[الأحزاب : 52] لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا
52 - (لا يحل) بالتاء والياء (لك النساء من بعد) بعد التسع التي اخترنك (ولا أن تبدل) بترك إحدى التاين في الأصل (بهن من أزواج) بأن تطلقهن أو بعضهن وتنكح بدل من طلقت (ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك) من الاماء فتحل لك وقد ملك صلى الله عليه وسلم بعدهن مارية وولدت له إبراهيم ومات في حياته (وكان الله على كل شيء رقيبا) حفيظا
قوله تعالى لا يحل لك النساء من بعد أخرج ابن سعد عن عكرمة قال خير رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه فاخترن الله ورسوله فأنزل الله لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى " لا يحل لك النساء من بعد " فقال بعضهم: معنى ذلك: لا يحل لك النساء من بعد نسائك اللاتي خيرتهن، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله " لا يحل لك النساء من بعد " ... الآية إلى " رقيبا " قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بعد نسائه الأول شيئاً.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " لا يحل لك النساء من بعد " ... إلى قوله " إلا ما ملكت يمينك " قال: لما خيرهن، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة قصره عليهن فقال: " لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج " وهن التسع اللاتي اخترن الله ورسوله.
وقال آخرون: إنما معنى ذلك: لا يحل لك النساء بعد اللاتي أحللنا لك بقولنا " يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك " ... إلى قوله " اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي " . وكأن قائلي هذه المقالة وجهوا الكلام إلى أن معناه: لا يحل لك من النساء إلا التي أحللناها لك.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب قال: ثنا داود، عن محمد بن أبي موسى، عن زياد، قال لأبي بن كعب: هل كان للنبي صلى الله عليه وسلم لو مات أزواجه أن يتزوج؟ قال: ما كان يحرم عليه ذلك، فقرأت عليه هذه الآية " يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك " قال: فقال: أحل له ضرباً من النساء، وحرم عليه ما سواهن، أحل له كل امرأة آتى أجرها، وما ملكت يمينه مما أفاء الله عليه، وبنات عمه وبنات عماته، وبنات خاله وبنات خالاته، وكل امرأة وهبت نفسها له إن أراد أن يستنكحها خالصة له من دون المؤمنين.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن محمد بن أبي موسى، عن زياد الأنصاري قال: قلت لأبي بن كعب: أرأيت لو مات نساء النبي صلى الله عليه وسلم، أكان يحل له أن يتزوج؟ قال: وما يحرم ذلك عليه؟ قال: قلت قوله " لا يحل لك النساء من بعد " قال: إنما أحل الله له ضرباً من النساء.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن داود بن أبي هند، قال: ثني محمد بن أبي موسى، عن زياد، رجل من الأنصار، قال: قلت لأبي بن كعب: أرأيت لو أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم توفين، أما كان له أن يتزوج؟ فقال: وما يمنعه من ذلك؟ وربما قال داود: وما يحرم عليه ذلك؟ قلت: قوله " لا يحل لك النساء من بعد " فقال: إنما أحل الله له ضرباً من النساء، فقال " يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك " ... إلى قوله " إن وهبت نفسها للنبي " ثم قيل له " لا يحل لك النساء من بعد ".
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام بن سلم، عن عنبسة، عمن ذكره، عن أبي صالح " لا يحل لك النساء من بعد " قال: أمر أن لا يتزوج أعرابية ولا غريبة، ويتزوج بعد من نساء تهامة، ومن شاء من بنات العم والعمة، والخال والخالة إن شاء ثلاث مئة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن عكرمة " لا يحل لك النساء من بعد " هؤلاء التي سمى الله إلا " بنات عمك " ... الآية.
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله " لا يحل لك النساء من بعد " يعني: من بعد التسمية، يقول: لا يحل لك امرأة إلا ابنة عم أو ابنة عمة، أو ابنة خال أو ابنة خالة، أو امرأة وهبت نفسها لك، من كان منهن هاجر مع نبي الله صلى الله عليه وسلم. وفي حرف ابن مسعود ( واللاتي هاجرن معك) يعني بذلك: كل شيء هاجر معه ليس من بنات العم والعمة، ولا من بنات الخال والخالة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا يحل لك النساء من غير المسلمات، فأما اليهوديات والنصرانيات والمشركات فحرام عليك.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله " لا يحل لك النساء من بعد " لا يهودية، ولا نصرانية، ولا كافرة.
وأولى الأقوال عندي بالصحة قول من قال: معنى ذلك: لا يحل لك النساء من بعد اللواتي أحللتهن لك بقولي " إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن " .. إلى قوله " وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ".
وإنما قلت ذلك أولى بتأويل الآية، لأن قوله " لا يحل لك النساء " عقيب قوله " إنا أحللنا لك أزواجك " وغير جائز أن يقول: قد أحللت لك هؤلاء، ولا يحللن لك إلا بنسخ أحدهما صاحبه، وعلى أن يكون وقت فرض إحدى الآيتين، فعل الأخرى منهما. فإذ كان ذلك كذلك ولا برهان ولا دلالة على نسخ حكم إحدى الآيتين حكم الآخرى، ولا تقدم تنزيل إحداهما قبل صاحبتها، وكان غير مستحيل مخرجهما على الصحة، لم يجز أن يقال: إحداهما ناسخة الأخرى، وإذا كان ذلك كذلك، ولم يكن لقول من قال: معنى ذلك: لا يحل من بعد المسلمات يهودية ولانصرانية ولا كافرة، معنى مفهوم، إذ كان قوله " من بعد " إنما معناه: من بعد المسميات المتقدم ذكرهن في الآية قبل هذه الآية، ولم يكن في الآية المتقدم فيها ذكر المسميات بالتحليل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر إباحة المسلمات كلهن، بل كان فيها ذكر أزواجه وملك يمينه الذي يفيء الله عليه، وبنات عمه وبنات عماته، وبنات خاله وبنات خالاته، اللاتي هاجرن معه، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي، فتكون الكوافر مخصوصات بالتحريم، صح ما قلنا في ذلك، دون قول من خالف قولنا فيه.
