[الصافات : 107] وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ
107 - (وفديناه) أي المامور بذبحه وهو إسماعيل أو اسحق قولان (بذبح) بكبش (عظيم) من الجنة وهو الذي قربه هابيل جاء به جبريل عليه السلام فذبحه السيد إبراهيم مكبرا
وقوله : "وفديناه بذبح عظيم" يقول : وفدينا إسحاق بذبح عظيم ، والفدية : الجزاء، يقول : جزيناه بأن جعلنا مكان ذبحه ذبح كبش عظيم ، وأنقذناه من الذبح.
واختلف أهل التأويل في المفدي من الذبح من ابني إبراهيم ، فقال بعضهم : هو إسحاق.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن مبارك ، عن الحسن ، عن الأحنف بن قيس ، عن العباس بن عبد المطلب "وفديناه بذبح عظيم" قال هو إسحاق.
حدثني الحسين بن يزيد بن إسحاق ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : الذي أمر بذبحه إبراهيم هو إسحاق.
حدثنا ابن المثنى، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس "وفديناه بذبح عظيم" قال : هو إسحاق.
حدثنا يعقوب ، قال : ثنا ابن علية، عن داود، عن عكرمة، قال : قال ابن عباس : الذبيح إسحاق.
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا زيد بن حباب ، عن الحسن بن دينار، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن الحسن ، عن الأحنف بن قيس ، عن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكره ، قال : هو إسحاق.
حدثنا ابن المثنى، قال : ثنا محمد بن جعفر، قال : ثنا شعبة، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، قال : افتخر رجل عند ابن مسعود، فقال : أنا فلان ابن فلان ابن الأشياخ الكرام ، فقال عبد الله : ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا إبراهيم بن المختار، قال ثنا محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن الزهري ، عن العلاء بن حارثة الثقفي ، عن أبي هريرة، عن كعب في قوله : "وفديناه بذبح عظيم" قال : من ابنه إسحاق.
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : ثنا زكريا وشعبه ، عن ابن إسحاق ، عن مسروق ، في قوله : "وفديناه بذبح عظيم" قال : هو إسحاق.
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن عبيد بن عمير، قال : هو إسحاق.
حدثنا عمرو بن علي ، قال : ثنا أبو عاصم، قال : ثنا سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الله بن عمير قال : قال موسى : يا رب يقولون يا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، فبم قالوا ذلك ؟ قال : إن إبراهيم لم يعدل بي شيئاً قط إلا اختارني عليه ، وإن إسحاق جاد لي بالذبح ، وهو بغير ذلك أجود، لان يعقوب كلما زدته بلاء زادني حسن ظن.
حدثنا ابن بشار، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أبيه ، قال : قال موسى : أي رب بم أعطيت إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما أعطيتهم ؟ فذكر معنى حديث عمرو بن علي.
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن أبي سنان الشيباني ، عن ابن أبي الهذيل ، قال : الذبيح هو إسحاق.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب أن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن حارثة الثقفي ، أخبره أن كعباً، قال لأبي هريرة : ألا أخبرك عن إسحاق بن إبراهيم النبي؟ قال أبو هريرة : بلى ، قال كعب : لما رأى إبراهيم ذبح إسحاق ، قال الشيطان : والله لئن لم أفتن عند هذا آل إبراهيم لا أفتن أحداً منهم أبداً، فتمثل الشيطان لهم رجلاً يعرفونه ، فأقبل حتى إذا خرج إبراهيم بإسحاق ليذبحه دخل على سارة امرأة إبراهيم ، فقال لها : أين أصبح إبراهيم غادياً بإسحاق ؟ قالت سارة غدا لبعض حاجته ، قال الشيطان : لا والله ما لذلك فدا به، قالت سارة: فلم غدا به ؟ قال : غدا به ليذبحه ، قالت سارة : ليس من ذلك شيء ، لم يكن ليذبح ابنه ، قال الشيطان : بلى والله ، قالت سارة: فلم يذبحه ؟ قال : زعم أن ربه أمره بذلك ، قالت سارة : فهذا أحسن بأن يطيع ربه إن كان أمره بذلك ، فخرج الشيطان من عند سارة حتى أدرك إسحاق وهو يمشي على إثر أبيه ، فقال : أين أصبح أبوك غادياً بك ؟ قال : غدا بي لبعض حاجته ، قال الشيطان : لا والله ما غدا بك لبعض حاجته ، ولكن غدا بك ليذبحك ، قال إسحاق : ما كان أبي ليذبحني ، قال : بلى ، قال : لم ؟ قال : زعم أن ربه أمره بذلك ، قال إسحاق : فوالله لئن أمره بذلك ليطيعنه ، قال : فتركه الشيطان وأسرع إلى إبراهيم ، فقال : أين أصبحت غادياً بابنك ، قال : غدوت به لبعض حاجتي ، قال : أما والله ما غدوت به إلا لتذبحه ، قال ؟ لم أذبحه ؟ قال : زعمت أن ربك أمرك بذلك ، قال : الله فوالله لئن كان أمرني بذلك ربي لأفعلن ؟ قال : فلما أخذ إبراهيم إسحاق ليذبحه وسلم إسحاق ، أعفاه الله وفداه بذبح عظيم ، قال إبراهيم لإسحاق : قم أي بني ، فإن الله قد أعفاك. وأوحى الله إلى إسحاق : إني قد أعطيتك دعوة أستجيب لك فيها، قال إسحاق : اللهم إني أدعوك أن تستجيب لي ، أيما عبد لقيك من الأولين والآخرين لا يشرك بك شيئاً، فأدخله الجنة.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، قال : ثني ابن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن أبي سفيان بن العلاء بن حارثة الثقفي ، حليف بني زهرة، عن أبي هريرة، عن كعب الأحبار أن الذي أمر إبراهيم بذبحه من ابنيه إسحاق ، وأن الله لما فرج له ولابنه من البلاء العظيم الذي كان فيه ، قال الله لإسحاق : إني قد أعطيتك بصبرك لأمري دعوة أعطيك فيها ما سألت ، فسلني قال : ربي أسألك أن لا تعذب عبداً من عبادك لقيك وهو يؤمن بك. فكانت تلك مسئلته التي سأل.
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، قال : ثنا إسرائيل ، عن جابر، عن ابن سابط ، قال : هو إسحاق.
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا سفيان بن عقبة، عن حمزة الزيات ، عن أبي ميسرة، قال : قال يوسف للملك في وجهه : ترغب أن تأكل معي ، وأنا والله يوسف بن يعقوب نبي الله ، ابن إسحاق ذبيح الله ، ابن إبراهيم خليل الله.
قال : ثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، قال : قال يوسف للملك ، فذكر نحوه.
وقال آخرون : الذي فدي بالذبح العظيم من بني إبراهيم : إسماعيل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب لاسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قالا : ثنا يحيى بن يمان ، عن إسرائيل ، عن ثور، عن مجاهد ، عن ابن عمر، قال : الذبيح : إسماعيل.
حدثنا ابن بشار، قال : ثنا سفيان ، قال : ثني بيان ، عن الشعبي ، عن ابن عباس "وفديناه بذبح عظيم" قال : إسماعيل.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا أبو حمزة، عن محمد بن ميمون السكري ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، قال : إن الذي أمر بذبحه إبراهيم إسماعيل.
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، عن علي بن زيد، عن عمار مولى بني هاشم ، أو عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، قال : هو إسماعيل ، يعني "وفديناه بذبح عظيم".
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية، قال : ثنا داود، عن الشعبي ، قال : قال ابن عباس : هو إسماعيل.
