[يس : 83] فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
83 - (فسبحان الذي بيده ملكوت) ملك زيدت الواو والتاء للمبالغة أي القدرة على (كل شيء وإليه ترجعون) تردون في الآخرة
وقوله " فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء " يقول تعالى ذكره: فتنزيه الذي بيده ملك كل شيء وخزائنه. وقوله " وإليه ترجعون " يقول: وإليه تردون وتصيرون بعد مماتكم.
" فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء " نزه نفسه تعالى عن العجز والشرك وملكوت وملكوتي في كلام العرب بمعنى ملك . والعرب تقول : جبروتي خير من رحموتي . وقال سعيد عن قتادة : < ملكوت كل شيء > مفاتح كل شيء . وقرأ طلحة بن مصرف و إبراهيم التيمي و الأعمش ، < ملكة > وهو بمعنى ملكوت إلا أنه خلاف المصحف . " وإليه ترجعون " أي تردون وتصيرون بعد مماتكم وقراءة العامة بالتاء على الخطاب . وقرأ السلمي و زر بن حبيش وأصحاب عبد الله < يرجعون > بالياء على الخبر .
يقول تعالى مخبراً منبهاً على قدرته العظيمة في خلق السموات السبع بما فيها من الكواكب السيارة والثوابت والأرضين السبع, وما فيه من جبال ورمال وبحار وقفار, وما بين ذلك, ومرشداً إلى الاستدلال على إعادة الأجساد بخلق هذه الأشياء العظيمة, كقوله تعالى: "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس" وقال عز وجل ههنا: "أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ؟" أي مثل البشر, فيعيدهم كما بدأهم, قاله ابن جرير : وهذه الاية الكريمة كقوله عز وجل: " أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير " وقال تبارك وتعالى ههنا " بلى وهو الخلاق العليم * إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " أي إنما يأمر بالشيء أمراً واحداً لا يحتاج إلى تكرار أو تأكيد:
إذا ما أراد الله أمراً فإنما يقول له كن فيكون
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن نمير , حدثنا موسى بن المسيب عن شهر عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى يقول: يا عبادي كلكم مذنب إلا من عافيت, فاستغفروني أغفر لكم, وكلكم فقير إلا من أغنيت, إني جواد ماجد واجد أفعل ما أشاء, عطائي كلام وعذابي كلام, إذا أردت شيئاً فإنما أقول له كن فيكون".
وقوله تعالى: "فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون" أي تنزيه وتقديس وتبرئة من السوء للحي القيوم الذي بيده مقاليد السموات والأرض, وإليه يرجع الأمر كله, وله الخلق والأمر وإليه يرجع العباد يوم المعاد, فيجازي كل عامل بعمله وهو العادل المنعم المتفضل. ومعنى قوله سبحانه وتعالى: "فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء" كقوله عز وجل "قل من بيده ملكوت كل شيء ؟" وكقوله تعالى: "تبارك الذي بيده الملك" فالملك والملكوت واحد في المعنى كرحمة ورحموت, ورهبة ورهبوت, وجبر وجبروت, ومن الناس من زعم أن الملك هو عالم الأجساد, والملكوت هو عالم الأرواح, والصحيح الأول, وهو الذي عليه الجمهور من المفسرين وغيرهم.
قال الإمام أحمد : حدثنا سريج بن النعمان , حدثنا حماد عن عبد الملك بن عمير , حدثني ابن عم لحذيفة عن حذيفة وهو ابن اليمان ـ رضي الله عنه, قال: " قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة, فقرأ السبع الطوال في سبع ركعات, وكان صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه, من الركوع قال: سمع الله لمن حمده ثم قال: الحمد لله ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة" وكان ركوعه مثل قيامه, وسجوده مثل ركوعه, فأنصرف وقد كادت تنكسر رجلاي. وقد روى أبو داود والترمذي في الشمائل و النسائي من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة مولى الأنصار, عن رجل من بني عبس عن حذيفة رضي الله عنه " أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل, وكان يقول: الله أكبر ـ ثلاثاً ـ ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة ثم استفتح فقرأ البقرة, ثم ركع فكان ركوعه نحواً من قيامه, وكان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم ثم رفع رأسه من الركوع, فكان قيامه نحواً من ركوعه وكان يقول في قيامه لربي الحمد ثم سجد فكان سجوده نحواً من قيامه, وكان يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى ثم رفع رأسه من السجود وكان يقعد فيما بين السجدتين نحواً من سجوده, وكان يقول رب اغفر لي, رب اغفر لي فصلى أربع ركعات فقرأ فيهن البقرة, وآل عمران , والنساء والمائدة أو الأنعام " ـ شك شعبة ـ هذا لفظ أبي داود وقال النسائي : أبو حمزة عندنا طلحة بن يزيد , وهذا الرجل يشبه أن يكون صلة, كذا قال, والأشبه أن يكون ابن عم حذيفة , كما تقدم في رواية الإمام أحمد , والله أعلم. وأما رواية صلة بن زفر عن حذيفة رضي الله عنه, فإنها في صحيح مسلم , ولكن ليس فيها ذكر الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة.
وقال أبو داود : حدثنا أحمد بن صالح , حدثنا ابن وهب , حدثني معاوية بن صالح عن عمرو بن قيس عن عاصم بن حميد عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: " قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة, فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل, ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ, قال: ثم ركع بقدر قيامه يقول في ركوعه سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ثم سجد بقدر قيامه, ثم قال في سجوده مثل ذلك, ثم قام فقرأ بآل عمران, ثم قرأ سورة سورة" , ورواه الترمذي في الشمائل و النسائي من حديث معاوية بن صالح به.
83- "فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء" والملكوت في كلام العرب لفظ مبالغة في الملك كالجبروت والرحموت كأنه قال: فسبحان الذي بيده مالكية الأشياء الكلية. قال قتادة: ملكوت كل شيء: مفاتح كل شيء. قرأ الجمهور ملكوت وقرأ الأعمش وطلحة بن مصرف وإبراهيم التيمي ملكة بزنة شجرة، وقرئ مملكة بزنة مفعلة، وقرئ ملك والملكوت أبلغ من الجميع. وقرأ الجمهور "وإليه ترجعون" بالفوقية على الخطاب مبنياً للمفعول. وقرأ السلمي وزر بن جحش وأصحاب ابن مسعود بالتحتية على الغيبة مبنياً للمفعول أيضاً. وقرأ زيد بن علي على البناء للفاعل: أي ترجعون إليه لا إلى غيره وذلك في الدار الآخرة بعد البعث.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في معجمه والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث والضياء في المختارة عن ابن عباس قال:" جاء العاص بن وائل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم حائل ففته بيده فقال: يا محمد أيحيي الله هذا بعد ما أرى؟ قال:نعم يبعث الله هذا ثم يميتك ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم" فنزلت الآيات من أخر يس " أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة " إلى آخر السورة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه قال: جاء عبد الله بن أبي في يده عظم حائل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر مثل ما تقدم قال ابن كثير: وهذا منكر، لأن السورة مكية وعبد الله بن أبي إنما كان بالمدينة. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: جاء أبي بن خلف الجمحي وذكر نحو ما تقدم. وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً قال: نزلت في أبي جهل وذكر نحو ما تقدم.
83. " فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ".
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أخبرنا أبو الطاهر الزيادي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ، حدثنا عن علي بن الحسين الدارابجردي ، حدثنا عبد الله بن عثمان ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان - وليس بالنهدي - عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقرؤوا على موتاكم سورة يس "، ورواه محمد بن العلاء عن ابن المبارك ، وقال: عن أبي عثمان وليس بالنهدي عن أبيه عن معقل بن يسار.
83 -" فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء " تنزيه عما ضربوا له ، وتعجيب عما قالوا فيه معللاً بكونه مالكاً للأمر كله قادراً على كل شيء " وإليه ترجعون " وعد ووعيد للمقرين والمنكرين ، وقرأ يعقوب بفتح التاء . وعن ابن عباس رضي الله عنه : كنت لا أعلم ما روي في فضل يس كيف خصت به فإذا أنه بهذه الآية . و" عنه عليه الصلاة والسلام (( إن لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس ، وأيما مسلم قرأها يريد بها وجه الله غفر الله له وأعطي من الأجر كأنما قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة ، وأيما مسلم قرئ عنده إذا نزل به ملك الموت سورة يس نزل بكل حرف منها عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفاً يصلون عليه ويستغفرون له ، ويشهدون غسله ويشيعون جنازته ويصلون عليه ويشهدون دفنه ، وأيما مسلم قرأ يس وهو في سكرات الموت لم يقبض ملك الموت روحه حتى يجيئه رضوان بشربة من الجنة فيشربها وهو على فراشه فيقبض روحه وهو ريان ، ويمكث في قبره وهو ريان ، ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء حتى يدخل الجنة وهو ريان )) " .
83. Therefor glory be to Him in Whose hand is the dominion over all things! Unto Him ye will be brought back.
83 - So glory to Him in Whose hands is the dominion of all things: and to Him will ye be all brought back.