واختلفت القراء في قراءة قوله " لا يحل لك النساء " فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والكوفة " يحل " بالياء، بمعنى: لا يحل لك شيء من النساء بعد. وقرأ ذلك بعض قراء أهل البصرة ( لا تحل لك النساء) بالتاء، توجيهاً منه إلى أنه فعل للنساء، والنساء جمع للكثير منهن.
وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأه بالياء للعلة التي ذكرت لهم، ولإجماع الحجة من القراء على القراءة بها، وشذوذ من خالفهم في ذلك.
وقوله " ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن " اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: لا يحل لك النساء من بعد المسلمات، لا يهودية ولا نصرانية ولا كافرة، ولا أن تبدل بالمسلمات غيرهن من الكوافر.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد " ولا أن تبدل بهن من أزواج " ولا أن تبدل بالمسلمات غيرهن من النصارى واليهود والمشركين " ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك ".
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن ابن رزين، في قوله " لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك " قال: لا يحل لك أن تتزوج من المشركات إلا من سبيت فملكته يمينك منهن.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا أن تبدل بأزواجك اللواتي هن في حبالك أزواجاً غيرهن، بأن تطلقهن، وتنكح غيرهن.
ذكر من قال ذلك:
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله " ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن " يقول: لا يصلح لك أن تطلق شيئاً من أزواجك ليس يعجبك، فلم يكن يصلح ذلك له.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا أن تبادل من أزواجك غيرك، بأن تعطيه زوجتك وتأخذ زوجته.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن " قال: كانت العرب في الجاهلية يتبادلون بأزواجهم، يعطي هذا امرأته هذا ويأخذ امرأته، فقال " لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك " لا بأس أن تبادل بجاريتك ما شئت أن تبادل، فأما الحرائر فلا، قال: وكان ذلك من أعمالهم في الجاهلية.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: معنى ذلك: ولا أن تطلق أزواجك فتستبدل بهن غيرهن أزواجاً.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لما قد بيننا قبل من أن قول الذي قال معنى قوله " لا يحل لك النساء من بعد " لا يحل لك اليهودية أو النصرانية والكافرة، قول لا وجه له.
فإذ كان ذلك كذلك فكذلك قوله " ولا أن تبدل بهن " كافرة لا معنى له، إذ كان من المسلمات من قد حرم عليه بقوله " لا يحل لك النساء من بعد " الذي دللنا عليه قبل. وأما الذي قاله ابن زيد في ذلك أيضاً، فقول لا معنى له، لأنه لو كان بمعنى المبادلة، لكانت القراءة والتنزيل: ولا أن تبادل بهن من أزواج، أو ولا أن تبدل بهن بضم التاء، ولكن القراءة المجمع عليها، ولا أن تبدل بهن بفتح التاء، بمعنى: ولا أن تستبدل بهن، مع أن الذي ذكر ابن زيد من فعل الجاهلية غير معروف في أمة نعلمه من الأمم: أن يبادل الرجل آخر بامرأته الحرة، فيقال: كان ذلك من فعلهم، فنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فعل مثله.
فإن قال قائل: أفلم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج امرأة على نسائه اللواتي كن عنده، فيكون موجهاً تأويل قوله " ولا أن تبدل بهن من أزواج " إلى ما تأولت؟ أو قال: وأين ذكر أزواجه اللواتي كن عنده في هذا الموضع، فتكون الهاء من قوله " ولا أن تبدل بهن " من ذكرهن وتوهم أن الهاء في ذلك عائدة على النساء، في قوله " لا يحل لك النساء من بعد "؟ قيل: قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج من شاء من النساء اللواتي كان الله أحلهن له على نسائه اللاتي كن عنده يوم نزلت هذه الآية، وإنما نهي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية أن يفارق من كان عنده بطلاق أراد به استبدال غيرها بها، لإعجاب حسن المستبدلة له بها إياه إذ كان الله قد جعلهن أمهات المؤمنين وخيرهن بين الحياة الدنيا والدار الآخرة، والرضا بالله ورسوله، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، فحرمن على غيره بذلك، ومنع من فراقهن بطلاق، فأما نكاح غيرهن فلم يمنع منه، بل أحل الله له ذلك على ما بين في كتابه. وقد روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبض حتى أحل الله له نساء أهل الأرض.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عائشة قالت: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء، تعني أهل الأرض.
حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: ثنا سفيان، عن عمرو، عن عطاء، عن عائشة، قالت: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء.
حدثنا العباس بن أبي طالب، قال: ثنا معلى، قال: ثنا وهيب، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير الليثي، عن عائشة قالت: ما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له أن يتزوج من النساء ما شاء.
حدثني أبو زيد عمر بن شبة، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: أحسب عبيد بن عمير، حدثني، قال أبو زيد، وقال أبو عاصم مرة، عن عائشة، قالت: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له النساء. قال: وقال أبو الزبير: شهدت رجلاً يحدثه عطاء.
حدثنا أحمد بن منصور، قال: ثنا موسى بن إسماعيل قال: ثنا همام، عن ابن جريج، عن عطاء عن عبيد بن عمير، عن عائشة، قالت: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى حل له النساء.