وحدثني به يعقوب مرة أخرى، قال : ثنا ابن علية، قال : سئل داود بن أبي هند أي ابني إبراهيم الذي أمر بذبحه ؟ فزعم أن الشعبي قال : قال ابن عباس : هو إسماعيل.
حدثنا ابن المثنى، قال : ثنا حمد بن جعفر، قال : ثنا شعبة، عن بيان ، عن الشعبي ، عن ابن عباس أنه قال في الذي فداه الله بذبح عظيم قال : هو إسماعيل.
حدثنا يعقوب ، قال : ثنا ابن علية، قال : ثنا ليث ، عن مجاهد، عن ابن عباس ، قوله : "وفديناه بذبح عظيم" قال : هو إسماعيل.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عصر بن قيس ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن عبد الله بن عباس أنه قال : المفدي إسماعيل ، وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود.
حدثنا محمد بن سنان القزاز، قال : ثنا أبو عاصم ، عن مبارك ، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس : الذي فداه الله هو إسماعيل.
حدثنا ابن سنان القزاز، قال : ثنا حجاج بن حماد، عن أبي عاصم ألغنوي ، عن أبي الطفيل ، عن ابن عباس ، مثله.
حدثني إسحاق بن شاهين ، قال : ثنا خالد بن عبد الله ، عن داود، عن عامر، قال : الذي أراد إبراهيم ذبحه : إسماعيل.
حدثني المثنى، قال : ثنا عبد الأعلى، قال : ثنا داود عن عامر أنه قال في هذه الآية "وفديناه بذبح عظيم" قال : هو إسماعيل ، قال : وكان قرنا الكبش منوطين بالكعبة.
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن إسرائيل ، عن جابر، عن الشعبي ، قال : الذبيح إسماعيل.
قال : ثنا ابن يمان ، عن إسرائيل ، عن جابر، عن الشعبي ، قال : رأيت قرني الكبش في الكعبة.
قال : ثنا ابن يمان ، عن مبارك بن فضالة، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن يوسف بن مهران ، قال : هو إسماعيل.
قال : ثنا ابن يمان ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، قال : هو إسماعيل.
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن "وفديناه بذبح عظيم" قال : هو إسماعيل.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ، قال : سمعت محمد بن كعب القرظي وهو يقول : إن الذي أمر الله إبراهيم بذبحه من بني إسماعيل و إنا لنجد ذلك في كتاب الله في قصة الخبر عن إبراهيم ويأمر به من ذبح ابنه إسماعيل ، وذلك أن الله يقول ، حين فرغ من قصة المذبوح في إبراهيم ، قال : "وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين" يقول : بشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ، يقول : بابن وابن ابن ، فلم يكن ليأمره بذبح إسحاق وله فيه من الله الموعود ما وعده الله ، وما الذي أمر بذبحه إلا إسماعيل.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ، عن الحسن بن دينار وعمرو بن عبيد، عن الحسن البصري أنه كان لا يشك في ذلك أن الذي أمر بذبحه ابني إبراهيم : إسماعيل.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، قال : قال محمد بن إسحاق : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول ذلك كثيراً.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي عن محمد بن كعب القرظي ، أنه حدثهم أنه ذكر ذلك لعمر بن عبد العزيز وهو خليفة، إذ كان معه بالشام فقال له عمر: إن هذا لشيء ما كنت أنظر فيه ، وإني لأراه كما هو، ثم أرسل إلى رجل كان عنده بالشام كان يهودياً، فأسلم فحسن إسلامه ، وكان يرى أنه من علماء يهود، فسأله عمر بن عبد العزيز عن ذلك ، فقال محمد بن كعب : وأنا عند عمر بن عبد العزيز، فقال له عمر: أي ابني إبراهيم أمر بذبحه ؟ فقال : إسماعيل والله يا أمير المؤمنين ، وإن يهود لتعلم بذلك ، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله فيه ، والفضل الذي ذكره الله منه لصبره لما أمر به ، فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه إسحاق ، لأن إسحاق أبوهم. فالله أعلم أيهما كان ، كل قد كان طاهراً طيباً مطيعاً لربه.
حدثني محمد بن عمار الرازي ، قال : ثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة، قال : ثنا عمر بن عبد الرحيم الخطابي ، عن عبيد بن محمد العتبي من ولد عتبة بن أبي سفيان ، عن أبيه ، قال : ثني عبد الله بن سعيد، عن الصنابحي ، قال : كنا عند معاوبة بن أبي سفيان ، فذكروا الذبيح إسماعيل أو إسحاق ، فقال : على الخبير سقطتم : "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل ، فقال : يا رسول الله عد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين فضحك عليه الصلاة والسلام". فقلنا له : يا أمير المؤمنين ، وما الذبيحان ؟ فقال : إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم ، نذر لله لئن سهل عليه أمرها ليذبحن أحد ولده، قال : فخرج السهم على عبد الله ، فمنعه أخواله ، وقالوا : افد ابنك بمئة من الإبل ، ففداه بمئة من الإبل ، وإسماعيل الثاني.
حدثنا محمد بن بشار، قال : ثنا عثمان بن عمر، قال : ثنا ابن جريج ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد "وفديناه بذبح عظيم" قال : الذي فدي به إسماعيل ، ويعني تعالى ذكره الكبش الذي فدي به إسحاق ، والعرب تقول لكل ما أعد للذبح ذبح ، وأما الذبح بفتح الذال فهو الفعل.
قال أبو جعفر: وأولى القولين بالصواب في المفدي من ابني إبراهيم خليل الرحمن على ظاهر التنزيل قول من قال : هو إسحاق ، لأن الله قال : "وفديناه بذبح عظيم" فذكر أنه فدى الغلام الحليم الذي بشر به إبراهيم حين سأله أن يهب له ولداً صالحاً من الصالحين،، فقال : "رب هب لي من الصالحين" فإذ كان المفدي بالذبح من ابنيه هو المبشر به ، وكان الله تبارك اسمه قد بين في كتابه أن الذي بشر به هو إسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب ، فقال جل ثناؤه: "فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب" [هود: 71 ]وكان في كل موضع من القرآن ذكر تبشيره إياه بولد، فإنما هو معني به إسحاق ، كان بينا أن تبشيره إياه بقوله : "فبشرناه بغلام حليم" في هذا الموضع نحو سائر أخباره في غيره من آيات القرآن.
وبعد : فإن الله أخبر جل ثناؤه في هذه الآية عن خليله أنه بشره بالغلام الحليم عن مسألته إياه أن يهب له من الصالحين ومعلوم أنه لم يسأله ذلك إلا في حال لم يكن له فيه ولد من الصالحين لأنه لم يكن له من ابنيه إلا إمام الصالحين وغير موهوم منه أن يكون سأل ربه في هبة ما قد كان أعطاه ووهبه له . فإذ كان ذلك كذلك فمعلوم أن الذي ذكر تعالى ذكره في هذا الموضع هو الذي ذكر في سائر القرآن أنه بشره به وذلك لا شك أنه إسحاق ، إذ كان المفدي هو المبشر به. وأما الذي اعتل به من أنه إسماعيل أن الله قد كان وعد إبراهيم أن يكون له من إسحاق ابن ابن ، فلم يكن جائزاً أن يأمره بذبحه مع الوعد الذي قد تقدم ، فإن الله إنما أمره بذبحه بعد أن بلغ معه السعي ، وتلك حال غير ممكن أن يكون قد ولد لإسحاق فيها أولاد، فكيف الواحد؟ وأما اعتلال من اعتل بأن الله أتبع قصة المفدي من ولد إبراهيم بقوله : "وبشرناه بإسحاق نبيا" ولو كان المفدي هو إسحاق لم يبشر به بعد، وقد ولد، وبلغ معه السعي ، فإن البشارة بنبوة إسحاق من الله فيما جاءت به الأخبار جاءت إبراهيم وإسحاق بعد أن فدي تكرمة من الله على صبره لأمر ربه فيما امتحنه به من الذبح ، وقد تقدمت الرواية قبل عمن قال ذلك. وأما اعتلال كل من اعتل بأن قرن الكبش كان معلقاً في الكعبة فغير مستحيل أن يكون حمل من الشام إلى مكة. وقد روي عن جماعة من أهل العلم أن إبراهيم إنما أمر بذبح ابنه إسحاق بالشام ، وبها أراد ذبحه.
