[الصافات : 161] فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ
161 - (فإنكم وما تعبدون) من الأصنام
يقول تعالى ذكره : "فإنكم" أيها المشركون بالله "وما تعبدون" من الآلهة والأوثان "ما أنتم عليه بفاتنين" يقول : ما أنتم على ما تعبدون من دون الله بفاتنين : أي بمضلين أحدا "إلا من هو صال الجحيم" يقول : إلا أحداً سبق في علمي أنه صال الجحيم.
فيه ثلاث مسائل :
الأولى - قوله تعالى : " فإنكم وما تعبدون " < ما > بمعنى الذي . وقيل : بمعنى المصدر ، أي فإنكم وعبادتكم لهذه الأصنام . وقيل : أي فإنكم مع ما تعبدون من دون الله ، يقال : جاء فلان وفلان . وجاء فلان مع فلان .
يقول تعالى مخاطباً للمشركين: " فإنكم وما تعبدون * ما أنتم عليه بفاتنين * إلا من هو صال الجحيم " أي إنما ينقاد لمقالتكم وما أنتم عليه من الضلالة والعبادة الباطلة من هو أضل منكم ممن ذرىء للنار " لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون " فهذا الضرب من الناس هو الذي ينقاد لدين الشرك والكفر والضلالة كما قال تبارك وتعالى: " إنكم لفي قول مختلف * يؤفك عنه من أفك " أي إنما يضل به من هو مأفوك ومبطل, ثم قال تبارك وتعالى منزهاً للملائكة مما نسبوا إليهم من الكفر بهم والكذب عليهم أنهم بنات الله "وما منا إلا له مقام معلوم" أي له موضع مخصوص في السموات ومقامات العبادات لا يتجاوزه ولا يتعداه. وقال ابن عساكر في ترجمته لمحمد بن خالد بسنده إلى عبد الرحمن بن العلاء بن سعد عن أبيه وكان بايع يوم الفتح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً لجلسائه: "أطت السماء وحق لها أن تئط ليس فيها موضع قدم إلا عليه ملك راكع أو ساجد" ثم قرأ صلى الله عليه وسلم "وما منا إلا له مقام معلوم * وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون" وقال الضحاك في تفسيره "وما منا إلا له مقام معلوم" قال كان مسروق يروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من السماء الدنيا موضع إلا عليه ملك ساجد أو قائم" فذلك قوله تعالى: "وما منا إلا له مقام معلوم".
وقال الأعمش عن أبي إسحاق عن مسروق عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إن في السموات لسماء ما فيها موضع شبر إلا عليه جبهة ملك أو قدماه ثم قرأ عبد الله رضي الله عنه "وما منا إلا له مقام معلوم" وكذا قال سعيد بن جبير وقال قتادة كانوا يصلون الرجال والنساء جميعاً حتى نزلت "وما منا إلا له مقام معلوم" فتقدم الرجال وتأخر النساء "وإنا لنحن الصافون" أي نقف صفوفاً في الطاعة كما تقدم عند قوله تبارك وتعالى: "والصافات صفاً" قال ابن جريج عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث قال كانوا لا يصفون في الصلاة حتى نزل "وإنا لنحن الصافون" فصفوا وقال أبو نضرة كان عمر رضي الله عنه إذا أقيمت الصلاة استقبل الناس بوجهه ثم قال: أقيموا صفوفكم استووا قياماً يريد الله تعالى بكم هدي الملائكة ثم يقول "وإنا لنحن الصافون" تأخر يا فلان تقدم يا فلان ثم يتقدم فيكبر. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير, وفي صحيح مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة, وجعلت لنا الأرض مسجداً, وتربتها طهوراً" الحديث "وإنا لنحن المسبحون" أي نصطف فنسبح الرب ونمجده ونقدسه وننزهه عن النقائص فنحن عبيد له فقراء إليه خاضعون لديه. وقال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد "وما منا إلا له مقام معلوم" الملائكة "وإنا لنحن الصافون" الملائكة "وإنا لنحن المسبحون" الملائكة تسبح الله عز وجل. وقال قتادة "وإنا لنحن المسبحون" يعني المصلون يثبتون بمكانهم من العبادة كما قال تبارك وتعالى: "وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون * ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين" وقوله جل وعلا: " وإن كانوا ليقولون * لو أن عندنا ذكرا من الأولين * لكنا عباد الله المخلصين " أي قد كانوا يتمنون قبل أن تأتيهم يا محمد لو كان عندهم من يذكرهم بأمر الله وما كان من أمر القرون الأولى ويأتيهم بكتاب الله كما قال جل جلاله "وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفوراً" وقال تعالى: "أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين * أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون" ولهذا قال تعالى هاهنا: "فكفروا به فسوف يعلمون" وعيد أكيد وتهديد شديد على كفرهم بربهم عز وجل وتكذيبهم رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم خاطب الكفار على العموم أو كفار مكة على الخصوص فقال: 161- "فإنكم وما تعبدون".
161. قوله عز وجل: " فإنكم "، يقول لأهل مكة: " وما تعبدون "، من الأصنام.
161-" فإنكم وما تعبدون " عود إلى خطابهم .
161. Lo! verily, ye and that which ye worship,
161 - For, verily, neither ye nor those worship