فإن قال قائل: فإن كان الأمر على ما وصفت من أن الله حرم على نبيه بهذه الآية طلاق نسائه اللواتي خيرهن فاخترنه، فما وجه الخبر الذي روي عنه أنه طلق حفصة ثم راجعها، وأنه أراد طلاق سودة حتى صالحته على ترك طلاقه إياها، ووهبت يومها لعائشة؟ قيل: كان ذلك قبل نزول هذه الآية.
والدليل على صحة ما قلنا، من أن ذلك كان قبل تحريم الله على نبيه طلاقهن، الرواية الواردة أن عمر دخل على حفصة معاقبها حين اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، كان من قيله لها: قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقك، فكلمته فراجعك، فوالله لئن طلقك، أو لو كان طلقك لا كلمته فيك، وذلك لا شك قبل نزول آية التخيير، لأن آية التخيير إنما نزلت حين انقضى وقت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم على اعتزالهن.
وأما أمر الدلالة على أن أمر سودة كان قبل نزول هذه الآية، أن الله إنما أمر نبيه بتخيير نسائه بين فراقه والمقام معه على الرضا بأن لا قسم لهن، وأنه يرجي من يشاء منهن، ويؤوي منهن من يشاء، ويؤثر من شاء منهن على من شاء، ولذلك قال له تعالى ذكره " ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن "، ومن المحال أن يكون الصلح بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم جرى على تركها يومها لعائشة في حال لا يوم لها منه.
وغير جائز أن يكون كان ذلك منها إلا في حال كان لها منه يوم هو لها حق كان واجباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم أداؤه إليها، ولم يكن ذلك لهن بعد التخيير لما قد وصفت قبل فيما مضى من كتابنا هذا.
فتأويل الكلام: لا يحل لك يا محمد النساء من بعد اللواتي أحللتهن لك في الآية قبل، ولا أن تطلق نساءك اللواتي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، فتبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسن من أردت أن تبدل منهن، إلا ما ملت يمينك. وأن في قوله " أن تبدل بهن " رفع، لأن معناها: لا يحل لك النساء من بعد، ولا الاستبدال بأزواجك، وإلا في قوله " إلا ما ملكت يمينك " استثناء من النساء. ومعنى ذلك: لا يحل لك النساء من بعد اللواتي أحللتهن لك، إلا ما ملكت يمينك من الإماء، فإن لك أن تملك من أي أجناس الناس شئت من الإماء.
وقوله " وكان الله على كل شيء رقيبا " يقول: وكان الله على كل شيء ما أحل لك، وحرم عليك، وغير ذلك من الأشياء كلها، حفيظاً لا يعزب عنه علم شيء من ذلك، ولا يئوده حفظ ذلك كله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " وكان الله على كل شيء رقيبا ": أي حفيظاً في قول الحسن وقتادة.
" لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا ".
فيه سبع مسائل:الأولى: اختلف العلماء في تأويل قوله: "لا يحل لك النساء من بعد" على أقوال سبعة:الأولى: انها منسوخة بالسنة، والناسخ لها حديث عائشة، قالت:" ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء". وقد تقدم .
الثاني: أنها منسوخة بآية أخرى، روى الطحاوي عن أم سلمة قالت: "لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء من شاء إلا ذات محرم" وذلك قوله عز وجل: " ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ". قال النحاس: وهذا والله اعلم أولى ما قيل في الآية وهو قول عائشة واحد في النسخ. وقد يجوز أن تكون عائشة أرادت أحل له ذلك بالقرآن. وهو مع هذا قول علي بن أبي طالب وابن عباس وعلي بن الحسين والضحاك. وقد عارض بعض فقهاء الكوفيين فقال؟ محال أن تنسخ هذه الآية يعني: " ترجي من تشاء منهن " "لا يحل لك النساء من بعد" وهي قبلها في المصحف الذي أجمع عليه المسلمون. ورجح قول من قال نسخت بالسنة. قال النحاس: وهذه المعارضة لا تلزم وقائلها غالط لأن القرآن بمنزلة سورة واحدة، كما صح عن ابن عباس: أنزل الله القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في شهر رمضان. ويبين لك أن اعتراض هذا المعترض لا يلزم أن قوله عز وجل: "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج " (البقرة: 240) منسوخة على قول أهل التأويل لا نعلم بينهم خلافا بالآية التي قبلها
"والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا"(البقرة:234)
الثالث: أنه صلى الله عليه وسلم حظر عليه أن يتزوج على نسائه لأنهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة هذا قول الحسن وابن سيرين وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. قال النحاس: وهذا القول يجوز أن يكون هكذا ثم نسخ.
الرابع: أنه لما حرم عليهن أن يتزوجن بعده حرم عليه أن يتزوج غيرهن؟ قاله أبو أمامة بن سهل بن حنيف.
الخامس: "لا يحل لك النساء من بعد" أي من بعد الأصناف التي سميت؟ قاله أبي بن كعب وعكرمة وأبو رزين، وهو اختيار محمد بن جرير. ومن قال إن الإباحة كانت له مطلقة قال هنا:لا يحل لك النساء معناه لا تحل لك اليهوديات ولا النصرانيات. وهذا تأويل فيه بعد. وروي عن مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة أيضا. وهو القول السادس. قال مجاهد: لئلا تكون كافرة أما للمؤمنين. وهذا القول يبعد؟ لأنه يقدره: من بعد المسلمات، ولم يجر للمسلمات ذكر. وكذلك قدر ولا أن تبدل بهن أي ولا أن تطلق مسلمة لتستبدل بها كتابية.
السابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حلال أن يتزوج من شاء ثم نسخ ذلك. قال: وكذلك كانت الأنبياء قبله صلى الله عليهم وسلم، قاله محمد بن كعب القرظي.