واختلف أهل العلم في الذبح الذي فدي به إسحاق ، فقال بعضهم : كان كبشاً.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن جابر، عن أبي الطفيل ، عن علي "وفديناه بذبح عظيم" قال : كبش أبيض أقرن أعين مربوط بسمرة في ثبير.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس : "وفديناه بذبح عظيم" قال : كبش ، قال عبيد بن عمير ذبح بالمقام ، وقال مجاهد: ذبح بمنى في المنحر.
حدثنا ابن بشار، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن خثيم ، عن سعيد، عن ابن عباس قال : الكبش الذي ذبحه إبراهيم هو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبل منه.
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا سيار، عن عكرمة، أن ابن عباس كان أفتى الذي جعل عليه أن ينحر نفسه ، فأزره بمئة من الإبل ، قال : فقال ابن عباس بعد ذلك - لو كنت أفتيته بكبش لأجزأه أن يذبح كبشاً، فإن الله قال في كتابه "وفديناه بذبح عظيم".
حدثني محمد بن سعد، قال . ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وفديناه بذبح عظيم قال : ذبح كبش.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "وفديناه بذبح عظيم" قال : قال ابن عباس : التفت فإذا كبش ، فأخذه فذبحه.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر، عن سعيد بن جبير "وفديناه بذبح عظيم" قال : كان الكبش الذي ذبحه إبراهيم رعى في الجنة أربعين سنة، وكان كبشاً املح ، صوفه مثل العهن الأحمر.
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد "وفديناه بذبح عظيم" قال : بكبش.
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية، قال : أخبرنا ليث ، قال : قال مجاهد: الذبح العظيم : شاة.
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله "بذبح عظيم" قال : بكبش.
وحدثنا الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا شريك ، عن ليث ، عن مجاهد "وفديناه بذبح عظيم" قال : الذبح الكبش.
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو، قال : ثنا أسباط ، عن السدي قال : التفت ، يعني إبراهيم فإذا بكبش ، فأخذه وخلى عن ابنه.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : الذبح العظيم : الكبش الذي فدى الله به إسحاق.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ، عن الحسن بن دينار، عن قتادة بن دعامة، عن جعفر بن إياس ، عن عبد الله بن العباس ، في قوله "وفديناه بذبح عظيم" قال : خرج عليه كبش من الجنة قد رعاها قبل ذلك أربعين خريفاً، فأرسل إبراهيم ابنه واتبع الكبش ، فأخرجه إلى الجمرة الأولى فرمى بسبع حصيات ، فأفلته عنده ، فجاء الجمرة الوسطى ، فأخرجه عندها، فرماه بسبع حصيات ، ثم أفلته فأدركه عند الجمرة الكبرى، فرماه بسبع حصيات ، فأخرجه عندها، ثم أخذه فأتى به المنحر من منى ، فذبحه ، فوالذي نفس ابن عباس بيده ، لقد كان أول الإسلام ، وإن رأس الكبش لمعلق بقرنيه عند ميزاب الكعبة قد حش ، يعني يبس.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، قال ابن إسحاق : ويزعم أهل الكتاب الأول وكثير من العلماء أن ذبيحة إبراهيم التي فدى بها ابنه كبش أملح أقرن أعين.
حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال : ثنا مروان بن معاوية، عن جويبر، عن الضحاك في قوله : "وفديناه بذبح عظيم" قال : بكبش.
وقال آخرون : كان الذبح وعلاً.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن رجل ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس "وفديناه بذبح عظيم" قال : كان وعلاً.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن أنه كان يقول : ما فدي إسماعيل إلا بتيس من الأروي أهبط عليه من ثبير.
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل للذبح الذي فدي به إسحاق عظيم ، فقال بعضهم : قيل ذلك كذلك ، لأنه كان رعى في الجنة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن عبد الله بن عيسى، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "وفديناه بذبح عظيم"قال : رعى في الجنة أربعين خريفاً.
وقال آخرون : قيل له عظيم ، لأنه كان ذبحاً متقبلاً.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد، "عظيم" قال : متقبل.
حدثنا الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا شريك ، عن ليث ، عن مجاهد في "وفديناه بذبح عظيم"قال : العظيم : المتقبل.
وقال آخرون : قيل له عظيم ، لأنه ذبح ذبح بالحق ، وذلك ذبحه بدين إبراهيم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن أنه كان يقول : ما يقول الله "وفديناه بذبح عظيم" لذبيحته التي ذبح فقط ، ولكن الذبح على دينه ، فتلك السنة إلى يوم القيامة، فاعلموا أن الذبيحة تدفع ميتة السوء، فضحوا عباد الله.
قال أبو جعفر: ولا قول في ذلك أصح مما قال الله جل ثناؤه، وهو أن يقال : فداه الله بذبح عظيم ، وذلك أن الله عم وصفه إياه بالعظم دون تخصيصه ، فهو كما عمه به.
السابعة - قوله تعالى : " وفديناه بذبح عظيم " الذبح اسم المذبوح وجمعه ذبوح ، كالطحن اسم المطحون . والذبح بالفتح المصدر . < عظيم > أي عظيم القدر ولم يرد عظيم الجثة ، وإنما عظم قدره لأنه فدى به الذبيح ، أو لأنه متقبل . قال النحاس : عظيم في اللغة يكون للكبير وللشريف . وأهل التفسير علآ أنه ها هنا للشريف ، أول المتقبل . وقال ابن عباس : هو الكبش الذي تقرب به هابيل ،وكان في الجنة يرعى حتى فدىالله به إسماعيل . وعنه أيضاً : أنه كبش أرسله الله من الجنة كان قد رعى في الجنة أربعين خريفاً . وقال الحسن : ما فدي إسماعيل إلا بتيس من الأروى هبط عليه من ثبير ، فذبحه إبراهيم فداء عن ابنه ، وهذا قول علي رضي اللهعنه . فلما رآه إبراهيم أخذه فذبحه وأعتق ابنه . وقال : يا بني اليوم وهبت لي . وقال أبو إسحاق الزجاج : قد قيل أنه فدي بوعل ، والوعل : التيس الجبلي . وأهل التفسير علآ أنه فدي بكبش .
