[الصافات : 103] فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ
103 - (فلما أسلما) خضعا وانقادا لأمر الله تعالى (وتله للجبين) صرعه عليه ولكل إنسان جبينان بينهما الجبهة وكان ذلك بمعنى وأمر السكين على حلقه فلم تعمل شيئا بمانع من القدرة الإلهية
يقول تعالى ذكره : فلما أسلما أمرهما لله وفوضاه إليه واتفقا على التسليم لأمره والرضا بقضائه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال : ثنا ثابت بن محمد، وحدثنا ابن بشار، قال : ثنا مسلم بن صالح ، قالا: ثنا عبد الله بن المبارك ، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح ، في قول : "فلما أسلما" قال : اتفقا على أمر واحد.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين ، عن يزيد، عن عكرمة، قوله "فلما أسلما وتله للجبين" قال : أسلما جميعاً لأمر الله ورضي الغلام بالذبح ، ورضي الأب بأن يذبحه ، فقال : يا أبت اقذفني للوجه كيلا تنظر إلي فترحمني ، وأنظر أنا إلى الشفرة فأجزع ، ولكن أدخل الشفرة من تحتي ، وامض لأمر الله ، فذلك قوله : "فلما أسلما وتله للجبين".
الخامسة - قوله تعالى : " فلما أسلما " أي انقادا لأمرالل . وقرأ ابن مسعود وابن عباس وعلي رضوان الله عليهم < فلما سلما > أي فوضا أمرهما إلى الله . وقال ابن عباس : استسلما . وقال قتادة : أسلم أحدهما نفسه لله عز وجل وأسلم الآخر ابنه . " وتله للجبين " قال قتادة : كبه وحول وجهه إلى القبلة . وجواب < لما > محذوف عند البصريين تقديره < فلما أسلما وتله للجبين > فديناه بكبش . وقال الكوفيون : الجواب < ناديناه > والواو زائدة مقحمة ، كقوله : " فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا " [ يوسف : 15 ] أي أوحينا . وقوله : " وهم من كل حدب ينسلون * واقترب " [ الأنبياء : 96 ] أي اقترب . وقوله : " حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال " [ الزمر : 73 ] أي قال لهم . وقال امرؤ القيس :
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى
أي انتحى ، والواو زائدة . وقال أيضا :
حتى إذا حملت بطونكم ورأيتم أبناءكم شبوا
وقلبتم طهر المجن لنا إن اللئيم الفاجر الخب
إراد قلبتم . النحاس : والواو من حروف المعاني لا يجوز أن تزاد .وفي الخبر : إن الذبيح قال لإبراهيم عليه السلام حين أراد ذبحه : يا أبت اشدد رباطي حتى لا اضطرب ، واكفف ثيابك لئلا ينتضح عليها شيء من دمي فتراه أمي فتحزن ، وأسرع مر السكين على حلقي ليكون الموت أهو علي واقذفني للوجه ، لئلا تنظر إلى وجهي فترحمني ، ولئلا أنظر إلى الشفرة فأجزع ، وإذا أتيت إلى أمي فأقرئها مني السلام . فلم جر إبراهيم عليه السلام السكين ضرب الله عليه صفيحة من نحاس ، فلم تعمل السكين شيئاً ، ثم ضرب به على جبينه وحز في قفاه فلم تعمل السكين شيئاً ، فذلك قوله تعالى : " وتله للجبين " كذلك قال ابن عباس : معناه كبه على وجهه فنودي < يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا > فالتفت فإذا بكبش ، ذكره المهدوي . وقد تقدمت الإشارة إلى عدم صحته ، وأن المعنى لما اعتقد الوجوب وتهيأ للعمل ، هذا بهيئة الذبح ، وهذا بصورة المذبوح ، أعطيا محلا للذبح فداء ولم يكن هناك مر سكين . وعلى هذا يتصور النسخ قبل الفعل على ما تقدم . والله أعلم . قال الجوهري : < وتله للجبين > أي صرعه ، كما تقول : كبه لوجهه . الهري : والتل الدفع والصرع ، "منه حديث أبي الدرداء رضي الله عنه : وتركوك لمتلك "أي لمصرعك . و"في حديث آخر : فجاء بناقة كوماء فتلها " أي أناخها . و"في الحديث : بينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فتلت في يدي " قال ابن الأنباري : أي فألقيت في يدي ، يقال : تللت الرجل إذا ألقيته . قال ابن الأعرابي : فصبت في يدي ، والتل الصب ، يقال : تل يتل إذا صب ، وتل يتل بالكسر أذا سقط . قلت : وفي صحيح مسلم " عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بشراب فشرب منه ، وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ ، فقال للغلام : أتأذن لي أن أعطي هؤلاء فقال الغلام : لا والله ، لا أوثر بنصيبي منك أحداً . قال : فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده ، يريد جعله في يده " وقال بعض أهل الإشارة : إن إبراهيم ادعى محبة الله ، ثم نظر إلى الولد بالمحبة ، فلم يرض حبيبه محبة مشتركة ، فقيل له : يا إبراهيم اذبح ولدك في مرضاتي ، فشمر وأخذ السكين واضجع ولده ، ثم قال اللهم تقبله مني في مرضاتك . فأوحى الله إليه : يا إبراهيم لم يكن المراد ذبح الولد ، وإنما المراد أن ترد قلبك إلينا ، فلما رددت قلبك لكليته إلينا رددنا ولدك إليك . وقال كعب وغيره : لما أري إبراهيم ذبح ولده في منامه ، قال الشيطان : والله لئن لم أفتن عند هذا آل إبراهيم لا أفتن منهم أحداً أبداً . فتمثل الشيطان لهم في صورة الرجل ، ثم أتى أم الغلام وقال : أتدرين أين ذهب إبراهيم بابنك ؟ قالت لا . قال : إنه يذهب به ليذبحه . قال : كلا هو أرأف به من ذلك . فقال : إنه يزعم أن ربه أمره بذلك أمره بذلك . قالت : فإن كان ربه قد أمره بذلك فقد أحسن أن يطيع ربه . ثم أتى الغلام فقال : أتدري أين يذهب بك أبوك ؟ قال : لا . قال : فإنه يذهب بك ليذبحك . قال ولم ؟ قال : زعم أن ربه أمره بذلك . قال : فليفعل ما أمره الله به . سمعاً وطاعة لأمر الله . ثم جاء إبراهيم فقال : أين تريد ؟ والله إني لآظن أن الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ابنك . فعرفه إبراهيم فقال : إليك عني يا عدو الله ، فوالله لأمضين لأمر ربي . فلم يصب ، الملعون منهم شيئاً . وقال ابن عباس : لما أمر إبراهيم بذبح ابنه عرض له الشيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم عرض له عند الجمرة الأخرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم مضى إبراهيم لأمرالله تعالى . واختلف في الموضع الذي أراد ذبحه فيه فقيل : بمكة في المقام . وقيل : في المنحر بمنى عند الجمار التي رمى بها إبليس لعنه الله ، قاله ابن عباس و ابن عمر ومحمد بن كعب وسعيد بن المسيب . وحكي عن سعيد بن جبير أنه ذبحه على الصخرة التي بأصل ثبير بمنى . وقال ابن جريج : ذبحه بالشام وهو من بيت المقدس على ميلين . والأول أكثر ، فإنه ورد في الأخبار تعليق قرن الكبش في الكعبة ، فدل على أنه ذبحه بمكة . وقال ابن عباس : فوالذي نفسي بيده لقد كان أول الإسلام ، وإن رأس الكبش لمعلق بقرنيه من ميزاب الكعبة وقد يبس . أجاب من قال بأن الذبح وقع بالشام : لعل الرأس حمل من الشام إلى مكة . والله أعلم .
يقول تعالى مخبراً عن خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه بعد ما نصره الله تعالى على قومه وأيس من إيمانهم بعد ما شاهدوا من الايات العظيمة هاجر من بين أظهرهم وقال "إني ذاهب إلى ربي سيهدين * رب هب لي من الصالحين" يعني أولاداً مطيعين عوضاً من قومه وعشيرته الذين فارقهم, قال الله تعالى: "فبشرناه بغلام حليم" وهذا الغلام هو إسماعيل عليه السلام فإنه أول ولد بشر به إبراهيم عليه السلام وهو أكبر من إسحاق باتفاق المسلمين وأهل الكتاب بل في نص كتابهم أن إسماعيل عليه السلام ولد ولإبراهيم عليه السلام ست وثمانون سنة وولد إسحاق وعمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام تسع وتسعون سنة, وعندهم أن الله تبارك وتعالى أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده وفي نسخة أخرى بكره فأقحموا ههنا كذباً وبهتاناً إسحاق ولا يجوز هذا لأنه مخالف لنص كتابه وإنما أقحموا إسحاق لأنه أبوهم وإسماعيل أبو العرب فحسدوهم فزادوا ذلك وحرفوا وحيدك بمعنى الذي ليس عندك غيره فإن إسماعيل كان ذهب به وبأمه إلى مكة وهو تأويل وتحريف باطل فإنه لا يقال وحيدك إلا لمن ليس له غيره, وأيضاً فإن أول ولد له معزة ما ليس لمن بعده من الأولاد فالأمر بذبحه أبلغ في الابتلاء والاختبار. وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق وحكي ذلك عن طائفة من السلف حتى نقل عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أيضاً وليس ذلك في كتاب ولا سنة وما أظن ذلك تلقي إلا عن أحبار أهل الكتاب وأخذ ذلك مسلم من غير حجة وهذا كتاب الله شاهد ومرشد إلى أنه إسماعيل فإنه ذكر البشارة بغلام حليم وذكر أنه الذبيح ثم قال بعد ذلك "وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين" ولما بشرت الملائكة إبراهيم بإسحاق قالوا "إنا نبشرك بغلام عليم". وقال تعالى: " فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب " أي يولد له في حياتهم ولد يسمى يعقوب فيكون من ذريته عقب ونسل وقد قدمنا هناك أنه لا يجوز بعد هذا أن يؤمر بذبحه وهو صغير لأن الله تعالى قد وعدهما بأنه سيعقب ويكون له نسل فكيف يمكن بعد هذا أن يؤمر بذبحه صغيراً وإسماعيل وصف ههنا بالحليم لأنه مناسب لهذا المقام ؟ وقوله تعالى: "فلما بلغ معه السعي" أي كبر وترعرع وصار يذهب مع أبيه ويمشي معه وقد كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام يذهب في كل وقت يتفقد ولده وأم ولده ببلاد فاران وينظر في أمرهما وقد ذكر أنه كان يركب على البراق سريعاً إلى هناك والله أعلم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء الخراساني وزيد بن أسلم وغيرهم "فلما بلغ معه السعي" بمعنى شب وارتجل وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل "فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى" قال عبيد بن عمير رؤيا الأنبياء وحي ثم تلا هذه الاية "قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى". وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد حدثنا أبو عبد الملك الكرندي حدثنا سفيان بن عيينة عن إسرائيل بن يونس عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رؤيا الأنبياء في المنام وحي" ليس هو في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه وإنما أعلم ابنه بذلك ليكون أهون عليه وليختبر صبره وجلده وعزمه في صغره على طاعة الله تعالى وطاعة أبيه "قال يا أبت افعل ما تؤمر" أي امض لما أمرك الله من ذبحي "ستجدني إن شاء الله من الصابرين" أي سأصبر وأحتسب ذلك عند الله عز وجل وصدق صلوات الله وسلامه عليه فيما وعد ولهذا قال الله تعالى: "واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً * وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضياً". وقال تعالى: "فلما أسلما وتله للجبين" أي فلما تشهدا وذكرا الله تعالى إبراهيم على الذبح والولد شهادة الموت وقيل أسلما يعني استسلما وانقادا, إبراهيم امتثل أمر الله تعالى وإسماعيل طاعة لله ولأبيه قاله مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وابن إسحاق وغيرهم ومعنى تله للجبين أي صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه ولا يشاهد وجهه عند ذبحه ليكون أهون عليه. قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وقتادة "وتله للجبين" أكبه على وجهه. وقال الإمام أحمد حدثنا سريج ويونس قالا حدثنا حماد بن سلمة عن أبي عاصم الغنوي عن أبي الطفيل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لما أمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالمناسك عرض له الشيطان عند السعي فسابقه فسبقه إبراهيم عليه الصلاة والسلام ثم ذهب به جبريل عليه الصلاة والسلام إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات ثم تله للجبين وعلى إسماعيل عليه الصلاة والسلام قميص أبيض فقال يا أبت إنه ليس لي ثوب تكفنني فيه غيره فاخلعه حتى تكفنني فيه فعالجه ليخلعه فنودي من خلفه " أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا " فالتفت إبراهيم فإذا بكبش أبيض أقرن أعين قال ابن عباس لقد رأيتنا نتتبع ذلك الضرب من الكباش, وذكر هشام الحديث في المناسك بطوله. ثم رواه أحمد بطوله من يونس عن حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما فذكره إلا أنه قال إسحاق فعن ابن عباس رضي الله عنهما في تسمية الذبيح روايتان والأظهر عنه إسماعيل لما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وقال محمد بن إسحاق عن الحسن بن دينار عن قتادة عن جعفر بن إياس عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تبارك وتعالى: "وفديناه بذبح عظيم" قال خرج عليه كبش من الجنة قد رعى قبل ذلك أربعين خريفاً فأرسل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ابنه واتبع الكبش فأخرجه إلى الجمرة الأولى فرماه بسبع حصيات ثم أفلته عندها فجاء إلى الجمرة الوسطى فأخرجه عندها فرماه بسبع حصيات ثم أفلته فأدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات فأخرجه عندها ثم أخذه فأتى به المنحر من منى فذبحه فو الذي نفس ابن عباس بيده لقد كان أول الإسلام وأن رأس الكبش لمعلق بقرنيه في ميزاب الكعبة حتى وحش يعني يبس. وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري أخبرنا القاسم قال اجتمع أبو هريرة وكعب فجعل أبو هريرة رضي الله عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فجعل كعب يحدث عن الكتب فقال أبو هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لكل نبي دعوة مستجابة وإني قد خبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة" فقال له كعب أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال نعم قال فداك أبي وأمي ـ أو فداه أبي وأمي ـ أفلا أخبرك عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ؟ إنه لما أري ذبح ابنه إسحاق قال الشيطان إن لم أفتن هؤلاء عند هذه لم أفتنهم أبداً فخرج إبراهيم عليه الصلاة والسلام بابنه ليذبحه فذهب الشيطان فدخل على سارة فقال أين ذهب إبراهيم بابنك ؟ قالت غدا به لبعض حاجته قال فإنه لم يغد به لحاجة إنما ذهب به ليذبحه قالت ولم يذبحه ؟ قال زعم أن ربه أمره بذلك قالت فقد أحسن أن يطيع ربه فذهب الشيطان في أثرهما فقال للغلام أين يذهب بك أبوك, قال لبعض حاجته قال فإنه لا يذهب بك لحاجة ولكنه يذهب بك ليذبحك قال ولم يذبحني ؟ قال يزعم أن ربه أمره بذلك قال فو الله لئن كان الله تعالى أمره بذلك ليفعلن قال فيئس منه فتركه ولحق بإبراهيم عليه الصلاة والسلام فقال أين غدوت بابنك, قال لحاجة قال فإنك لم تغد به لحاجة وإنما غدوت به لتذبحه قال ولم أذبحه ؟ قال تزعم أن ربك أمرك بذلك قال فوالله لئن كان الله تعالى أمرني بذلك لأفعلن قال فتركه ويئس أن يطاع وقد رواه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عن يونس عن ابن يزيد عن ابن شهاب قال إن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي أخبره أن كعباً قال لأبي هريرة فذكره بطوله وقال في آخره وأوحى الله تعالى إلى إسحاق أني أعطيتك دعوة استجبت لك فيها قال إسحاق اللهم إني أدعوك أن تستجيب لي أيما عبد لقيك من الأولين والاخرين لا يشرك بك شيئاً فأدخله الجنة. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله تبارك وتعالى خيرني بين أن يغفر لنصف أمتي وبين أن يجيب شفاعتي فاخترت شفاعتي ورجوت أن تكون أعم لأمتي ولولا الذي سبقني إليه العبد الصالح لتعجلت فيها دعوتي إن الله تعالى لما فرج عن إسحاق كرب الذبح قيل له يا إسحاق سل تعط فقال أما والذي نفسي بيده لأتعجلنها قبل نزغات الشيطان, اللهم من مات لا يشرك بك شيئاً فاغفر له وأدخله الجنة" هذا حديث غريب منكر وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف الحديث وأخشى أن يكون في الحديث زيادة مدرجة وهي قوله إن الله تعالى لما فرج عن إسحاق إلى آخره والله أعلم فهذا إن كان محفوظاً فالأشبه أن السياق إنما هو عن إسماعيل وإنما حرفوه بإسحاق حسداً منهم كما تقدم وإلا فالمناسك والذبائح إنما محلها بمنى من أرض مكة حيث كان إسماعيل لا إسحاق فإنه إنما كان ببلاد كنعان من أرض الشام. وقوله تعالى: " وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا " أي قد حصل المقصود من رؤياك واضجاعك ولدك للذبح وذكر السدي وغيره أنه أمر السكين على رقبته فلم تقطع شيئاً بل حال بينها وبينه صفحة من نحاس ونودي إبراهيم عليه الصلاة والسلام عند ذلك "قد صدقت الرؤيا". وقوله تعالى: "إنا كذلك نجزي المحسنين" أي هكذا نصرف عمن أطاعنا المكاره والشدائد ونجعل لهم من أمرهم فرجاً ومخرجاً كقوله تعالى: " ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا " وقد استدل بهذه الاية والقصة جماعة من علماء الأصول على صحة النسخ قبل التمكن من الفعل خلافاً لطائفة من المعتزلة والدلالة من هذه ظاهرة لأن الله تعالى شرع لإبراهيم عليه الصلاة والسلام ذبح ولده ثم نسخه عنه وصرفه إلى الفداء وإنما كان المقصود من شرعه أولاً إثابة الخليل على الصبر على ذبح ولده وعزمه على ذلك ولهذا قال تعالى: "إن هذا لهو البلاء المبين" أي الاختبار الواضح الجلي حيث أمر بذبح ولده فسارع إلى ذلك مستسلماً لأمر الله تعالى منقاداً لطاعته ولهذا قال تعالى: "وإبراهيم الذي وفى". وقوله تعالى: "وفديناه بذبح عظيم" قال سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن أبي الطفيل عن علي رضي الله عنه "وفديناه بذبح عظيم" قال بكبش أبيض أعين أقرن قد ربط بسمرة قال أبو الطفيل: وجدوه مربوطاً بسمرة في ثبير, وقال الثوري أيضاً عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفاً. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا يوسف بن يعقوب الصفار حدثنا داود العطار عن ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال الصخرة التي بمنى بأصل ثبير هي الصخرة التي ذبح عليها إبراهيم فداء إسحاق ابنه هبط عليه من ثبير كبش أعين أقرن له ثغاء فذبحه وهو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبل منه فكان مخزوناً حتى فدي به إسحاق وروي أيضاً عن سعيد بن جبير أنه قال كان الكبش يرتع في الجنة حتى فدي به إسحاق, وروي أيضاً عن سعيد بن جبير أنه قال كان الكبش يرتع في الجنة حتى شقق عنه ثبير وكان عليه عهن أحمر, وعن الحسن البصري أنه قال كان اسم كبش إبراهيم عليه الصلاة والسلام جرير وقال ابن جريج قال عبيد بن عمير ذبحه بالمقام وقال مجاهد ذبحه بمنى عند المنحر. وقال هشيم عن سيار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما كان أفتى