الثانية: قوله تعالى: "ولا أن تبدل بهن من أزواج " قال ابن زيد : هذا شيء كانت العرب تفعله، يقول أحدهم: خذ زوجتي وأعطني زوجتك، روى الدارقطني عن أبي هريرة قال:كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل: انزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي وأزيدك؟ فأنزل الله عز وجل: "ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن " قال": فدخل عيينة بن حصن الفزاري على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة، فدخل بغير إذن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عيينة فأين الاستئذان؟ فقال: يا رسول الله، ما استأذنت على رجل من مضر منذ أدركت. قال: من هذه الحميراء إلى جنبك؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه عائشة أم المؤمنين قال: أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق. فقال: يا عيينة، إن الله قد حرم ذلك . قال فلما خرج قالت عائشة: يا رسول الله، من هذا؟ قال: أحمق مطاع وإنه على ما ترين لسيد قومه ". وقد أنكر الطبري والنحاس وغيرهما ما حكاه ابن زيد عن العرب، من أنها كانت تبادل بأزواجها. قال الطبري: وما فعلت العرب قط هذا، وما روي من حديث عيينة بن حصن من أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة... الحديث فليس بتبديل، ولا أراد ذلك، وإنما احتقر عائشة لأنها كانت صبية فقال هذا القول.
قلت: وما ذكرناه من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة من أن البدل كان في الجاهلية يدل على خلاف ما أنكر من ذلك، والله أعلم. قال المبرد: وقرىء لا يحل، بالياء والتاء. فمن قرأبالتاء فعلى معنى جماعة النساء، وبالياء من تحت على معنى جميع النساء. وزعم الفراء قال: اجتمعت القراء على القراءة بالياء؟ وهذا غلط، وكيف يقال: اجتمعت القراء وقد قرأ أبو عمرو بالتاء بلا اختلاف عنه!
الثالثة: قوله تعالى: "ولو أعجبك حسنهن " قال ابن عباس :" نزل ذلك بسبب أسماء بنت عميس أعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات عنها جعفربن أبي طالب حسنها، فأراد أن يتزوجها، فنزلت الآية" وهذا حديث ضعيف قاله ابن العربي.
الرابعة: في هذه الآية دليل على جواز أن ينظر الرجل إلى من يريد زواجها. وقد "أراد المغيرة بن شعبة زواج امرأة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:انظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما". وقال عليه السلام لآخر":انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً" أخرجه الصحيح. قال الحميدي وأبو الفرج الجوزي. يعني صفراء أو زرقاء. وقيل رمصاء.
الخامسة: الأمر بالنظر إلى المخطوبة إنما هو على جهة الإرشاد إلى المصلحة؟ فإنه إذا نظر إليها فلعله يرى منها ما يرغبه في نكاحها. ومما يدل على أن الأمر على جهة الإرشاد ما ذكره أبو داود من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال":إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل ". فقوله: فإن استطاع فليفعل لا يقال مثله في الواجب. وبهذا قال جمهور الفقهاء مالك والشافعي والكوفيون وغيرهم وأهل الظاهر. وقد كره ذلك قوم لا مبالاة بقولهم للأحاديث الصحيحة، وقوله تعالى: "ولو أعجبك حسنهن ". وقال سهل بن أبي حثمة:رأيت محمد بن مسلمة يطارد ثبيتة بنت الضحاك على إجار من أجاجير المدينة فقلت له: أتفعل هذا؟ فقال: نعم قال النبي صلى الله عليه وسلم": إذا ألقى الله في قلب أحدكم خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها ". الإجار: السطح، بلغة أهل الشام والحجاز. قال أبو عبيد: وجمع الإجار أجاجير وأجاجرة.
السادسة: اختلف فيما يجوز أن ينظر منها؟ فقال مالك: ينظر إلى وجهها وكفيها،ولا ينظر إلا بإذنها. وقال الشافعي وأحمد: بإذنها وبغير إذنها إذا كانت مستترة. وقال الأوزاعي: ينظر إليها ويجتهد وينظر مواضع اللحم منها. قال داود: ينظر إلى سائر جسدها تمسكاً بظاهر اللفظ. وأصول الشريعة ترد عليه في تحريم الاطلاع على العورة. والله أعلم.
السابعة: قوله تعالى: "إلا ما ملكت يمينك" اختلف العلماء في إحلال الأمة الكافرة للنبي صلى الله عليه وسلم على قولين: تحل لعموم قوله: "إلا ما ملكت يمينك " قاله مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحكم. قالوا: قوله تعالى: "لا يحل لك النساء من بعد" أي لا تحل لك النساء من غير المسلمات، فأما اليهوديات والنصرانيات والمشركات فحرام عليك أي لا يحل لك أن تتزوج كافرة فتكون أما للمؤمنين ولو أعجبك حسنها إلا ما ملكت يمينك، فإن له أن يتسرى بها. القول الثاني: لا تحل تنزيها لقدره عن مباشرة الكافرة، وقد قال الله تعالى: "ولا تمسكوا بعصم الكوافر" (الممتحنة: 15) فكيف به صلى الله عليه وسلم في قوله: "إلا ما ملكت يمينك" في موضع رفع بدل من النساء. ويجوز أن يكون في موضع نصب على استثناء، وفيه ضعف. ويجوز أن تكون مصدرية، والتقدير: إلا ملك يمينك، وملك بمعنى مملوك، وهو في موضع نصب لأنه استثناء من غير الجنس الأول.
