[الزمر : 30] إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ
30 - (إنك) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم (ميت وإنهم ميتون) ستموت ويموتون فلا شماتة بالموت نزلت لما استبطئوا موته صلى الله عليه وسلم
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إنك يا محمد ميت عن قليل ، وإن هؤلاء المكذبيك من قومك والمؤمنين منهم ميتون " ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون " يقول : ثم إن جميعكم المؤمنين والكافرين يوم القيامة عند ربكم تختصمون فيأخذ للمظلوم منكم من الظالم ، ويفصل بين جميعكم بالحق .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : عني به اختصام المؤمنين والكافرين ، واختصام المظلوم والظالم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا علي ، قال ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله " ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون " يقول يخاصم الصادق الكاذب ، والمظلوم الظالم ، والمهتدي الضال ، والضعيف المستكبر .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون " قال : أهل الإسلام وأهل الكفر .
حدثني ابن البرقي ، قال : ثنا ابن أبي مريم ، قال : ثنا ابن الداروردي ، قال : ثني محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، " عن عبد الله بن الزبير ، قال : لما نزلت هذه الآية " إنك ميت وإنهم ميتون * ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون " قال الزبير : يا رسول الله أينكر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه " .
وقال آخرون : بل عني بذلك اختصام أهل الإسلام .
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، عن ابن عمر قال : نزلت علينا هذه الآية ، وما ندري ما تفسيرها حتى وقعت الفتنة ، فقلنا : هذا الذي وعدنا ربنا أن نختصم فيه " ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون " .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا ابن عون ، عن إبراهيم ، قال : لما نزلت " إنك ميت وإنهم ميتون * ثم إنكم " ... الآية . قالوا : ما خصومتنا بيننا ونحن إخوان ؟ قال : فلما قتل عثمان بن عفان ، قالوا : هذه خصومتنا بيننا .
حدثت عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله " ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون " قال : أهل القبلة .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : عنى بذلك : إنك يا محمد ستموت ، وإنكم أيها الناس ستموتون ، ثم إن جميعكم إيها الناس تختصمون عند ربكم ، مؤمنكم وكافركم ، ومحقوكم ومبطلوكم ، وظالموكم ومظلوموكم ، حتى يؤخذ لكل منكم ممن لصاحبه قبله حق حقه .
وإنما قلنا هذا القول أولى بالصواب لأن الله عم بقوله : " ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون " خطاب جميع عباده ، فلم يخصص بذلك منهم بعضاً دون بعض ، فذلك على عمومه على ما عمه الله به ، وقد تنزل الآية في معنى ، ثم يكون داخلاً في حكمها كل ما كان في معنى ما نزلت به .
قوله تعالى : " إنك ميت وإنهم ميتون " وقرأ ابن محيصن و ابن أبي عبلة وعيسى بن عمر و ابن أبي إسحاق ( إنك مائت وإنهم مائتون ) وهي قراءة حسنة وبها قرأ عبدالله بن الزبير . النحاس : ومثل هذه الألف تحذف في الشواذ و( مائت ) في المستقبل كثير في كلام العرب ن ومثله ما كان مريضاً وإنه لمارض من هذا الطعام . وقال الحسن و الفراء و الكسائي : الميت وبالتشديد من لم يمت وسيموت ، والميت بالتخفيف من فارقته الروج ، فلذلك لم تخفف هنا . وقال قتادة : نعيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ، ونعين إليكم أنفسكم . وقال ثابت البناني : نعى رجل إلى صلة بن أشيم أخاً له فوافقه يأكل ، فقال : ادن فكل فقد نعي إ لى أخي منذ حين ، قال : وكيق وأنا أول من أتاك بالخبر . قال إن الله تعالى نعاه إلى فقال : ( إنك ميت وإنهم ميتون ) وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أخبره بموته وموتهم ، فاحتمل خمسة أوجه : أحدها أن يكون ذلك تحذيراً من الآخرة . والثاني أن يذكره حثا على العمل . الثالث أني ذكره توطئة للموت . الرابع لئلا يختلفوا في موته كما اختلف الأمم في غيره ، حتى أن عمر رضي الله عنه لما أنكر موته احتج أبو بكر رضي الله عنه بهذه الآية فأمسك . الخامس ليعلمه أن الله تعالى قد سوى فييه بين خلقه مع تفاضلهم في غيرره ، لتكثر فيه السلوة وتقل فيه الحسرة .
