[الصافات : 93] فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ
93 - (فراغ عليهم ضربا باليمين) بالقوة فكسرها فبلغ قومه ممن رآه
يقول تعالى ذكره : فمال على آلهة قومه ضرباً لها باليمين بفأس في يده يكسرهن.
كما حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : لما خلا جعل يضرب آلهتهم باليمين.
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد، قال : سمعت الضحاك ، فذكر مثله.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "فراغ عليهم ضربا باليمين" فأقبل عليهم يكسرهم.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عن ابن إسحاق : ثم أقبل عليهم كما قال الله ضرباً باليمين ، ثم جعل يكسرهن بفأس في يده.
وكان بعض أهل العربية يتأول ذلك بمعنى : فراغ عليهم ضرباً بالقوة والقدرة، ويقول : اليمين في هذا الموضع : القوة. وبعضهم كان يتأول اليمين في هذا الموضع : الحلف ، وبقول : جعل يضربهن باليمين التي حلف بها بقوله "وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين".
وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله فراغ عليهم صفقاً باليمين.
وروي نحو ذلك عن الحسن.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا خالد بن عبد الله الجشمي، قال : سمعت الحسن قرأ فراغ عليهم صفقاً باليمين أي ضرباً باليمين.
خص الضرب باليمين أنها أقوى والضرب بها أشد ، قاله الضحاك و الربيع بن أنس . وقيل : المراد باليمين اليمين التي حلفها حين قال : " وتالله لأكيدن أصنامكم " . وقال الفراء و ثعلب : ضرباً بالقوة واليمين القوة . وقيل : بالعدل واليمين ها هنا العدل . ومنه قوله تعالى : " ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين " [ الحاقة : 44 - 45 ] أي بالعدل ، فالعدل لليمين والجور للشمال . ألا ترى أن العدو عن الشمال والمعاصي عن الشمال والطاعة عن اليمين ، ولذلك قال : " إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين " [ الصافات : 28 ] أي من قبل الطاعة . فاليمين هو موضع العدل من المسلم ، والشمال موضع الجور . ألا ترى أنه بايع الله بيمينه يوم الميثاق ، فالبيعة باليمين ، فلذلك يعطى كتابه غداً بيمينه ، لأنه وفى بالبيعة ، ويعطى الناكث للبيعة الهارب برقيته من الله بشماله ، لأن الجور هناك . فقوله : " فراغ عليهم ضرباً باليمين " أي بذلك العدل الذي كان بايع الله عليه يوم الميثاق ثم وفى له ها هنا . فجعل تلك الأوثان جذاذاً ، أي فتاتاً كالجذيذة وهي السويق وليس من قبيل القوة ، قاله الترمذي الحكيم .
إنما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقومه ذلك ليقيم في البلد إذا ذهبوا إلى عيدهم فإنه كان قد أزف خروجهم إلى عيد لهم فأحب أن يختلي بآلهتهم ليكسرها فقال لهم كلاماً هو حق في نفس الأمر فهموا منه أنه سقيم على مقتضى ما يعتقدونه "فتولوا عنه مدبرين" قال قتادة والعرب تقول لمن تفكر نظر في النجوم, يعني قتادة أنه نظر إلى السماء متفكراً فيما يلهيهم به فقال "إني سقيم" أي ضعيف, فأما الحديث الذي رواه ابن جرير ههنا حدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة حدثني هشام عن محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لم يكذب إبراهيم عليه الصلاة والسلام غير ثلاث كذبات: ثنتين في ذات الله تعالى, قوله "إني سقيم" وقوله "بل فعله كبيرهم هذا" وقوله في سارة هي أختي" فهو حديث مخرج في الصحاح والسنن من طرق ولكن ليس هذا من باب الكذب الحقيقي الذي يذم فاعله حاشا وكلا ولما, وإنما أطلق الكذب على هذا تجوزاً وإنما هو من المعاريض في الكلام لمقصد شرعي ديني كما جاء في الحديث "إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب" وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلمات إبراهيم عليه الصلاة والسلام الثلاث التي قال ما منها كلمة إلا ما حل بها عن دين الله تعالى: "فقال إني سقيم" وقال "بل فعله كبيرهم هذا" وقال للملك حين أراد امرأته هي أختي. قال سفيان في قوله "إني سقيم" يعني طعين وكانوا يفرون من المطعون فأراد أن يخلو بآلهتهم, وكذا قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: " فنظر نظرة في النجوم * فقال إني سقيم " فقالوا له وهو في بيت آلهتهم: اخرج فقال إني مطعون فتركوه مخافة الطاعون. وقال قتادة عن سعيد بن المسيب رأى