بين الرجاء والخوف، وما اجتمعا في قلب رجل إلا فاز. قيل وفي الكلام حذف، والتقدير: كمن لا يفعل شيئاً من ذلك كما يدل عليه السياق. ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم قولاً آخر يتبين به الحق من الباطل فقال " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " أي الذي يعلمون أن ما وعد الله به من البعث والثواب والعقاب حق والذين لا يعلمون ذلك، أو الذي يعلمون ما أنزل الله على رسله والذين لا يعلمون ذلك، أو المراد العلماء والجهال ومعلوم عند كل من له عقل أنه لا استواء بين العلم والجهل، ولا بين العالم والجاهل. قال الزجاج: أي كما لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، كذلك لا يستوي المطيع والعاصي. وقيل المراد بالذين يعلمون: هم العاملون بعلمهم فإنهم المنتفعون به، لأن من لم يعمل بمنزلة من لم يعلم " إنما يتذكر أولو الألباب " أي إنما يتعظ ويتدبر ويتفكر أصحاب العقول، وهم المؤمنون لا الكفار، فإنهم وإن زعموا أن لهم عقولاً فهي كالعدم وهذه الجملة ليست من جملة الكلام المأمور به بل من جهة الله سبحانه.
9. " أمن هو قانت " قرأ ابن كثير و نافع و حمزة : ((أمن)) بتخفيف الميم، وقرأ الآخرون بتشديدها، فمن شدد فله وجهان:
أحدهما: أن تكون الميم في ((أم)) صلة، فيكون معنى الكلام استفهاماً وجوابه محذوفاً، مجازه: أمن هو قانت كمن هو غير قانتس؟ كقوله: " أفمن شرح الله صدره للإسلام " (الزمر-22)، يعني كمن لم يشرح صدره.
والوجه الآخر: أنه عطف على الاستفهام، مجازه: الذي جعل لله أنداداً خير أمن هو قانت؟ ومن قرأ بالتخفيف فهو ألف استفهام دخلت على من، معناه: أهذا كالذي جعل لله أنداداً؟.
وقيل: الألف في ((أمن)) بمعنى حرف النداء، تقديره: يامن هو قانت، والعرب تنادي بالألف كما تنادي بالياء، فتقول: أبني فلان ويا بني فلان، فيكون معنى الآية: قل تمتع بكفرك قليلاً إنك من أصحاب النار، يامن هو قانت " آناء الليل "، إنك من أهل الجنة، قاله ابن عباس.
وفي رواية عطاء : نزلت في أبي بكر الصديق.
وقال الضحاك : نزلت في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وعن ابن عمر أنها نزلت في عثمان.
وعن الكلبي أنها نزلت في ابن مسعود وعمار وسلمان.
والقانت: المقيم على الطاعة. قال ابن عمر: ((القنوت)): قراءة القرآن وطول القيام، و ((آناء الليل): ساعاته، " ساجداً وقائماً "، يعني: في الصلاة " يحذر الآخرة "، يخاف الآخرة، " ويرجو رحمة ربه "، يعني: كمن لا يفعل شيئاً من ذلك، " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون "، قيل: ((الذين يعلمون)): عمار، و (( الذين لا يعلمون )): أبو حذيفة المخزومي، " إنما يتذكر أولو الألباب ".
9-" أمن هو قانت " قائم بوظائف الطاعات " آناء الليل " ساعاته وأم متصلة بمحذوف تقديره الكافر خير أم من هو قانت ، أو منقطعة والمعنى بل " أمن هو قانت " كمن هو بضده ، وقرأ الحجازيان و حمزة بتخفيف الميم بمعنى أمن هو قانت لله كمن جعل له أنداداً . " ساجداً وقائماً " حالان من ضمير " قانت " ، وقرئا بالرفع على الخبر بعد الخبر والواو للجمع بين الصفتين " يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه " في موضع الحال أو الاستئناف للتعليل " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " نفى لاستواء الفريقين باعتبار القوة العلمية بعد نفيه باعتبار القوة العملية على وجه أبلغ لمزيد فضل العلم . وقيل تقرير للأول على سبيل التشبيه أي كما لا يستوي العالمون والجاهلون لا يستوي القانتون والعاصون " إنما يتذكر أولو الألباب " بأمثال هذه البيانات ، وقرئ يذكر بالإدغام .
9. Is he who payeth adoration in the watches of the night, prostrate and standing, bewaring of the Hereafter and hoping for the mercy of his Lord, (to be accounted equal with a disbeliever)? Say (unto them, O Muhammad): Are those who know equal with those who know not? But only men of understanding will pay heed.
9 - Is one who worships devoutly during the hours of the night prostrating himself or standing (in adoration), who takes heed of the Hereafter, and who places his hope in the Mercy of his Lord (like one who does not)? Say: are those equal, those who know and those who do not know? It is those who are endued with understanding that receive admonition.