[يس : 51] وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ
51 - (ونفخ في الصور) هو قرن النفخة الثانية للبعث وبين النفختين أربعون سنة (فإذا هم) المقبورون (من الأجداث) القبور (إلى ربهم ينسلون) يخرجون بسرعة
يقول تعالى ذكره: " ونفخ في الصور "، وقد ذكرنا اختلاف المختلفين والصواب من القول فيه بشواهده فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، ويعني بهذه النفخة، نفخة البعث.
وقوله: " فإذا هم من الأجداث " يعني من أجداثهم، وهي قبورهم، واحدهاجدث، وفيها لغتان، فأما أهل العالية، فتقوله بالثاء: جدث، وأما أهل السافلة فتقوله بالفاء جدف.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: " من الأجداث إلى ربهم ينسلون " يقول: من القبور.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " فإذا هم من الأجداث ": أي من القبور وقوله: " إلى ربهم ينسلون " يقول: إلى ربهم يخرجون سراعاً، والنسلان: الإسراع في المشي.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: " ينسلون " يقول: يخرجون.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " إلى ربهم ينسلون ": أي يخرجون.
قوله تعالى : " ونفخ في الصور " هذه النفخة الثانية للنشأة . وقد بينا في سورة < النمل > أنهما نفختان لا ثلاث . وهذه الآية دالة على ذلك . " وروى المبارك بن فضالة عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بين النفختين أربعون سنة : الأولى يميت الله بها كل حي ، والأخرى يحي الله بها كل ميت " . وقال قتادة : الصور جمع صورة ، أي نفخ في الصور والأرواح .وصورة وصور مثل سورة البناء وسور ، قال العجاج :
ورب ذي سرادق محجور سرت إليه في أعالي السور
وقد روي عن أبي هريرة أنه قرأ : < ونفخ في الصور > . النحاس : والصحيح أن < الصور > بإسكان الواو : القرن ، جاء بذلك التوقيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك معروف في كلام العرب . أنشد أهل اللغة :
نحن نطحناهم غداة الغورين بالضابحات في غبار النقعين
* نطحاً شديداً لا كنطح الصورين *
وقد مضى هذا في < الأنعام > مستوفى . " فإذا هم من الأجداث " أي القبور . وقرىء بالفاء < من الأجداف > ذكره الزمخشري . يقال : جدث وجدف . واللغة الفصيحة الجدث ( بالثاء ) والجمع أجدث وأجداث ، قال المتنحل الهذلي :
عرفت بأجدث فنعاف عرق علامات كتحبير النماط
واجتدث : أي اتخذ جدثاً . " إلى ربهم ينسلون " أي يخرجون ، قاله ابن عباس و قتادة . ومنه قول امرىء القيس :
* فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي *
ومنه قبل للولد نسل ، لأنه يخرج من بطن أمه . وقيل : يسرعون . والنسلان والعسلان : الإسراع في السير ، ومنه مشية الذئب ، قال :
عسلان الذئب أمسى قارباً برد الليل عليه فنسل
يقال : عسل الذئب ونسل ، يعسل وينسل ، من باب ضرب يضرب . ويقال : ينسل بالضم أيضاً . وهو الإسراع في المشي ، فالمعنى يخرجون مسرعين . وفي التنزيل : " ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة " [ لقمان : 28 ] ، وقال : " يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر " [ القمر : 7 ] وفي " سأل سائل " " يوم يخرجون من الأجداث سراعاً كأنهم إلى نصب يوفضون " [ المعارج : 43 ] أي يسرعون . وفي الخبر :
" شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الضعف فقال : عليكم بالنسل أي بالإسراع في المشي فإنه ينشط ".
هذه هي النفخة الثالثة, وهي نفخة البعث والنشور للقيام من الأجداث والقبور, ولهذا قال تعالى: "فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون" والنسلان هو المشي السريع كما قال تعالى: " يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون " " قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا " يعنون قبورهم التي كانوا يعتقدون في الدار الدنيا أنهم لا يبعثون منها, فلما عاينوا ما كذبوا به في محشرهم "قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا" وهذا لا ينفي عذابهم في قبورهم, لأنه بالنسبة إلى مابعده في الشدة كالرقاد. قال أبي بن كعب رضي الله عنه و مجاهد والحسن وقتادة : ينامون نومة قبل البعث. قال قتادة : وذلك بين النفختين, فلذلك يقولون من بعثنا من مرقدنا, فإذا قالوا ذلك أجابهم المؤمنون, قاله غير واحد من السلف "هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون" وقال الحسن : إنما يجيبهم بذلك الملائكة, ولا منافاة إذ الجمع ممكن, والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقال عبد الرحمن بن زيد : الجميع من قول الكفار "يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ؟ هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون" نقله ابن جرير , واختار الأول, وهو أصح, وذلك لقوله تبارك وتعالى في الصافات: " وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين * هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون " وقال الله عز وجل: " ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون * وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون ".
وقوله تعالى: "إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون" كقوله عز وجل: " فإنما هي زجرة واحدة * فإذا هم بالساهرة " وقال جلت عظمته: "وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب" وقال جل جلاله: "يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلاً" أي إنما نأمرهم أمراً واحداً, فإذا الجميع محضرون " فاليوم لا تظلم نفس شيئا " أي من عملها "ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون".
ثم أخبر سبحانه عما ينزل بهم عند النفخة الثانية فقال: 51- "ونفخ في الصور" وهي النفخة التي يبعثون بها من قبورهم، ولهذا قال: "فإذا هم من الأجداث" أي القبور "إلى ربهم ينسلون" أي يسرعون، وبين النفختين أربعون سنة. وعبر عن المستقبل بلفظ الماضي حيث قال ونفخ تنبيهاً على تحقق وقوعه كما ذكره أهل البيان، وجعلوا هذه الآية مثالاً له، والصور بإسكان الواو: هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل كما وردت بذلك السنة، وإطلاق هذا الاسم على القرن معروف في لغة العرب، ومنه قول الشاعر:
‌نحن نطحناهم غداة الغورين نطحا شديدا لا كنطح الصورين
أي القرنين. وقد مضى هذا في سورة الأنعام. وقال قتادة: الصور جمع صورة: أي نفخ في الصور الأرواح، والأجداث جمع جدثة وهو القبر. وقرئ الأجداف بالفاء وهي لغة، واللغة الفصيحة بالثاء المثلثة والنسل والنصلان: الإسراع في السير، يقال نسل ينسل كضرب يضرب، ويقال ينسل بالضم، ومنه قول امرئ القيس:
فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
وقول الآخر:
عسلان الذيب أمسى قارناً برد الليل عليه فنسل
51. " ونفخ في الصور "، وهي النفخة الأخيرة نفخة البعث، وبين النفختين أربعون سنة، " فإذا هم من الأجداث "، يعني: القبور، واحدها: جدث، " إلى ربهم ينسلون "، يخرجون من القبور أحياء، ومنه قيل للولد: نسل لخروجه من بطن أمه.
51 -" ونفخ في الصور " أي مرة ثانية وقد سبق تفسيره في سورة (( المؤمنين )) . " فإذا هم من الأجداث " من القبور جمع جدث وقرئ بالفاء . " إلى ربهم ينسلون " يسرعون وقرئ بالضم .
51. And the trumpet is blown and lo! from the graves they hie unto their Lord,
51 - The trumpet shall be sounded, when behold from the sepulchres (men) will rush forth to their Lord.