الثامنة - في هذه الآية دليل على أن الأضحية بالغنم أفضل من الإبل والبقر . وهذا مذهب مالك وأصحابه . قالوا : أفضل الضحايا الفحول من الضأن ، وإناث الضأن أفضل من فحل المعز ، وفحول المعز خير من إناثها ، وإناث المعز خير من الإبل والبقر . وحجتهم قوله سبحانه وتعالى : " وفديناه بذبح عظيم " أي ضخم الجثة سمين ، وذلك كبش لا جمل ولا بقرة . وروى مجاهد وغيره عن ابن عباس أنه سأله رجل : إني نذرت أن أنحر ابني ؟ فقال : يجزيك كبش سمين ، ثم قرأ < وفديناه بذبح عظيم > . وقال بعضهم : لو علم الله حيواناً أفضل من الكبش لفدى به إسحق . و"ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين " وأكثر ما ضحي به الكباش . وذكر ابن أبي شيبة عن ابن علية الليث عن مجاهد قال : الذبح العظيم الشاة .
التاسعة - واختلفوا أيما أفضل : الأضحية أو الصدقة بثمنها . فقال مالك وأصحابه : الضحية أفضل إلا بمنى ، لأنه ليس موضع الأضحية ، حكاه أبو عمر . وقال ابن المنذر : روينا عن بلال أنه قال : ما أبالي ألا أضحي إلا بديك ولأن أضعه في يتيم قد ترب فيه - هكذا قال المحدث - أحب إلي من أن أضحي به . وهذا قول الشعبي إن الصدقة أفضل . وبه قال مالك و أبو ثور . وفيه قول ثان : إن الضحية أفضل ، هذا قول ربيعة و أبي الزناد . وبه قال أصحاب الرأي . زاد أبو عمر و أحمد بن حنبل قالوا : الضحية أفضل من الصدقة ، لأن الضحية سنة مؤكدة كصلاة العيد . ومعلوم أن صلاة العيد أفضل من سائر النوافل . وكذلك صلوات السنن أفضل من التطوع كله . قال أبو عمر : وقد روي في فضل الضحايا آثار حسان ، فمنها " ما رواه سعيد بن داود بن أبي زنبر عن مالك عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من نفقة بعد صلة الرحم أفضل عند الله من إهراق الدم " قال أبو عمر : وهو حديث غريب من حديث مالك . " وعن عائشة قال : يا أيها الناس ضحوا وطيبوا أنفساً ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من عبد توجه بأضحيته إلى القبلة إلا كان دمها وقرنها وصوفها حسنات محضرات في ميزاته يوم القيامة فإن الدم إن وقع في التراب فإنما يقع في حرز الله حتى يوفيه صاحبه يوم القيامة " ذكره أبو عمر في كتاب التمهيد . وخرجه الترمذي "أيضاً عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها ، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع إلى الأرض فطيبوا بها نفساً " وفي الباب عن عمران بن حصين و زيد بن أرقم . وهذا حديث حسن .
العاشرة - الضحية ليست بواجبة ولكنها سنة ومعروف . وقال عكرمة : كان ابن عباس يبعثني يوم الأضحى بدرهمين اشتري له لحماً ، ويقول : من لقيت فقل هذه أضحية ابن عباس . قال أبو عمر : ومحمل هذا وما روي عن أبي بكر وعمر أنهما لا يضحيان عند أهل العلم ، لئلا يعتقد في المواظبة عليها أنها واجبة فرض ، كانوا أئمة يقتدى بهم من بعدهم ممن ينظر في دينه إليهم ، لأنهم الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أمته ، فساغ لهم من الاجتهاد في ذلك ما لا يسوغ اليوم لغيرهم . وقد حكى الطحاوي في مختصره :وقال أبو حنيفة : الأضحية واجبة على المقيمين الواجدين من أهل الأمصار ، ولا تجب على المسافر . قال : ويجب على الرجل من الأضحية على ولده الصغير مثل الذي يجب عليه عن نفسه . وخالفه أبو يوسف و محمد فقالا : ليست بواجبه ولكنها سنة غير مرخص لمن وجد السبيل إليها في تركها . قال : وبه نأخذ . قال أبو عمر : وهذا قول مالك ، قال : لا ينبغي لأحد تركها مسافراً كان أو مقيماً ، فإن تركها فبئس ما صنع إلا أن يكون له عذر إلا الحاج بمنى . وقال الإمام الشافعي : هي سنة على جميع الناس وعلى الحاج بمنى وليست بواجبة .وقد احتج من أوجبها بـ " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بردة بن نيار أن يعيد ضحية أخرى ، لأن ما لم يكن فرضاً لا يؤمر فيه بالإعادة . احتج آخرون بحديث أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي " قالوا : فلو كان ذلك واجباً لم يجعل ذلك إلى إرادة المضحي . وهو قول أبي بكر وعمر وأبي مسعود البدري وبلال .
الحادية عشرة - والذي يضحى به بإجماع المسلمين الأزواج الثمانية : وهي الضأن والمعز والإبل والبقر . قال ابن المنذر : وقد حكى عن الحسن بن صالح أنه قال : يضحى ببقرة الوحش عن سبعة ، وبالظبي عن رجل . وقال الإمام الشافعي : لو نزا ثور وحشي على بقرة إنسية ، أو ثور إنسي على بقرة وحشية لا يجوز شيء من هذا أضحية . وقال أصحاب الرأي : جائز ، لأن ولدها بمنزلة أمه . وقال أبو ثور : يجوز إذا كان منسوباً إلى الأنعام .
الثانية عشرة - قد مضى في سورة < الحج > الكلام في وقت الذبح والأكل من الأضحية مستوفى . وفي صحيح مسلم عن أنس قال : " ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما " و" في رواية قال : ويقول بسم الله والله أكبر " وقد مضى في آخر < الأنعام > حديث عمران بن حصين ، ومضى في < المائدة > القول في التذكية وبيانها وما يذكى به ، وإن ذكماة الجنين ذكاة أمة مستوفى . وفي صحيح مسلم " عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمر بكبش أقرن يطأ في سواد وينظر في سواد فأتى به ليضحي به فقال لها : يا عائشة هلمي المدية ثم قال : اشحذيها بحجر ففعلت ، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ، ثم قال : بسم الله اللهم تقبل من محمدوآل محمد ومن أمة محمد " ثم ضحى به . وقد اختلف العلماء في هذا فكان الحسن البصري يقول في الأضحية : بسم الله والله أكبر هذا منك ولك تقبل من فلان . وقال مالك : إن فعل ذلك فحسن ، وإن لم يفعل وسمى الله أجزأه . وقال الشافعي : والتسمية على الذبيحة بسم الله ، فإن زاد بعد ذلك شيئاً من ذكر الله ، أو صلى على محمد عليه السلام لم أكرهه ، أو قال اللهم تقبل مني ، أو قال تقبل من فلان فلا بأس . وقال النعمان : يكره أن يذكر مع اسم الله غيره ، يكره أن يقول : اللهم تقبل من فلان عند الذبح . وقال : لا بأس إذا كان قبل التسمية وقبل أن يضجع للذبح . وحديث عائشة برد هذا القول .وقد تقدم أن إبراهيم عليه السلام قال لما أراد ذبح ابنه : الله أكبر والحمد لله . فبقي سنة .
الثالثة عشرة - " روى البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل : ماذا يتقى من الضحايا ؟ فأشار بيده وقال : أربعاً - وكان البراء يشير بيده ويقول يدي أقصر من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم - العرجاء البين ظلعها والعوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تنقى " لفظ مالك ولا خلاف فيه . واختلف في اليسر من ذلك . وفي الترمذي " عن علي رضي الله عنه قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن وألا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء " . قال : والمقابلة ما قطع طرف أذنها ، والمدابرة ما قطع من جانب الأذن ، والشرقاء المشقوقة ، والخرقاء المثقوبة ، قال هذا حديث حسن صحيح . وفي الموطأ عن نافع : أن عبد الله بن عمر كان يتقي من الضحايا والبدن التي لم تسنن والتي نقص من خلقها . قال مالك : وهذا أحب ما سمعت إلي . قال القتبي : لم تسنن أي لم تنبت أسنانها كأنها لم تعط أسناناً . وهذا كما يقال : فلان لم يلبن أي لم يعط لبناً ، ولم يسمن أي لم يعط سمناً ، ولم يعسل أي لم يعط عسلاً . وهذا مثل النهي في الأضاحي عن الهتماء . قال أبو عمر : ولا بأس أن يضحى عند مالك بالشاة الهتماء إذاكان سقوط أسنانها من الكبر والهرم وكانت سمينة ، فإن كانت ساقطة الأسنان وهي فتية لم يجز أن يضحي با ، لأنه عيب غير خفيف . والنقصان كله مكروه ، وشرحه وتفصيله في كتب الفقه . " وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم : استشرفوا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم " ذكره الزمخشري .
الرابعة عشرة - ودلت الآية علآ أن من نذر نحر ابنه أو ذبحه أنه يفديه بكبش كما فدى به إبراهيم ابنه ، قاله ابن عباس . وعن رواية أخرى ينحر مائة من الإبل كما فدى بها عبد المطلب ابنه ، روى الروايتين عنه الشعبي . وروى عنه القاسم بن محمد : يجزيه كفارة يمين . وقال مسروق : لا شيء عليه . وقال الشافعي : هو معصية يستغفر الله منها . وقال أبو حنيفة : هي كلمة يلزمه بها في ولده ذبح شاة ولا يلزمه في غير ولده شيء . قال محمد : عليه في الحلف بنحر عبده مثل الذي عليه في الحل بنحر ولده إذا حنث . وذكر ابن عبد الحكم عن مالك فيمن قال : أنا أنحر ولدي عند مقام إبراهيم في يمين ثم حنث فعليه هدي . قال : ومن نذر أن ينحر إبنه ولم يقل عند مقام إبراهيم ولا أراد فلا شيء عليه . قال : ومن جعل إبنه هدياً أهدى عنه ، قال القاضي ابن العربي : يلزمه شاه كما قال أبو حنيفة لأن الله تعالى جعل ذبح الولد عبارة عن ذبح الشاة شرعاً ، فألزم الله إبراهيم ذبح الولد ، وأخرجه عن بذبح شاة . وكذلك إذا نذر العبد ذبح ولده يلزمه أن يذبح شاة ، لأن الله تعالى قال : " ملة أبيكم إبراهيم " [ الحج : 78 ] والإيمان إلتزام أصلي ، والنذر إلتزام فرعي ، فيجب أن يكون محمولاً عليه . فإن قيل : كيف يؤمر إبراهيم بذبح الولد وهو معصية والأمر بالمعصية لا يجوز . قلنا هذا اعتراض على كتاب الله ، ولا يكون ذلك ممن يعتقد الإسلام فكيف بمن يفتي في الحلال والحرام ، وقد قال الله تعالى : < إفعل ما تؤمر > والذي يجلو الإلباس عن قلوب الناس في ذلك : أن المعاصي والطاعات ليست بأوصاف ذاتية للأعيان ، وإنما الطاعات عبارة عما تعلق به الأمر من الأفعال والمعصية عبارة عما تعلق به النهي من الأفعال، فلما تعلق الأمر بذبح الولد إسماعيل من إبراهيم صار طاعة وابتلاء ، وبهذا قال الله تعالى : " إن هذا لهو البلاء المبين " [ الصافات : 106 ] في الصبر على ذبح الولد والنفس ، ولما تعلق النهي بنا في ذبح أبنائنا صار معصية . فإن قيل : كيف يصير نذراً وهو معصية قلنا إنما يكون معصية لو كان يقصد ذبح الولد بنذره ولا ينوي الفداء ؟ فإن قيل : فلو وقع ذلك وقصد المعصية ولم ينو الفداء ؟ قلنا : لو قصد ذلك لم يضره في قصده ولا أثر في نذره لأن نذر الولد صار عبارة عن ذبح الشاة شرعاً .
يقول تعالى مخبراً عن خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه بعد ما نصره الله تعالى على قومه وأيس من إيمانهم بعد ما شاهدوا من الايات العظيمة هاجر من بين أظهرهم وقال "إني ذاهب إلى ربي سيهدين * رب هب لي من الصالحين" يعني أولاداً مطيعين عوضاً من قومه وعشيرته الذين فارقهم, قال الله تعالى: "فبشرناه بغلام حليم" وهذا الغلام هو إسماعيل عليه السلام فإنه أول ولد بشر به إبراهيم عليه السلام وهو أكبر من إسحاق باتفاق المسلمين وأهل الكتاب بل في نص كتابهم أن إسماعيل عليه السلام ولد ولإبراهيم عليه السلام ست وثمانون سنة وولد إسحاق وعمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام تسع وتسعون سنة, وعندهم أن الله تبارك وتعالى أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده وفي نسخة أخرى بكره فأقحموا ههنا كذباً وبهتاناً إسحاق ولا يجوز هذا لأنه مخالف لنص كتابه وإنما أقحموا إسحاق لأنه أبوهم وإسماعيل أبو العرب فحسدوهم فزادوا ذلك وحرفوا وحيدك بمعنى الذي ليس عندك غيره فإن إسماعيل كان ذهب به وبأمه إلى مكة وهو تأويل وتحريف باطل فإنه لا يقال وحيدك إلا لمن ليس له غيره, وأيضاً فإن أول ولد له معزة ما ليس لمن بعده من الأولاد فالأمر بذبحه أبلغ في الابتلاء والاختبار. وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق وحكي ذلك عن طائفة من السلف حتى نقل عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أيضاً وليس ذلك في كتاب ولا سنة وما أظن ذلك تلقي إلا عن أحبار أهل الكتاب وأخذ ذلك مسلم من غير حجة وهذا كتاب الله شاهد ومرشد إلى أنه إسماعيل فإنه ذكر البشارة بغلام حليم وذكر أنه الذبيح ثم قال بعد ذلك "وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين" ولما بشرت الملائكة إبراهيم بإسحاق قالوا "إنا نبشرك بغلام عليم". وقال تعالى: " فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب " أي يولد له في حياتهم ولد يسمى يعقوب فيكون من ذريته عقب ونسل وقد قدمنا هناك أنه لا يجوز بعد هذا أن يؤمر بذبحه وهو صغير لأن الله تعالى قد وعدهما بأنه سيعقب ويكون له نسل فكيف يمكن بعد هذا أن يؤمر بذبحه صغيراً وإسماعيل وصف ههنا بالحليم لأنه مناسب لهذا المقام ؟ وقوله تعالى: "فلما بلغ معه السعي" أي كبر وترعرع وصار يذهب مع أبيه ويمشي معه وقد كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام يذهب في كل وقت يتفقد ولده وأم ولده ببلاد فاران وينظر في أمرهما وقد ذكر أنه كان يركب على البراق سريعاً إلى هناك والله أعلم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء الخراساني وزيد بن أسلم وغيرهم "فلما بلغ معه السعي" بمعنى شب وارتجل وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل "فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى" قال عبيد بن عمير رؤيا الأنبياء وحي ثم تلا هذه الاية "قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى". وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد حدثنا أبو عبد الملك الكرندي حدثنا سفيان بن عيينة عن إسرائيل بن يونس عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رؤيا الأنبياء في المنام وحي" ليس هو في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه وإنما أعلم ابنه بذلك ليكون أهون عليه وليختبر صبره وجلده وعزمه في صغره على طاعة الله تعالى وطاعة أبيه "قال يا أبت افعل ما تؤمر" أي امض لما أمرك الله من ذبحي "ستجدني إن شاء الله من الصابرين" أي سأصبر وأحتسب ذلك عند الله عز وجل وصدق صلوات الله وسلامه عليه فيما وعد ولهذا قال الله تعالى: "واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً * وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضياً". وقال تعالى: "فلما أسلما وتله للجبين" أي فلما تشهدا وذكرا الله تعالى إبراهيم على الذبح والولد شهادة الموت وقيل أسلما يعني استسلما وانقادا, إبراهيم امتثل أمر الله تعالى وإسماعيل طاعة لله ولأبيه قاله مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وابن إسحاق وغيرهم ومعنى تله للجبين أي صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه ولا يشاهد وجهه عند ذبحه ليكون أهون عليه. قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وقتادة "وتله للجبين" أكبه على وجهه. وقال الإمام أحمد حدثنا سريج ويونس قالا حدثنا حماد بن سلمة عن أبي عاصم الغنوي عن أبي الطفيل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لما أمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالمناسك عرض له الشيطان عند السعي فسابقه فسبقه إبراهيم عليه الصلاة والسلام ثم ذهب به جبريل عليه الصلاة والسلام إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات ثم تله للجبين وعلى إسماعيل عليه الصلاة والسلام قميص أبيض فقال يا أبت إنه ليس لي ثوب تكفنني فيه غيره فاخلعه حتى تكفنني فيه فعالجه ليخلعه فنودي من خلفه " أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا " فالتفت إبراهيم فإذا بكبش أبيض أقرن أعين قال ابن عباس لقد رأيتنا نتتبع ذلك الضرب من الكباش, وذكر هشام الحديث في المناسك بطوله. ثم رواه أحمد بطوله من يونس عن حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما فذكره إلا أنه قال إسحاق فعن ابن عباس رضي الله عنهما في تسمية الذبيح روايتان والأظهر عنه إسماعيل لما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وقال محمد بن إسحاق عن الحسن بن دينار عن قتادة عن جعفر بن إياس عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تبارك وتعالى: "وفديناه بذبح عظيم" قال خرج عليه كبش من الجنة قد رعى قبل ذلك أربعين خريفاً فأرسل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ابنه واتبع الكبش فأخرجه إلى الجمرة الأولى فرماه بسبع حصيات ثم أفلته عندها فجاء إلى الجمرة الوسطى فأخرجه عندها فرماه بسبع حصيات ثم أفلته فأدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات فأخرجه عندها ثم أخذه فأتى به المنحر من منى فذبحه فو الذي نفس ابن عباس بيده لقد كان أول الإسلام وأن رأس الكبش لمعلق بقرنيه في ميزاب الكعبة حتى وحش يعني يبس. وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري أخبرنا القاسم قال اجتمع أبو هريرة وكعب فجعل أبو هريرة رضي الله عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فجعل كعب يحدث عن الكتب فقال أبو هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لكل نبي دعوة مستجابة وإني قد خبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة" فقال له كعب أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال نعم قال فداك أبي وأمي ـ أو فداه أبي وأمي ـ أفلا أخبرك عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ؟ إنه لما أري ذبح ابنه إسحاق قال الشيطان إن لم أفتن هؤلاء عند هذه لم أفتنهم أبداً فخرج إبراهيم عليه الصلاة والسلام بابنه ليذبحه فذهب الشيطان فدخل على سارة فقال أين ذهب إبراهيم بابنك ؟ قالت غدا به لبعض حاجته قال فإنه لم يغد به لحاجة إنما ذهب به ليذبحه قالت ولم يذبحه ؟ قال زعم أن ربه أمره بذلك قالت فقد أحسن أن يطيع ربه فذهب الشيطان في أثرهما فقال للغلام أين يذهب بك أبوك, قال لبعض حاجته قال فإنه لا يذهب بك لحاجة ولكنه يذهب بك ليذبحك قال ولم يذبحني ؟ قال يزعم أن ربه أمره بذلك قال فو الله لئن كان الله تعالى أمره بذلك ليفعلن قال فيئس منه فتركه ولحق بإبراهيم عليه الصلاة والسلام فقال أين غدوت بابنك, قال لحاجة قال فإنك لم تغد به لحاجة وإنما غدوت به لتذبحه قال ولم أذبحه ؟ قال تزعم أن ربك أمرك بذلك قال فوالله لئن كان الله تعالى أمرني بذلك لأفعلن قال فتركه ويئس أن يطاع وقد رواه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عن يونس عن ابن يزيد عن ابن شهاب قال إن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي أخبره أن كعباً قال لأبي هريرة فذكره بطوله وقال في آخره وأوحى الله تعالى إلى إسحاق أني أعطيتك دعوة استجبت لك فيها قال إسحاق اللهم إني أدعوك أن تستجيب لي أيما عبد لقيك من الأولين والاخرين لا يشرك بك شيئاً فأدخله الجنة. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله تبارك وتعالى خيرني بين أن يغفر لنصف أمتي وبين أن يجيب شفاعتي فاخترت شفاعتي ورجوت أن تكون أعم لأمتي ولولا الذي سبقني إليه العبد الصالح لتعجلت فيها دعوتي إن الله تعالى لما فرج عن إسحاق كرب الذبح قيل له يا إسحاق سل تعط فقال أما والذي نفسي بيده لأتعجلنها قبل نزغات الشيطان, اللهم من مات لا يشرك بك شيئاً فاغفر له وأدخله الجنة" هذا حديث غريب منكر وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف الحديث وأخشى أن يكون في الحديث زيادة مدرجة وهي قوله إن الله تعالى لما فرج عن إسحاق إلى آخره والله أعلم فهذا إن كان محفوظاً فالأشبه أن السياق إنما هو عن إسماعيل وإنما حرفوه بإسحاق حسداً منهم كما تقدم وإلا فالمناسك والذبائح إنما محلها بمنى من أرض مكة حيث كان إسماعيل لا إسحاق فإنه إنما كان ببلاد كنعان من أرض الشام. وقوله تعالى: " وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا " أي قد حصل المقصود من رؤياك واضجاعك ولدك للذبح وذكر السدي وغيره أنه أمر السكين على رقبته فلم تقطع شيئاً بل حال بينها وبينه صفحة من نحاس ونودي إبراهيم