الذي جعل عليه نذراً أن ينحر نفسه فأمره بمائة من الإبل. ثم قال بعد ذلك لو كنت أفتيه بكبش لأجزأه أن يذبح كبشاً فإن الله تعالى قال في كتابه: "وفديناه بذبح عظيم" والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه فدي بكبش. وقال الثوري عن رجل عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى: "وفديناه بذبح عظيم" قال وعل وقال محمد بن إسحاق عن عمرو بن عبيد عن الحسن أنه كان يقول ما فدي إسماعيل عليه السلام إلا بتيس من الأروى أهبط عليه من ثبير. وقد قال الإمام أحمد حدثنا سفيان حدثني منصور عن خاله مسافع عن صفية بنت شيبة قالت: أخبرتني امرأة من بني سليم ولدت عامة أهل دارنا أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن طلحة رضي الله عنه, وقالت مرة أنها سألت عثمان لم دعاك النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني كنت رأيت قرني الكبش حين دخلت البيت فنسيت أن آمرك أن تخمرهما فخمرهما فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي" قال سفيان لم يزل قرنا الكبش معلقين في البيت حتى احترق البيت فاحترقا وهذا دليل مستقل على أنه إسماعيل عليه الصلاة والسلام فإن قريشاً توارثوا قرني الكبش الذي فدى به إبراهيم خلفاً عن سلف وجيلاً بعد جيل إلى أن بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
(فصل) في ذكر الاثار الورادة عن السلف في أن الذبيح من هو
(ذكر من قال هو إسحاق عليه الصلاة والسلام) قال حمزة الزيات عن أبي ميسرة رحمه الله قال: قال يوسف عليه الصلاة والسلام للملك في وجهه ترغب أن تأكل معي وأنا والله يوسف بن يعقوب نبي الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله, وقال الثوري عن أبي سنان عن ابن أبي الهذيل أن يوسف عليه السلام قال للملك كذلك أيضاً وقال سفيان الثوري عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه قال: قال موسى عليه الصلاة والسلام يا رب يقولون بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب فبم قالوا ذلك ؟ قال: "إن إبراهيم لم يعدل بي شيء قط إلا اختارني عليه, وإن إسحاق جاد لي بالذبح وهو بغير ذلك أجود, وإن يعقوب كلما زدته بلاء زادني حسن ظن". وقال شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص قال افتخر رجل عند ابن مسعود رضي الله عنه فقال: أنا فلان بن فلان بن الأشياخ الكرام, فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله. وهذا صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه, وكذا روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه إسحاق, وعن أبيه العباس وعن علي بن أبي طالب مثل ذلك, وكذا قال عكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد والشعبي وعبيد بن عمير وأبو ميسرة وزيد بن أسلم وعبد الله بن شقيق والزهري والقاسم بن أبي برزة ومكحول وعثمان بن حاضر والسدي والحسن وقتادة وأبو الهذيل وابن سابط وهذا اختيار ابن جرير, وتقدم روايته عن كعب الأحبار أنه إسحاق, وهكذا روى ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن أبي سفيان ابن العلاء بن حارثة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن كعب الأحبار أنه قال هو إسحاق وهذه الأقوال والله أعلم كلها مأخوذة عن كعب الأحبار فإنه لما أسلم في الدولة العمرية جعل يحدث عمر رضي الله عنه عن كتبه قديماً فربما استمع له عمر رضي الله عنه فترخص الناس في استماع ما عنده ونقلوا ما عنده عنه غثها وسمينها وليس لهذه الأمة والله أعلم حاجة إلى حرف واحد مما عنده وقد حكى البغوي القول بأنه إسحاق عن عمر وعلي وابن مسعود والعباس رضي الله عنهم ومن التابعين عن كعب الأحبار وسعيد بن جبير وقتادة ومسروق وعكرمة وعطاء ومقاتل والزهري والسدي قال وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد ورد في ذلك حديث لو ثبت لقلنا به على الرأس و العين ولكن لم يصح سنده. قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب حدثنا زيد بن حباب عن الحسن بن دينار عن علي بن زيد بن جدعان عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكره قال هو إسحاق ففي إسناده ضعيفان وهما الحسن بن دينار البصري متروك وعلي بن زيد بن جدعان منكر الحديث. وقد رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن مسلم بن إبراهيم عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان به مرفوعاً, ثم قال قد رواه مبارك بن فضالة عن الحسن عن الأحنف عن العباس رضي الله عنه وهذا أشبه وأصح والله أعلم.
(ذكر الاثار الواردة بأنه إسماعيل عليه الصلاة والسلام وهو الصحيح المقطوع به) قد تقدمت الرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه إسحاق عليه الصلاة والسلام والله تعالى أعلم وقال سعيد بن جبير وعامر الشعبي ويوسف بن مهران ومجاهد وعطاء وغير واحد عن ابن عباس رضي الله عنهما هو إسماعيل عليه الصلاة والسلام وقال ابن جرير حدثني يونس أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن قيس عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أنه قال المفدى إسماعيل عليه السلام وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود, وقال إسرائيل عن ثور عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال الذبيح إسماعيل وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد هو إسماعيل عليه السلام وكذا قال يوسف بن مهران وقال الشعبي هو إسماعيل عليه الصلاة والسلام وقد رأيت قرني الكبش في الكعبة. وقال محمد بن إسحاق عن الحسن بن دينار وعمرو بن عبيد عن الحسن البصري أنه كان لايشك في ذلك أن الذي أمر بذبحه من ابني إبراهيم إسماعيل عليه السلام قال ابن إسحاق وسمعت محمد بن كعب القرظي وهو يقول إن الذي أمر الله تعالى إبراهيم بذبحه من ابنيه إسماعيل وإنا لنجد ذلك في كتاب الله تعالى وذلك أن الله تعالى حين فرغ من قصة المذبوح من ابني إبراهيم قال الله تعالى: "وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين" ويقول الله تعالى: "فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب" يقول بابن وابن ابن فلم يكن ليأمره بذبح إسحاق وله فيه الموعد بما وعده وما الذي أمر بذبحه إلا إسماعيل قال ابن إسحاق سمعته يقول ذلك كثيراً, وقال ابن إسحاق عن بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي عن محمد بن كعب القرظي أنه حدثهم أنه ذكر ذلك لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وهو خليفة إذ كان معه بالشام فقال له عمر إن هذا لشيء ما كنت أنظر فيه, وإني لأراه كما قلت ثم أرسل إلى رجل كان عنده بالشام كان يهودياً فأسلم وحسن إسلامه وكان يرى أنه من علمائهم فسأله عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه عن ذلك قال محمد بن كعب وأنا عند عمر بن عبد العزيز فقال له عمر أي ابني إبراهيم أمر بذبحه فقال إسماعيل والله يا أمير المؤمنين وإن يهود لتعلم بذلك ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله فيه والفضل الذي ذكر الله تعالى منه لصبره لما أمر به فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه إسحاق لكون إسحاق أباهم والله أعلم أيهما كان وكل قد كان طاهراً طيباً مطيعاً لله عز وجل وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله سألت أبي عن الذبيح هل هو إسماعيل أو إسحاق فقال إسماعيل ذكره في كتاب الزهد. وقال ابن أبي حاتم وسمعت أبي يقول الصحيح أن الذبيح إسماعيل عليه الصلاة والسلام قال وروي عن علي وابن عمر وأبي هريرة وأبي الطفيل وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد والشعبي ومحمد بن كعب القرظي وأبي جعفر محمد بن علي وأبي صالح رضي الله عنهم أنهم قالوا الذبيح إسماعيل. وقال البغوي في تفسيره وإليه ذهب عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب والسدي والحسن البصري ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظي والكلبي وهو رواية عن ابن عباس وحكاه أيضاً عن أبي عمرو بن العلاء وقد روى ابن جرير في ذلك حديثاً غريباً فقال حدثني محمد بن عمار الرازي حدثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة حدثنا عمر بن عبد الرحيم الخطابي عن عبيد الله بن محمد العتبي من ولد عتبة بن أبي سفيان عن أبيه حدثني عبد الله بن سعيد عن الصنابحي قال كنا عند معاوية بن أبي سفيان فذكروا الذبيح إسماعيل أو إسحاق فقال على الخبير سقطتم: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال: يارسول الله عد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له يا أمير المؤمنين وما الذبيحان ؟ فقال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله له أمرها عليه ليذبحن أحد ولده قال فخرج السهم على عبد الله فمنعه أخواله وقالوا افد ابنك بمائة من الإبل ففداه بمائة من الإبل والثاني إسماعيل. وهذا حديث غريب جداً وقد رواه الأموي في مغازيه حدثنا بعض أصحابنا أخبرنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة حدثنا عمرو بن عبد الرحمن القرشي حدثنا عبيد الله بن محمد العتبي من ولد عتبة بن أبي سفيان حدثنا عبد الله بن سعيد حدثنا الصنابحي قال حضرنا مجلس معاوية رضي الله عنه فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق وذكره, كذا كتبته من نسخة مغلوطة وإنما عول ابن جرير في اختياره أن الذبيح إسحاق على قوله تعالى: "فبشرناه بغلام حليم" فجعل هذه البشارة هي البشارة بإسحاق في قوله تعالى: "وبشروه بغلام عليم" وأجاب عن البشارة بيعقوب بأنه قد كان بلغ معه السعي أي العمل, ومن الممكن أنه قد كان ولد له أولاد مع يعقوب أيضاً قال وأما القرنان اللذان كانا معلقين بالكعبة فمن الجائز أنهما نقلا من بلاد الشام قال وقد تقدم أن من الناس من ذهب إلى أنه ذبح إسحاق هناك هذا ما اعتمد عليه في تفسيره وليس ما ذهب إليه بمذهب ولا لازم بل هو بعيد جداً والذي استدل به محمد بن كعب القرظي على أنه إسماعيل أثبت وأصح وأقوى والله أعلم. وقوله تعالى: "وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين" لما تقدمت البشارة بالذبيح وهو إسماعيل عطف بذكر البشارة بأخيه إسحاق وقد ذكرت في سورتي هود والحجر, وقوله تعالى: "نبياً" حال مقدرة أي سيصير منه نبي صالح. وقال ابن جرير حدثني يعقوب حدثنا ابن علية عن داود عن عكرمة قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما الذبيح إسحاق قال وقوله تعالى: "وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين" قال بشر بنبوته قال وقوله تعالى: "ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبياً" قال كان هارون أكبر من موسى ولكن أراد وهب له نبوته. وحدثنا ابن عبد الأعلى حدثنا المعتمر بن سليمان قال سمعت داود يحدث عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الاية "وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين" قال إنما بشر به نبياً حين فداه الله عز وجل من الذبح ولم تكن البشارة بالنبوة عند مولده. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان الثوري عن داود عن عكرمة عن ابن عباس "وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين" قال بشر به حين ولد وحين نبىء وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى: "وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين" قال بعد ما كان من أمره لما جاد لله تعالى بنفسه وقال الله عز وجل "وباركنا عليه وعلى إسحاق" وقوله تعالى: "وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين" كقوله تعالى: "قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم".
103- "فلما أسلما" أي استسلما لأمر الله وأطاعاه وانقادا له. قرأ الجمهور أسلمنا وقرأ علي وابن مسعود وابن عباس فلما سلما أي فوضا أمرهما إلى الله، وروي عن ابن عباس أنه قرأ استسلما قال قتادة: أسلم أحدهما نفسه لله، وأسلم الآخر ابنه، يقال: سلم لأمر الله وأسلم واستسلم بمعنى واحد.
وقد اختلف في جواب لما ماذا هو؟ فقيل هو محذوف، وتقديره ظهر صبرهما أو أجزلنا لهما أجرهما أو فديناه بكبش هكذا قال البصريون. وقال الكوفيون الجواب هو ناديناه، والواو زائدة مقحمة، واعترض عليهم النحاس بأن الواو من حروف المعاني ولا يجوز أن تزداد، وقال الأخفش الجواب "وتله للجبين" والواو زائدة، وروي هذا أيضاً عن الكوفيين، واعتراض النحاس يرد عليه كما ورد على الأول "وتله للجبين" التل: الصرع والدفع، يقال تللت الرجل: إذا ألقيته، والمراد أنه أضجعه على جبينه على الأرض، والجبين أحد جانبي الجبهة، فللوجه جبينان والجبهة بينهما، وقيل كبه على وجهه كيلا يرى منه ما يؤثر الرقة لقلبه.
واختلف في الموضع الذي أراد ذبحه فيه، فقيل هو مكة في المقام، وقيل في المنحر بمعنى عند الجمار، وقيل على الصخرة التي بأصل جبل ثبير، وقيل بالشام.
103. " فلما أسلما "، انقادا وخضعا لأمر الله تعالى، قال قتادة : أسلم إبراهيم ابنه وأسلم الابن نفسه، " وتله للجبين "، أي: صرعه على الأرض. قال ابن عباس: أضجعه على جبينه على الأرض والجبهة بين الجبينين، قالوا: فقال له ابنه الذي أراد ذبحه: يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب، واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمي شيء فينقص أجري وتراه أمي فتحزن، واشحذ شفرتك، وأسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون علي فإن الموت شديد، وإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني، وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي فافعل، فإنه عسى أن يكون أسلى لها عني، فقال له إبراهيم عليه السلام: نعم العون أنت يابني على أمر الله، ففعل إبراهيم ما أمر به ابنه، ثم أقبل عليه فقبله وقد ربطه وهو يبكي [والابن أيضاً يبكي]، ثم إنه وضع السكين على حلقه فلم نحك السكين.
ويروى أنه كان يجر الشفرة في حلقه فلا تقطع، فشحذها مرتين أو ثلاثاً بالحجر، كل ذلك لا تستطيع.
قال السدي : ضرب الله تعالى صفحة من نحاس على حلقه، قالوا: فقال الابن عند ذلك: يا ابتي كبني لوجهي على جبيني فإنك إذا نظرت في وجهي رحمتني وأدركتك رقة تحول بينك وبين أمر الله تعالى، وإني لا أنظر إلى الشفرة فأجزع، ففعل ذلك إبراهيم ثم وضع الشفرة على قفاه فانقلبت السكين ونودي: أن يا إبراهيم صدقت الرؤيا.
وروى أبو هريرة عن كعب الأحبار و ابن اسحاق عن رجاله قال: لما رأى إبراهيم ذبح ابنه قال الشيطان: لئن لم أفتن عند هذا آل إبراهيم لا أفتن منهم أحداً أبداً، فتمثل له الشيطان رجلاً وأتى أم الغلام، تفقال لهما: هل تدرين أين ذهب إبراهيم بابنك؟ قالت: ذهب به يحتطبان من هذا الشعب، قال: لا والله ما ذهب به إلا ليذبحه، قالت: كلا هو ارحم به وأشد حباً له من ذلك، قال: إنه يزعم ان الله قد أمر بذلك، قالت: فإن كان ربه أمره بذلك فقد أحسن أن يطيع ربه، فخرج الشيطان من عندها حتى أدرك الابن وهو يمشي على إثر أبيه، فقال له: يا غلام هل تدري أين يذهب بك أبوك؟ قال: نحتطب لأهلها من هذا الشعب، قال: والله ما يريد إلا أن يذبحك، قال: ولم؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك، قال: فليفعل ما أمر به ربه فسمعاً وطاعة، فلما امتنع منه الغلام أقبل على إبراهيم عليه السلام فقال له: أين تريد أيها الشيخ؟ قال أريد هذا الشعب لحاجة لي فيه، قال: والله إني لأرى الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ابنك هذا، فعرفه إبراهيم عليه السلام، فقال: إليك عني يا عدو الله فوالله لأمضين لأمر ربي، فرجع إبليس بغيظه لم يصب من إبراهيم وآله شيئاً مما أراد قد امتنعوا منه بعون الله تعالى.
وروى أبو الطفيل عن ابن عباس: أن إبراهيم لما أمر بذبح ابنه عرض له الشيطان بهذا المشعر فسابقه فسبقه إبراهيم، ثم ذهب إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم أدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم مضى إبراهيم لأمر الله عز وجل.
قال الله عز وجل: " فلما أسلما وتله للجبين ".

103-" فلما أسلما " استسلما لأمر الله أو سلما الذبيح نفسه وإبراهيم ابنه ، وقد قرئ بهما وأصلها سلم هذا لفلان إذا خلص له فإنه سلم من أن ينازع فيه . " وتله للجبين " صرعه على شقه جبينه على الأرض وهو أحد جانبي الجبهة . وقيل كبه على وجهه بإشارته لئلا يرى فيه تغيراً يرق له فلا يذبحه ، وكان ذلك عند الصخرة بمنى أو في الموضع المشرف على مسجده ، أو المنحر الذي ينحر فيه اليوم .
103. Then, when they had both surrendered (to Allah), and he had flung him down upon his face,
103 - So when they had both submitted their wills (to God), and he had laid him Prostrate on his forehead (for sacrifice),