[ص : 4] وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ
4 - (وعجبوا أن جاءهم منذر منهم) رسول من أنفسهم ويخوفهم النار بعد البعث وهو النبي صلى الله عليه وسلم (وقال الكافرون) فيه وضع الظاهر موضع المضمر (هذا ساحر كذاب)
يقول تعالى ذكره : وعجب هؤلاء المشركون من قريش أن جاءهم منذر ينذرهم بأس الله على كفرهم به من أنفسهم ، ولم يأتهم ملك من السماء بذلك "وقال الكافرون هذا ساحر كذاب" يقول : وقال المنكرون وحدانية الله : هذا : يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم ساحر كذاب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "وعجبوا أن جاءهم منذر منهم" يعني محمداً صلى الله عليه وسلم "وقال الكافرون هذا ساحر كذاب".
حدثنا محمد، قال : ثنا أحمد، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قوله "ساحر كذاب" يعني محمداً صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى : " وعجبوا أن جاءهم منذر منهم " < أن > في موضع نصب والمعنى من أن جاءهم . قيل : هو متصل بقوله : " في عزة وشقاق " أي في عزة وشقاق وعجبوا ، وقوله : " كم أهلكنا " معترض . وقيل : لا بل هذا ابتداء كلام ، أي ومن جهلهم أنهم أظهروا التعجب من أن جاءهم منذر منهم . " وقال الكافرون هذا ساحر " أي يجيء بالكلام المموه الذي يخدع به الناس ، وقيل : يفرق بسحره بين الوالد وولده والرجل وزوجته " كذاب " أي في دعوة النبوة .
يقول تعالى مخبراً عن المشركين في تعجبهم من بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيراً ونذيراً كما قال عز وجل: "أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين" وقال جل وعلا ههنا: "وعجبوا أن جاءهم منذر منهم" أي بشر مثلهم وقال الكافرون " هذا ساحر كذاب * أجعل الآلهة إلها واحدا " أي أزعم أن المعبود واحد لا إله إلا هو ؟ أنكر المشركون ذلك قبحهم الله تعالى وتعجبوا من ترك الشرك بالله فإنهم كانوا قد تلقوا عن آبائهم عبادة الأوثان وأشربته قلوبهم فلما دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى خلع ذلك من قلوبهم وإفراد الإله بالوحدانية أعظموا ذلك وتعجبوا وقالوا " أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب * وانطلق الملأ منهم " وهم سادتهم وقادتهم ورؤساؤهم وكبراؤهم قائلين "امشوا" أي استمروا على دينكم "واصبروا على آلهتكم" ولا تستجيبوا لما يدعوكم إليه محمد من التوحيد, وقوله تعالى: "إن هذا لشيء يراد" قال ابن جرير إن هذا الذي يدعونا إليه محمد صلى الله عليه وسلم من التوحيد لشيء يريد به الشرف عليكم والاستعلاء وأن يكون له منكم أتباع ولسنا نجيبه إليه.
(ذكر سبب نزول هذه الايات الكريمة)
قال السدي إن ناساً من قريش اجتمعوا فيهم أبو جهل بن هشام والعاص بن وائل والأسود بن المطلب والأسود بن عبد يغوث في نفر من مشيخة قريش فقال بعضهم لبعض انطلقوا بنا إلى أبي طالب فلنكلمه فيه فلينصفنا منه فليكف عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه الذي يعبده فإنا نخاف أن يموت هذا الشيخ فيكون منا إليه شيء فتعيرنا به العرب يقولون تركوه حتى إذا مات عنه تناولوه فبعثوا رجلاً منهم يقال له المطلب فاستأذن لهم على أبي طالب فقال هؤلاء مشيخة قومك وسراتهم يستأذنون عليك قال أدخلهم فلما دخلوا عليه قالوا يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا فأنصفنا من ابن أخيك فمره فليكف عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه, قال فبعث إليه أبو طالب فلما دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن أخي هؤلاء مشيخة قومك وسراتهم وقد سألوك أن تكف عن شتم آلهتهم ويدعوك وإلهك قال صلى الله عليه وسلم: "يا عم أفلا أدعوهم إلى ما هو خير لهم" قال وإلام تدعوهم ؟ قال صلى الله عليه وسلم "أدعوهم أن يتكلموا بكلمة تدين لهم بها العرب ويملكون بها العجم" فقال أبو جهل لعنه الله من بين القوم ما هي وأبيك لنعطينكها وعشراً أمثالها قال صلى الله عليه وسلم: "تقولون لا إله إلا الله" فنفروا وقالوا سلنا غيرها قال صلى الله عليه وسلم: "لو جئتموني بالشمس حتى تضعوها في يدي ما سألتكم غيرها" فقاموا من عنده غضاباً وقالوا والله لنشتمك وإلهك الذي أمرك بهذا "وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد" ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير وزاد فلما خرجوا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه إلى قوله لا إله إلا الله فأبى وقال بل على دين الأشياخ ونزلت "إنك لا تهدي من أحببت".
قال أبو جعفر بن جرير حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا حدثنا أبو أسامة حدثنا الأعمش حدثنا عباد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل فقالوا: إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول ويقول, فلو بعثت إليه فنهيته فبعث إليه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل البيت وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس رجل قال فخشي أبو جهل لعنه الله إن جلس إلى جنب أبي طالب أن يكون أرق له عليه فوثب فجلس في ذلك المجلس ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً قرب عمه فجلس عند الباب فقال له أبو طالب أي ابن أخي ما بال قومك يشكونك ويزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول ؟ قال وأكثروا عليه من القول وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عم إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها العجم الجزية" ففزعوا لكلمته ولقوله فقال القوم كلمة واحدة نعم وأبيك عشراً فقالوا وما هي ؟ وقال أبو طالب وأي كلمة هي يا ابن أخي ؟ قال صلى الله عليه وسلم "لا إله إلا الله" فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون: " أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب " قال ونزلت من هذا الموضع إلى قوله "بل لما يذوقوا عذاب" لفظ أبي كريب وهكذا رواه الإمام أحمد والنسائي من حديث محمد بن عبد الله بن نمير كلاهما عن أبي أسامة عن الأعمش عن عباد غير منسوب به نحوه, ورواه الترمذي والنسائي وابن أبي حاتم وابن جرير أيضاً كلهم في تفاسيرهم من حديث سفيان الثوري عن الأعمش عن يحيى بن عمارة الكوفي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما فذكر نحوه. وقال الترمذي حسن. وقولهم " ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة " أي ما سمعنا بهذا الذي يدعونا إليه محمد من التوحيد في الملة الاخرة.
قال مجاهد وقتادة وأبو زيد يعنون دين قريش وقال غيرهم يعنون النصرانية قاله محمد بن كعب والسدي. وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما ما سمعنا بهذا في الملة الاخرة يعني النصرانية قالوا لو كان هذا القرآن حقاً لأخبرتنا به النصارى "إن هذا إلا اختلاق" قال مجاهد وقتادة كذب وقال ابن عباس تخرص. وقولهم "أأنزل عليه الذكر من بيننا" يعني أنهم يستبعدون تخصيصه بإنزال القرآن عليه من بينهم كلهم كما قال في الاية الأخرى: "لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم" قال الله تعالى: "أهم يقسمون رحمة ربك ؟ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات" ولهذا لما قالوا هذا الذي دل على جهلهم وقلة عقلهم في استبعادهم إنزال القرآن على الرسول من بينهم.
قال الله تعالى: "بل لما يذوقوا عذاب" أي إنما يقولون هذا لأنهم ما ذاقوا إلى حين قولهم ذلك عذاب الله تعالى ونقمته سيعلمون غب ما قالوا وما كذبوا به يوم يدعون إلى نار جهنم دعاً. ثم قال تعالى مبيناً أنه المتصرف في ملكه الفعال لما يشاء الذي يعطي من يشاء ما يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء ويهدي من يشاء ويضل من يشاء وينزل الروح من أمره على من يشاء من عباده ويختم على قلب من يشاء فلا يهديه أحد من بعد الله, وإن العباد لا يملكون شيئاً من الأمر وليس إليهم من التصرف في الملك ولا مثقال ذرة وما يملكون من قطمير.
ولهذا قال تعالى منكراً عليهم "أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب" أي العزيز الذي لا يرام جنابه الوهاب الذي يعطي ما يريد لمن يريد, وهذه الاية الكريمة شبيهة بقوله تعالى: " أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا * أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما * فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا " وقوله تعالى: "قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتوراً" وذلك بعد الحكاية عن الكفار أنهم أنكروا بعثة الرسول البشري صلى الله عليه وسلم وكما أخبر عز وجل عن قوم صالح عليه السلام حين قالوا " أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر * سيعلمون غدا من الكذاب الأشر ".
وقوله تعالى: "أم لهم ملك السموات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب" أي إن كان لهم ذلك فليصعدوا في الأسباب. قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم يعني طرق السماء, وقال الضحاك رحمه الله تعالى فليصعدوا إلى السماء السابعة.
ثم قال عز وجل: "جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب" أي هؤلاء الجند المكذبون الذين هم في عزة وشقاق سيهزمون ويغلبون ويكبتون كما كبت الذين من قبلهم من الأحزاب المكذبين وهذه الاية كقوله جلت عظمته: " أم يقولون نحن جميع منتصر * سيهزم الجمع ويولون الدبر " كان ذلك يوم بدر "بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر".
4- "وعجبوا أن جاءهم منذر منهم" أي عجب الكفار الذين وصفهم الله سبحانه بأنهم في عزة وشقاق أن جاءهم منذر منهم: أي رسول من أنفسهم ينذرهم بالعذاب إن استمروا على الكفر، وأن وما في حيزها في محل نصب بنزع الخافض أي من أن جاءهم، وهو كلام مستأنف مشتمل على ذكر نوع من أنواع كفرهم "وقال الكافرون هذا ساحر كذاب" قالوا هذا القول لما شاهدوا ما جاء به من المعجزات الخارجة عن قدرة البشر: أي هذا المدعي للرسالة ساحر فيما يظهره من المعجزات كذاب فيما يدعيه من أن الله أرسله. قيل ووضع الظاهر موضع المضمر لإظهار الغضب عليهم وأن ما قالواه لا يتجاسر على مثله إلا المتوغلون في الكفر.
4. " وعجبوا "، يعني: الكفار الذين ذكرهم الله عز وجل في قوله: " بل الذين كفروا "، " أن جاءهم منذر منهم "، يعني: رسولاً من أنفسهم ينذرهم، " وقال الكافرون هذا ساحر كذاب ".
4-" وعجبوا أن جاءهم منذر منهم " بشر مثلهم أو أمي من عدادهم . " وقال الكافرون " وضع فيه الظاهر موضع الضمير غضباً عليهم وذماً لهم ، وإشعاراً بأن كفرهم جسرهم على هذا القول . " هذا ساحر " فيما يظهره معجزة . " كذاب " فيما يقوله على الله تعالى .
4. And they marvel that a warner from among themselves hath come unto them, and the disbelievers say: This is a wizard, a charlatan.
4 - So they wonder that a Warner has come to them from among themselves and the Unbelievers say, this is a sorcerer telling lies.