[فاطر : 26] ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ
26 - (ثم أخذت الذين كفروا) بتكذيبهم (فكيف كان نكير) إنكاري عليهم بالعقوبة والإهلاك أي هو واقع موقعه
وقوله " ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير " يقول تعالى ذكره: ثم أهلكنا الذين جحدوا رسالة رسلنا، وحقيقة ما دعوهم إليه من آياتنا، وأصروا على جحودهم " فكيف كان نكير " يقول: فانظر يا محمد كيف كان تغييري بهم، وحلول عقوبتي بهم.
" ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير " أي كيف كانت عقوبتي لهم . وأثبت ورش عن نافع و شيبة الياء في (( نكيري )) حيث وقعت في الوصل دون الوقف . وأثبتها يعقوب في الحالين ، وحذفها الباقون في الحالين . وقد مضى هذا كله ، والحمد لله .
يقول تعالى: كما لا تستوي هذه الأشياء المتباينة المختلفة كالأعمى والبصير لا يستويان, بل بينهما فرق وبون كثير, وكما لا تستوي الظلمات ولا النور ولا لظل ولا الحرور, كذلك لا تستوي الأحياء ولا الأموات, كقوله تعالى: " أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها " وقال عز وجل: "مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلاً" فالمؤمن بصير سميع في نور يمشي على صراط مستقيم في الدنيا والاخرة حتى يستقر به الحال في الجنات ذات الظلال والعيون, والكافر أعمى وأصم في ظلمات يمشي لا خروج له منها, بل هو يتيه في غيه وضلاله في الدنيا والاخرة حتى يفضي به ذلك إلى الحرور والسموم والحميم, وظل من يحموم لا بارد ولا كريم.
وقوله تعالى: "إن الله يسمع من يشاء" أي يهديهم إلى سماع الحجة وقبولها والإنقياد لها. "وما أنت بمسمع من في القبور" أي كما لا ينتفع الأموات بعد موتهم وصيرورتهم إلى قبورهم وهم كفار بالهداية والدعوة إليها, كذلك هؤلاء المشركون الذين كتب عليهم الشقاوة لا حيلة لك فيهم ولا تستطيع هدايتهم "إن أنت إلا نذير" أي إنما عليك البلاغ والإنذار, والله يضل من يشاء ويهدي من يشاء, "إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً" أي بشيراً للمؤمنين ونذيراً للكافرين, "وإن من أمة إلا خلا فيها نذير" أي وما من أمة خلت من بني آدم إلا وقد بعث الله تعالى إليهم النذر, وأزاح عنهم العلل, كما قال تعالى: "إنما أنت منذر ولكل قوم هاد" وكما قال تعالى: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة" الاية, والايات في هذا كثيرة.
وقوله تبارك وتعالى: "وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات" وهي المعجزات الباهرات والأدلة القاطعات "وبالزبر" وهي الكتب "وبالكتاب المنير" أي الواضح البين "ثم أخذت الذين كفروا" أي ومع هذا كله كذب أولئك رسلهم فيما جاؤوهم به, فأخذتهم أي بالعقاب والنكال "فكيف كان نكير" أي فكيف رأيت إنكاري عليهم عظيماً شديداً بليغاً, والله أعلم.
25- "ثم أخذت الذين كفروا" وضع الظاهر موضع الضمير يفيد التصريح بذمهم بما في حيز الصلة، ويشعر بعلة الأخذ "فكيف كان نكير" أي فكيف كان نكيري عليهم وعقوبتي لهم، وقرأ ورش عن نافع وشيبة بإثبات الياء في " تذكيري " وصلاً لا وقفاً، وقد قضى بيان معنى هذا قريباً.
وقد أخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه عن عمرو بن الأحوص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: "ألا لا يجني جان إلا على نفسه، لا يجني والد على ولده ولا مولود على والده". وأخرج سعيد بن منصور وأبو داود والترمذي والنسائي وابن مردويه والبيهقي في سننه "عن أبي رمثة قال: انطلقت مع أبي نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأيته قال لأبي: ابنك هذا؟ قال: إي ورب الكعبة، قال: أما أنه لا يجني عليك ولا تجني عليه، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "ولا تزر وازرة وزر أخرى"". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء" قال: يكون عليه وزر لا يجد أحداً يحمل عنه من وزره شيئاً.
26- "ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير".
26 -" ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير " أي إنكار بالعقوبة .
26. Then seized I those who disbelieved, and how intense was My abhorrence!
26 - In the end did I punish those who rejected Faith: and how (terrible) was My rejection (of them).