[الزمر : 67] وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
67 - (وما قدروا الله حق قدره) ما عرفوه حق معرفته أو ما عظموه حق عظمته حين أشركوا به غيره (والأرض جميعا) حال أي السبع (قبضته) أي مقبوضة له في ملكه وتصرفه (يوم القيامة والسماوات مطويات) مجموعات (بيمينه) بقدرته (سبحانه وتعالى عما يشركون) معه
وأخرج الترمذي وصححه عن ابن عباس قال مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السموات على ذه والأرضين على ذه والماء على ذه والجبال على ذه فأنزل الله وما قدروا الله حق قدره الآية والحديث في الصحيح بلفظ فتلا دون فأنزل.
ك وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال غدت اليهود فنظروا في خلق السموات والأرض والملائكة فلما فرغوا أخذوا يقدرونه فأنزل الله وما قدروا الله حق قدره
ك وأخرج عن سعيد بن جبير قال تكلمت اليهود في صفة الرب فقالوا بما لم يعلموا ولم يروا فأنزل الله هذه الآية
ك وأخرج ابن المنذر عن الربيع بن أنس قال لما نزلت وسع كرسيه السموات والأرض قالوا يا رسول الله هذا الكرسي هكذا فكيف العرش فأنزل الله وما قدروا الله الآية
وقوله : " وما قدروا الله حق قدره " يقول تعالى ذكره : وما عظم الله حق عظمته ، هؤلاء المشركون بالله ، الذين يدعونك إلى عبادة الأوثان .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : " وما قدروا الله حق قدره " قال : هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم ، فمن آمن أن الله على كل شيء قدير ، فقد قدر الله حق قدره ، ومن لم يؤمن بذلك ، فلم يقدر الله حق قدره .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " وما قدروا الله حق قدره " : ما عظموا الله حق عظمته .
وقوله : " والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة " يقول تعالى ذكره : والأرض كلها قبضته في يوم القيامة " والسماوات " كلها " مطويات بيمينه " فالخبر عن الأرض متناه عند قوله : يوم القيامة ، والأرض مرفوعة بقوله : " قبضته " ، ثم استأنف الخبر عن السموات ، فقال : " والسماوات مطويات بيمينه " وهي مرفوعة بمطويات .
وروي عن ابن عباس وجماعة غيره أنهم كانوا يقولون : الأرض والسموات جميعاً في يمينه يوم القيامة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة " يقول : قد قبض الأرضين والسموات جميعاً بيمينه ، ألم تسمع أنه قال : " مطويات بيمينه " يعني : الأرض والسموات بيمينه جميعاً ، قال ابن عباس : وإنما يستعين بشماله المشغولة يمينه .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا معاذ بن هشام ، قال : ثني أبي عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس ، قال : ما السموات السبع ، والأرضون السبع في يد الله إلا كخردلة في يد أحدكم .
قال : ثنا معاذ بن هشام ، قال : ثني أبي ، عن قتادة ، قال : ثنا النضر بن أنس ، عن ربيعة الجرسي ، قال : " والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه " قال : ويده الأخرى خلو ليس فيها شيء .
حدثني علي بن الحسن الأزدي ، قال : ثنا يحيى بن يمان ، عن عمارة بن عمرو ، عن الحسن ، في قوله : " والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة " قال : كأنها جوزة بقضها وقضيضها .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة " يقول : السموات والأرض مطويات بيمينه جميعاً .
وكان ابن عباس يقول : إنما يستعين بشماله المشغولة يمينه ، وإنما الأرض والسموات كلها بيمينه ، وليس في شماله شيء .
حدثنا الربيع ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني أسامة بن زيد ، عن أبي حازم ، عن عبد الله بن عمر ، " أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب الناس ، فمر بهذه الآية " وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يأخذ السموات والأرضين السبع فيجعلهما في كفه ، ثم يقول بهما كما يقول الغلام بالكرة : أنا الله الواحد ، أنا الله العزيز " حتى لقد رأينا المنبر وإنه ليكاد أن يسقط به .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، عن سفيان ، قال : ثني منصور و سليمان ، عن إبراهيم ، عن عبيدة السلماني ، عن عبد الله ، قال : " جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد إن الله يمسك السموات على أصبع ، والأرضين على أصبع ، والجبال على أصبع ، والخلائق على أصبع ، ثم يقول : أنا الملك ، قال : فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال : " وما قدروا الله حق قدره " " .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا فضيل بن عياض ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبيدة عن عبد الله ، قال : " فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تعجباً وتصديقاً " .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط عن السدي ، عن منصور ، عن خيثمة بن عبد الرحمن ، عن علقمة ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين جاءه حبر من أحبار اليهود ، فجلس إليه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : حدثنا قال : إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ، جعل السموات على أصبع ، والأرضين على أصبع ، والجبال على أصبع ، والماء والشجر على أصبع ، وجميع الخلائق على أصبع ، ثم يهزهن ثم يقول : أنا الملك ، قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لما قال ، ثم قرأ هذه الآية " وما قدروا الله حق قدره " ... الآية " .
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، نحو ذلك .
حدثني سليمان بن عبد الجبار ، و عباس بن أبي طالب ، قالا : ثنا محمد بن الصلت ، قال : ثنا أبو كدينة عن عطاء بن السائب ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس ، قال : " مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس ، فقال : يا يهودي حدثنا ، فقال : كيف تقول يا أبا القاسم يوم يجعل الله السماء على ذه ، والأرض على ذه ، والجبال على ذه ، وسائر الخلق على ذه . فأنزل الله " وما قدروا الله حق قدره " ... الآية " .
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : " أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من أهل الكتاب ، فقال : يا أبا القاسم أبلغك أن يحمل الخلائق على أصبع ، والسموات على أصبع ، والأرضين على أصبع ، والشجر على أصبع ، والثرى على أصبع ؟ قال فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ، فأنزل الله " وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته " ... إلى آخر الآية " .
وقال آخرون : بل السموات في يمينه ، والأرضون في شماله .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا علي بن داود ، قال : ثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا أبن أبي حازم ، قال : ثني أبو حازم عن عبيد الله بن مقسم ، أنه سمع عبد الله بن عمر يقول : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول : يأخذ الجبار سمواته وأرضه بيديه - وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ، وجعل يقبضهما ويبسطهما - قال : ثم يقول : أن الرحمن أنا الملك ، أين الجبارون ، أين المتكبرون ، وتمايل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وعن شماله ، حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه ، حتى إني لأقول أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم " .
حدثني أبو علقمة الفروي عبد الله بن محمد ، قال : ثني عبد الله بن نافع ، عن عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، عن عبيد بن عمير ، عن عبد الله بن عمر ، أنه قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يأخذ الجبار سمواته وأرضه بيده ، وقبض يده فجعل يقبضها ويبسطها ، ثم يقول : أنا الجبار ، أنا الملك ، أين الجبارون ، أين المتكبرون ؟ قال : ويميل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وعن شماله ، حتى نظرت إلى المنير يتحرك من أسفل شيء منه ، حتى إني لأقول : أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ " .
حدثني الحسن بن علي بن عياش الحمصي ، قال : ثنا بشر بن شعيب ، قال : أخبرني أبي ، قال : ثنا محمد بن مسلم بن شهاب ، قال : أخبرني سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة أنه كان يقول : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقبض الله عز وجل الأرض يوم القيامة ويطوي السماوات بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ " .
حدثت عن حرملة بن يحيى ، قال : ثنا ادريس بن يحيى القائد ، قال : أخبرنا حيوة ، عن عقيل عن ابن شهاب ، قال : أخبرني نافع مولى ابن عمر ، عن عبد الله بن عمر ، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله يقبض الأرض يوم القيامة بيده ، ويطوي السماء ويقول أنا الملك " .
حدثني محمد بن عون ، قال : ثنا أبو المغيرة ، قال : ثنا ابن أبي مريم ، قال : ثنا سعيد بن ثوبان الكلاعي عن أبي أيوب الأنصاري ، قال : " أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حبر من اليهود ، قال : أرأيت إذ يقول الله في كتابه : " والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه " فأين الخلق عند ذلك ؟ قال : هم فيها كرقم الكتاب " .
حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، قال : ثنا أبو أسامة ، قال : ثنا عمرو بن حمزة ، قال : ثني سالم ، عن أبيه ، " أنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يطوي الله السماوات فيأخذهن بيمينه ويطوي الأرض فيأخذها بشماله ، ثم يقول : أنا الملك أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ " .
وقيل : إن هذه الآية نزلت من أجل يهودي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفة الرب .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، قال : ثني إبن اسحاق ، عن محمد عن سعيد قال : " أتى رهط من اليهود نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا محمد ، هذا الله خلق الخلق ، فمن خلقه ؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتقع لونه ، ثم ساورهم غضباً لربه ، فجاءه جبريل فسكنه ، وقال : إخفض عليك جناحك يا محمد وجاءه من الله جواب ما سألوه عنه ، قال : يقول الله تبارك وتعالى : " قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد " [ الإخلاص : 1 - 4 ] فلما تلاها عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : صف لنا ربك ! كيف خلقه ، وكيف عضده ، وكيف ذراعه ؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأول ثم ساورهم ، فأتاه جبريل فقال مثل مقالته ، وأتاه بجواب ما سألوه عنه " وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون " " .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال : تكلمت اليهود في صفة الرب ، فقالوا ما لم يعلموا ولم يروا ، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم " وما قدروا الله حق قدره " ثم بين للناس عظمته فقال : " والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون " ، فجعل صفتهم التي وصفوا الله بها شركاً .
وقال بعض أهل العربية من أهل البصرة " والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه " يقول في قدرته نحو قوله " وما ملكت أيمانكم " [ النساء : 36 ] أي وما كانت لكم عليه قدرة وليس الملك لليمين دون سائر الجسد ، قال : وقوله " قبضته " نحو قولك للرجل هذا في يدك وفي قبضتك . والأخبار التي ذكرناه عن رسول الله وعن أصحابه وغيرهم ، تشهد على بطول هذا القول .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا هارون بن المغيرة ، عن عنبسة ، عن حبيب بن أبي عمرة عن مجاهد ، عن ابن عباس ، عن عائشة ، قالت : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن قوله : " والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة " فأين الناس يومئذ ؟ قال : على الصراط " .
وقوله : " سبحانه وتعالى عما يشركون " يقول تعالى ذكره تنزيهاً وتبرئة لله ، وعلواً وارتفاعاً عما يشرك به هؤلاء المشركون من قومك يا محمد ، القائلون لك : اعبد الأوثان من دون الله ، واسجد لألهتنا .
قوله تعالى : " وما قدروا الله حق قدره " قال المبرد : ما عضموه حق عظمته من قولك فلان عظيم القدر . قال النحاس : والمعنى على هذا وما عضموه حق عظمته إذا عبدوا معه غيره وهو خالق الأشياء ومالكها . ثم أخبر عن قدرته وعظمته فقال : " والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه " ثم نزه نفسه عن أن يكون ذلك بجارحة فقال : " سبحانه وتعالى عما يشركون " وفي الترمذي عن عبد الله قال : جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد إن الله يمسك السموات على إصبع والخلائق على إصبع ثم يقول أنا الملك . وفضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال : ( وما قدروا اله حق قدره ) قال : هذا حديث حسن صحيح . وي البخاري و مسلم عن أبي هريرة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض " وفي الترمذي عن عائشة : أنها سألت رسول اللق صلى الله عليه وسلم عن قوله : " والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه " قالت قلت فاين الناس يؤمئذ يا رسول الله ؟ قال : ( على جسر جهنم ) في رواية ( على الصراط يا عائشة ) قال : حديث حسن صحيح وقوله : " والأرض جميعا قبضته " ( ويقبض الله الأرض ) عبارة عن قدرته وإحاطته بجميع مخلوقاته ، يقال : ما فلان إلا في قبضتي ، بمعنى ما فلان إلا في قدرتي ، والناس يقولون الأشياء في قبضته يريدون في ملكه وقدرته . وقد يكون معنى القبض والطي إفناء الشيء وإذهابه فقوله جل وعز : " والأرض جميعا قبضته " يحتمل أن يكون المراد به والأرض جميعاً ذاهبة فانية يوم القيامة ، والمراد بالأرض الأرضون السبع ، يشهد لذلك شاهدان : قوله : " والأرض جميعا " ولأن الموضع موضع تفخيم وهو مقتض للمبالغة . وقوله : " والسماوات مطويات بيمينه " ليس يريد به طيا بعلاج وانتصاب ، وإنما المراد بذلك الفناء والذهاب ، يقال : قد انطوى عنا ما كنا فيه وجاءنا غيره . وانطوى عنا دهر بمعنى المضي والذهاب . واليمين في كلا م العرب قد تاكون بمعنى القدرة والملك ، ومنه قوله : "أو ما ملكت أيمانكم " [النساء : 3] يريد به الملك ، وقال " لأخذنا منه باليمين " [الحاقة : 45] أي بالقوة والقدرة أي لأخذنا قوته وقدرته . وقال الفراء و المبرد : اليمين القوة والقدرة . وأنشدا :
إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين
وقال آخر :
ولما رأيت الشمس أشرق نورها تناولت منها حاجتي بيمين
قتلت شنيفاً ثم فاران بعده وكان على الأيات غير أمين
وإنما خص يوم القيامة بالذكر وإن كانت قدرته شاملة لكل شيء أيضاً ، لأن الدعاوى تنقطع ذلك ، كما قال : " والأمر يومئذ لله " [ الأنفطار : 19] وقال : " مالك يوم الدين " [الفاتحة : 4] حسب ما تقدم في ( الفاتحة) ولذلك قال في الحديث : " ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض " وقد زدنا هذا الباب في ( التذكرة ) بياناً ، وتكلمنا على ذكر الشمال في حديث ابن عمر قوله : " ثم يطوي الأرض بشماله "
يقول تبارك وتعالى: "وما قدروا الله حق قدره" أي ما قدر المشركون الله حق قدره حين عبدوا معه غيره وهو العظيم الذي لا أعظم منه القادر على كل شيء المالك لكل شيء وكل شيء تحت قهره وقدرته, قال مجاهد: نزلت في قريش, وقال السدي: ما عظموه حق تعظيمه, وقال محمد بن كعب: لو قدروه حق قدره ما كذبوا, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما "وما قدروا الله حق قدره" هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم. فمن آمن أن الله على كل شيء قدير فقد قدر الله حق قدره, ومن لم يؤمن بذلك فلم يقدر الله حق قدره وقد وردت أحاديث كثيرة متعلقة بهذه الاية الكريمة والطريق فيها وفي أمثالها مذهب السلف وهو إمراراها كما جاءت من غير تكييف ولا تحريف. قال البخاري قوله تعالى: "وما قدروا الله حق قدره" حدثنا آدم حدثنا شيبان عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إنا نجد الله عز وجل يجعل السموات على أصبع والأرضين على أصبع, والشجر على أصبع, والماء والثرى على أصبع, وسائر الخلق على أصبع فيقول أنا الملك, فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة" الاية ورواه البخاري أيضاً في غير هذا الموضع من صحيحه والإمام أحمد: ومسلم والترمذي والنسائي في التفسير من سننهما كلهم من حديث سليمان بن مهران الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة عن ابن مسعود رضي الله عنه بنحوه, وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب فقال: يا أبا القاسم أبلغك أن الله تعالى يحمل الخلائق على أصبع والسموات على أصبع والأرضين على أصبع والشجر على أصبع والماء والثرى على أصبع, قال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه قال وأنزل الله عز وجل "وما قدروا الله حق قدره" إلى آخر الاية, وهكذا رواه البخاري ومسلم والنسائي من طرق عن الأعمش به, وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن حسن الأشقر حدثنا أبو كدينة عن عطاء عن أبي الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس فقال: كيف تقول يا أبا القاسم يوم يجعل الله سبحانه وتعالى السماء على ذه ـ وأشار بالسبابة ـ والأرض على ذه والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه ـ كل ذلك يشير بأصابعه ـ قال فأنزل الله عز وجل "وما قدروا الله حق قدره" الاية وكذا رواه الترمذي في التفسير عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن محمد بن الصلت أبي جعفر عن أبي كدينة يحيى بن المهلب عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى مسلم بن صبيح به وقال حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. ثم قال البخاري: حدثنا سعيد بن عفير حدثنا الليث حدثني عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يقبض الله تعالى الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض" تفرد به من هذا الوجه ورواه مسلم من وجه آخر. وقال البخاري في موضع آخر حدثنا مقدم بن محمد حدثنا عمي القاسم بن يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تبارك وتعالى يقبض يوم القيامة الأرضين على أصبع وتكون السموات بيمينه ثم يقول أنا الملك" تفرد به أيضاً من هذا السياق وأطول فقال: حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن عبيد الله بن مقسم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الاية ذات يوم على المنبر "وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون" ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هكذا بيده يحركها يقبل بها ويدبر "يمجد الرب نفسه أنا الجبار أنا المتكبر أنا الملك أنا العزيز أنا الكريم" فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر حتى قلنا ليخرن به وقد رواه مسلم والنسائي وابن ماجه من حديث عبد العزيز بن أبي حازم زاد مسلم ويعقوب بن عبد الرحمن كلاهما عن أبي حازم عن عبيد الله بن مقسم عن ابن عمر رضي الله عنهما به نحوه. ولفظ مسلم عن عبيد الله بن مقسم في هذا الحديث أنه نظر إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كيف يحكي النبي صلى الله عليه وسلم قال: يأخذ الله تبارك وتعالى سمواته وأرضيه بيده ويقول أنا الملك ويقبض أصابعه ويبسطها أنا الملك حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إني لأقول أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال البزار: حدثنا سليمان بن سيف حدثنا أبو علي الحنفي حدثنا عباد المنقري حدثني محمد بن المنكدر قال حدثنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الاية على المنبر " وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون " فقال المنبر هكذا فجاء وذهب ثلاث مرات والله أعلم, ورواه الإمام الحافظ أبو القاسم الطبراني من حديث عبيد بن عمير عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وقال صحيح. وقال الطبراني في المعجم الكبير حدثنا عبد الرحمن بن معاوية العتبي حدثنا حيان بن نافع عن صخر بن جويرية حدثنا سعيد بن سالم القداح عن معمر بن الحسن عن بكر بن خنيس عن أبي شيبة عن عبد الملك بن عمير عن جرير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفر من أصحابه رضي الله عنهم: "إني قارىء عليكم آيات من آخر سورة الزمر فمن بكى منكم وجبت له الجنة" فقرأها صلى الله عليه وسلم من عند "وما قدروا الله حق قدره" إلى آخر السورة فمنا من بكى ومنا من لم يبك فقال الذين لم يبكوا يا رسول الله لقد جهدنا أن نبكي فلم نبك فقال صلى الله عليه وسلم: "إني سأقرؤها عليكم فمن لم يبك فليتباك" هذا حديث غريب جداً, وأغرب منه ما رواه في المعجم الكبير أيضاً حدثنا هاشم بن زيد حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش حدثني أبي حدثني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يقول ثلاث خلال غيبتهن عن عبادي لو رآهن رجل ما عمل بسوء أبداً: لو كشفت غطائي فرآني حتى استيقن ويعلم كيف أفعل بخلقي إذا أتيتهم وقبضت السموات بيدي ثم قبضت الأرضين ثم قلت أنا الملك من ذا الذي له لملك دوني فأريهم الجنة وما أعددت لهم فيها من كل خير فيستيقنوها وأريهم النار وما أعددت لهم فيها من كل شر فيستيقنوها ولكن عمداً غيبت ذلك عنهم لأعلم كيف يعملون وقد بينته لهم" وهذا إسناد متقارب وهي نسخة تروى بها أحاديث جمة والله أعلم.
67- "وما قدروا الله حق قدره" قال المبرد: أي ما عظموه حق عظمته، من قولك فلان عظيم القدر، وإنما وصفهم بهذا لأنهم عبدوا غير الله وأمروا رسوله بأن يكون مثلهم في الشرك. وقرأ الحسن وأبو حيوة وعيسى بن عمر قدروا بالتشديد "والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة" القبضة في اللغة ما قبضت عليه بجميع كفك، فأخبر سبحانه عن عظيم قدرته بأن الأرض كلها مع عظمها وكثافتها في مقدوره كالشيء الذي يقبض عليه القابض بكفه كما يقولون: هو في يد فلان وفي قبضته للشيء الذي يهون عليه التصرف فيه وإن لم يقبض عليه، وكذا قوله: "والسموات مطويات بيمينه" فإن ذكر اليمين للمبالغة في كمال القدرة كما يطوي الواحد منا الشيء المقدور له طيه بيمينه، واليمين في كلام العرب قد تكون بمعنى القدرة والملك. قال الأخفش بيمينه يقول في قدرته، نحو قوله: "أو ما ملكت أيمانكم" أي ما كانت لكم قدرة عليه، وليس الملك لليمين دون الشمال وسائر الجسد، ومنه قوله سبحانه: "لأخذنا منه باليمين" أي بالقوة والقدرة، ومنه قول الشاعر:
إذا ما راية نصبت لمجد تلقاها عرابة باليمين
وقول الآخر:
ولما رأيت الشمس أشرق نورها تناولت منها حاجتي بيمين
وقول الآخر:
عطست بأنف شامخ وتناولت يداي الثريا قاعداً غير قائم
وجملة "والأرض جميعاً قبضته" في محل نصب على الحال: أي ما عظموه حق تعظيمه، والحال أنه متصف بهذه الصفة الدالة على كمال القدرة. قرأ الجمهور برفع "قبضته" على أنها خبر المبتدأ، وقرأ الحسن بنصبها، ووجه ابن خالويه بأنه على الظرفية: أي في قبضته. وقرأ الجمهور " مطويات " بالرفع على أنها خبر المبتدأ، والجملة في محل نصب على الحال كالتي قبلها، وبيمينه متعلق بمطويات، أو حال من الضمير في مطويات على الأرض، وتكون قبضته خبراً على الأرض والسموات، وتكون مطويات حالاً، أو تكون مطويات منصوبة بفعل مقدر، وبيمينه الخب{، وخص يوم القيامة بالذكر وإن كانت قدرته شاملة، لأن الدعاوى تنقطع فيه كما قال سبحانه "الملك يومئذ لله" وقال "مالك يوم الدين" ثم نزه سبحانه نفسه فقال: "سبحانه وتعالى عما يشركون" به من المعبودات التي يجعلونها شركاء له مع هذه القدرة العظيمة والحكمة الباهرة.
67. قوله عز وجل: " وما قدروا الله حق قدره "، ما عظموه حق عظمته حين أشركوا به غيره، ثم أخبر من عظمته فقال: " والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ".
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا آدم، حدثنا شيبان عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (( يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السموات علىة إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وشائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجده تصديقاً لقول الحبر، ثم قرأ: " وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة ".
ورواه مسلم بن الحجاج عن أحمد بن عبد الله بن يونس عن فضيل بن عياض عن منصور، وقال: (( والجبال والشجر على إصبع، وقال: ثم يهزهن هزاً، فيقول (أنا الملك أنا الله) )).
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أخبرني الحسين بن فنجويه ، حدثنا عمر بن الخطاب، حدثنا عبد الله بن الفضل ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو أسامة، عن عمر بن حمزة، عن سالم بن عبد الله، أخبرني عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين ثم يأخذهن بشماله، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون؟ ثم يطوى الأرضين ثم يأخذهن بشماله، ثم قال: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون "، هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة .
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشميهني ، حدثنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ، حدثنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أخبرنا عبد الله بن محمود ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن يونس عن الزهري ، حدثني سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض ".
67-" وما قدروا الله حق قدره " ما قدروا عظمته في أنفسهم حق تعظيمه حيث جعلوا له شركاء ووصفوه بما لا يليق به ، وقرئ بالتشديد " والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة و السموات مطويات بيمينه " تنبيه على عظمته وحقارة الأفعال العظام التي تتحير فيها الأوهام بالإضافة إلى قدرته ، ودلالة على أن تخريب العالم أهون شيء عليه على طريقة التمثيل والتخييل من غير اعتبار القبضة واليمين حقيقة ولا مجازاً كقولهم : شابت لمة الليل ، والقبضة المرة من القبض أطلقت بمعنى القبضة وهي المقدار المقبوض بالكف تسمية بالمصدر أو بتقدير ذات قبضة . وقرئ بالنصب على الظرف تشبيهاً للمؤقت بالمبهم ، وتأكيد " الأرض " بالجميع لأن المراد بها الأرضون السبع أو جميع أبعاضها البادية والغائرة . وقرئ " مطويات " على أنها حال و " السموات " معطوفة على " الأرض " منظومة في حكمها . " سبحانه وتعالى عما يشركون " ما أبعد وأعلى من هذه قدرته وعظمته عن إشراكهم ، أو ما يضاف إليه من الشركاء .
67. And they esteem not Allah as He hath the right to be esteemed, when the whole earth is His handful on the Day of Resurrection, and the heavens are rolled in His right hand. Glorified is He and High Exalted from all that they ascribe as partner (unto Him).
67 - No just estimate have they made of God, such as is due to Him: on the Day of Judgment the whole of earth will be but His handful, and the heavens will be rolled up in His right hand: Glory to Him. High is He above the partners they attribute to Him.