[الأحزاب : 45] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا
45 - (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا) على من أرسلت (ومبشرا) من صدقك بالجنة (ونذيرا) من كذبك بالنار
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد " إنا أرسلناك شاهدا " على أمتك بإبلاغك إياهم ما أرسلناك به من الرسالة، ومبشرهم بالجنة إن صدقوك وعملوا بما جئتهم به من عند ربك، " ونذيرا " من النار أن يدخلوها، فيعذبوا بها إن هم كذبوك، وخالفوا ما جئتهم به من عند الله.
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا " على أمتك بالبلاغ، ومبشراً بالجنة، " ونذيرا " بالنار.
" يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا "
هذه الآية فيها تأنيس للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، وتكريم لجميعهم. وهذه الآية تضمنت من أسمائه صلى الله عليه وسلم ستة أسماء ولنبينا صلى الله عليه وسلم أسماء كثيرة وسمات جليلة، ورد ذكرها في الكتاب والسنة والكتب المتقدمة. وقد سماه الله في كتابه محمدًا وأحمد. وقال صلى الله عليه وسلم" فيما روى عنه الثقات العدول:لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب ". وفي صحيح مسلم من حديث جبير بن مطعم: وقد سماه الله رؤوفاً رحيمًا. وفيه أيضا عن أبي موسى الأشعري قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء، فيقول: أنا محمد وأحمد والمقفي والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة". وقد تتبع القاضي أبو الفضل عياض في كتابه المسمى بالشفا ما جاء في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومما نقل في الكتب المتقدمة ، وإطلاق الأمة أسماء كثيرة وصفات عديدة، قد صدقت عليه صلى الله عليه وسلم مسمياتها، ووجدت فيه معانيها. وقد ذكر القاضي أبو بكر بن العربي في أحكامه في هذه الآية من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم سبعة وستين اسما. وذكر صاحب وسيلة المتعبدين إلى متابعة سيد المرسلين عن ابن عباس أن لمحمد صلى الله عليه وسلم مائة وثمانين اسمًا، من أرادها وجدها هناك. وقال ابن عباس:لما نزلت هذه الآية "دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا ومعاذاً، فبعثهما إلى اليمن، وقال: اذهبا فبشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا فإنه قد أنزل علي..." وقرأ هذه الآية. قوله تعالى: "شاهدا" قال سعيد عن قتادة: شاهدا على أمته بالتبليغ إليهم،وعلى سائر الأمم بتبليغ أنبيائهم، ونحو ذلك. "ومبشرا" معناه للمؤمنين برحمة الله وبالجنة. "ونذيرا" معناه للعصاة والمكذبين من النار وعذاب الخلد. "وداعيا إلى الله " الدعاء إلى الله هو تبليغ التوحيد والأخذ به، ومكافحة الكفرة. و "بإذنه" هنا معناه: بأمره إياك، وتقديره ذلك في وقته وأوانه. "وسراجا منيرا" هنا استعارة للنور الذي يتضمنه شرعه. وقيل: وسراجا أي هاديًا من ظلم الضلالة وأنت كالمصباح المضيء. ووصفه بالإنارة لأن من السرج ما لا يضيء، إذا قل سليطه ودقت فتيلته. وفي كلام بعضهم: ثلاثة تضني: رسول بطيء، وسراج لا يضيء، ومائدة ينتظر لها من يجيء. وسئل بعضهم عن الموحشين فقال: ظلام ساتر وسراج فاتر، وأسند النحاس قال: حدثنا محمد بن إبراهيم الرازي قال حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن شيبان النحوي قال حدثنا قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال:لما نزلت " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا" دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ومعاذا فقال: انطلقا فبشرا ولا تعسرا فإنه قد نزل علي الليلة آية "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا" من النار" وداعيا إلى الله" قال شهادة أن لا إله إلا الله "بإذنه" بأمره "وسراجا منيرا " قال بالقرآن لا. وقال الزجاج: وسراجًا أي وذا سراج منير أي كتاب نير. وأجاز أيضاً أن يكون بمعنى: وتاليًا كتاب الله.
قال الإمام أحمد : حدثنا موسى بن داود , حدثنا فليح بن سليمان , حدثنا هلال بن علي عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما, فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة, قال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً" وحرزاً للأميين, أنت عبدي ورسولي, سميتك المتوكل, لست بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق, ولا يدفع السيئة بالسيئة, ولكن يعفو ويصفح ويغفر, ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء, بأن يقولوا لا إله إلا الله, فيفتح بها أعيناً عمياً, وآذاناً صماً, وقلوباً غلفاً, وقد رواه البخاري في البيوع عن محمد بن سنان عن فليح بن سليمان عن هلال بن علي به. ورواه في التفسير عن عبد الله , قيل ابن رجاء , وقيل ابن صالح ,عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن هلال عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عمرو به. ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن عبد الله بن رجاء عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون به.
وقال البخاري في البيوع : وقال سعيد عن هلال عن عطاء عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه, وقال وهب بن منبه : إن الله تعالى أوحى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له شعياء: أن قم في قومك بني إسرائيل فإني منطق لسانك بوحي وأبعث أمياً من الأميين, أبعثه ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق, لو يمر إلى جنب سراج لم يطفئه من سكينته, ولو يمشي على القصب لم يسمع من تحت قدميه, أبعثه مبشراً ونذيراً لا يقول الخنا, أفتح به أعيناً كمهاً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً, أسدده لكل أمر جميل وأهب له كل خلق كريم, وأجعل السكينة لباسه, والبر شعاره, والتقوى ضميره, والحكمة منطقه, والصدق والوفاء طبيعته, والعفو والمعروف خلقه, والحق شريعته, والعدل سيرته والهدى إمامه, والإسلام ملته, وأحمد اسمه أهدي به بعد الضلال, وأعلم به بعد الجهالة, وأرفع به بعد الخمالة, وأعرف به بعد النكرة, وأكثر به بعد القلة, وأغني به بعد العيلة, وأجمع به بعد الفرقة, وأؤلف به بين أمم متفرقة وقلوب مختلفة, وأهواء متشتتة, وأستنقذ به فئاماً من الناس عظيمة من الهلكة, وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر, موحدين مؤمنين مخلصين مصدقين لما جاءت به رسلي, ألهمهم التسبيح والتحميد, والثناء والتكبير والتوحيد, في مساجدهم ومجالسهم ومضاجعهم ومنقلبهم ومثواهم يصلون لي قياناً وقعوداً ويقاتلون في سبيل الله صفوفاً وزحوفاً, ويخرجون من ديارهم ابتغاء مرضاتي ألوفاً, يطهرون الوجوه والأطراف ويشدون الثياب في الأنصاف, قربانهم دماؤهم, وأناجيلهم في صدورهم, رهبان بالليل ليوث بالنهار, وأجعل في أهل بيته, وذريته السابقين والصديقين والشهداء والصالحين, أمته من بعده يهدون بالحق وبه يعدلون, وأعز من نصرهم وأؤيد من دعا لهم, وأجعل دائرة السوء على من خالفهم, أو بغى عليهم أو أراد أن ينتزع شيئاً مما في أيديهم, أجعلهم ورثة لنبيهم, والداعية إلى ربهم, يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويوفون بعهدهم أختم بهم الخير الذي بدأته بأولهم, ذلك فضلي أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم. هكذا رواه ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه اليماني رحمه الله.
ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا عبد الرحمن بن صالح , حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي عن شيبان النحوي , أخبرني قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً" وقد كان أمر علياً ومعاذاً رضي الله عنهما أن يسيرا إلى اليمن فقال "انطلقا فبشرا ولا تنفرا, ويسرا ولا تعسرا, إنه قد أنزل علي "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً"" ورواه الطبراني عن محمد بن نصر بن حميد البزاز البغدادي , عن عبد الرحمن بن صالح الأزدي , عن عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي بإسناده مثله, وقال في آخره "فإنه قد أنزل علي يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً على أمتك ومبشراً بالجنة ونذيراً من النار وداعياً إلى شهادة أن لا إله إلا الله بإذنه وسراجاً منيراً بالقرآن". فقوله تعالى: "شاهداً" أي لله بالوحدانية, وأنه لا إله غيره وعلى الناس بأعمالهم يوم القيامة وجئنا بك على هؤلاء شهيداً كقوله: "لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً". وقوله عز وجل: "ومبشراً ونذيراً" أي بشيراً للمؤمنين بجزيل الثواب, ونذيراً للكافرين من وبيل العقاب. وقوله جلت عظمته: "وداعياً إلى الله بإذنه" أي داعياً للخلق إلى عبادة ربهم عن أمره لك بذلك "وسراجاً منيراً" أي وأمرك ظاهر فيما جئت به من الحق كالشمس في إشرافها وإضاءتها لا يجحدها إلا معاند. وقوله جل وعلا "ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم" أي لا تطعهم وتسمع منهم في الذي يقولونه "ودع أذاهم" أي اصفح وتجاوز عنهم, وكل أمرهم إلى الله تعالى, فإن فيه كفاية لهم, ولهذا قال جل جلاله: "وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً".
ثم ذكر سبحانه صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرسله لها فقال: 45- "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً" أي على أمته يشهد لمن صدقه وآمن به، وعلى من كذبه وكفر به: قال مجاهد: شاهداً على أمته بالتبليغ إليهم وعلى سائر الأمم بتبليغ أنبيائهم إليهم "ومبشراً" للمؤمنين برحمة الله وبما أعده لهم من جزيل الثواب وعظيم الأجر" ونذيرا " للكافرين والعصاة بالنار ، وبما أعده الله لهم من عظيم العقاب .
قوله عز وجل: 45- "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً"، أي: شاهداً للرسل بالتبليغ، ومبشراً لمن آمن بالجنة، ونذيراً لمن كذب بآياتنا بالنار.
45 -" يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً " على من بعثت إليهم بتصديقهم وتكذيبهم ونجاتهم وضلالتهم وهو حال مقدرة . " ومبشراً ونذيراً " .
45. O Prophet! Lo! We have sent thee as a witness and a bringer of good tidings and a warner
45 - O Prophet Truly We have sent thee as a Witness, a Bearer of Glad Tidings, and a Warner,