[ص : 61] قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ
61 - (قالوا) أيضا (ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا) مثل عذابه على كفره (في النار)
وهذا أيضاً قول الفوج المقتحم على الطاغين ، وهم كانوا أتباع الطاغين في الدنيا، يقول جل ثناؤه : وقال الأتابع : "ربنا من قدم لنا هذا" يعنون : من قدم لهم في الدنيا بدعائهم إلى العمل الذي يوجب لهم النار التي وردوها، وسكنى المنزل الذي سكنوه منها. ويعنون بقولهم "هذا": العذاب الذي وردناه "فزده عذابا ضعفا في النار" يقولون : فاضعف له العذاب في النار على العذاب الذي هو فيه فيها، وهذا أيضاً من دعاء الأتباع للمتبوعين.
" قالوا " يعني الأتباع " ربنا من قدم لنا هذا " قال الفراء : من سوغ لنا هذا وسنه . وقال غيره : من قدم لنا هذا العذاب بدعائه إيانا إلى المعاصي " فزده عذابا ضعفا في النار " وعذاباً بدعائه إيانا فصار ذلك ضعفاً . وقال ابن مسعود : معنى عذاباً ضعفاً في النار الحيات والأفاعي . ونظير هذه الآية قوله تعالى : " ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار " [ الأعراف : 38 ] .
لما ذكر تبارك وتعالى مآل السعداء ثنى بذكر حال الأشقياء ومرجعهم ومآبهم في دار معادهم وحسابهم فقال عز وجل: "هذا وإن للطاغين" وهم الخارجون عن طاعة الله عز وجل المخالفون لرسل الله صلى الله عليه وسلم "لشر مآب" أي لسوء منقلب ومرجع. ثم فسره بقوله جل وعلا: "جهنم يصلونها" أي يدخلونها فتغمرهم من جميع جوانبهم "فبئس المهاد * هذا فليذوقوه حميم وغساق" أما الحميم فهو الحار الذي قد انتهى حره, وأما الغساق فهو ضده وهو البارد الذي لا يستطاع من شدة برده المؤلم.
ولهذا قال عز وجل: "وآخر من شكله أزواج" أي وأشياء من هذا القبيل: الشيء وضده يعاقبون بها. قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو أن دلواً من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا" ورواه الترمذي عن سويد بن نصر عن ابن المبارك عن رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث عن دراج به ثم قال لا نعرفه إلا من حديث رشدين كذا قال وقد تقدم في غير حديثه, ورواه ابن جرير عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث به.
وقال كعب الأحبار: غساق عين في جهنم يسيل إليها حمة كل ذات حمة من حية وعقرب وغير ذلك فيستنقع فيؤتى بالادمي فيغمس فيها غمسة واحدة فيخرج وقد سقط جلده ولحمه عن العظام ويتعلق جلده ولحمه في كعبيه وعقبيه ويجر لحمه كله كما يجر الرجل ثوبه, رواه ابن أبي حاتم. وقال الحسن البصري في قوله تعالى: "وآخر من شكله أزواج" ألوان من العذاب, وقال غيره كالزمهرير والسموم وشرب الحميم وأكل الزقوم والصعود والهوي إلى غير ذلك من الأشياء المختلفة المتضادة والجميع مما يعذبون به, ويهانون بسببه.
وقوله عز وجل: "هذا فوج مقتحم معكم لا مرحباً بهم إنهم صالوا النار" هذا إخبار من الله تعالى عن قيل أهل النار بعضهم لبعض كما قال تعالى: "كلما دخلت أمة لعنت أختها" يعني بدل السلام يتلاعنون ويتكاذبون ويكفر بعضهم ببعض فتقول الطائفة التي تدخل قبل الأخرى إذا أقبلت التي بعدها مع الخزنة من الزبانية "هذا فوج مقتحم" أي داخل "معكم لا مرحباً بهم إنهم صالوا النار" أي لأنهم من أهل جهنم "قالوا بل أنتم لا مرحباً بكم" أي فيقول لهم الداخلون "بل أنتم لا مرحباً بكم أنتم قدمتموه لنا" أي أنتم دعوتمونا إلى ما أفضى بنا إلى هذا المصير "فبئس القرار" أي فبئس المنزل والمستقر والمصير "قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذاباً ضعفاً في النار" كما قال عز وجل: " قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون " أي لكل منكم عذاب بحسبه " وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار * أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار " هذا إخبار عن الكفار في النار أنهم يفقدون رجالاً كانوا يعتقدون أنهم على الضلالة وهم المؤمنون في زعمهم قالوا مالنا لا نراهم معنا في النار. قال مجاهد: هذا قول أبي جهل يقول مالي لا أرى بلالاً وعماراً وصهيباً وفلاناً وفلاناً وهذا ضرب مثل وإلا فكل الكفار هذا حالهم يعتقدون أن المؤمنين يدخلون النار, فلما دخل الكفار النار افتقدوهم فلم يجدوهم فقالوا " ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار * أتخذناهم سخريا " أي في الدار الدنيا " أم زاغت عنهم الأبصار " يسألون أنفسهم بالمحال يقولون أو لعلهم معنا في جهنم ولكن لم يقع بصرنا عليهم, فعند ذلك يعرفون أنهم في الدرجات العاليات وهو قوله عز وجل: " ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين * الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون * وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون * وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين * ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون * أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون " وقوله تعالى: "إن ذلك لحق تخاصم أهل النار" أي إن هذا الذي أخبرناك به يا محمد من تخاصم أهل النار بعضهم في بعض ولعن بعضهم لبعض لحق لا مرية فيه ولا شك.
ثم حكى عن الأتباع أيضاً أنهم أردفوا هذا القول بقول آخر، وهو 61- "قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذاباً ضعفاً في النار" أي زده عذاباً ذا ضعف، والضعف بأن يزيد عليه مثله، ومعنى من قدم لنا هذا من دعانا إليه وسوغه لنا. قال الفراء: المعنى من سوغ لنا هذا وسنه، وقيل معناه: قدم لنا هذا العذاب بدعائه إيانا إلى الكفر فزده عذاباً ضعفاً في النار: أي عذاباً بكفره وعذاباً بدعائه إيانا، فصار ذلك ضعفاً، ومثله قوله سبحانه: "ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار" وقوله: "ربنا آتهم ضعفين من العذاب" وقيل المراد بالضعف هنا الحيات والعقارب.
61. " قالوا "، يعني: الأتباع، " ربنا من قدم لنا هذا "، أي: شرعه وسنه لنا، " فزده عذاباً ضعفاً في النار "، أي: ضعف عليه العذاب في النار. قال ابن مسعود: يعني: حيات وأفاعي.
61-" قالوا " أي الأتباع أيضاً . " ربنا من قدم لنا هذا فزده عذاباً ضعفاً في النار " مضاعفاً أي ذا ضعف وذلك أن يزيد على عذابه مثله فيصير ضعفين كقوله " ربنا آتهم ضعفين من العذاب " .
61. They say: Our Lord! Whoever did prepare this for Us, oh, give him double portion of the Fire!
61 - They will say: Our Lord whoever brought this upon us add him a double Penalty in the Fire