[الأحزاب : 25] وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا
25 - (ورد الله الذين كفروا) الأحزاب (بغيظهم لم ينالوا خيرا) مرادهم من الظفر بالمؤمنين (وكفى الله المؤمنين القتال) بالريح والملائكة (وكان الله قويا) على إيجاد ما يريده (عزيزا) غالبا على أمره
يقول تعالى ذكره " ورد الله الذين كفروا " به وبرسوله من قريش وغطفان " بغيظهم " يقول: بكربهم وغمهم، بفوتهم ما أملوا من الظفر، وخيبتهم مما كانوا طمعوا فيه من الغلبة " لم ينالوا خيرا " يقول: لم يصيبوا من المسلمين مالاً ولا إساراً " وكفى الله المؤمنين القتال " بجنود من الملائكة والريح التي بعثها عليهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم،قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله " ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا " الأحزاب.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا " وذلك يوم أبي سفيان والأحزاب، رد الله أبا سفيان وأصحابه بغيظهم لم ينالوا خيراً " وكفى الله المؤمنين القتال " بالجنود من عنده، والريح التي بعث عليهم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان، " ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا ": أي قريش وغطفان.
حدثني الحسين بن علي الصدائي، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، قال: حبسنا يوم الخندق عن الصلاة، فلم نصل الظهر، ولا العصر، ولا المغرب، ولا العشاء، حتى كان بعد العشاء بهوي كفينا، وأنزل الله " وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا " فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً، فأقام الصلاة، وصلى الظهر، فأحسن صلاتها، كماكان يصليها في وقتها، ثم صلى العصر كذلك، ثم صلى المغرب كذلك، ثم صلى العشاء كذلك، جعل لكل صلاة إقامة، وذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " ( البقرة: 239).
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا ابن أبي فديك، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبي سعيد الخدري قال: حبسنا يوم الخندق، فذكر نحوه.
وقوله " وكان الله قويا عزيزا " يقول: وكان الله قوياً على فعل ما يشاء فعله بخلقه، فينصر من شاء منهم على من شاء أن يخذله، لا يغلبه غالب، عزيزاً: يقول: هو شديد انتقامه ممن انتقم منه من أعدائه.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " وكان الله قويا عزيزا ": قوياً في أمره، عزيزاً في نقمته.
قوله تعالى :" ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا " قال محمد بن عمرو يرفعه إلى عائشة : قالت: الذين كفروا هاهنا أبو سفيان وعيينة بن بدر، رجع أبو سفيان إلى تهامة ورجع عيينة إلى نجد " وكفى الله المؤمنين القتال" بأن أرسل عليهم ريحاً وجنوداً حتى رجعوا ورجعت بنو قريظة إلى صياصيهم فكفى أمر قريظة بالرعب " وكان الله قويا" أمهر " عزيزا" لا يغلب .
يقول تعالى مخبراً عن الأحزاب لما أجلاهم عن المدينة بما أرسل عليهم من الريح والجنود الإلهية, ولولا أن الله جعل رسوله رحمة للعالمين, لكانت هذه الريح عليهم أشد من الريح العقيم التي أرسلها على عاد, ولكن قال تعالى: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" فسلط عليهم هواء فرق شملهم كما كان سبب اجتماعهم من الهوى, وهم أخلاط من قبائل من قبائل شتى أحزاب وآراء, فناسب أن يرسل عليهم الهواء الذي فرق جماعاتهم, وردهم خائبين خاسرين بغيظهم وحنقهم, ولم ينالوا خيراً لا في الدنيا مما كان في أنفسهم من الظفر والمغنم, ولا في الاخرة بما تحملوه من الاثام في مبارزة الرسول صلى الله عليه وسلم بالعدواة وهمهم بقتله واستئصال جيشه, ومن هم بشيء وصدق همه بفعله, فهو في الحقيقة كفاعله.
وقوله تبارك وتعالى: "وكفى الله المؤمنين القتال" أي لم يحتاجوا إلى منازلتهم ومبارزتهم حتى يجلوهم عن بلادهم, بل كفى الله وحده ونصر عبده وأعز جنده, ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا إله إلا الله وحده, صدق وعده, ونصر عبده وأعز جنده, وهزم الأحزاب وحده, فلا شيء بعده" أخرجاه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وفي الصحيحين من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال "اللهم منزل الكتاب سريع الحساب, اهزم الأحزاب, اللهم اهزمهم وزلزلهم". وفي قوله عز وجل "وكفى الله المؤمنين القتال" إشارة إلى وضع الحرب بينهم وبين قريش, وهكذا وقع بعدها لم يغزهم المشركون بل غزاهم المسلمون في بلادهم. قال محمد بن إسحاق , لما انصرف أهل الخندق عن الخندق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا "لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا, ولكنكم تغزونهم" فلم تغز قريش بعد ذلك, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو يغزوهم بعد ذلك حتى فتح الله تعالى مكة, وهذا الحديث الذي ذكره محمد بن إسحاق حديث صحيح , كما قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى عن سفيان , حدثني أبو إسحاق قال: سمعت سليمان بن صرد رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب "الان نغزوهم ولا يغزوننا" وهكذا رواه البخاري في صحيحه من حديث الثوري , وإسرائيل عن أبي إسحاق به, وقوله تعالى: "وكان الله قوياً عزيزاً" أي بحوله وقوته ردهم خائبين لم ينالوا خيراً, وأعز الله الإسلام وأهله, وصدق وعده ونصر رسوله وعبده, فله الحمد والمنة.
ثم رجع سبحانه إلى حكاية بقية القصة وما امتن به على رسوله والمؤمنين من النعمة فقال: 25- "ورد الله الذين كفروا" وهم الأحزاب، والجملة معطوفة على "فأرسلنا عليهم ريحاً" أو على المقدر عاملاً في ليجزي الله الصادقين بصدقهم، كأنه قيل: وقع ما وقع من الحواديث ورد الله الذين كفروا، ومحل "بغيظهم" النصب على الحال، والباء للمصاحبة: أي حال كونهم متلبسين بغيظهم ومصاحبين له، ويجوز أن تكون للسببية، وجملة "لم ينالوا خيراً" في محل نصب على الحال أيضاً من الموصول، أو من الحال الأولى على التعاقب، أو التداخل. والمعنى: أن الله ردهم بغيظهم لم يشف صدورهم ولا نالوا خيراً في اعتقادهم، وهو الظفر بالمسلمين، أو لم ينالوا خيراً أي خير، بل رجعوا خاسرين لم يربحوا إلا عناء السفر وغرم النفقة "وكفى الله المؤمنين القتال" بما أرسله من الريح والجنود من الملائكة "وكان الله قوياً عزيزاً" على كل ما يريده إذا قال له كن كان، عزيزاً غالباً قاهراً لا يغالبه أحد من خلقه ولا يعارضه معارض في سلطانه وجبروته.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله: "سلقوكم" قال: استقبلوكم. وأخرج ابن أبي حاتم عنه "وكان ذلك على الله يسيراً" قال: هيناً. وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر وابن النجار عن عمر في قوله: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" قال: في جوع رسول الله، وقد استدل بهذه الآية جماعة من الصحابة في مسائل كثيرة اشتملت عليها كتب السنة، وهي خارجة عما نحن بصدده. وأخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله:"ولما رأى المؤمنون الأحزاب" إلى آخر الآية قال: إن الله قال لهم في سورة البقرة " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء " فلما مسهم البلاء حيث رابطوا الأحزاب في الخندق " قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله " فتأول المسلمون ذلك فلم يزدهم "إلا إيماناً وتسليماً". وأخرج البخاري وغيره عن أنس قال: نرى هذه الآية نزلت في أنس بن النضر "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه". وأخرج ابن سعد وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي والبغوي في معجمه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن أنس قال: غاب عمي أنس بن النضر عن بدر فشق عليه وقال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه لئن أراني الله مشهداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد ليرين اله ما أصنع، فشهد يوم أحد، فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا أبا عمرو وأين؟ قال: واهاً لريح الجنة أجدها دون أحد، فقاتل حتى قتل، فوجد في جسده بضع وثمانون ما بين ضربة وطعنة ورمية، ونزلت هذه الآية "رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه" وكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه. وقد روي عنه نحوه من طريق أخرى عند الترمذي وصححه والنسائي وغيرهما. وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أحد مر على مصعب بن عمير وهو مقتول فوقف عليه ودعا له، ثم قرأ "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه" الآية، ثم قال: أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله فأتوهم وزوروهم، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه". وقد تعقب الحاكم في تصحيحه الذهبي كما ذكر ذلك السيوطي، ولكنه قد أخرج الحاكم حديثاً آخر وصححه. وأخرجه أيضاً البيهقي في الدلائل عن أبي ذر قال: "لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد مر على مصعب بن عمير مقتولاً على طريقه، فقرأ "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه" الآية". وأخرج ابن مردويه من حديث خباب مثله، وهما يشهدان لحديث أبي هريرة. وأخرج الترمذي وحسنه وأبو يعلى وابن جرير والطبراني وابن مردويه عن طلحة "أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابي جاهل: سله عمن قضى نحبه من هو؟ وكانوا لا يجترئون على مسألته يوقرونه ويهابونه، فسأله الأعرابي فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم أني اطلعت من باب المسجد فقال: أين السائل عمن قضى نحبه؟ قال الأعرابي: أنا، قال: هذا ممن قضى نحبه". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من حديثه نحوه. وأخرج الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن معاوية قال:" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: طلحة ممن قضى نحبه". وأخرج سعيد بن منصور وأبو يعلى وأبو نعيم وابن المنذر وابن مردويه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سره أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض قد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة". وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر عن علي أن هذه الآية نزلت في طلحة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس "فمنهم من قضى نحبه" قال: الموت على ما عاهدوا الله عليه، ومنهم من ينتظر الموت على ذلك. وأخرج أحمد والبخاري وابن مردويه عن سليمان بن صرد قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: الآن نغزوهم ولا يغزونا". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله: "فمنهم من قضى نحبه" قال: مات على ما هو عليه من التصديق والإيمان "ومنهم من ينتظر" ذلك "وما بدلوا تبديلاً" لم يغيروا كما غير المنافقون.
25- "ورد الله الذين كفروا"، من قريش وغطفان، "بغيظهم"، لم يشف صدورهم بنيل ما أرادوا، "لم ينالوا خيراً"، ظفراً، "وكفى الله المؤمنين القتال"، بالملائكة والريح، "وكان الله قوياً عزيزاً"، قوياً في ملكه عزيزاً في انتقامه.
25 -" ورد الله الذين كفروا " يعني الأحزاب . " بغيظهم " متغيظين . " لم ينالوا خيراً " غير ظافرين وهما حالان بتداخل أو تعاقب . " وكفى الله المؤمنين القتال " بالريح والملائكة . " وكان الله قوياً " على إحداث ما يريده . " عزيزاً " غالباً على كل شيء .
25. And Allah repulsed the disbelievers in their wrath; they gained no good. Allah averted their attack from the believers. Allah is Strong, Mighty.
25 - And God turned back the Unbelievers for (all) their fury: no advantage did they again; and enough is God for the Believers in their fight. And God is full of Strength, Able to enforce His Will.