نجماً طلع فقال "إني سقيم" كابد نبي الله عن دينه "فقال إني سقيم". وقال آخرون "فقال إني سقيم" بالنسبة إلى ما يستقبل يعني مرض الموت, وقيل أراد "إني سقيم" أي مريض القلب من عبادتكم الأوثان من دون الله تعالى, وقال الحسن البصري: خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم فأرادوه على الخروج فاضطجع على ظهره وقال "إني سقيم" وجعل ينظر في السماء فلما خرجوا أقبل إلى آلهتهم فكسرها. ورواه ابن أبي حاتم, ولهذا قال تعالى: "فتولوا عنه مدبرين" أي ذهب إليها بعد ما خرجوا في سرعة واختفاء " فقال ألا تأكلون " وذلك أنهم كانوا قد وضعوا بين أيديها طعاماً قرباناً لتبارك لهم فيه. وقال السدي: دخل إبراهيم عليه السلام إلى بيت الالهة فإذا هم في بهو عظيم وإذا مستقبل باب البهو صنم عظيم إلى جنبه أصغر منه بعضها إلى جنب بعض كل صنم يليه أصغر منه حتى بلغوا باب البهو وإذا هم قد جعلوا طعاماً ووضعوه بين أيدي الالهة وقالوا إذا كان حين نرجع وقد باركت الالهة في طعامنا أكلناه, فلما نظر إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى ما بين أيديهم من الطعام قال "ألا تأكلون * ما لكم لا تنطقون" وقوله تعالى: "فراغ عليهم ضرباً باليمين" قال الفراء معناه مال عليهم ضرباً باليمين. وقال قتادة والجوهري فأقبل عليهم ضرباً باليمين. وإنما ضربهم باليمين لأنها أشد وأنكى ولهذا تركهم جذاداً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون كما تقدم في سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تفسير ذلك. وقوله تعالى ههنا: "فأقبلوا إليه يزفون" قال مجاهد وغير واحد أي يسرعون, وهذه القصة ههنا مختصرة وفي سورة الأنبياء مبسوطة فإنهم لما رجعوا ما عرفوا من أول وهلة من فعل ذلك حتى كشفوا واستعلموا فعرفوا أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام هو الذي فعل ذلك. فلما جاءوا ليعاتبوه أخذ في تأنيبهم وعيبهم فقال "أتعبدون ما تنحتون" أي أتعبدون من دون الله من الأصنام ما أنتم تنحتونها وتجعلونها بأيديكم "والله خلقكم وما تعملون" يحتمل أن تكون ما مصدرية فيكون تقدير الكلام خلقكم وعملكم ويحتمل أن تكون بمعنى الذي تقديره والله خلقكم والذي تعملونه وكلا القولين متلازم, والأول أظهر لما رواه البخاري في كتاب أفعال العباد عن علي بن المديني عن مروان بن معاوية عن أبي مالك عن ربعي بن حراش عن حذيفة رضي الله عنه مرفوعاً قال: "إن الله تعالى يصنع كل صانع وصنعته" وقرأ بعضهم "والله خلقكم وما تعملون" فعند ذلك لما قامت عليهم الحجة عدلوا إلى أخذه باليد والقهر فقالوا "ابنوا له بنياناً فألقوه في الجحيم" وكان من أمرهم ما تقدم بيانه في سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ونجاه الله من النار وأظهره عليهم وأعلى حجته ونصرها ولهذا قال تعالى: "فأرادوا به كيداً فجعلناهم الأسفلين".
93- "فراغ عليهم ضرباً باليمين" أي فمال عليهم يضربهم ضرباً باليمين فانتصابه على أنه مصدر مؤكد لفعل محذوف، أو هو مصدر لراغ، لأنه بمعنى ضرب. قال الواحدي: قال المفسرون: يعني بيده اليمنى يضربهم بها. وقال السدي: بالقوة والقدرة لأن اليمين أقوى اليدين. قال الفراء وثعلب ضرباً بالقوة، واليمين القوة. وقال الضحاك والربيع بن أنس: المراد باليمين اليمين التي حلفها حين قال: "وتالله لأكيدن أصنامكم" وقيل المراد باليمين هنا العدل كما في قوله: " ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين " أي بالعدل، واليمين كناية عن العدل كما أن الشمال كناية عن الجور، وأول هذه الأقوال أولاها.
93. " فراغ عليهم "، مال عليهم، " ضرباً باليمين "، أي: كان يضربهم بيده اليمنى لأنها أقوى على العمل من الشمال. وقيل: باليمين أي: بالقوة. وقيل: أراد به القسم الذي سبق منه وهو قوله: " وتالله لأكيدن أصنامكم " (الأنبياء-57).
93-" فراغ عليهم " فمال عليهم مستخفياً ، والتعدية بعلى للاستعلاء وإن الميل لمكروه . " ضرباً باليمين " مصدر لراغ عليهم لأنه في معنى ضربهم ، أو لمضمر تقديره فراغ عليهم بضربهم وتقييده باليمين للدلالة على قوته فإن الآلة تستدعي قوة الفعل ، وقيل " باليمين " بسبب الحلف وهو قوله : " تالله لأكيدن أصنامكم " .
93. Then he attacked them, striking with his right hand.
93 - Then did he turn upon them, striking (them) with the right hand.