[ص : 88] وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ
88 - (ولتعلمن) يا كفار مكة (نبأه) خبر صدقه (بعد حين) أي يوم القيامة وعلم بمعنى عرف واللام لام قسم مقدر أي والله
وقوله "ولتعلمن نبأه بعد حين" يقول : ولتعلمن أيها المشركون بالله من قريش نبأه، يعني : نبأ هذا القرآن ، وهو خبره ، يعني حقيقة ما فيه من الوعد والوعيد بعد حين.
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب، قال : قال ابن زيد، في قوله "ولتعلمن نبأه" قال : صدق هذا الحديث نبا ما كذبوا به. وقيل : نبأه حقيقة أمرمحمد صلى الله عليه وسلم أنه نبي.
ثم اختلفوا في مدة الحين الذي ذكره الله في هذا الموضع : ما هي ، وما نهايتها؟ فقال بعضهم : نهايتها الموت.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "ولتعلمن نبأه بعد حين": أي بعد الموت ، وقال الحسن: يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين.
وقال بعضهم : كانت نهايتها إلى يوم بدر.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد، قال : ثنا أحمد، قال : ثنا أسباط، عن السدي، في قوله "ولتعلمن نبأه بعد حين" قال : يوم بدر.
وقال بعضهم : يوم القيامة. وقال بعضهم : نهايتها القيامة.
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس، قال : أخبرنا ابن وهب، قال : قال ابن زيد، في قوله "ولتعلمن نبأه بعد حين" قال : يوم القيامة يعلمون نبأ ما كذبوا به بعد حين من الدنيا وهو يوم القيامة. وقرأ "لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون" قال : وهذا أيضاً الآخرة يستقر فيها الحق ، ويبطل الباطل.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله أعلم المشركين المكذبين بهذا القرآن أنهم يعلمون نبأه بعد حين من غير حد منه لذلك الحين بحد، وقد علم نبأه من أحيائهم الذين عاشوا إلى ظهور حقيقته ، ووضوح صحته في الدنيا، ومنهم من علم حقيقة ذلك بهلاكه ببدر، وقبل ذلك ، ولا حد عند العرب للحين ، لا يجاوز ولا يقصر عنه. فإذ كان ذلك كذلك فلا قول فيه أصح من أن يطلق كما أطلقه الله من غير حصر ذلك على وقت دون وقت.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال : ثنا ابن علية، قال : ثنا أيوب، قال : قال عكرمة: سئلت عن رجل حلف أن لا يصنع كذا وكذا إلى حين ، فقلت : إن من الحين حيناً لا يدرك ، ومن الحين حين بدرك فالحين الذي لا يدرك قوله "ولتعلمن نبأه بعد حين"، والحين الذي يدرك قوله "تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها" وذلك من حين تصرم النخلة إلى حين تطلع، وذلك ستة أشهر.
" ولتعلمن نبأه بعد حين " أي نبأ الذكر وهو القرآن أنه حق < بعد حين > قال قتادة :بعد الموت . وقاله الزجاج . وقال ابن عباس و عكرمة و ابن زيد : يعني يوم القيامة . وقال الفراء : بعد الموت وقبله . أي لتظهر لكم حقيقة ما أقول : < بعد حين > أي في المستأنف أي إذا أخذتكم سيوف المسلمين . قال السدي : وذلك يوم بدر . وكان الحسن يقول : يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين . وسئل عكرمة عمن حلف ليصنعن كذا إلى حين . قال : إن من الحين ما لا تدركه كقوله تعالى : " ولتعلمن نبأه بعد حين " ومنه ما تدركه ، كقوله تعالى : " تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها " [ إبراهيم : 25 ] من صرام النخل إلى طلوعه ستة أشهر . وقد مضى القول في هذا في < البقرة > و < إبراهيم > والحمد لله .
هذه القصة ذكرها الله تبارك وتعالى في سورة البقرة وفي أول سورة الأعراف وفي سورة الحجر وسبحان والكهف وههنا وهي أن الله سبحانه وتعالى أعلم الملائكة قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام بأنه سيخلق بشراً من صلصال من حمأ مسنون وتقدم إليهم بالأمر متى فرغ من خلقه وتسويته فليسجدوا له إكراماً وإعظاماً واحتراماً وامتثالاً لأمر الله عز وجل فامتثل الملائكة كلهم ذلك سوى إبليس ولم يكن منهم جنساً. كان من الجن فخانه طبعه وجبلته أحوج ما كان إليه فاستنكف عن السجود لادم وخاصم ربه عز وجل فيه وادعى أنه خير من آدم فإنه مخلوق من نار وآدم خلق من طين والنار خير من الطين في زعمه, وقد أخطأ في ذلك وخالف أمر الله تعالى وكفر بذلك فأبعده الله عز وجل وأرغم أنفه وطرده عن باب رحمته ومحل أنسه, وحضرة قدسه, وسماه إبليس إعلاماً له بأنه قد أبلس من الرحمة وأنزله من السماء مذموماً مدحوراً إلى الأرض فسأل الله النظرة إلى يوم البعث فأنظره الحليم الذي لا يعجل على من عصاه. فلما أمن الهلاك إلى يوم القيامة تمرد وطغى
وقال: "فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين" كما قال عز وجل: " أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا " وهؤلاء هم المستثنون في الاية الأخرى وهي قوله تعالى: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلاً".
وقوله تبارك وتعالى: "قال فالحق والحق أقول * لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين" قرأ ذلك جماعة منهم مجاهد برفع الحق الأول وفسره مجاهد بأن معناه أنا الحق والحق أقول, وفي رواية عنه: الحق مني وأقول الحق, وقرأ آخرون بنصبهما قال السدي هو قسم أقسم الله به (قلت) وهذه الاية كقوله تعالى: "ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" وكقوله عز وجل: "قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفوراً".
قل مآ أسألكم عليه من أجر ومآ أنآ من المتكلفين * إن هو إلا ذكر للعالمين * ولتعلمن نبأه بعد حين
يقول تعالى قل يا محمد لهؤلاء المشركين ما أسألكم على هذا البلاغ وهذا النصح أجراً تعطونيه من عرض الحياة الدنيا "وما أنا من المتكلفين" أي وما أريد على ما أرسلني الله تعالى به ولا أبتغي زيادة عليه بل ما أمرت به أديته لا أزيد عليه ولا أنقص منه, وإنما أبتغي بذلك وجه الله عز وجل والدار الاخرة, قال سفيان الثوري عن الأعمش ومنصور عن أبي الضحى عن مسروق قال: أتينا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال يا أيها الناس من علم شيئاً فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم, الله أعلم, فإن الله عز وجل قال لنبيكم صلى الله عليه وسلم: "قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين" أخرجاه من حديث الأعمش, به وقوله تعالى: "إن هو إلا ذكر للعالمين" يعني القرآن ذكر لجميع المكلفين به من الإنس والجن, قاله ابن عباس رضي الله عنهما, وروى ابن أبي حاتم عن أبيه عن أبي غسان مالك بن إسماعيل: حدثنا قيس عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: "للعالمين" قال: الجن والإنس, وهذه الاية الكريمة كقوله تعالى: "لأنذركم به ومن بلغ" وكقوله عز وجل: "ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده" وقوله تعالى: "ولتعلمن نبأه" أي خبره وصدقه "بعد حين" أي عن قريب قال قتادة بعد الموت وقال عكرمة يعني يوم القيامة, ولا منافاة بين القولين فإن من مات فقد دخل في حكم القيامة, وقال قتادة في قوله تعالى: "ولتعلمن نبأه بعد حين" قال الحسن يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين.
88- "ولتعلمن" أيها الكفار "نبأه" أي ما أنبأ عنه، وأخبر به من الدعاء إلى الله وتوحيده، والترغيب إلى الجنة، والتحذير من النار "بعد حين" قال قتادة والزجاج والفراء: بعد الموت. وقال عكرمة وابن زيد: يوم القيامة. وقال الكلبي: من بقي علم ذلك لما ظهر أمره وعلا، ومن مات علمه بعد الموت. وقال السدي: وذلك يوم بدر.
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس "إذ يختصمون" أن الخصومة هي: "إذ قال ربك" إلخ. وأخرج ابن جرير وابن الشيخ في العظمة والبيهقي عن ابن عمر قال: خلق الله أربعاً بيده: العرش، وجنة عدن، والقلم، وآدم. وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة الجنة وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الهل بن الحارث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلق الله ثلاثة أشياء بيده: خلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس الفردوس بيده". وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: "فالحق والحق أقول" قال: أنا الحق أقول الحق. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "قل ما أسألكم عليه من أجر" قال: قل يا محمد "ما أسألكم عليه" ما أدعوكم إليه "من أجر" عرض دنيا. وفي البخاري ومسلم وغيرهما عن مسروق قال: بينما رجل يحدث في المسجد، فقال فيما يقول: "يوم تأتي السماء بدخان مبين" قال: دخان يكون يوم القيامة يأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم، ويأخذ المؤمنين كهيئة الزكام، قال: قمنا حتى دخلنا على عبد الله وهو في بيته وكان متكئاً فاستوى قاعداً فقال: يا أيها الناس من علم منكم علماً فليقل به، ومن لم يعلم فليقل الله أعلم. فإن من العلم أن يقول العالم لما لا يعلم الله أعلم، قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم "قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين". وأخرج البخاري عن عمر قال: نهينا عن التكلف. وأخرج الطبراني والحاكم والبيهقي عن سلمان قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتكلف للضيف.
88. " ولتعلمن "، أنتم يا كفار مكة، " نبأه "، خبر صدقه، " بعد حين"، قال ابن عباس و قتادة : بعد الموت: وقال عكرمة : يعني يوم القيامة. وقال الكلبي : من بقي علم ذلك إذا ظهر أمره وعلا، ومن مات بعد موته. قال الحسن : ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين.
88-" ولتعلمن نبأه " وهو ما فيه من الوعد والوعيد ، أو صدقه بإتيان ذلك . " بعد حين " بعد الموت أو يوم القيامة أو عند ظهور الإسلام وفيه تهديد .
وعن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة (ص) كان له بوزن كل جبل سخره الله لداود عشر حسنات ، وعصمه الله أن يصر على ذنب صغير أو كبير " .
88. And ye will come in time to know the truth thereof.
88 - And ye shall certainly know the truth of it (all) after a while.