عليه الصلاة والسلام عند ذلك "قد صدقت الرؤيا". وقوله تعالى: "إنا كذلك نجزي المحسنين" أي هكذا نصرف عمن أطاعنا المكاره والشدائد ونجعل لهم من أمرهم فرجاً ومخرجاً كقوله تعالى: " ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا " وقد استدل بهذه الاية والقصة جماعة من علماء الأصول على صحة النسخ قبل التمكن من الفعل خلافاً لطائفة من المعتزلة والدلالة من هذه ظاهرة لأن الله تعالى شرع لإبراهيم عليه الصلاة والسلام ذبح ولده ثم نسخه عنه وصرفه إلى الفداء وإنما كان المقصود من شرعه أولاً إثابة الخليل على الصبر على ذبح ولده وعزمه على ذلك ولهذا قال تعالى: "إن هذا لهو البلاء المبين" أي الاختبار الواضح الجلي حيث أمر بذبح ولده فسارع إلى ذلك مستسلماً لأمر الله تعالى منقاداً لطاعته ولهذا قال تعالى: "وإبراهيم الذي وفى". وقوله تعالى: "وفديناه بذبح عظيم" قال سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن أبي الطفيل عن علي رضي الله عنه "وفديناه بذبح عظيم" قال بكبش أبيض أعين أقرن قد ربط بسمرة قال أبو الطفيل: وجدوه مربوطاً بسمرة في ثبير, وقال الثوري أيضاً عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفاً. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا يوسف بن يعقوب الصفار حدثنا داود العطار عن ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال الصخرة التي بمنى بأصل ثبير هي الصخرة التي ذبح عليها إبراهيم فداء إسحاق ابنه هبط عليه من ثبير كبش أعين أقرن له ثغاء فذبحه وهو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبل منه فكان مخزوناً حتى فدي به إسحاق وروي أيضاً عن سعيد بن جبير أنه قال كان الكبش يرتع في الجنة حتى فدي به إسحاق, وروي أيضاً عن سعيد بن جبير أنه قال كان الكبش يرتع في الجنة حتى شقق عنه ثبير وكان عليه عهن أحمر, وعن الحسن البصري أنه قال كان اسم كبش إبراهيم عليه الصلاة والسلام جرير وقال ابن جريج قال عبيد بن عمير ذبحه بالمقام وقال مجاهد ذبحه بمنى عند المنحر. وقال هشيم عن سيار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما كان أفتى الذي جعل عليه نذراً أن ينحر نفسه فأمره بمائة من الإبل. ثم قال بعد ذلك لو كنت أفتيه بكبش لأجزأه أن يذبح كبشاً فإن الله تعالى قال في كتابه: "وفديناه بذبح عظيم" والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه فدي بكبش. وقال الثوري عن رجل عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى: "وفديناه بذبح عظيم" قال وعل وقال محمد بن إسحاق عن عمرو بن عبيد عن الحسن أنه كان يقول ما فدي إسماعيل عليه السلام إلا بتيس من الأروى أهبط عليه من ثبير. وقد قال الإمام أحمد حدثنا سفيان حدثني منصور عن خاله مسافع عن صفية بنت شيبة قالت: أخبرتني امرأة من بني سليم ولدت عامة أهل دارنا أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن طلحة رضي الله عنه, وقالت مرة أنها سألت عثمان لم دعاك النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني كنت رأيت قرني الكبش حين دخلت البيت فنسيت أن آمرك أن تخمرهما فخمرهما فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي" قال سفيان لم يزل قرنا الكبش معلقين في البيت حتى احترق البيت فاحترقا وهذا دليل مستقل على أنه إسماعيل عليه الصلاة والسلام فإن قريشاً توارثوا قرني الكبش الذي فدى به إبراهيم خلفاً عن سلف وجيلاً بعد جيل إلى أن بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
(فصل) في ذكر الاثار الورادة عن السلف في أن الذبيح من هو
(ذكر من قال هو إسحاق عليه الصلاة والسلام) قال حمزة الزيات عن أبي ميسرة رحمه الله قال: قال يوسف عليه الصلاة والسلام للملك في وجهه ترغب أن تأكل معي وأنا والله يوسف بن يعقوب نبي الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله, وقال الثوري عن أبي سنان عن ابن أبي الهذيل أن يوسف عليه السلام قال للملك كذلك أيضاً وقال سفيان الثوري عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه قال: قال موسى عليه الصلاة والسلام يا رب يقولون بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب فبم قالوا ذلك ؟ قال: "إن إبراهيم لم يعدل بي شيء قط إلا اختارني عليه, وإن إسحاق جاد لي بالذبح وهو بغير ذلك أجود, وإن يعقوب كلما زدته بلاء زادني حسن ظن". وقال شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص قال افتخر رجل عند ابن مسعود رضي الله عنه فقال: أنا فلان بن فلان بن الأشياخ الكرام, فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله. وهذا صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه, وكذا روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه إسحاق, وعن أبيه العباس وعن علي بن أبي طالب مثل ذلك, وكذا قال عكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد والشعبي وعبيد بن عمير وأبو ميسرة وزيد بن أسلم وعبد الله بن شقيق والزهري والقاسم بن أبي برزة ومكحول وعثمان بن حاضر والسدي والحسن وقتادة وأبو الهذيل وابن سابط وهذا اختيار ابن جرير, وتقدم روايته عن كعب الأحبار أنه إسحاق, وهكذا روى ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن أبي سفيان ابن العلاء بن حارثة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن كعب الأحبار أنه قال هو إسحاق وهذه الأقوال والله أعلم كلها مأخوذة عن كعب الأحبار فإنه لما أسلم في الدولة العمرية جعل يحدث عمر رضي الله عنه عن كتبه قديماً فربما استمع له عمر رضي الله عنه فترخص الناس في استماع ما عنده ونقلوا ما عنده عنه غثها وسمينها وليس لهذه الأمة والله أعلم حاجة إلى حرف واحد مما عنده وقد حكى البغوي القول بأنه إسحاق عن عمر وعلي وابن مسعود والعباس رضي الله عنهم ومن التابعين عن كعب الأحبار وسعيد بن جبير وقتادة ومسروق وعكرمة وعطاء ومقاتل والزهري والسدي قال وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد ورد في ذلك حديث لو ثبت لقلنا به على الرأس و العين ولكن لم يصح سنده. قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب حدثنا زيد بن حباب عن الحسن بن دينار عن علي بن زيد بن جدعان عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكره قال هو إسحاق ففي إسناده ضعيفان وهما الحسن بن دينار البصري متروك وعلي بن زيد بن جدعان منكر الحديث. وقد رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن مسلم بن إبراهيم عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان به مرفوعاً, ثم قال قد رواه مبارك بن فضالة عن الحسن عن الأحنف عن العباس رضي الله عنه وهذا أشبه وأصح والله أعلم.
(ذكر الاثار الواردة بأنه إسماعيل عليه الصلاة والسلام وهو الصحيح المقطوع به) قد تقدمت الرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه إسحاق عليه الصلاة والسلام والله تعالى أعلم وقال سعيد بن جبير وعامر الشعبي ويوسف بن مهران ومجاهد وعطاء وغير واحد عن ابن عباس رضي الله عنهما هو إسماعيل عليه الصلاة والسلام وقال ابن جرير حدثني يونس أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن قيس عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أنه قال المفدى إسماعيل عليه السلام وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود, وقال إسرائيل عن ثور عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال الذبيح إسماعيل وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد هو إسماعيل عليه السلام وكذا قال يوسف بن مهران وقال الشعبي هو إسماعيل عليه الصلاة والسلام وقد رأيت قرني الكبش في الكعبة. وقال محمد بن إسحاق عن الحسن بن دينار وعمرو بن عبيد عن الحسن البصري أنه كان لايشك في ذلك أن الذي أمر بذبحه من ابني إبراهيم إسماعيل عليه السلام قال ابن إسحاق وسمعت محمد بن كعب القرظي وهو يقول إن الذي أمر الله تعالى إبراهيم بذبحه من ابنيه إسماعيل وإنا لنجد ذلك في كتاب الله تعالى وذلك أن الله تعالى حين فرغ من قصة المذبوح من ابني إبراهيم قال الله تعالى: "وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين" ويقول الله تعالى: "فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب" يقول بابن وابن ابن فلم يكن ليأمره بذبح إسحاق وله فيه الموعد بما وعده وما الذي أمر بذبحه إلا إسماعيل قال ابن إسحاق سمعته يقول ذلك كثيراً, وقال ابن إسحاق عن بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي عن محمد بن كعب القرظي أنه حدثهم أنه ذكر ذلك لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وهو خليفة إذ كان معه بالشام فقال له عمر إن هذا لشيء ما كنت أنظر فيه, وإني لأراه كما قلت ثم أرسل إلى رجل كان عنده بالشام كان يهودياً فأسلم وحسن إسلامه وكان يرى أنه من علمائهم فسأله عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه عن ذلك قال محمد بن كعب وأنا عند عمر بن عبد العزيز فقال له عمر أي ابني إبراهيم أمر بذبحه فقال إسماعيل والله يا أمير المؤمنين وإن يهود لتعلم بذلك ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله فيه والفضل الذي ذكر الله تعالى منه لصبره لما أمر به فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه إسحاق لكون إسحاق أباهم والله أعلم أيهما كان وكل قد كان طاهراً طيباً مطيعاً لله عز وجل وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله سألت أبي عن الذبيح هل هو إسماعيل أو إسحاق فقال إسماعيل ذكره في كتاب الزهد. وقال ابن أبي حاتم وسمعت أبي يقول الصحيح أن الذبيح إسماعيل عليه الصلاة والسلام قال وروي عن علي وابن عمر وأبي هريرة وأبي الطفيل وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد والشعبي ومحمد بن كعب القرظي وأبي جعفر محمد بن علي وأبي صالح رضي الله عنهم أنهم قالوا الذبيح إسماعيل. وقال البغوي في تفسيره وإليه ذهب عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب والسدي والحسن البصري ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظي والكلبي وهو رواية عن ابن عباس وحكاه أيضاً عن أبي عمرو بن العلاء وقد روى ابن جرير في ذلك حديثاً غريباً فقال حدثني محمد بن عمار الرازي حدثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة حدثنا عمر بن عبد الرحيم الخطابي عن عبيد الله بن محمد العتبي من ولد عتبة بن أبي سفيان عن أبيه حدثني عبد الله بن سعيد عن الصنابحي قال كنا عند معاوية بن أبي سفيان فذكروا الذبيح إسماعيل أو إسحاق فقال على الخبير سقطتم: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال: يارسول الله عد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له يا أمير المؤمنين وما الذبيحان ؟ فقال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله له أمرها عليه ليذبحن أحد ولده قال فخرج السهم على عبد الله فمنعه أخواله وقالوا افد ابنك بمائة من الإبل ففداه بمائة من الإبل والثاني إسماعيل. وهذا حديث غريب جداً وقد رواه الأموي في مغازيه حدثنا بعض أصحابنا أخبرنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة حدثنا عمرو بن عبد الرحمن القرشي حدثنا عبيد الله بن محمد العتبي من ولد عتبة بن أبي سفيان حدثنا عبد الله بن سعيد حدثنا الصنابحي قال حضرنا مجلس معاوية رضي الله عنه فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق وذكره, كذا كتبته من نسخة مغلوطة وإنما عول ابن جرير في اختياره أن الذبيح إسحاق على قوله تعالى: "فبشرناه بغلام حليم" فجعل هذه البشارة هي البشارة بإسحاق في قوله تعالى: "وبشروه بغلام عليم" وأجاب عن البشارة بيعقوب بأنه قد كان بلغ معه السعي أي العمل, ومن الممكن أنه قد كان ولد له أولاد مع يعقوب أيضاً قال وأما القرنان اللذان كانا معلقين بالكعبة فمن الجائز أنهما نقلا من بلاد الشام قال وقد تقدم أن من الناس من ذهب إلى أنه ذبح إسحاق هناك هذا ما اعتمد عليه في تفسيره وليس ما ذهب إليه بمذهب ولا لازم بل هو بعيد جداً والذي استدل به محمد بن كعب القرظي على أنه إسماعيل أثبت وأصح وأقوى والله أعلم. وقوله تعالى: "وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين" لما تقدمت البشارة بالذبيح وهو إسماعيل عطف بذكر البشارة بأخيه إسحاق وقد ذكرت في سورتي هود والحجر, وقوله تعالى: "نبياً" حال مقدرة أي سيصير منه نبي صالح. وقال ابن جرير حدثني يعقوب حدثنا ابن علية عن داود عن عكرمة قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما الذبيح إسحاق قال وقوله تعالى: "وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين" قال بشر بنبوته قال وقوله تعالى: "ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبياً" قال كان هارون أكبر من موسى ولكن أراد وهب له نبوته. وحدثنا ابن عبد الأعلى حدثنا المعتمر بن سليمان قال سمعت داود يحدث عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الاية "وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين" قال إنما بشر به نبياً حين فداه الله عز وجل من الذبح ولم تكن البشارة بالنبوة عند مولده. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان الثوري عن داود عن عكرمة عن ابن عباس "وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين" قال بشر به حين ولد وحين نبىء وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى: "وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين" قال بعد ما كان من أمره لما جاد لله تعالى بنفسه وقال الله عز وجل "وباركنا عليه وعلى إسحاق" وقوله تعالى: "وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين" كقوله تعالى: "قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم".
107- "وفديناه بذبح عظيم" الذبح: اسم المذبوح وجمع ذبوح كالطحن اسم للمطحون، وبالفتح المصدر، ومعنى عظيم: عظيم القدر، ولم يرد عظم الجثة وإنما عظم قدره لأنه فدى به الذبيح، أو لأنه متقبل. قال النحاس: العظيم في اللغة يكون للكبير وللشريف، وأهل التفسير على أنه ها هنا للشريف: أي المتقبل. قال الواحدي: قال أكثر المفسرين: أنزل عليه كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفاً. وقال الحسن: ما فدي إلا بتيس من الأورى أهبط عليه من ثبير فذبحه إبراهيم فداء عن ابنه. قال الزجاج: قد قيل إنه فدي بوعل، والوعل التيس الجبلي، ومعنى الآية: جعلنا الذبح فداء له وخلصناه به من الذبح.
107. " وفديناه بذبح عظيم "، فنظر إبراهيم فإذا هو بجبريل ومعه كبش أملح أقرن، فقال: هذا فداء لابنك فاذبحه دونه، فكبر جبريل، وكبر الكبش، وكبر ابنه، فأخذ إبراهيم الكبش فأتى به المنحر من منى فذبحه.
قال أكثر المفسرين: كان ذلك الكبش رعى في الجنة أربعين خريفاً.
وروي عن سعيد بن جبير : حق له أن يكون عظيماً. قال مجاهد : سماه عظيماً لأنه متقبل. وقال الحسين بن الفضل : لأنه كان من عند الله. وقيل: عظيم في الشخص. وقيل: في الثواب.
وقال الحسن : ما فدي إسماعيل إلا بتيس من الأروى أهبط عليه من ثبير.
107-" وفديناه بذبح " بما يذبح بدله فيتم به الفعل . " عظيم " عظيم الجثة سمين ، أو عظيم القدر لأنه يفدي به الله نبياً ابن نبي وأي نبي من نسله سيد المرسلين . قيل كان كبشاً من الجنة . وقيل وعلاً أهبط عليه من ثبير . وروي أنه هرب منه عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه فصارت سنة ، والفادي على الحقيقة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وإنما قال وفديناه لأن الله المعطي له والأمر به على التجوز في الفداء أو الإسناد ، واستدل به الحنفية على أن من نذر ذبح ولده لزمه ذبح شاة وليس فيه ما يدل عليه .
107. Then We ransomed him with a tremendous victim.
107 - And We ransomed him with a momentous sacrifice: