[ص : 73] فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ
73 - (فسجد الملائكة كلهم أجمعون) فيه تأكيدان
وقوله "فسجد الملائكة كلهم أجمعون" يقول فلما ذكوه : فلما سوى الله خلق ذلك البشر، وهو آدم ، ونفخ فيه من روحه ، سجد له الملائكة كلهم أجمعون ، يعني بذلك : الملائكة الذين هم في السماوات والأرض.
" فسجد الملائكة كلهم أجمعون " أي امتثلوا الأمر وسجدوا له خضوعاً له وتعظيماً لله بتعظيمه .
هذه القصة ذكرها الله تبارك وتعالى في سورة البقرة وفي أول سورة الأعراف وفي سورة الحجر وسبحان والكهف وههنا وهي أن الله سبحانه وتعالى أعلم الملائكة قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام بأنه سيخلق بشراً من صلصال من حمأ مسنون وتقدم إليهم بالأمر متى فرغ من خلقه وتسويته فليسجدوا له إكراماً وإعظاماً واحتراماً وامتثالاً لأمر الله عز وجل فامتثل الملائكة كلهم ذلك سوى إبليس ولم يكن منهم جنساً. كان من الجن فخانه طبعه وجبلته أحوج ما كان إليه فاستنكف عن السجود لادم وخاصم ربه عز وجل فيه وادعى أنه خير من آدم فإنه مخلوق من نار وآدم خلق من طين والنار خير من الطين في زعمه, وقد أخطأ في ذلك وخالف أمر الله تعالى وكفر بذلك فأبعده الله عز وجل وأرغم أنفه وطرده عن باب رحمته ومحل أنسه, وحضرة قدسه, وسماه إبليس إعلاماً له بأنه قد أبلس من الرحمة وأنزله من السماء مذموماً مدحوراً إلى الأرض فسأل الله النظرة إلى يوم البعث فأنظره الحليم الذي لا يعجل على من عصاه. فلما أمن الهلاك إلى يوم القيامة تمرد وطغى
وقال: "فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين" كما قال عز وجل: " أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا " وهؤلاء هم المستثنون في الاية الأخرى وهي قوله تعالى: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلاً".
وقوله تبارك وتعالى: "قال فالحق والحق أقول * لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين" قرأ ذلك جماعة منهم مجاهد برفع الحق الأول وفسره مجاهد بأن معناه أنا الحق والحق أقول, وفي رواية عنه: الحق مني وأقول الحق, وقرأ آخرون بنصبهما قال السدي هو قسم أقسم الله به (قلت) وهذه الاية كقوله تعالى: "ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" وكقوله عز وجل: "قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفوراً".
قل مآ أسألكم عليه من أجر ومآ أنآ من المتكلفين * إن هو إلا ذكر للعالمين * ولتعلمن نبأه بعد حين
يقول تعالى قل يا محمد لهؤلاء المشركين ما أسألكم على هذا البلاغ وهذا النصح أجراً تعطونيه من عرض الحياة الدنيا "وما أنا من المتكلفين" أي وما أريد على ما أرسلني الله تعالى به ولا أبتغي زيادة عليه بل ما أمرت به أديته لا أزيد عليه ولا أنقص منه, وإنما أبتغي بذلك وجه الله عز وجل والدار الاخرة, قال سفيان الثوري عن الأعمش ومنصور عن أبي الضحى عن مسروق قال: أتينا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال يا أيها الناس من علم شيئاً فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم, الله أعلم, فإن الله عز وجل قال لنبيكم صلى الله عليه وسلم: "قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين" أخرجاه من حديث الأعمش, به وقوله تعالى: "إن هو إلا ذكر للعالمين" يعني القرآن ذكر لجميع المكلفين به من الإنس والجن, قاله ابن عباس رضي الله عنهما, وروى ابن أبي حاتم عن أبيه عن أبي غسان مالك بن إسماعيل: حدثنا قيس عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: "للعالمين" قال: الجن والإنس, وهذه الاية الكريمة كقوله تعالى: "لأنذركم به ومن بلغ" وكقوله عز وجل: "ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده" وقوله تعالى: "ولتعلمن نبأه" أي خبره وصدقه "بعد حين" أي عن قريب قال قتادة بعد الموت وقال عكرمة يعني يوم القيامة, ولا منافاة بين القولين فإن من مات فقد دخل في حكم القيامة, وقال قتادة في قوله تعالى: "ولتعلمن نبأه بعد حين" قال الحسن يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين.
73- "فسجد الملائكة" في الكلام حذف تدل عليه الفاء والتقدير: فخلقه فسواه ونفخ فيه من روحه فسجد له الملائكة. وقوله: "كلهم" يفيد أنهم سجدوا جميعاً ولم يبق منهم أحد. وقوله: "أجمعون" يفيد أنهم اجتمعوا على السجود في وقت واحد: فالأول لقصد الإحاطة، والثاني لقصد الاجتماع. قال في الكشاف: فأفادا معاً أنهم سجدوا عن آخرهم ما بقي منهم ملك إلا سجد، وأنهم سجدوا جميعاً في وقت واحد غير متفرقين في أوقات. وقيل إنه أكد بتأكيدين للمبالغة في التعميم.
73. " فسجد الملائكة كلهم أجمعون "
73-" فسجد الملائكة كلهم أجمعون " .
73. The angels fell down prostrate, every one.
73 - So the angels prostrated themselves, all of them together: