[الأحزاب : 23] مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا
23 - (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) من الثبات مع النبي صلى الله عليه وسلم (فمنهم من قضى نحبه) مات أو قتل في سبيل الله (ومنهم من ينتظر) ذلك (وما بدلوا تبديلا) في العهد وهم بخلاف حال المنافقين
قوله تعالى من المؤمنين رجال الآية أخرج مسلم والترمذي وغيرهما عن أنس قال غاب عمي أنس بن النضر عن بدر فكبرعليه فقال أول مشهد قد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه لئن أراني الله مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليريهن الله ما أصنع فشهد يوم أحد فقاتل حتى قتل فوجد في جسده بضع وثمانون ما بين ضربة وطعنة ورمية ونزلت هذه الآية رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه إلى آخرها
يقول تعالى ذكره " من المؤمنين " بالله ورسوله " رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " يقول: أوفوا بما عاهدوه عليه من الصبر على البأساء والضراء، وحين البأس " فمنهم من قضى نحبه " يقول: فمنهم من فرغ من العمل الذي كان نذره لله وأوجبه له على نفسه، فاستشهد بعض يوم بدر، وبعض يوم أحد، وبعض في غير ذلك من المواطن " ومنهم من ينتظر " قضاءه والفراغ منه، كما قضى من مضى منهم على الوفاء لله بعهده، والنصر من الله، والظفر على عدوه. والنحب: النذر في كلام العرب. وللنحب أيضاً في كلامهم وجوه غير ذلك، منها الموت، كما قال الشاعر:
‌ قضى نحبه في ملتقى القوم هوبر
يعني: منيته ونفسه، ومنها الخطر العظيم، كما قال جرير:
بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا عشية بسطام جرين على نحب
أي على خطر عظيم، ومنها النحيب، يقال: نحب في سيره يومه أجمع: إذ مد فلم ينزل يومه وليلته، ومنها التنحيب، وهو الخطار، كما قال الشاعر:
وإذا نحبت كلب على الناس أيهم أحق بتاج الماجد المتكوم؟
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل:
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ": أي وفوا الله بما عاهدوه عليه " فمنهم من قضى نحبه " أي فرغ من عمله، ورجع إلى ربه، كمن استشهد يوم بدر ويوم أحد " ومنهم من ينتظر " ما وعد الله من نصره والشهادة على ما مضى عليه أصحابه.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد " فمنهم من قضى نحبه " قال: عهده فقتل أو عاش " ومنهم من ينتظر " يوماً فيه جهاد، فيقضي نحبه وعهده، فيقتل أو يصدق في لقائه.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن ابن جريج، عن مجاهد " فمنهم من قضى نحبه " قال: عهده " ومنهم من ينتظر " قال: يوماً فيه قتال، فيصدق في اللقاء.
قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن مجاهد " فمنهم من قضى نحبه " قال: مات على العهد.
قال: ثنا أبو أسامة، عن عبد الله ابن فلان ( قد سماه وذهب عني اسمه)، عن أبيه " فمنهم من قضى نحبه " قال: نذره.
حدثنا ابن إدريس، عن طلحة بن يحيى، عن عمه عيسى بن طلحة: " أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله: من الذين قضوا نحبهم؟ فأعرض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، ودخل طلحة من باب المسجد وعليه ثوبان أخضران، فقال: ( هذا من الذين قضوا نحبهم) ".
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله " فمنهم من قضى نحبه " قال: موته على الصدق والوفاء. " ومنهم من ينتظر " الموت على مثل ذلك، ومنهم من بدل تبديلاً.
حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن سعيد بن مسروق، عن مجاهد " فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر " قال: النحب: العهد.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه " على الصدق والوفاء " ومنهم من ينتظر " من نفسه الصدق والوفاء.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " فمنهم من قضى نحبه " قال: مات على ما هو عليه من التصديق والإيمان " ومنهم من ينتظر " ذلك.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي بكير، قال شريك بن عبد الله، أخبرناه عن سالم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس " فمنهم من قضى نحبه " قال: الموت على ما عاهد الله عليه " ومنهم من ينتظر " الموت على ما عاهد الله عليه.
وقيل: إن هذه الآية نزلت في قوم لم يشهدوا بدراً فعاهدوا الله أن يفوا قتالاً للمشركين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنهم من أوفى فقضى نحبه، ومنهم من بدل، ومنهم من أوفى ولم يقض نحبه، وكان منتظراً، على ما وصفهم الله به من صفاتهم في هذه الآية.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن أنس بن النضر تغيب عن قتال بدر، فقال: تغيبت عن أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم، لئن رأيت قتالاً ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد، وهزم الناس، لقي سعد بن معاذ فقال: والله إني لأجد ريح الجنة، فتقدم فقاتل حتى قتل، فنزلت فيه هذه الآية " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ".
حدثنا ابن بشار: قال: ثنا عبد الله بن بكير، قال: ثنا حميد، قال: زعم أنس بن مالك قال: غاب أنس بن النضر، عن قتال يوم بدر، فقال: غبت عن قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركون، لئن أشهدني الله قتالاً، ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد، انكشف المسلمون، فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء المشركون، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني المسلمين، فمشى بسيفه، فلقيه سعد بن معاذ، فقال: أي سعد إني لأجد ريح الجنة دون أحد، فقال سعد: يا رسول الله فما استطعت أن أصنع ما صنع، قال أنس بن مالك: فوجدناه بين القتلى، به بضع وثمانون جراحة، بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، فما عرفناه حتى عرفته أخته ببنانه، قال أنس: فكنا نتحدث أن هذه الآية " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه " نزلت فيه، وفي أصحابه.
حدثنا سوار بن عبد الله، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت حميداً يحدث، عن أنس بن مالك، أن أنس بن النضر، غاب عن قتال بدر، ثم ذكر نحوه.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا طلحة بن يحيى، عن موسى وعيسى بن طلحة عن طلحة " أن أعرابياً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وكانوا لا يجرءون على مسألته، فقالوا للأعرابي: سله " من قضى نحبه " من هو؟ فسأله، فأعرض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، ثم دخلت من باب المسجد وعلي ثياب خضر، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أين السائلي عمن قضى نحبه؟ قال الأعرابي: أنا يا رسول الله، قال: هذا ممن قضى نحبه ".
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبد الحميد الحماني، عن إسحاق بن يحيى الطلحي، عن موسى بن طلحة، قال: قام معاوية بن أبي سفيان، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " طلحة ممن قضى نحبه ".
حدثني محمد بن عمرو بن تمام الكلبي، قال: ثنا سليمان بن أيوب، قال: ثني أبي، عن إسحاق، عن يحيى بن طلحة، عن عمه موسى بن طلحة، عن أبيه طلحة، قال: " لما قدمنا من أحد وصرنا بالمدينة صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر، فخطب الناس وعزاهم، وأخبرهم بما لهم فيه من الأجر، ثم قرأ " رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " ... الآية، قال: فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، من هؤلاء؟ فالتفت وعلي ثوبان أخضران، فقال: أيها السائل هذا منهم ".
وقوله " وما بدلوا تبديلا ": وما غيروا العهد الذي عاقدوا ربهم تغييراً، كما غيره المعوقون القائلون لإخوانهم: هلم إلينا، والقائلون: إن بيوتنا عورة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " وما بدلوا تبديلا " يقول: ما شكوا وما ترددوا في دينهم، ولا استبدلوا به غيره.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " وما بدلوا تبديلا ": لم يغيروا دينهم كما غير المنافقون.
ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفوراً رحيماً.
