[يس : 66] وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ
66 - (ولو نشاء لطمسنا على أعينهم) لأعميناهم طمسا (فاستبقوا) ابتدروا (الصراط) الطريق ذاهبين كعادتهم (فأنى) فكيف (يبصرون) حينئذ أي لا يبصرون
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله " ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط " فقال بعضهم: معنى ذلك: ولو نشاء لأعميناهم عن الهدى، وأضللناهم عن قصد المحجة.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله " ولو نشاء لطمسنا على أعينهم " يقول: أضللتهم وأعميتهم عن الهدى.
وقال آخرون: معنى ذلك: ولو نشاء لتركناهم عمياً.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله " ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون " قال: لو يشاء لطمس على أعينهم فتركهم عمياً يترددون.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون " يقول: لو شئنا لتركناهم عمياً يترددون. وهذا القول الذي ذكرناه عن الحسن وقتادة أشبه بتأويل الكلام، لأن الله إنما تهدد به قوماً كفاراً، فلا وجه لأن يقال وهم كفار: لو نشاء لأضللناهم وقد أضلهم، ولكنه قال: لو نشاء لعاقبناهم على كفرهم، فطمسنا على أعينهم فصيرناهم عمياً لا يبصرون طريقاً، ولا يهتدون له. والطمس على العين: هو أن لا يكون بين جفني العين غر، وذلك هو الشق الذي بين الجفنين، كما تطمس الريح الأثر، يقال، أعمى مطموس وطميس.
وقوله " فاستبقوا الصراط " يقول: فابتدروا الطريق.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله " فاستبقوا الصراط " قال الطريق.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " فاستبقوا الصراط ": أي الطريق.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " فاستبقوا الصراط " قال: الصراط الطريق.
وقوله " فأنى يبصرون " يقول فأي وجه يبصرون أن يسلكوه من الطرق، وقد طمسنا على أعينهم.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله " فأنى يبصرون " وقد طمسنا على أعينهم.
وقال الذين وجهوا تأويل قوله " ولو نشاء لطمسنا على أعينهم " إلى أنه معني به العمى عن الهدى: تأويل قوله " فأنى يبصرون ": فأنى يهتدون للحق.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صال، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس " فأنى يبصرون " يقول: فكيف يهتدون.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس " فأنى يبصرون " يقول: لا يبصرون الحق.
قوله تعالى :" ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون " حكى الكسائي : طمس يطمس ويطمس . والمطموس والطمس عند أهل اللغة الأعمى الذي ليس في عينيه شق . قال ابن عباس : المعنى لأعميناهم عن الهدى ، فلا يهتدون أبداً إلى طريق الحق . وقال الحسن و السدي : المعنى لتركناهم عمياً يترددون . فالمعنى لأعميناهم فلا يبصرون طريقاً إلى تصرفهم في منازلهم ولا غيرها . وهذا اختيار الطبري . وقوله : " فاستبقوا الصراط " أي استبقوا الطريق ليجوزوا < فأنى يبصرون > أي فمن أين يبصرون . وقال عطاء و مقاتل و قتادة وروي عن ابن عباس : ولو نشاء لفقأنا أعين ضلالتهم ، وأعميناهم عن غيهم ، وحولنا أبصارهم من الضلالة إلى الهدى ، فاهتدوا وأبصروا رشدهم ، وتبادروا إلى طريق الآخرة . ثم قال : " فأنى يبصرون " ولم تفعل ذلك بهم ، أي فكيف يهتدون وعين الهدى مطموسة ، على الضلال باقية . وقد روي عن عبد الله بن سلام في تأويل هذه الآية غير ما تقدم ، وتأولها على أنها في يوم القيامة . وقال : إذا كان يوم القيامة ومد الصراط ، نادى مناد ليقم محمد صلى الله عليه وسلم وأمته ، فيقومون برهم وفاجرهم يتبعونه ليجوزوا الصراط ، فإذا صاروا عليه طمس الله أعين فجارهم ، فاستبقوا الصراط فمن أين يبصرونه حتى يجاوزوه . ثم ينادي مناد ليقم عيسى صلى الله عليه وسلم وأمته ، فيقوم فيتبعونه برهم وفاجرهم فيكون سبيلهم تلك السبيل ، وكذا سائر الأنبياء عليهم السلام . ذكره النحاس وقد كتبناه في التذكرة بمعناه حسب ماذكره ابن المبارك في رقائقه . وذكره القشيري . " وقال ابن عباس رضي الله عنه : أخذ الأسود بن الأسود حجراً ومعه جماعة من بني مخزوم ليطرحه على النبي صلى الله عليه وسلم ، فطمس الله على بصره ، وألصق الحجر بيده ، فلما أبصره ولا اهتدى ، ونزلت الآية فيه " . والمطموس هو الذي لا يكون بين جفنيه شق ، مأخوذ من طمس الريح الأثر ، قاله الأخفش و القتبي .
يقال للكفرة من بني آدم يوم القيامة وقد برزت الجحيم لهم تقريعاً وتوبيخاً "هذه جهنم التي كنتم توعدون" أي هذه التي حذرتكم الرسل, فكذبتموهم "اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون" كما قال تعالى: " يوم يدعون إلى نار جهنم دعا * هذه النار التي كنتم بها تكذبون * أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون ". وقوله تعالى: "اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون" هذا حال الكفار والمنافقين يوم القيامة حين ينكرون ما اجترحوه في الدنيا, ويحلفون ما فعلوه, فيختم الله على أفواههم ويستنطق جوارحهم بما عملت.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد الله بن أبي شيبة , حدثنا منجاب بن الحارث التميمي , حدثنا أبو عامر الأزدي , حدثنا سفيان عن عبيد المكتب عن الفضيل بن عمرو عن الشعبي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم, فضحك حتى بدت نواجذه, " ثم قال صلى الله عليه وسلم: أتدرون مم أضحك ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم , قال صلى الله عليه وسلم: من مجادلة العبد ربه يوم القيامة, يقول رب ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول: بلى, فيقول: لا أجيز علي إلا شاهداً من نفسي, فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً, والكرام الكاتبين شهوداً, فيختم على فيه, ويقال لأركانه: انطقي فتنطق بعمله, ثم يخلى بينه وبين الكلام, فيقول: بعداً لكن وسحقاً, فعنكن كنت أناضل" وقد رواه مسلم والنسائي , كلاهما عن أبي بكر بن أبي النضر عن أبي النضر , عن عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي , عن سفيان هو الثوري به. ثم قال النسائي : لا أعلم أحداً روى هذا الحديث عن سفيان غير الأشجعي , وهو حديث غريب, والله تعالى أعلم, كذا قال. وقد تقدم من رواية أبي عامر عبد الملك بن عمرو الأسدي وهو العقدي عن سفيان .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده " عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: إنكم تدعون مفدماً على أفواهكم بالفدام, فأول ما يسأل عن أحدكم فخذه وكتفه " , رواه النسائي عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق به, وقال سفيان بن عيينة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث القيامة الطويل, قال فيه: ثم يلقى الثالث فيقول: ما أنت ؟ فيقول: أنا عبدك آمنت بك وبنبيك وبكتابك, وصمت وصليت وتصدقت, ويثني بخير ما استطاع ـ قال ـ فيقال له: ألا نبعث عليك شاهدنا ؟ ـ قال ـ فيفكر في نفسه من الذي يشهد عليه, فيختم على فيه ويقال لفخذه انطقي ـ قال ـ فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بما كان يعمل وذلك المنافق, وذلك ليعذر من نفسه, وذلك الذي سخط الله تعالى عليه" ورواه مسلم وأبو داود من حديث سفيان بن عيينة به بطوله.
ثم قال ابن أبي حاتم رحمه الله: حدثنا أبي , حدثنا هشام بن عمار , حدثنا إسماعيل بن عياش , حدثنا ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه " أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه, فخذه من الرجل اليسرى" وروى ابن جرير عن محمد بن عوف عن عبد الله بن المبارك عن إسماعيل بن عياش به مثله. وقد جود إسناده الإمام أحمد رحمه الله, فقال: حدثنا الحكم بن نافع , حدثنا إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد الحضرمي عمن حدثه, عن عقبة بن عامر رضي الله عنه " أنه سمع رسول الله يقول: إن أول عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه فخذه من الرجل الشمال".
وقال ابن جرير : حدثنا يعقوب بن إبراهيم , حدثنا ابن علية , حدثنا يونس بن عبيد عن حميد بن هلال قال: قال أبو بردة : قال أبو موسى هو الأشعري رضي الله عنه: يدعى المؤمن للحساب يوم القيامة, فيعرض عليه ربه عمله فيما بينه وبينه, فيعترف فيقول: نعم أي رب عملت عملت عملت, قال: فيغفر الله تعالى له ذنوبه ويستره منها, قال: فما على الأرض خليقة ترى من تلك الذنوب شيئاً وتبدو حسناته, فود أن الناس كلهم يرونها, ويدعى الكافر والمنافق للحساب, فيعرض عليه ربه عمله فيجحد ويقول: أي رب وعزتك لقد كتب علي هذا الملك ما لم أعمل, فيقول له الملك: أما علمت كذا يوم كذا في مكان كذا ؟ فيقول: لا وعزتك أي رب ما عملته, فإذا فعل ذلك ختم الله على فيه, قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: فإني أحسب أول ما ينطق منه الفخذ اليمنى, ثم تلا "اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون".
وقوله تبارك وتعالى: "ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها: يقول ولو نشاء لأضللناهم عن الهدى, فكيف يهتدون ؟ وقال مرة : أعميناهم: وقال الحسن البصري : لو شاء الله لطمس على أعينهم فجعلهم عمياً يترددون. وقال السدي : يقول ولو نشاء أعمينا أبصارهم. وقال مجاهد وأبو صالح وقتادة والسدي : فاستبقوا الصراط, يعني الطريق. وقال ابن زيد : يعني بالصراط ههنا الحق, فأنى يبصرون وقد طمسنا على أعينهم. وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما: "فأنى يبصرون" لا يبصرون الحق.
وقوله عز وجل: "ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم" قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أهلكناهم. وقال السدي : يعني لغيرنا خلقهم. وقال أبو صالح : لجعلناهم حجارة. وقال الحسن البصري وقتادة : لأقعدهم على أرجلهم, ولهذا قال تبارك وتعالى: "فما استطاعوا مضياً" أي إلى أمام "ولا يرجعون" إلى وراء بل يلزمون حالاً واحداً لا يتقدمون و لا يتأخرون.
66- "ولو نشاء لطمسنا على أعينهم" أي أذهبنا أعينهم وجعلناها بحيث لا يبدو لها شق ولا جفن. قال الكسائي: طمس يطمس ويطمس والمطموس والطميس عند أهل اللغة الذي ليس في عينيه شق كما في قوله: "ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم" ومفعول المشيئة محذوف: أي لو نشاء أن نطمس على أعينهم لطمسنا. قال السدي والحسن: المعنى لتركناهم عمياً يترددون لا يبصرون طريق الهدى، واختار هذا ابن جرير "فاستبقوا الصراط" معطوف على لطمسنا: أي تبادروا إلى الطريق ليجوزوه ويمضوا فيه، والصراط منصوب بنزع الخافض: أي فاستبقوا إليه، وقال عطاء ومقاتل وقتادة: المعنى لو نشاء لفقأنا أعينهم وأعميناهم عن غيهم. وحولنا أبصارهم من الضلالة إلى الهدى، فأبصروا رشدهم، واهتدوا وتبادروا إلى طريق الآخرة، ومعنى "فأنى يبصرون" أي كيف يبصرون الطريق ويحسنون سلوكه ولا أبصار لهم. وقرأ عيسى بن عمر فاستبقوا على صيغة الأمر: أي فيقال لهم استبقوا. وفي هذا تهديد لهم.
66. قوله عز وجل: " ولو نشاء لطمسنا على أعينهم "، [أي: أذهبنا أعينهم] الظاهرة بحيث لا يبدو لها جفن ولا شق، وهو معنى اغلطمس كما قال الله عز وجل: " ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم " (البقرة-20) يقول: كما أعمينا قلوبهم لو شئنا أعمينا أبصارهم الظاهرة، " فاستبقوا الصراط "، فتبادروا إلى الطريق، " فأنى يبصرون " فكيف يبصرون [وقد أعمينا أعينهم؟ يعني: لو نشاء لأضللنهام عن الهدى، وتركناهم عمياً يترددون، فكيف يبصرون] الطرق حينئذ؟ هذا قول الحسن و السدي، وقال ابن عباس، و قتادة ، و مقاتل ، و عطاء : معناه لو نشاء لفقأنا أعين ضلالتهم، فأعميناهم عن غيهم، وحولنا أبصارهم من الضلالة إلى الهدى، فأبصروا رشدهم " فأنى يبصرون " ولم أفعل ذلك بهم؟.
66 -" ولو نشاء لطمسنا على أعينهم " لمسحنا أعينهم حتى تصير ممسوحة . " فاستبقوا الصراط " فاستبقوا إلى الطريق الذي اعتادوا سلوكه ، وانتصابه بنزع الخافض أو بتضمين الاستباق معنى الابتدار ، أو جعل المسبوق إليه مسبوقاً على الاتساع أو بالظرف . " فأنى يبصرون " الطريق وجهة السلوك فضلاً عن غيره .
66. And had We willed, We verily could have quenched their eyesight so that they should struggle for the way. Then how could they have seen?
66 - If it had been Our Will, We could surely have blotted our their eyes; then should they have run about groping for the Path, but how could they have seen?