يقول تعالى: " ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل " أي بينا للناس فيه بضرب الأمثال "لعلهم يتذكرون" فإن المثل يقرب المعنى إلى الأذهان كما قال تبارك وتعالى: "ضرب لكم مثلاً من أنفسكم" أي تعلمونه من أنفسكم, وقال عز وجل: "وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون" وقوله جل وعلا: "قرآناً عربياً غير ذي عوج" أي هو قرآن بلسان عربي مبين لا اعوجاج فيه ولا انحراف ولا لبس بل هو بيان ووضوح وبرهان, وإنما جعله الله تعالى كذلك, وأنزله بذلك "لعلهم يتقون" أي يحذرون ما فيه من الوعيد ويعملون بما فيه من الوعد. ثم قال: "ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون" أي يتنازعون في ذلك العبد المشترك بينهم "ورجلاً سلماً" أي سالماً "لرجل" أي خالصاً لا يملكه أحد غيره "هل يستويان مثلاً ؟" أي لا يستوي هذا وهذا. كذلك لا يستوي المشرك الذي يعبد آلهة مع الله والمؤمن المخلص الذي لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له ؟ فأين هذا من هذا ؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وغير واحد: هذه الاية ضربت مثلاً للمشرك والمخلص, ولما كان هذا المثل ظاهراً بيناً جلياً قال: "الحمد لله" أي على إقامة الحجة عليهم "بل أكثرهم لا يعلمون" أي فلهذا يشركون بالله. وقوله تبارك وتعالى: "إنك ميت وإنهم ميتون" هذه الاية من الايات التي استشهد بها الصديق رضي الله عنه عند موت الرسول صلى الله عليه وسلم حتى تحقق الناس موته مع قوله عز وجل: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين" ومعنى هذه الاية أنكم ستنقلون من هذه الدار لا محالة وستجتمعون عند الله تعالى في الدار الاخرة وتختصمون فيما أنتم فيه في الدنيا من التوحيد والشرك بين يدي الله عز وجل فيفصل بينكم ويفتح بالحق وهو الفتاح العليم, فينجي المؤمنين المخلصين الموحدين. ويعذب الكافرين الجاحدين المشركين المكذبين. ثم إن هذه الاية وإن كان سياقها في المؤمنين والكافرين وذكر الخصومة بينهم في الدار الاخرة فإنها شاملة لكل المتنازعين في الدنيا فإنه تعاد عليهم الخصومة في الدار الاخرة.
وقال ابن أبي حاتم رحمه الله: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري حدثنا سفيان عن محمد بن عمرو عن أبي حاطب ـ يعني يحيى بن عبد الرحمن ـ عن ابن الزبير رضي الله عنهما قال لما نزلت "ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون" قال الزبير رضي الله عنه: يا رسول الله أتكرر علينا الخصومة ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "نعم" قال رضي الله عنه: إن الأمر إذاً لشديد: وكذا رواه الإمام أحمد عن سفيان وعنده زيادة, ولما نزلت "ثم لتسألن يومئذ عن النعيم" قال الزبير رضي الله عنه: أي رسول الله أي نعيم نسأل عنه وإنما نعيمنا الأسودان: التمر والماء, قال صلى الله عليه وسلم: "أما إن ذلك سيكون" وقد روى هذه الزيادة الترمذي وابن ماجه من حديث سفيان به وقال الترمذي: حسن وقال أحمد أيضاً: حدثنا ابن نمير حدثنا محمد ـ يعني ابن عمرو ـ عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عبد الله بن الزبير عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنك ميت وإنهم ميتون * ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون" قال الزبير رضي الله عنه: أي رسول الله أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "نعم ليكررن عليكم حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه" قال الزبير رضي الله عنه: والله إن الأمر لشديد, ورواه الترمذي من حديث محمد بن عمرو به وقال حسن صحيح وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن أبي عياش عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول الخصمين يوم القيامة جاران" تفرد به أحمد وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا حسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده إنه ليختصم حتى الشاتان فيما انتطحتا" تفرد به أحمد رحمه الله. وفي المسند عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاتين تنتطحان فقال: "أتدري فيم تنتطحان يا أبا ذر ؟" قلت: لا قال صلى الله عليه وسلم: "ولكن الله يدري وسيحكم بينهما" وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا سهل بن محمد حدثنا حيان بن أغلب حدثنا أبي حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يجاء بالإمام الجائر الخائن يوم القيامة فتخاصمه الرعية فيفلحون عليه فيقال له سد ركناً من أركان جهنم" ثم قال الأغلب بن تميم ليس بالحافظ. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما "ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون" يقول: يخاصم الصادق الكاذب, والمظلوم الظالم, والمهتدي الضال, والضعيف المستكبر, وقد روى ابن منده في كتاب الروح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: يختصم الناس يوم القيامة حتى تختصم الروح مع الجسد فتقول الروح للجسد أنت فعلت ويقول الجسد للروح أنت أمرت وأنت سولت فيبعث الله ملكاً يفصل بينهما فيقول لهما إن مثلكما كمثل رجل مقعد بصير والاخر ضرير دخلا بستاناً فقال المقعد للضرير إني أرى ههنا ثماراً ولكن لا أصل إليها فقال له الضرير اركبني فتناولها فركبه فتناولها فأيهما المعتدي ؟ فيقولان كلاهما فيقول لهما الملك فإنكما قد حكمتما على أنفسكما, يعني أن الجسد للروح كالمطية وهي راكبه. وقال ابن أبي حاتم حدثنا جعفر بن أحمد بن عوسجة حدثنا ضرار حدثنا أبو سلمة الخزاعي حدثنا منصور بن سلمة حدثنا القمي ـ يعني يعقوب بن عبد الله عن جعفر بن المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نزلت هذه الاية وما نعلم في أي شيء نزلت "ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون" قال قلنا من نخاصم ؟ ليس بيننا وبين أهل الكتاب خصومة فمن نخاصم ؟ حتى وقعت الفتنة فقال ابن عمر رضي الله عنهما: هذا الذي وعدنا ربنا عز وجل نختصم فيه, ورواه النسائي عن محمد بن عامر عن منصور بن سلمة به, وقال أبو العالية في قوله تبارك وتعالى: "ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون" قال: يعني أهل القبلة, وقال ابن زيد: يعني أهل الإسلام وأهل الكفر, وقد قدمنا أن الصحيح العموم والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم أخبر سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بأن الموت يدركه ويدركهم لا محالة فقال: 30-"إنك ميت وإنهم ميتون" قرأ الجمهور "ميت"، و"ميتون" بالتشديد وقرأ ابن محيصن وابن أبي عبلة وعيسى بن عمر وابن أبي إسحاق واليماني مائت ومائتون وبها قرأ عبد الله بن الزبير. وقد استحسن هذه القراءة بعض المفسرين لكون موته وموتهم مستقبلاً، ولا وجه للاستحسان، فإن قراءة الجمهور تفيد هذا المعنى. قال الفراءوالكسائي: الميت بالتشديد من لم يمت وسيموت، والميت بالتخفيف من قدمات وفارقته الروح. قال قتادة: نعيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ونعيت إليهم أنفسهم. ووجه هذا الاختيار الإعلام للصحابة بأنه يموت.
30. " إنك ميت "، أي: ستموت، " وإنهم ميتون ". أي: سيموتون، قال الفراء و الكسائي : الميت -بالتشديد- من لم يمت وسيموت، الميت -بالتخفيف- من فارقه الروح، ولذلك لم يخفف هاهنا.
30-" إنك ميت وإنهم ميتون " فإن الكل بصدد الموت في عداد الموتى ، وقرئ مائت و مائتون لأنه مما سيحدث .
30. Lo! thou wilt die, and lo! they will die;
30 - Truly thou wilt die (one day), and truly they (too) will die (one day).