ذكر غير واحد من العلماء كابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وابن زيد وابن جرير وغيرهم, أن هذه الاية نزلت مجازاة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ورضاً عنهن على حسن صنيعهن في اختيارهن الله ورسوله والدار الاخرة لما خيرهن رسول لله صلى الله عليه وسلم كما تقدم في الاية, فلما اخترن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جزاؤهن أن الله تعالى قصره عليهن, وحرم عليه أن يتزوج بغيرهن أو يستبدل بهن أزواجاً غيرهن, ولو أعجبه حسنهن إلا الإماء والسراري فلا حرج عليه فيهن, ثم إنه تعالى رفع عنه الحرج في ذلك ونسخ حكم هذه الاية, وأباح له التزوج, ولكن لم يقع منه بعد ذلك تزوج لتكون المنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليهن.
قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له النساء, ورواه أيضاً من حديث ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة , ورواه الترمذي والنسائي في سننيهما, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة , حدثني عمر بن أبي بكر , حدثني المغيرة بن عبد الرحمن الخزاعي عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عبد الله بن وهب بن زمعة عن أم سلمة أنها قالت: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم, وذلك قول الله تعالى: "ترجي من تشاء منهن" الاية فجعلت هذه ناسخة للتي بعدها في التلاوة كآيتي عدة الوفاة في البقرة, الأولى ناسخة للتي بعدها, والله أعلم.
وقال آخرون: بل معنى الاية "لا يحل لك النساء من بعد" أي من بعد ما ذكرنا لك من صفة النساء اللاتي أحللنا لك من نسائك, اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك وبنات العم والعمات والخال والخالات والواهبة وما سوى ذلك من أصناف النساء فلا يحل لك, وهذا ما روي عن أبي بن كعب ومجاهد في رواية عنه, و عكرمة والضحاك في رواية, و أبي رزين في رواية عنه, و أبي صالح والحسن وقتادة في رواية, و السدي وغيرهم, قال ابن جرير : حدثنا يعقوب , حدثنا ابن علية عن داود بن أبي هند , حدثني محمد بن أبي موسى عن زياد عن رجل من الأنصار قال: قلت لأبي بن كعب : أرأيت لو أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم توفين أما كان له أن يتزوج ؟ فقال: وما يمنعه من ذلك ؟ قال: قلت قول الله تعالى: "لا يحل لك النساء من بعد" فقال: إنما أحل الله له ضرباً من النساء, فقال تعالى: " يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي " ثم قيل له: "لا يحل لك النساء من بعد" ورواه عبد الله بن أحمد من طرق عن داود به.
وروى الترمذي عن ابن عباس قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات بقوله تعالى: "لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك" فأحل الله فتياتكم المؤمنات, وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي وحرم كل ذات دين غير الإسلام, ثم قال: "ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله" الاية.
وقال تعالى: " يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين " وحرم ما سوى ذلك من أصناف النساء, وقال مجاهد "لا يحل لك النساء من بعد" أي من بعد ما سمي لك من مسلمة ولا يهودية ولا نصرانية ولا كافرة وقال أبو صالح "لا يحل لك النساء من بعد" أمر أن لا يتزوج أعرابية ولا عربية, ويتزوج بعد من نساء تهامة وما شاء من بنات العم والعمة والخال والخالة إن شاء ثلاثمائة. وقال عكرمة "لا يحل لك النساء من بعد" أي التي سمى الله.
واختار ابن جرير رحمه الله: أن الاية عامة فيمن ذكر من أصناف النساء, وفي النساء اللواتي في عصمته وكن تسعاً, وهذا الذي قاله جيد, ولعله مراد كثير ممن حكينا عنه من السلف, فإن كثيراً منهم روى عنه هذا وهذا ولا منافاة, والله أعلم. ثم أورد ابن جرير على نفسه ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها! وعزم على فراق سودة حتى وهبت يومها لعائشة , ثم أجاب بأن هذا كان قبل نزول قوله تعالى: " لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج " الاية, وهذا الذي قاله من أن هذا كان قبل نزول الاية صحيح, ولكن لا يحتاج إلى ذلك, فإن الاية إنما دلت على أنه لا يتزوج بمن عدا اللواتي في عصمته وأنه لا يستبدل بهن غيرهن, ولا يدل ذلك على أنه لا يطلق واحدة منهن من غير استبدال, فالله أعلم, فأما قضية سودة ففي الصحيح عن عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها وهي سبب نزول قوله تعالى: "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً" الاية. وأما قضية حفصة فروى أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه من طرق عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة , عن صالح بن صالح بن حيي عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها, وهذا إسناد قوي. وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أبو كريب , حدثنا يونس بن بكير عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عمر قال: دخل عمر على حفصة وهي تبكي, فقال: ما يبكيك ؟ لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقك, إنه قد كان طلقك مرة ثم راجعك من أجلي, والله لئن كان طلقك مرة أخرى لا أكلمك أبداً, ورجاله على شرط الصحيحين.
وقوله تعالى: "ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن" فنهاه عن الزيادة إن طلق واحدة منهن, واستبدال غيرها بها, إلا ما ملكت يمينه, وقد روى الحافظ أبو بكر البزار حديثاً مناسباً ذكره ههنا, فقال: حدثنا إبراهيم بن نصر , حدثنا مالك بن إسماعيل , حدثنا عبد السلام بن حرب عن إسحاق بن عبد الله القرشي , عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل: بادلني امرأتك: وأبادلك بامراتي, أي تنزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي, فأنزل الله "ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن" قال " فدخل عيينة بن حصن الفزاري على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة , فدخل بغير إذن, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين الاستئذان ؟ فقال: يارسول الله ما استأذنت على رجل من مضر منذ أدركت, ثم قال: من هذه الحميراء إلى جنبك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه عائشة أم المؤمنين قال: أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق ؟ قال يا عيينة إن الله قد حرم ذلك فلما أن خرج قالت عائشة : من هذا ؟ قال هذا أحمق مطاع, وإنه على ما ترين لسيد قومه" ثم قال البزار : إسحاق بن عبد الله لين الحديث جداً, وإنما ذكرناه لأنا لم نحفظه إلا من هذا الوجه وبينا العلة فيه.
52- "لا يحل لك النساء من بعد" قرأ الجمهور "لا يحل" بالتحتية للفصل بين الفعل وفاعله المؤنث، وقرأ ابن كثير بالفوقية.
وقد اختلف أهل العلم في تفسير هذه الآية على أقوال: الأول أنها محكمة، وأنه حرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج على نسائه مكافأة لهن بما فعلن من اختيار الله ورسوله والدار الآخرة لما خيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله له بذلك، وهذا قول ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة والحسن وابن سيرين وأبي بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وابن زيد وابن جرير. وقال أبو أمامة بن سهل بن حنيف: لما حرم الله عليهن أن يتزوجن من بعده حرم عليه أن يتزوج غيرهن. وقال أبي بن كعب وعكرمة وأبو رزين: إن المعنى: لا يحل لك النساء من بعد الأصناف التي سماها الله. قال القرطبي: وهو اختيار ابن جرير. وقيل لا يحل لك اليهوديات ولا النصرانيات لأنهن لا يصح أن يتصفن بأنهن أمهات المؤمنين. وهذا القول فيه بعد لأنه يكون التقدير: لا يحل لك النساء من بعد المسلمات. ولم يجز للمسلمات ذكر. وقيل هذه الآية منسوخة بالسنة وبقوله سبحانه: "ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء" وبهذا قالت عائشة وأم سلمة وعلي بن أبي طالب وعلي بن الحسين وغيرهم، وهذا هو الراجح، وسيأتي في آخر البحث ما يدل عليه من الأدلة "ولا أن تبدل بهن من أزواج" أي تتبدل فحذفت إحدى التاءين: أي ليس لك أن تطلق واحدة منهن أو أكثر وتتزوج بدل من طلقت منهن، و من في قوله: "من أزواج" مزيدة للتأكيد. وقال ابن زيد: هذا شيء كانت العرب تفعله يقول: خذ زوجتي وأعطني زوجتك، وقد أنكر النحاس وابن جرير ما ذكره ابن زيد. قال ابن جرير: ما فعلت العرب هذا قط. ويدفع هذا الإنكار منهما ما أخرجه الدارقطني عن أبي هريرة قال: كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل: تنزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي، فأنزل الله عز وجل "ولا أن تبدل بهن". وأخرجه أيضاً عنه البزار وابن مردويه، وجملة "ولو أعجبك حسنهن" في محل نصب على الحال من فاعل تبدل، والمعنى: أنه لا يحل التبدل بأزواجك ولو أعجبك حسن غيرهن ممن أردت أن تجعلها بدلاً من إحداهن، وهذا التبدل أيضاً من جملة ما نسخه الله في حق رسوله على القول الراجح، وقوله: "إلا ما ملكت يمينك" استثناء من النساء لأنه يتناول الحرائر والإماء.
وقد اختلف العلماء في تحليل الأمة الكافرة. القول الأول: أنها تحل للنبي صلى الله عليه وسلم لعموم هذه الآية، وبه قال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحكم. القول الثاني: أنها لا تحل له تنزيهاً لقدره عن مباشرة الكافرة. ويترجح القول الأول بعموم هذه الآية، وتعليل المنع بالتنزه ضعيف فلا تنزه عما أحله الله سبحانه، فإن ما أحله فهو طيب لا خبيث باعتبار ما يتعلق بأمور النكاح، لا باعتبار غير ذلك، فالمشركون نجس بنص القرآن. ويمكن ترجيح القول الثاني بقوله سبحانه: "ولا تمسكوا بعصم الكوافر" فإنه نهي عام "وكان الله على كل شيء رقيباً" أي أمراقباً حافظاً مهيمناً لا يخفى عليه شيء ولا يفوته شيء.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "إذا نكحتم المؤمنات" قال: هذا في الرجل يتزوج المرأة، ثم يطلقها من قبل أن يمسها، فإذا طلقها واحدة بانت منه ولا عدة عليها تتزوج من شاءت، ثم قال: "فمتعوهن وسرحوهن سراحاً جميلاً" يقول: إن كان سمى لها صداقاً فليس لها إلا النصف، وإن لم يكن سمى لها صداقاً متعها على قدر عسره ويسره، وهو السراح الجميل. وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال: "إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن" منسوخة نسختها التي في البقرة "فنصف ما فرضتم". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن المسيب نحوه. وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال: بلغ ابن عباس أن ابن مسعود يقول: إن طلق ما لم ينكح فهو جائز، فقال ابن عباس أخطأ في هذا، إن الله يقول: "إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن" ولم يقل: إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن. وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس أنه تلا هذه الآية وقال: لا يكون طلاق حتى يكون نكاح. وقد وردت أحاديث منها أنه لا طلاق إلا بعد نكاح وهي معروفة. وأخرج ابن سعد وابن راهويه وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن أم هانئ بنت أبي طالب. قالت: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني. فأنزل الله "يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك" إلى قوله: "هاجرن معك" قالت: فلم أكن أحل له لأني لم أهاجر معه، كنت من الطلقاء. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه من وجه آخر عنها قالت: نزلت في هذه الآية " وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك " أراد النبي أن يتزوجني فنهي عني إذ لم أهاجر. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "إنا أحللنا لك أزواجك" إلى قوله: "خالصة لك" قال فحرم الله عليه سوى ذلك من النساء، وكان قبل ذلك ينكح في أي النساء شاء لم يحرم ذلك عليه، وكان نساؤه يجدن من ذلك وجداً شديداً أن ينكح في أي النساء أحب، فلما أنزل إني حرمت عليك من النساء سوى ما قصصت عليك أعجب ذلك نساءه. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في السنن من عائشة قالت: التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم. وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي وابن مردويه عن عروة: أن خولة بنت حكيم كانت من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب وعمر بن الحكم وعبد الله بن عبيدة قالوا: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة امرأة: ست من قريش: وامرأتين من بني هلال بن عامر: ميمونة بنت الحارث، وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وزينب أم المساكين، والعامرية وهي التي اختارت الدنيا، وامرأة من بني الجون وهي التي استعاذت منه، وزينب بنت جحش الأسدية، والسبيتين: صفية بنت حيي، وجويرية بنت الحارث الخزاعية. وأخرج البخاري وابن مردويه عن أنس قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله هل لك في حاجة؟ فقالت ابنة أنس: ما كان أقل حياءها، فقال. هي خير منك رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت نفسها عليه. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سهل بن سعد الساعدي أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوهبت نفسها له فصمتن الحديث بطوله. وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر في قوله: "قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم" قال: فرض الله عليهم أنه لا نكاح إلا بولي وشاهدين. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مثله وزاد ومهر. وأخرج ابن أبي شيبة عن علي قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توطأ الحامل حتى تضع، والحائل حتى تستبرأ بحيضة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس "ترجي من تشاء منهن" قال: تؤخر. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه في قول: "ترجي من تشاء منهن" يقول: من شئت خليت سبيله منهن، ومن أحببت أمسكت منهن. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قالت: كنت أغار من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول تهب المرأة نفسها، فلما أنزل الله "ترجي من تشاء منهن" الآية قلت: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك. وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي رزين قال: هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق من نسائهن فلما رأين ذلك أتينه فقلن: لا يخل سبيلنا وأنت في حل فيما بيننا وبينك، افرض لنا من نفسك ومالك ما شئت، فأنزل الله "ترجي من تشاء منهن" يقول: تعزل من تشاء فأرجأ منهن نسوى وآوى نسوة. وكان ممن أرجى ميمونة وجويرية وأم حبيبة وصفية وسودة، وكان يقسم بينهن من نفسه وماله ما شاء، وكان ممن آوى عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب، فكانت قسمته من نفسه وماله بينهن سواء. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستأذن في يوم المرأة منا بعد أن أنزلت هذه الآية "ترجي من تشاء منهن" فقلت لها: ما كنت تقولين؟ قالت: كنت أقول: إن كان ذلك إلي فإني لا أريد أن أؤثر عليك أحداً. وأخرج الروياني والدارمي وابن سعد وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عن زياد رجل من الأنصار قال: قلت لأبي بن كعب: أرأيت لو أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم متن أما كان يحل له أن يتزوج؟ قال: وما يمنعه من ذلك؟ قلت: قوله: "لا يحل لك النساء من بعد" قال: إنما أحل له ضرباً من النساء ووصف له صحته فقال: "يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك" إلى قوله: "وامرأة مؤمنة" ثم قال: لا يحل لك النساء من بعد هذه الصفة. وأخرج عبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات قال: "لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك" فأحل له الفتيات المؤمنات" وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي" وحرم كل ذات دين غير الإسلام، وقال: "يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك" إلى قوله: "خالصة لك من دون المؤمنين" وحرم ما سوى ذلك من أصناف النساء. وأخرج ابن مردويه عنه قال نيه النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بعد نسائه الأول شيئاً. وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال: حبسه الله عليهن كما حبسهن عليه. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أنس قال: لما خيرهن فاخترن الله ورسوله قصره عليهن فقال: "لا يحل لك النساء من بعد". وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم عن أم سلمة قالت: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النسا ما شاء إلا ذات محرم، وذلك قول الله "ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء". وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن سعد وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي من طريق عطاء عن عائشة قالت: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم لقوله: "ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء". وأخرج ابن سعد عن ابن عباس مثله. وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي رزين "لا يحل لك النساء من بعد" قال: من الشركات إلا ما سبيت فملكت يمينك. وأخرج البزار وابن مردويه عن أبي هريرة قال: كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل: بادلني امرأتك وأبادلك امرأتي: أي تنزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي، فأنزل الله "ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن" قال: "فدخل عيينة بن حصن الفزاري إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة، وفدخل بغير إذن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الاستئذان؟ قال: يا رسول الله ما استأذنت على رجل من الأنصار منذ أدركت، ثم قال: من هذه الحميراء إلى جنبك؟ فقال رسول الله: هذه عائشة أم المؤمنين، قال: أفلا أنزل لك عن أحسن خلق الله؟ قال: يا عيينة إن الله حرم ذلك، فلما أن خرج قالت عائشة: من هذا؟ قال: أحمق مطاع، وإنه على ما ترين لسيد قومه".
قوله عز وجل: 52- "لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج"، قرأ أبو عمرو ويعقوب: لا تحل بالتاء، وقرأ الآخرون بالياء، من بعد: يعني من بعد هؤلاء التسع اللاتي خيرتهن فاخترنك، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خيرهن فاخترن الله ورسوله شكر الله لهن وحرم عليه النساء سواهن ونهاه عن تطليقهن وعن الاستبدال بهن، هذا قول ابن عباس وقتادة.
واختلفوا في أنه هل أبيح له النساء من بعد؟
قالت عائشة: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء سواهن.
وقال أنس: مات على التحريم.
وقال عكرمة، والضحاك: معنى الآية لا يحل لك النساء إلا اللاتي أحللنا لك وهو قوله: "إنا أحللنا لك أزواجك" الآية، ثم قال: "لا يحل لك النساء من بعد" إلا التي أحللنا لك بالصفة التي تقدم ذكرها.
وقيل لأبي بن كعب: لو مات نساء النبي صلى الله عليه وسلم أكان يحل له أن يتزوج؟ قال: وما يمنعه من ذلك؟ قيل: قوله عز وجل: "لا يحل لك النساء من بعد"، قال: إنما أحل الله له ضرباً من النساء، قال: "يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك"، ثم قال: "لا يحل لك النساء من بعد".
قال أبو صالح: أمر أن لا يتزوج أعرابية ولا عربية، وتزوج من نساء قومه من بنات العم والعمة والخالة إن شاء ثلاثمائة: وقال مجاهد: معناه لا يحل لك اليهوديات ولا النصرانيات بعد المسلمات ولا أن تبدل بهن، يقول: ولا أن تبدل بالمسلمات غيرهن من اليهود والنصارى، يقول لا تكون أم المؤمنين يهودية ولا نصرانية، إلا ما ملكت يمينك، أحل له ما ملكت يمينه من الكتابيات أن يتسرى بهن.
وروي عن الضحاك: يعني ولا أن تبدل بهن ولا أن تبدل بأزواجك اللاتي هن في حيالك أزواجاً غيرهن بأن تطلقهن فتنكح غيرهن، فحرم عليه طلاق النساء اللواتي كن عنده إذ جعلهن أمهات المؤمنين، وحرمهن على غيره حين اخترنه، فأما نكاح غيرهن فلم يمنع عنه.
وقال ابن زيد في قوله: "ولا أن تبدل بهن من أزواج"، كانت العرب في الجاهلية يتبادلون بأزواجهم، يقول الرجل للرجل: بادلني بامرأتك، وأبادلك بامرأتي، تنزل لي عن امرأتك، وأنزل لك عن امرأتي، فأنزل الله: "ولا أن تبدل بهن من أزواج"، يعني لا تبادل بأزواجك غيرك بأن تعطيه زوجك وتأخذ زوجته، إلا ما ملكت يمينك لا بأس أن تبدل بجاريتك/ ما شئت، فأما الحرائر فلا.
وروي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: "دخل عيينة بن حصن على النبي صلى الله عليه وسلم بغير إذن، وعنده عائشة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا عيينة فأين الاستئذان؟ قال: يا رسول الله ما استأذنت على رجل من مضر منذ أدركت، ثم قال: من هذه الحميراء إلى جنبك؟ فقال: هذه عائشة أم المؤمنين، فقال عيينة: أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد حرم ذلك، فلما خرج قالت عائشة: من هذا يا رسول الله؟ فقال: هذا أحمق مطاع وإنه على ما ترين لسيد قومه".
قوله عز وجل: "ولو أعجبك حسنهن"، يعني: ليس لك أن تطلق أحداً من نسائك وتنكح بدلها أخرى ولو أعجك جمالها.
قال ابن عباس: يعني أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة جعفر بن أبي طالب، فلما استشهد جعفر أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخطبها فنهى عن ذلك.
"إلا ما ملكت يمينك"، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ملك بعد هؤلاء مارية.
"وكان الله على كل شيء رقيباً"، حافظاً.
وفي الآية دليل على جواز النظر إلى من يريد نكاحها من النساء. روي عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل".
أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني، أخبرنا أبو محمد بن محمد بن علي بن شريك الشافعي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن مسلم، أخبرنا أبو بكر الجوربذي، قال: أخبرنا أحمد بن حرب، أخبرنا أبو معاوية، عن عاصم هو ابن سليمان، عن بكر بن عبد الله، "عن المغيرة بن شعبة قال: خطبت امرأةً فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: هل نظرت إليها؟ قلت: لا، قال: فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما".
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا حامد بن محمد، أخبرنا بشر بن موسى، أخبرنا الحميدي، أخبرنا سفيان، أخبرنا يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة "أن رجلاً أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: انظر إليها فإن في أعين نساء الأنصار شيئاً"، قال الحميدي: يعني الصغر.
52 -" لا يحل لك النساء " بالياء لأن تأنيث الجمع غير حقيقي ، وقرأ البصريان بالتاء . " من بعد " من بعد التسع وهو في حقه كالأربع في حقنا ، أو من بعد اليوم حتى لو ماتت واحدة لم يحل له نكاح أخرى . " ولا أن تبدل بهن من أزواج " فتطلق واحدة وتنكح مكانها أخرى و " من " مزيدة لتأكيد الاستغراق . " ولو أعجبك حسنهن " حسن الأزواج المستبدلة ، وهو حال من فاعل " تبدل " دون مفعوله وهو " من أزواج " لتوغله في التنكير ، وتقديره مفروضاً إعجابك بهن واختلف في أن الآية محكمة أو منسوخة بقوله : " ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء " على المعنى الثاني فإنه وإن تقدمها قراءة فهو مسبوق بها نزولاً . وقيل المعنى لا يحل لك النساء من بعد الأجناس الأربعة اللاتي نص على إحلالهن لك ولا أن تبدل بهن أزواجاً من أجناس أخر . " إلا ما ملكت يمينك " استثناء من النساء لأنه يتناول الأزواج والإماء ، وقيل منقطع . " وكان الله على كل شيء رقيباً " فتحفظوا أمركم ولا تتخطوا ما حد لكم .
52. It is not allowed thee to take (other) women henceforth nor that thou shouldst change them for other wives even though their beauty pleased thee, save those whom thy right hand possesseth. And Allah is Watcher over all things.
52 - It is not lawful for thee (to marry more) women after this, nor to change them for (other) wives, even though their beauty attract thee, except any thy right hand should possess (as handmaidens): and God doth watch over all things.