[سبإ : 32] قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ
32 - (قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم) لا (بل كنتم مجرمين) في انفسكم
يقول تعالى ذكره " قال الذين استكبروا " في الدنيا، فرأسوا في الضلالة والكفر بالله " للذين استضعفوا " فيها فكانوا أتباعاً لأهل الضلالة منهم، إذ قالوا لهم " لولا أنتم لكنا مؤمنين ": " أنحن صددناكم عن الهدى " ومنعناكم من اتباع الحق " بعد إذ جاءكم " من عند الله، يبين لكم " بل كنتم مجرمين " فمنعكم إيثاركم الكفر بالله على الإيمان من اتباع الهدى، والإيمان بالله ورسوله.
"قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين"
يخبر تعالى عن تمادي الكفار في طغيانهم وإصرارهم على عدم الإيمان بالقرآن الكريم, وبما أخبربه من أمر المعاد, ولهذا قال تعالى: "وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه" قال الله عز وجل متهدداً لهم ومتوعداً ومخبراً عن مواقفهم الذليلة بين يديه في حال تخاصمهم وتحاجهم "يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا" وهم الأتباع "للذين استكبروا" منهم وهم قادتهم وسادتهم "لولا أنتم لكنا مؤمنين" أي لولا أنتم تصدوننا لكنا اتبعنا الرسل وآمنا بما جاؤونا به فقال لهم القادة والسادة وهم الذين استكبروا "أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم ؟" أي نحن ما فعلنا بكم أكثر من أنا دعوناكم فاتبعتمونا من غير دليل ولا برهان, وخالفتم الأدلة والبراهين والحجج التي جاءت بها الرسل لشهوتكم واختياركم لذلك, ولهذا قالوا " بل كنتم مجرمين * وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار " أي بل كنتم تمكرون بنا ليلاً نهاراً وتغروننا وتمنوننا وتخبروننا أنا على هدى وأنا على شيء, فإذا جميع ذلك باطل وكذب ومين.
قال قتادة وابن زيد "بل مكر الليل والنهار" يقول: بل مكركم بالليل والنهار, وكذا قال مالك عن زيد بن أسلم بالليل والنهار "إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً" أي نظراء وآلهة معه وتقيمون لنا شبهاً وأشياء من المحال تضلوننا بها "وأسروا الندامة لما رأوا العذاب" أي الجميع من السادة والأتباع كل ندم على ما سلف منه "وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا" وهي السلاسل التي تجمع أيديهم مع أعناقهم "هل يجزون إلا ما كانوا يعملون" أي إنما نجازيكم بأعمالكم كل بحسبه للقادة عذاب بحسبهم وللأتباع بحسبهم "قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون" قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا فروة بن أبي المغراء , حدثنا محمد بن سليمان بن الأصبهاني عن أبي سنان ضرار بن صرد عن عبد الله بن أبي الهذيل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن جهنم لما سيق إليها أهلها تلقاهم لهبها, ثم لفحتهم لفحة لم يبق لحم إلا سقط على العرقوب". وحدثنا أبي , حدثنا أحمد بن أبي الحواري , حدثنا الطيب أبو الحسن عن الحسن بن يحيى الخشني قال: ما في جهنم دار ولامغار ولاغل ولاقيد ولاسلسلة إلا اسم صاحبها عليها مكتوب, قال: فحدثته أبا سليمان, يعني الداراني رحمة الله عليه, فبكى ثم قال: ويحك فكيف به لو جمع هذا كله عليه, فجعل القيد والغل في يديه, والسلسلة في عنقه, ثم أدخل النار وأدخل المغار ؟ اللهم سلم.
ثم بين سبحانه تلك المراجعة فقال: 32- "يقول الذين استضعفوا" وهم الاتباع "للذين استكبروا" وهم الرؤساء المتبوعون "لولا أنتم" صددتمونا عن الإيمان بالله والاتباع لرسوله "لكنا مؤمنين" بالله مصدقين لرسوله وكتابه "قال الذين استكبروا للذين استضعفوا" مجيبين عليهم مستنكرين لما قالوه "أنحن صددناكم عن الهدى" أي منعناكم عن الإيمان "بعد إذ جاءكم" الهدى، قالوا هذا منكرين لما ادعوه عليهم من الصد لهم، وجاحدين لما نسبوه إليهم من ذلك، ثم بينوا لهم أنهم الصادون لأنفسهم، الممتنعون من الهدى بعد إذا جاءهم فقالوا: "بل كنتم مجرمين" أي مصرين على الكفر، كثيري الإجرام، عظيمي الآثام.
32- "قال الذين استكبروا"، أجابهم المتبوعون في الكفر، " للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين "، بترك الإيمان.
32ـ " قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين " أنكروا أنهم كانوا صادين لهم عن الإيمان وأثبتوا أنهم هم الذين صدوا أنفسهم حيث أعرضوا عن الهدى وآثروا التقليد عليه ، ولذلك بنوا الإنكار على الاسم .
32. And those who were proud say unto those who were despised: Did we drive you away from the guidance after it had come unto you? Nay, but ye were guilty.
32 - The arrogant ones will say to those who had been despised: Was it we who kept you back from Guidance after it reached you? Nay, rather, it was ye who transgressed.