قوله تعالى :" من المؤمنين رجال" رفع بالابتداء وصلح الابتداء بالنكرة لأن صدقوا في موضع النعت " فمنهم من قضى نحبه " من في موضع رفع بالابتداء وكذا ومنهم من ينتظر والخبر في المجرور والنحب: النذر والعهد تقول منه: نحبت أنحب بالضم قال الشاعر:
وإذا نحبت كلب على الناس إنهم أحق بتاج الماجد المتكرم
وقال آخر:
قد نحب المجد علينا نحبا
وقال آخر:
أنحب فيقضى أم ضلال وباطل
وروى البخاري ومسلم والترمذي عن أنس قال :
قال عميى أنس بن النضر - سميت به- ولم يشهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر عليه فقال : أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه، أما والله لئن أراني الله مشهداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد ليرني الله ما أصنع. قال: فهاب أن يقول غيرها، فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد من العام القابل، فاستقبله سعد بن مالك فقال: يا أبا عمرو أين ؟ قال : واهاً لريح الجنة! أجدها دون أحد، فقاتل حتى قتل، فوجد في جسده بضع وثمانون ما بين ضربة وطعنه ورمية فقالت عمتي الربيع بنت النضر: فما عرفت أخي لا ببنانة ونزلت هذه الآية :" رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" لفظ الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح وقالت عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى :" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " [الأحزاب: 23] الآية :
منهم طلحة بن عبيد الله ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصيبت يده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أوجب طلحة الجنة " وفي الترمذي عنه :
أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابي جاهل: سله عمن قضى نحبه من هو ؟ كانوا لا يجترئون على مسألته يوقرونه ويهابونه فسأله الأعرابي فأعرض عنه ثم سأله فأعرض عنه، ثم إني اطلعت من باب المسجد وعلي ثبات خضر، فلما رآني النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أين السائل عمن قضى نحبه ؟ قال الأعرابي: أنا يا رسول الله. قال : هذا ممن قضى نحبه " قال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث يونس بن بكير وروى البيهقي "عن أبي هريرة :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أحد، مر على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقة فوقف عليه ودعا له ثم تلا هذه الآية : " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه " - إلى -" تبديلا" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أشهد أن هؤلاء شهدا عند الله يوم القيام فأتوهم وزوروهم والذين نفس بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه " وقيل: النحت الموت، أي مات على ما عاهد عليه، عن ابن عباس والنحب أيضاً الوقت والمدة ، يقال : قضى فلان نحبه إذا مات. وقال ذو الرمة :
عيشة فر الحارثيون بعد ما قضى نحبه في ملتقى الخيل هوبر
والنحب أيضاً الحاجة والهمة ، يقول قائلهم: مالي عندهم نحب، وليس المراد بالآية والمعنى في هذا الموضع بالنحب النذر كما قدمنا أولاً، أي منهم من بذل جهده على الوفاء بعهده حتى قتل، مثل حمزة وسعد بن معاذ وأنس بن النضر وغيرهم ومنهم من ينتظر الشهادة وما بدلوا عهدهم ونذرهم، وقد روي عن ابن عباس أنه قرأ فمنهم من قضى نحبه ومنه من ينتظر ومنهم من بدل تبديلاً قال أبو بكر الأنباري: وهذا الحديث عند أهل العلم مردود لخلافه الإجماع ولأن فيه طعناً على المؤمنين والراجل الذين مدحهم الله وشرفهم بالصدق والوفاء فما يعرف فهيم مغير وما وجد من جماعتهم مبدل رضي الله عنهم " ليجزي الله الصادقين بصدقهم " أي أمر الله بالجهاد ليجزي الصادقين في الآخرة بصدقهم " ويعذب المنافقين " في الآخرة: " إن شاء " أي إن شاء أن يعذبهم لم يوفقهم للتوبة وإن لم يشأ أن يعذبهم تاب عليهم قبل الموت
لما ذكر عز وجل عن المنافقين أنهم نقضوا العهد الذي كانوا عاهدوا الله عليه لا يولون الأدبار, وصف المؤمنين بأنهم استمروا على العهد والميثاق "صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه" قال بعضهم: أجله. وقال البخاري : عهده وهو يرجع إلى الأول "ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" أي وما غيروا عهد الله ولا نقضوه ولا بدلوه. قال البخاري : حدثنا أبو اليمان , أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: لما نسخنا المصحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها لم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه, الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه" تفرد به البخاري دون مسلم , وأخرجه أحمد في مسنده و الترمذي والنسائي في التفسير من سننهما من حديث الزهري به. وقال الترمذي : حسن صحيح.
