[يس : 40] لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
40 - (لا الشمس ينبغي) يسهل ويصح (لها أن تدرك القمر) فتجتمع معه في الليل (ولا الليل سابق النهار) فلا يأتي قبل انقضائه (وكل) تنويه عوض عن المضاف إليه من الشمس والقمر والنجوم (في فلك) مستدير (يسبحون) يسيرون نزلوا منزلة العقلاء
وقوله " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر " يقول تعالى ذكره: لا الشمس يصلح لها إدراك القمر، فيذهب ضوؤها بضوئه، فتكون الأوقات كلها نهاراً لا ليل فيها " ولا الليل سابق النهار " يقول تعالى ذكره: ولا الليل بفائت النهار حتى تذهب ظلمته بضيائه، فتكون الأوقات كلها ليلاً.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في ألفاظهم في تأويل ذلك، إلا أن معاني عامتهم الذي قلناه.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر " قال: لا يشبه ضوؤها ضوء الآخر، لا ينبغي لها ذلك.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر " قال: لا يشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر، ولا ينبغي ذلك لهما. وفي قوله " ولا الليل سابق النهار " قال: يتطالبان حثيثين ينسلخ أحدهما من الآخر.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا الأشجعي، عن سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح: " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار " قال: لا يدرك هذا ضوء هذا ولا هذا ضوء هذا.
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر " وهذا في ضوء القمر وضوء الشمس، إذا طلعت الشمس لم يكن للقمر ضوء، وإذا طلع القمر بضوئه لم يكن للشمس ضوء " ولا الليل سابق النهار " قال: في قضاء الله وعلمه أن لا يفوت الليل النهار حتى يدركه، فيذهب ظلمته، وفي قضاء الله أن لا يفوت النهار الليل حتى يدركه، فيذهب بضوئه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار " ولكل حد وعلم لا يعدوه ولا يقصر دونه، إذا جاء سلطان هذا ذهب سلطان هذا، وإذا جاء سلطان هذا ذهب سلطان هذا.
وروي عن ابن عباس في ذلك ما:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار " يقول إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر، فإذا غابا غاب أحدهما بين يدي الآخر. وأن من قوله " أن تدرك " في موضع رفع بقوله: ينبغي.
وقوله " وكل في فلك يسبحون " يقولك وكل ما ذكرنا من الشمس والقمر والليل والنهار في فلك يجرون.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي، قال: ثنا شعبة، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس " وكل في فلك يسبحون " قال: في فلك كفلك المغزل.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا الأعمش ، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: مجرى كل واحد منهما، يعني الليل والنهار في فلك يسبحون: يجرون.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " وكل في فلك يسبحون ": أي في فلك السماء يسبحون.
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله " وكل في فلك يسبحون " دوراناً، يقول: دوراناً يسبحون: يقول: يجرون.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله " وكل في فلك يسبحون " يعني: كل في فلك في السماوات.
قوله تعالى : " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر " رفعت < الشمس > بالابتداء ، ولا يجوز أن تعمل < لا > في معرفة . وقد تكلم العلماء في معنى هذه الآية ، فقال بعضهم : معناها أن الشمس لا تدرك القمر فتبطل معناه . أي لكل واحد منهما سلطان على حياله ، فلا يدخل أحدهما على الآخر فيذهب سلطانه ، إلى أن يبطل الله ما دبر من ذلك ، فتطلع الشمس من مغربها على ما تقدم في آخر سورة < الأنعام > بيانه . وقيل : إذا طلعت الشمس لم يكن للقمر ضوء ، وإذا طلع القمر لم يكن للشمس ضوء . روي معناه عن ابن عباس و الضحاك . وقال مجاهد : أي لا يشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر . وقال قتادة : لكل حد وعلم لا يعدوه ولا يقصر دونه إذا جاء سلطان هذا ذهب سلطان هذا . وقال الحسن : إنهما لا يجتمعان في السماء ليلة الهلال خاصة . أي لا تبقى الشمس حتى يطلع القمر ، ولكن إذا غربت الشمس طلع القمر . يحيى بن سلام : لا تدرك الشمس القمر ليلة البدر خاصة ، لأنه يبادر بالمغيب قبل طلوعها . وقيل : معناه إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر في منازل لا يشتركان فيها ، قال ابن عباس أيضا . وقيل : القمر في السماء الدنيا ، والشمس في السماء الرابعة فيه لا تدركه ، ذكره النحاس و المهدوي . قال النحاس : وأحسن ما قيل في معناها وأبينه مما لا يدفع : أن سير القمر سير سريع والشمس لا تدركه في السير ، ذكره المهدوي أيضاً . فأما قوله سبحانه : " وجمع الشمس والقمر " [ القيامة : 9 ] فذلك حين حبس الشمس عن الطلوع على ما تقدم بيانه في آخر < الأنعام > ويأتي في سورة < القيامة > أيضاً . وجمعهما علامة لانقضاء الدنيا وقيام الساعة . " وكل " يعني من الشمس والقمر والنجوم " في فلك يسبحون " أي يجرون . وقيل : يدورون . ولم يقل تسبح ، لأنه وصفها بفعل من يعقل . وقال الحسن : الشمس والقمر والنجومي فلك بين السماء والأرض غير ملصقة ، ولو كانت ملصقة ما جرت ، ذكره الثعلبي و الماوردي . واستدل بعضهم بقوله تعالى : " ولا الليل سابق النهار " على أن النهار مخلوق قبل الليل ، وأن الليل لم يسبقه بخلق . وقيل : كل واحد منهما يجيء وقته ولا يسبق صاحبه إلى أن يجمع بين الشمس والقمر يوم القيامة ، كما قال : " وجمع الشمس والقمر " وإنما هذا التعاقب الآن لتتم مصالح العباد . " ولتعلموا عدد السنين والحساب " [ الاسراء : 12 ] ويكون الليل للإجمام والاستراحة ، والنهار للتصرف ، كما قال تعالى : " ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله " [ القصص : 73 ] وقال : " وجعلنا نومكم سباتا " [ النبأ : 9 ] أي راحة لأبدانكم من عمل النهار . فقوله : " ولا الليل سابق النهار " أي غالب النهار ، يقال : سبق فلان فلاناً أي غلبه . وذكر المبرد قال : سمعت عمارة يقرأ < ولا الليل سابق النهار > فقلت ما هذا ؟ قال : أردت سابق النهار فحذفت التنوين ، لأنه أخف . قال النحاس : يجوز أن يكون < النهار > منصوباً بغير تنوين ويكون التنوين حذف لالتقاء الساكنين .
يقول تعالى ومن الدلالة لهم على قدرته تبارك وتعالى العظيمة, خلق الليل والنهار هذا بظلامه وهذا بضيائه, وجعلهما يتعاقبان يجيء هذا فيذهب هذا, ويذهب هذا فيجيء هذا, كما قال تعالى: "يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً" ولهذا قال عز وجل ههنا: "وآية لهم الليل نسلخ منه النهار" أي نصرمه منه, فيذهب فيقبل الليل, ولهذا قال تبارك وتعالى: "فإذا هم مظلمون" كما جاء في الحديث "إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس, فقد أفطر الصائم" هذا هو الظاهر من الاية, وزعم قتادة أنها كقوله تعالى: "يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل" وقد ضعف ابن جرير قول قتادة ههنا, وقال: إنما معنى الإيلاج الأخذ من هذا في هذا, وليس هذا مراداً في هذه الاية, وهذا الذي قاله ابن جرير حق.
وقوله جل جلاله: "والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم" في معنى قوله: "لمستقر لها" قولان(أحدهما) أن المراد مستقرها المكاني, وهو تحت العرش مما يلي الأرض من ذلك الجانب, وهي أينما كانت فهي تحت العرش هي وجميع المخلوقات, لأنه سقفها, وليس بكرة كما يزعمه كثير من أرباب الهيئة, وإنما هو قبة ذات قوائم تحمله الملائكة, وهو فوق العالم مما يلي رؤوس الناس, فالشمس إذا كانت في قبة الفلك وقت الظهيرة تكون أقرب ما تكون إلى العرش, فإذا استدارت في فلكها الرابع إلى مقابلة هذا المقام وهو وقت نصف الليل, صارت أبعد ما تكون إلى العرش, فحينئذ تسجد وتستأذن في الطلوع كما جاءت بذلك الأحاديث.
قال البخاري : حدثنا أبو نعيم , حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم: في المسجد عند غروب الشمس, فقال صلى الله عليه وسلم "يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس ؟ قلت: الله ورسوله أعلم, قال صلى الله عليه وسلم: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش, فذلك قوله تعالى: "والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم"".
حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي , حدثنا وكيع , حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه: قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تبارك وتعالى: "والشمس تجري لمستقر لها" قال صلى الله عليه وسلم: مستقرها تحت العرش" هكذا أورده ههنا, وقد أخرجه في أماكن متعددة, ورواه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من طرق عن الأعمش به.
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: " كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حين غربت الشمس, فقال صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر أتدري أين تذهب الشمس ؟ قلت: الله ورسوله أعلم, قال صلى الله عليه وسلم: فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها عز وجل, فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها, وكأنها قد قيل لها ارجعي من حيث جئت, فترجع إلى مطلعها وذلك مستقرها ـ ثم قرأ ـ "والشمس تجري لمستقر لها" " وقال سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس: أتدري أين تذهب ؟ قلت: الله ورسوله أعلم, قال صلى الله عليه وسلم: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش, فتستأذن فيؤذن لها, ويوشك أن تسجد, فلا يقبل منها ؟ وتستأذن فلا يؤذن لها, ويقال لها ارجعي من حيث جئت, فتطلع من مغربها, فذلك قوله تعالى: "والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم"".
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن وهب بن جابر عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما, قال في قوله تعالى: "والشمس تجري لمستقر لها" قال: إن الشمس تطلع فتردها ذنوب بني آدم, حتى إذا غربت سلمت وسجدت واستأذنت يؤذن لها, حتى إذا كان يوم غربت فسلمت وسجدت واستأذنت فلا يؤذن لها, فتقول إن المسير بعيد, وإني إن لا يؤذن لي لا أبلغ فتحبس ماشاء الله أن تحبس, ثم يقال لها اطلعي من حيث غربت, قال: فمن يومئذ إلى يوم القيامة لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل, أو كسبت في إيمانها خيراً. وقيل: المراد بمستقرها هو انتهاء سيرها, وهو غاية ارتفاعها في السماء في الصيف وهو أوجها, ثم غاية انخفاضها في الشتاء وهو الحضيض.
(والقول الثاني) أن المراد بمستقرها هو منتهى سيرها وهو يوم القيامة, يبطل سيرها وتسكن حركتها وتكور, وينتهي هذا العالم إلى غايته, وهذا هو مستقرها الزماني. قال قتادة "لمستقر لها" أي لوقتها ولأجل لا تعدوه, وقيل: المراد أنها لا تزال تنتقل في مطالعها الصيفية إلى مدة لا تزيد عليها, ثم تنتقل في مطالع الشتاء إلى مدة لا تزيد عليها, يروى هذا عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وقرأ ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم "والشمس تجري لمستقر لها" أي لا قرار لها ولا سكون, بل هي سائرة ليلاً ونهاراً, لا تفتر ولا تقف, كما قال تبارك وتعالى: "وسخر لكم الشمس والقمر دائبين" أي لا يفتران ولا يقفان إلى يوم القيامة "ذلك تقدير العزيز" أي الذي لا يخالف ولا يمانع "العليم" بجميع الحركات والسكنات, وقد قدر ذلك ووقته على منوال لا اختلاف فيه ولا تعاكس, كما قال عز وجل: "فالق الإصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم" وهكذا ختم آية حم السجدة بقوله تعالى: "ذلك تقدير العزيز العليم".
ثم قال جل وعلا: "والقمر قدرناه منازل" أي جعلناه يسير سيراً آخر يستدل به على مضي الشهور, كما أن الشمس يعرف بها الليل والنهار, كما قال عز وجل: "يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج". وقال تعالى: "هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب" الاية, وقال تبارك وتعالى: "وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلاً" فجعل الشمس لها ضوء يخصها, والقمر له نور يخصه, وفاوت بين سير هذه وهذا, فالشمس تطلع كل يوم وتغرب في آخره على ضوء واحد, ولكن تنتقل في مطالعها ومغاربها صيفاً وشتاء, يطول بسبب ذلك النهار ويقصر الليل, ثم يطول الليل ويقصر النهار, وجعل سلطانها بالنهار فهي كوكب نهاري, وأما القمر فقدره منازل يطلع في أول ليلة من الشهر ضئيلاً قليل النور, ثم يزداد نوراً في الليلة الثانية ويرتفع منزلة, ثم كلما ارتفع ازداد ضياءً وإن كان مقتبساً من الشمس حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشرة, ثم يشرع في النقص إلى آخر الشهر حتى يصير كالعرجون القديم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: وهو أصل العذق. وقال مجاهد : العرجون القديم أي العذق اليابس يعني ابن عباس رضي الله عنهما أصل العنقود من الرطب إذا عتق ويبس وانحنى, وكذا قال غيرهما, ثم بعد هذا يبديه الله تعالى جديداً أول الشهر الاخر, والعرب تسمي كل ثلاث ليال من الشهر باسم باعتبار القمر, فيسمون الثلاث الأول غرر, واللواتي بعدها نقل واللواتي بعدها تسع, لأن أخراهن التاسعة واللواتي بعهدها عشر, لأن أولاهن العشرة, واللواتي بعدها البيض, لأن ضوء القمر فيهن إلى آخرهن, واللواتي بعدهن درع جمع درعاء, لأن أولهن أسود لتأخر القمر في أولهن منه, ومنه الشاة الدرعاء وهي التي رأسها أسود, وبعدهن ثلاث ظلم, ثم ثلاث حنادس, وثلاث دآدى, وثلاث محاق لانمحاق القمر أو الشهر فيهن. وكان أبو عبيدة رضي الله عنه ينكر التسع والعشر. كذا قال في كتاب غريب المصنف.
وقوله تبارك وتعالى: "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر" قال مجاهد : لكل منهما حد لا يعدوه ولا يقصر دونه, إذا جاء سلطان هذا ذهب هذا, وإذا ذهب سلطان هذا جاء سلطان هذا, وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن الحسن في قوله تعالى: "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر" قال: ذلك ليلة الهلال. وروى ابن أبي حاتم ههنا عن عبد الله بن المبارك أنه قال: إن للريح جناحاً, وإن القمر يأوي إلى غلاف من الماء. وقال الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح : لا يدرك هذا ضوء هذا ولا هذا ضوء هذا. وقال عكرمة في قوله عز وجل: "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر" يعني أن لكل منهما سلطاناً! فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل.
وقوله تعالى: "ولا الليل سابق النهار" يقول: لا ينبغي إذا كان الليل أن يكون ليل آخر حتى يكون النهار, فسلطان الشمس بالنهار وسلطان القمر بالليل. وقال الضحاك : لا يذهب الليل من ههنا حتى يجيء النهار من ههنا, وأومأ بيده إلى المشرق. وقال مجاهد "ولا الليل سابق النهار" يطلبان حثيثين يسلخ أحدهما من الاخر, والمعنى في هذا أنه لا فترة بين الليل والنهار, بل كان منهما يعقب الاخر بلا مهلة ولا تراخ, لأنهما مسخران دائبين يتطالبان طلباً حثيثاً.
وقوله تبارك وتعالى: "وكل في فلك يسبحون" يعني الليل والنهار والشمس والقمر, كلهم يسبحون أي يدورون في فلك السماء, قاله ابن عباس وعكرمة والضحاك والحسن وقتادة وعطاء الخراساني . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : في فلك بين السماء والأرض, ورواه ابن أبي حاتم , وهو غريب جداً بل منكر. قال ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد من السلف: في فلكة كفلكة المغزل. وقال مجاهد : الفلك كحديدة الرحى أو كفلكة المغزل, لا يدور المغزل إلا بها, ولا تدور إلا به.
40- "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر" الشمس مرفوعة بالابتداء، لأنه لا يجوز أن تعمل لا في المعرفة: أي لا يصح ولا يمكن للشمس أن تدرك القمر في سرعة وتنزل في المنزل الذي فيه القمر، لأن لكل واحد منهما سلطاناً على انفراده، فلا يتمكن أحدهما من الدخول على الآخر، فيذهب سلطانه إلى أن يأذن الله بالقيامة، فتطلع الشمس من مغربها. وقال الضحاك: معناه إذا طلعت الشمس لم يكن للقمر ضوء، وإذا طلع القمر لم يكن للشمس ضوء. وقال مجاهد: أي لا يشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر. وقال الحسن: إنهما لا يجتمعان في السماء ليلة الهلال خاصة، وكذا قال يحيى بن سلام. وقيل معناه: إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر في منزل لا يشتركان فيه. وقيل القمر في سماء الدنيا، والشمس في السماء الرابعة. ذكره النحاس والمهدوي. قال النحاس: وأحسن ما قيل في معناه وأبينه: أن سير القمر سير سريع، والشمس لا تدركه في السير . وأما قوله " وجمع الشمس والقمر " فذلك حين حبس الشمس عن الطلوع على ما تقدم بيانه في الأنعام، ويأتي في سورة القيامة أيضاً، وجمعهما علامة لاقنضاء الدنيا وقيام الساعة "ولا الليل سابق النهار" أي لا يسبقه فيفوته، ولكن يعاقبه، ويجيء كل واحد منهما في وقته ولا يسبق صاحبه، وقيل المراد من الليل والنهار آيتاهما، وهما الشمس والقمر، فيكون عكس قوله: "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر" أي ولا القمر سابق الشمس، وإيراد السبق مكان الإدراك لسرعة سير القمر "وكل في فلك يسبحون" التنوين في كل عوض عن المضاف إليه: أي وكل واحد منهما، والفلك: هو الجسم المستدير أو السطح المستدير أو الدائرة، والخلاف في كون السماء مبسوطة أو مستديرة معروف، والسبح: السير بانبساط وسهولة، والجمع في قوله: "يسبحون" باعتبار اختلاف مطالعهما، فكأنهما متعددان بتعددها، أو المراد: الشمس والقمر والكواكب.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله: "وما أنزلنا على قومه من بعده" الآية يقول: ما كابدناهم بالجموع: أي الأمر أيسر علينا من ذلك. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "يا حسرة على العباد" يقول: يا ويلا للعباد. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله: يا حسرة على العباد قال: الندامة على العباد الذين "ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون" يقول: الندامة عليهم يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "وما عملته أيديهم" قال: وجدوه معمولاً لم تعمله أيديهم: يعني الفرات ودجلة ونهر بلخ وأشباهها "أفلا يشكرون" لهذا. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه سلم عن قوله: "والشمس تجري لمستقر لها" قال: "مستقرها تحت العرش"، وفي لفظ للبخاري وغيره من حديثه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال: "يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: إنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فذلك قوله: "والشمس تجري لمستقر لها"". وفي لفظ من حديثه أيضاً عند أحمد والترمذي والنسائي وغيرهم قال: "يا أبا ذر أتدري أين تذهب هذه؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها فتستأذن في الرجوع فيأذن لها، وكأنها قد قيل لها اطلعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها. ثم قرأ " تجري لمستقر لها "" وذلك قراءة عبد الله. وأخرج الترمذي والنسائي وغيرهما من قول ابن عمر نحوه. وأخرج الخطيب في كتاب النجوم عن ابن عباس في قوله: "والقمر قدرناه منازل" الآية قال: هي ثمانية وعشرون منزلاً ينزلها القمر في كل شهر: أربعة عشر منها شامية، وأربعة عشر منها يمانية، أولها الشرطين والبطين والثريا والدبران والهقعة والهنعة والذراع والنثرة والطرف والجبهة والدبرة والصرفة والعواء والسماك، وهو آخر الشامية، والغفر والزبانا والإكليل والقلب والشولة والنعائم والبلدة وسعد الذابح وسعد بلغ وسعد السعود وسعد الأخبية ومقدم الدلو ومؤخر الدلو والحوت، وهو آخر اليمانية، فإذا سار هذه الثمانية وعشرين منزلاً "عاد كالعرجون القديم" كما كان في أول الشهر. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: كاالعرجون القديم: يعني أصل العذق العتيق.
40. " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر "، أي: لا يدخل النهار على الليل قبل انقضائه، ولا يدخل الليل على النهار قبل انقضائه، وهو قوله تعالى: " ولا الليل سابق النهار "، أي: هما يتعاقبان بحساب معلوم لا يجيء أحدهما قبل وقته.
وقيل: لا يدخل أحدهما في سلطان الآخر، لا تطلع الشمس بالليل ولا يطلع القمر بالنهار وله ضوء، فإذا اجتمعا وأدرك كل واحد منهما صاحبه قامت القيامة.
وقيل:" لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر " أي: لا تجتمع معه في فلك واحد، (( ولا الليل سابق النهار )) أي: لا يتصل ليل بليل لا يكون بينهما نهار فاصل.
" وكل في فلك يسبحون "، يجرون.
40 -" لا الشمس ينبغي لها " يصح لها ويتسهل . " أن تدرك القمر " في سرعة سيره فإن ذلك يخل بتكون النبات وتعيش الحيوان ، أو في آثاره ومنافعه أو مكانه بالنزول إلى محله ، أو سلطانه فتطمس نوره ، وإيلاء حرف النفي " الشمس " للدلالة على أنها مسخرة لا يتيسر لها إلا ما أريد بها . " ولا الليل سابق النهار " يسبقه فيفوته ولكن يعاقبه ، وقيل المراد بهما آيتاهما وهما النيران ، وبالسبق سبق القمر إلى سلطان الشمس فيكون عكساً للأول وتبديل الإدراك بالسبق لأنه الملائم لسرعة سيره . " وكل " وكلهم والتنوين عوض عن المضاف إليه ، والضمير للشموس والأقمار فإن اختلاف الأحوال يوجب تعدداً ما في الذات ، أو للكواكب فإن ذكرهما مشعر بهما . " في فلك يسبحون " يسيرون فيه بانبساط .
40. It is not for the sun to overtake the moon, nor doth the night outstrip the day. They float each in an orbit.
40 - Is not permitted to the Sun to catch up the Moon, nor can the Night outstrip the Day: each (just) swims along in (its own) orbit (according to Law).