[يس : 82] إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
82 - (إنما أمره) شأنه (إذا أراد شيئا) خلق شيء (أن يقول له كن فيكون) أي فهو يكون وفي قراءة بالنصب عطفا على يقول
يقول تعالى ذكره: " إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ".
وكان قتادة في ذلك ما:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم " قال: هذا مثل إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، قال: ليس من كلام العرب شيء هو أخف من ذلك، ولا أهون، فأمر الله كذلك.
قوله تعالى : " إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون " قرأ الكسائي < فيكون > بالنصب عطفاً على < يقول > أي إذا أراد خلق شيء لا يحتاج إلى تعب ومعالجة . وقد مضى هذا في غير موضع .
يقول تعالى مخبراً منبهاً على قدرته العظيمة في خلق السموات السبع بما فيها من الكواكب السيارة والثوابت والأرضين السبع, وما فيه من جبال ورمال وبحار وقفار, وما بين ذلك, ومرشداً إلى الاستدلال على إعادة الأجساد بخلق هذه الأشياء العظيمة, كقوله تعالى: "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس" وقال عز وجل ههنا: "أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ؟" أي مثل البشر, فيعيدهم كما بدأهم, قاله ابن جرير : وهذه الاية الكريمة كقوله عز وجل: " أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير " وقال تبارك وتعالى ههنا " بلى وهو الخلاق العليم * إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " أي إنما يأمر بالشيء أمراً واحداً لا يحتاج إلى تكرار أو تأكيد:
إذا ما أراد الله أمراً فإنما يقول له كن فيكون
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن نمير , حدثنا موسى بن المسيب عن شهر عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى يقول: يا عبادي كلكم مذنب إلا من عافيت, فاستغفروني أغفر لكم, وكلكم فقير إلا من أغنيت, إني جواد ماجد واجد أفعل ما أشاء, عطائي كلام وعذابي كلام, إذا أردت شيئاً فإنما أقول له كن فيكون".
وقوله تعالى: "فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون" أي تنزيه وتقديس وتبرئة من السوء للحي القيوم الذي بيده مقاليد السموات والأرض, وإليه يرجع الأمر كله, وله الخلق والأمر وإليه يرجع العباد يوم المعاد, فيجازي كل عامل بعمله وهو العادل المنعم المتفضل. ومعنى قوله سبحانه وتعالى: "فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء" كقوله عز وجل "قل من بيده ملكوت كل شيء ؟" وكقوله تعالى: "تبارك الذي بيده الملك" فالملك والملكوت واحد في المعنى كرحمة ورحموت, ورهبة ورهبوت, وجبر وجبروت, ومن الناس من زعم أن الملك هو عالم الأجساد, والملكوت هو عالم الأرواح, والصحيح الأول, وهو الذي عليه الجمهور من المفسرين وغيرهم.
قال الإمام أحمد : حدثنا سريج بن النعمان , حدثنا حماد عن عبد الملك بن عمير , حدثني ابن عم لحذيفة عن حذيفة وهو ابن اليمان ـ رضي الله عنه, قال: " قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة, فقرأ السبع الطوال في سبع ركعات, وكان صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه, من الركوع قال: سمع الله لمن حمده ثم قال: الحمد لله ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة" وكان ركوعه مثل قيامه, وسجوده مثل ركوعه, فأنصرف وقد كادت تنكسر رجلاي. وقد روى أبو داود والترمذي في الشمائل و النسائي من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة مولى الأنصار, عن رجل من بني عبس عن حذيفة رضي الله عنه " أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل, وكان يقول: الله أكبر ـ ثلاثاً ـ ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة ثم استفتح فقرأ البقرة, ثم ركع فكان ركوعه نحواً من قيامه, وكان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم ثم رفع رأسه من الركوع, فكان قيامه نحواً من ركوعه وكان يقول في قيامه لربي الحمد ثم سجد فكان سجوده نحواً من قيامه, وكان يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى ثم رفع رأسه من السجود وكان يقعد فيما بين السجدتين نحواً من سجوده, وكان يقول رب اغفر لي, رب اغفر لي فصلى أربع ركعات فقرأ فيهن البقرة, وآل عمران , والنساء والمائدة أو الأنعام " ـ شك شعبة ـ هذا لفظ أبي داود وقال النسائي : أبو حمزة عندنا طلحة بن يزيد , وهذا الرجل يشبه أن يكون صلة, كذا قال, والأشبه أن يكون ابن عم حذيفة , كما تقدم في رواية الإمام أحمد , والله أعلم. وأما رواية صلة بن زفر عن حذيفة رضي الله عنه, فإنها في صحيح مسلم , ولكن ليس فيها ذكر الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة.
وقال أبو داود : حدثنا أحمد بن صالح , حدثنا ابن وهب , حدثني معاوية بن صالح عن عمرو بن قيس عن عاصم بن حميد عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: " قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة, فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل, ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ, قال: ثم ركع بقدر قيامه يقول في ركوعه سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ثم سجد بقدر قيامه, ثم قال في سجوده مثل ذلك, ثم قام فقرأ بآل عمران, ثم قرأ سورة سورة" , ورواه الترمذي في الشمائل و النسائي من حديث معاوية بن صالح به.
ثم ذكر سبحانه ما يدل على كمال قدرته وتيسر المبدأ والإعادة عليه فقال: 82- "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون" أي إنما شأنه سبحانه إذا تعلقت إرادته بشيء من الأشياء أن يقول له احدث فيحدث من غير توقف على شيء آخر أصلاً، وقد تقدم تفسير هذا في سورة النحل وفي البقرة. قرأ الجمهور "فيكون" بالرفع على الاستئناف. وقرأ الكسائي بالنصب عطفاً على يقول.
82. "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ".
82 -" إنما أمره " إنما شأنه . " إذا أراد شيئاً أن يقول له كن " أي تكون . " فيكون " فهو يكون أي يحدث ، وهو تمثيل لتأثير قدرته في مراده بأمر المطاع للمطيع في حصول المأمور من غير امتناع وتوقف وافتقار إلى مزاولة عمل واستعمال آلة قطعاً لمادة الشبهة ، وهو قياس قدرة الله تعلى على قدرة الخلق ، ونصبه ابن عامر و الكسائي عطفاً على " يقول " .
82. But His command, when He intendeth a thing, is only that he saith unto it: Be! and it is.
82 - Verily, when He intends a thing, His Command is, Be, and it is.