[الزمر : 5] خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ
- (خلق السماوات والأرض بالحق) متعلق بخلق (يكور) يدخل (الليل على النهار) فيزيد (ويكور النهار) يدخله (على الليل) فيزيد (وسخر الشمس والقمر كل يجري) في فلكه (لأجل مسمى) ليوم القيامة (ألا هو العزيز) الغالب على أمره المنتقم من أعدائه (الغفار) لأوليائه
يقول تعالى ذكره واصفاً نفسه بصفتها "خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل" يقول : يغشي هذا على هذا ، وهذا على هذا ، كما قال "يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل" [الحج : 61]، [ولقمان : 29] ، [وفاطر : 31] ، [والحديد : 6].
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل" يقول : يحمل الليل على النهار.
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله "يكور الليل على النهار" قال : يدهوره.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، ، عن قتادة، قوله "يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل" قال : يغشى هذا هذا، ويغشى هذا هذا.
حدثنا محمد، قال : ثنا أحمد، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قوله "يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل" قال : يجيء بالنهار ويذهب بالليل ، ويجيء بالليل ويذهب بالنهار.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل" حين يذهب بالليل ويكور النهار عليه ، ويذهب بالنهار ويكور الليل عليه.
وقوله "وسخر الشمس والقمر" يقول تعالى ذكره : وسخر الشمس والقمر لعباده ، ليعلموا بذلك عدد السنين والحساب ، ويعرفوا الليل من النهار لمصلحة معاشهم "كل يجري لأجل مسمى" يقول : "كل" ذلك يعني الشمس والقمر "يجري لأجل مسمى" يعني إلى قيام الساعة، وذلك إلى أن تكور الشمس ، وتنكدر النجوم. وقيل : معنى ذلك : أن لكل واحد منهما منازل ، لا تعدوه ولا تقصر دونه.
"ألا هو العزيز الغفار" يقول تعالى ذكره : ألا إن الله الذي فعل هذه الأفعال وأنعم على خلقه هذه النعم هو العزيز في انتقامه ممن عاداه ، الغفار لذنوب عباده التائبين إليه منها بعفوه لهم عنها.
قوله تعالى : " خلق السماوات والأرض بالحق " أي هو القادر على الكمال المستغني عن الصاحبة والولد ، ومن كان هكذا فحقه أن يفرد بالعبادة لا أنه يشرك به ونبه بهذا على أن له أن يتعبد العباد بما شاء وقد فعل . وقوله تعالى : " يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل " قال الضحاك : أي يلقي هذا على هذا وهذا على هذا . وهذا على معنى التكير في اللغة وهو طرح الشيء بعضه على بعض ، يقال كور المتاع أي ألقى بعضه على بعض ، ومنه كور العمامة . وقد روي عن ابن عباس هذا في معنى الآية . وقال : مانقص من الليل دخل في النهار وما نقص من النهار دخر في الليل . وهو معنى قوله تعالى : " يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل " [ فاطر : 13] وقيبل : تكوير الليل على النهار تغشيته إياه حتى يذهب ضوءه ، ويغشى النهار على الليل فيذهب ظلمته ، وهذا قول قتادة . وهو معنى قوله تعالى : " يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا " [الأعراف : 54] . " وسخر الشمس والقمر " أي بالطلوع والغروب لمنافع العباد . " كل يجري لأجل مسمى " أي في فلكه إلى أن تنصررم الدنيا وهو يوم القيامة [ حين ] تنفطر السماء وتنتثر الكواكب . وقيل : الأجل المسم ى هو الوقت الذي ينتهي فيه سير الشمس والقمر إلى المنازل المرتبة لغروبها وطلوعها . قال الكلبي : يسران إلى أقصى منازلهما ، ثم يرجعان إلى أدني منازلها لا يجاوزانه . وقد تقدم بيان هذا في سورة ( يس ) . " ألا هو العزيز الغفار " ( ألا ) تنبيه أي تنبهوا فإني أن ( العزيز ) الغالب ( الغفار ) الساتر لذنوب خلقه برحمته .
يخبر تعالى أنه الخالق لما في السموات والأرض وما بين ذلك من الأشياء وبأنه مالك الملك المتصرف فيه يقلب ليله ونهاره "يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل" أي سخرهما يجريان متعاقبين لا يفتران كل منهما يطلب الاخر طلباً حثيثاً كقوله تبارك وتعالى: "يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً" هذا معنى ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة والسدي وغيرهم. وقوله عز وجل: "وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى" أي إلى مدة معلومة عند الله تعالى ثم ينقضي يوم القيامة "ألا هو العزيز الغفار" أي مع عزته وعظمته وكبريائه وهو غفار لمن عصاه ثم تاب أو أناب إليه.
وقوله جلت عظمته: "خلقكم من نفس واحدة" أي خلقكم مع اختلاف أجناسكم وأصنافكم وألسنتكم وألوانكم من نفس واحدة وهو آدم عليه الصلاة والسلام "ثم جعل منها زوجها" وهي حواء عليها السلام كقوله تعالى: " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء " وقوله تعالى: "وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج" أي خلق لكم من ظهور الأنعام ثمانية أزواج وهي المذكورة في سورة الأنعام, ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين وقوله عز وجل: "يخلقكم في بطون أمهاتكم" أي قدركم في بطون أمهاتكم "خلقاً من بعد خلق" يكون أحدكم أولاً نطفة ثم يكون علقة ثم يكون مضغة ثم يخلق فيكون لحماً وعظماً وعصباً وعروقاً وينفخ فيه الروح فيصير خلقاً آخر "فتبارك الله أحسن الخالقين".
وقوله جل وعلا: "في ظلمات ثلاث" يعني في ظلمة الرحم وظلمة المشيمة التي هي كالغشاوة والوقاية على الولد وظلمة البطن. كذا قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وعكرمة وأبو مالك والضحاك وقتادة والسدي وابن زيد. وقوله جل جلاله: "ذلكم الله ربكم" أي هذا الذي خلق السموات والأرض وما بينهما وخلقكم وخلق آباءكم هو الرب له الملك والتصرف في جميع ذلك "لا إله إلا هو" أي الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له "فأنى تصرفون" أي فكيف تعبدون معه غيره ؟ أين يذهب بعقولكم ؟
5- "لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى" هذا مقرر لما سبق من إبطال قول المشركين بأن الملائكة بنات الله لتضمنه استحالة الولد في حقه سبحانه على الإطلاق، فلو أراد أن يتخذ ولداً لامتنع اتخاذ الولد حقيقة ولم يتأت ذلك إلا بأن يصطفي "مما يخلق ما يشاء" أي يختار من جملة خلقه ما يشاء أن يصطفيه، إذ لا موجود سواه إلا وهو مخلوق له، ولا يصح أن يكون المخلوق ولداً للخالق لعدم المجانسة بينهما، فلم يبق إلا أن يصطفيه عبداً كما يفيده التعبير بالاصطفاء مكان الاتخاذ، فمعنى الآية: لو أراد أن يتخذ ولداً لوقع منه شيء ليس هو من اتخاذ الولد، بل إنما هو من الاصطفاء لبعض مخلوقاته، ولهذا نزه سبحانه نفسه عن اتخاذ الولد عن الاطلاق فقال: "سبحانه" أي تنزيهاً له عن ذلك، وجملة "هو الله الواحد القهار" مبينة لتنزهه بحسب الصفات بعد تنزهه بحسب الذات: أي هو المستجمع لصفات الكمال المتوحد في ذاته فلا مماثل له القهار لكل مخلوقاته، ومن كان متصفاً بهذه الصفات استحال وجود الولد في حقه. لأن الولد مماثل لوالده ولا مماثل له سبحانه، ومثل هذه الآية قوله سبحانه "لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا".
5. " خلق السموات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل "، قال قتادة : يغشي هذا هذا، كما قال: " يغشي الليل النهار " (الأعراف-54)، وقيل: يدخل أحدهما على الآخر كما قال: " يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل " (الحج-61).
وقال الحسن ، و الكلبي : ينقص من الليل فيزيد في النهار، وينقص من النهار فيزيد في الليل، فما نقص من الليل دخل في النهار، وما نقص من النهار دخل في الليل، ومنتهى النقصان تسع ساعات، ومنتهى الزيادة خمس عشرة ساعة، وأصل التكوير اللف والجمع، ومنه: كور العمامة. " وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمىً ألا هو العزيز الغفار ".
5-" خلق السموات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل " يغشى كل واحد منهما الآخر كأنه يلفه عليه لف اللباس باللابس ، أو يغيبه به كما يغيب الملفوف باللفافة ، أو يجعله كاراً عليه كروراً متتابعاً تتابع أكوار العمامة "وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى " هو منتهى دوره أو منقطع حركته " ألا هو العزيز " القادر على كل ممكن الغالب على كل شيء . " الغفار " حيث لم يعاجل بالعقوبة وسلب ما في هذه الصنائع من الرحمة وعموم المنفعة .
5. He hath created the heavens and the earth with truth. He maketh night to succeed day, and He maketh day to succeed night, and He constraineth the sun and the moon to give service, each running on for an appointed term. Is not He the Mighty, the Forgiver?
5 - He created the heavens and the earth in true (proportions): He makes the Night overlap the Day, and the Day overlap the Night: he has subjected the sun and the moon (to His law): each one follows a course for a time appointed. Is not He the Exalted in Power He Who forgives again and again?