وقال البخاري أيضاً: حدثنا محمد بن بشار , حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري , حدثني أبي عن ثمامة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: نرى هذه الاية نزلت في أنس بن النضر رضي الله عنه "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله" الاية, انفرد به البخاري من هذا الوجه, ولكن له شواهد من طرق أخر. قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم , حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت قال: قال أنس : عمي أنس بن النضر رضي الله عنه سميت به لم يشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فشق عليه, وقال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غيبت عنه, لئن أراني الله تعالى مشهداً فيما بعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرين الله عز وجل ما أصنع. قال فهاب أن يقول غيرها, فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فاستقبل سعد بن معاذ رضي الله عنه, فقال له أنس رضي الله عنه: يا أبا عمرو أين واهاً لريح الجنة إني أجده دون أحد قال: فقاتلهم حتى قتل رضي الله عنه, قال: فوجد في جسده بضع وثمانين بين ضربة وطعنة ورمية, فقالت أخته عمتي الربيع ابنة النضر فما عرفت أخي إلا ببنانه, قال: فنزلت هذه الاية "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" قال: فكانوا يرون أنها نزلت فيه, وفي أصحابه رضي الله عنهم. ورواه مسلم والترمذي والنسائي من حديث سليمان بن المغيرة به. ورواه النسائي أيضاً وابن جرير من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه به نحوه.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان , حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حميد عن أنس , رضي الله عنه قال: إن عمه يعني أنس بن النضر رضي الله عنه, غاب عن قتال بدر, قال: غيبت عن أول قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين, لئن الله أشهدني قتالاً للمشركين ليرين الله تعالى ما أصنع, قال: فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون, فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء ـ يعني أصحابه ـ وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء ـ يعني المشركين ـ ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ رضي الله عنه دون أحد, فقال: أنا معك. قال سعد رضي الله عنه: فلم أستطع أن أصنع ما صنع, فلما قتل قال: فوجد فيه بضع وثمانون ضربة سيف وطعنة رمح ورمية سهم, وكانوا يقولون: فيه وفي أصحابه نزلت "فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر" وأخرجه الترمذي في التفسير عن عبد بن حميد , و النسائي فيه أيضاً عن إسحاق بن إبراهيم , كلاهما عن يزيد بن هارون به. وقال الترمذي : حسن. وقد رواه البخاري في المغازي عن حسان بن حسان , عن محمد بن طلحة عن مصرف عن حميد عن أنس رضي الله عنه به, ولم يذكر نزول الاية. ورواه ابن جرير من حديث المعتمر بن سليمان عن حميد عن أنس رضي الله عنه به.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن الفضل العسقلاني , حدثنا سليمان بن أيوب بن عيسى بن موسى بن طلحة بن عبيد الله , حدثني أبي عن جدي عن موسى بن طلحة عن أبيه طلحة رضي الله عنه قال: " لما أن رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد صعد المنبر, فحمد الله تعالى وأثنى عليه, وعزى المسلمين بما أصابهم, وأخبرهم بما لهم فيه من الأجر والذخر, ثم قرأ هذه الاية " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه " الاية كلها, فقام إليه رجل من المسلمين فقال: يارسول الله من هؤلاء ؟ فأقبلت وعلي ثوبان أخضران حضرميان, فقال: أيها السائل: هذا منهم" وكذا رواه ابن جرير من حديث سليمان بن أيوب الطلحي به. وأخرجه الترمذي في التفسير والمناقب أيضاً, و ابن جرير من حديث يونس بن بكير عن طلحة بن يحيى عن موسى وعيسى ابني طلحة عن أبيهما رضي الله عنه به. وقال: حديث غريب, لا نعرفه إلا من حديث يونس . وقال أيضاً: حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري حدثنا أبو عامر ـ يعني العقدي ـ حدثني إسحاق ـ يعني ابن طلحة بن عبيد الله ـ عن موسى بن طلحة قال: دخلت على معاوية رضي الله عنه, فلما خرجت دعاني فقال: ألا أضع عندك ياابن أخي حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "طلحة ممن قضى نحبه".
ورواه ابن جرير : حدثنا أبو كريب , حدثنا عبد الحميد الحماني عن إسحاق بن يحيى بن طلحة الطلحي عن موسى بن طلحة قال: قام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "طلحة ممن قضى نحبه" ولهذا قال مجاهد في قوله تعالى: "فمنهم من قضى نحبه" يعني عهده "ومنهم من ينتظر" قال يوماً فيه القتال فيصدق في اللقاء. وقال الحسن "فمنهم من قضى نحبه" يعني موته على الصدق والوفاء, ومنهم من ينتظر الموت على مثل ذلك, ومنهم من لم يبدل تبديلاً, وكذا قال قتادة وابن زيد . وقال بعضهم, نحبه نذره.
وقوله تعالى: "وما بدلوا تبديلاً" أي وما غيروا عهدهم وبدلوا الوفاء بالغدر, بل استمروا على ما عاهدوا عليه وما نقضوه كفعل المنافقين الذين قالوا " إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا * ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا * ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار ". وقوله تعالى: "ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم" أي إنما يختبر عباده بالخوف والزلزال ليميز الخبيث من الطيب, فيظهر أمر هذا بالفعل, وأمر هذا بالفعل, مع أنه تعالى يعلم الشيء قبل كونه, ولكن لا يعذب الخلق بعلمه فيهم حتى يعملوا بما يعلمه منهم, كما قال تعالى: " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم " فهذا علم بالشيء بعد كونه وإن كان العلم السابق حاصلاً به قبل وجوده, وكذا قال الله تعالى: "ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب" ولهذا قال تعالى ههنا "ليجزي الله الصادقين بصدقهم" أي بصبرهم على ما عاهدوا الله عليه وقيامهم به ومحافظتهم عليه "ويعذب المنافقين" وهم الناقضون لعهد الله المخالفون لأوامره فاستحقوا بذلك عقابه, وعذابه, ولكن هم تحت مشيئته في الدنيا إن شاء استمر بهم على ما فعلوا حتى يلقوه فيعذبهم عليه, وإن شاء تاب عليهم بأن أرشدهم إلى النزوع عن النفاق إلى الإيمان والعمل الصالح بعد الفسوق والعصيان, ولما كانت رحمته ورأفته تبارك وتعالى بخلقه فهي الغالبة لغضبه قال "إن الله كان غفوراً رحيما".
23- "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه" أي من المؤمنين المخلصين رجال صدقوا أتوا بالصدق، من صدقني إذا قال الصدق، ومحل ما عاهدوا الله عليه النصب بنزع الخافض، والمعنى: أنهم وفوا بما عاهدوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة من الثبات معه، والمقاتلة لمن قاتله، بخلاف من كذب في عهده وخان الله ورسوله وهم المنافقون، وقيل هم الذين نذروا أنهم إذا لقوا حرباً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتوا له ولم يفروا، ووجه إظهار الاسم الشريف، والرسول في قوله: "صدق الله ورسوله" بعد قوله: " ما وعدنا الله ورسوله " هو قصد التعظيم كما في قول الشاعر:
‌أرى الموت لا يسبق الموت شيء
وأيضاً لو أضمرهما لجمع بين ضمير الله وضمير رسوله في لفظ واحد. وقال صدقا، وقد ورد النهي عن جمعهما كما في حديث بئس خطيب القوم أنت لمن قال: ومن يعصهما فقد غوى. ثم فصل سبحانه حال الصادقين بما وعدوا الله ورسوله وقسمهم إلى قسمين فقال: "فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر" النحب: ما التزمه الإنسان واعتقد الوفاء به، ومنه قول الشاعر:
عشية فر الحارثيون بعدما قضى نحبه في ملتقى القوم هوبر
وقال الآخر:
بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا عشية بسطام جرين على نحب
أي على أمر عظيم، والنحب يطلق على النذر والقتل والموت. قال ابن قتيبة: قضى نحبه: أي قتل وأصل النحب النذر. كانوا يوم بدر نذروا إن لقوا العدو أن يقاتلوا حتى يقتلوا أو يفتح الله لهم فقتلوا، فقيل فلان قضى نحبه: أي قتل، والنحب أيضاً الحاجة وإدراك الأمنية، يقول قائلهم: مالي عندهم نحب، والنحب العهد، ومنه قول الشاعر:
لقد نحبت كلب على الناس أنهم أحق بتاج الماجد المتكرم
وقال آخر:
قد نحب المجد علينا نحباً
ومن ورود النحب في الحاجة وإدراك الأمنية قول الشاعر:
أنحب فيقضى أم ضلال وباطل
ومعنى الآية: أن من المؤمنين رجالاً أدركوا أمنيتهم وقضوا حاجتهم ووفوا بنذرهم فقاتلوا حتى قتلوا، وذلك يوم أحد كحمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر "ومنهم من ينتظر" قضاء نحبه حتى يحضر أجله كعثمان بن عفان وطلحة والزبير وأمثالهم فإنه مستمرون على الوفاء بما عاهدوا الله عليه من الثبات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والقتال لعدوه، ومنتظرون لقضاء حاجتهم وحصول أمنيتهم بالقتل وإدراك فضل الشهادة، وجملة "وما بدلوا تبديلاً" معطوفة على صدقوا: أي ما غيروا عهدهم الذي عاهدوا الله عليه كما غير المنافقون عهدهم، بل ثبتوا عليه ثبوتاً مستمراًن أما الذي قضوا نحبهم فظاهر، وأما الذين ينتظرون قضاء نحبهم فقد استمروا على ذلك حتى فارقوا الدنيا ولم يغيروا ولا بدلوا.
قوله عز وجل: 23- "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه"، أي: قاموا بما عاهدوا الله عليه ووفوا به، "فمنهم من قضى نحبه"، أي: فرغ من نذره، ووفى بعهده، فصبر على الجهاد حتى استشهد، والنحب: النذر، والنحب: الموت أيضاً، قال مقاتل: قضى نحبه يعني: أجله فقتل على الوفاء، يعني حمزة وأصحابه. وقيل: قضى نحبه أي: بذل جهده في الوفاء، بالعهد من قول العرب: نحب فلان في سيره يومه وليلته أجمع، إذا مد فلم ينزل، "ومنهم من ينتظر"، الشهادة.
وقال محمد بن إسحاق: فمنهم من قضى نحبه من استشهد يوم بدر وأحد، ومنهم من ينتظر يعني: من بقي بعد هؤلاء من المؤمنين ينتظرون أحد الأمرين، إما الشهادة أو النصر، "وما بدلوا"، عهدهم "تبديلاً".
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا محمد بن سعيد الخزاعي، أخبرنا عبد الأعلى، عن حميد قال: سألت أنساً وحدثني عمرو بن زرارة، أخبرنا زياد، حدثني حميد الطويل، عن أنس قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني أصحابه- وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء -يعني المشركين- ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنا نظن أو نرى أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه"، إلى آخر الآية.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي، أخبرنا محمد بن حماد، أخبرنا معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، عن خباب بن الأرت قال: "هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله نبتغي وجه الله فوجب أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئاً، منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد، فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة، فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه، وإذا وضعناها على رجليه/ خرج رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعوها مما يلي رأسه واجعلوا على رجليه من الإذخر، قال: ومن أينعت له ثمرته فهو يهد بها".
أخبرنا أبو المظفر محمد بن أحمد التميمي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان المعروف بابن أبي نصر، أخبرنا خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي، أخبرنا محمد بن سليمان الجوهري بأنطاكية، أخبرنا مسلم بن إبراهيم، أخبرنا الصلت بن دينار، عن أبي نصرة، عن جابر بن عبد الله قال: "نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى طلحة بن عبيد الله فقال: من أحب أن ينظر إلى رجل يمشي على وجه الأرض وقد قضى نحبه فلينظر إلى هذا".
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا عبد الله بن أبي شيبة، أخبرنا وكيع بن إسماعيل، "عن قيس قال: رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد".
23 -" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " من الثبات مع الرسول صلى الله عليه وسلم والمقاتلة لإعلاء الدين من صدقني إذا قال لك الصدق ، فإن المعاهد إذا وفى بعهده فقد صدق فيه . " فمنهم من قضى نحبه " نذره بأن قاتل حتى استشهد كحمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر ، والنحب النذر واستعير للموت لأنه كنذر لازم في رقبة كل حيوان . " ومنهم من ينتظر " الشهادة كعثمان وطلحة رضي الله عنهما . " وما بدلوا " العهد ولا غيروه . " تبديلا " شيئاً من التبديل . روي " أن طلحة ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى أصيبت يده فقال عليه الصلاة والسلام : أوجب طلحة " وفيه تعريض لأهل النفاق ومرض القلب بالتبديل ، وقوله :
23. Of the believers are men who are true to that which they covenanted with Allah. Some of them have paid their vow by death (in battle), and some of them still are waiting; and they have not altered in the least;
23 - Among the Believers are men who have been true to their Covenant with God: of them some have completed their vow (to the extreme), and some (still) wait: but they have never changed (their determination) in the least: