[لقمان : 6] وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ
6 - (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) أي ما يلهي منه عما يعني (ليضل) بفتح الياء وضمها (عن سبيل الله) طريق الإسلام (بغير علم ويتخذها) بالنصب عطفا على يضل وبالرفع عطفا على يشتري (هزوا) مهزوءا بها (أولئك لهم عذاب مهين) ذو إهانة
أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال نزلت في رجل من قريش اشترى جارية مغنية
وأخرج جويبر عن ابن عباس قال نزلت في النصر بن الحرث اشترى قينة وكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته فيقول أطعميه واسقيه وغنيه هذا خير مما يدعوك اليه محمد من الصلاة والصيام وأن تقاتل بين يديه فنزلت
اختلف أهل التأويل، في تأويل قوله " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " فقال بعضهم: من يشتري الشراء المعروف بالثمن، ورووا بذلك خبراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهو ما حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن خلاد الصفار، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل بيع المغنيات، ولا شراؤهن ولا التجارة فيهن، ولا أثمانهن، وفيهن نزلت هذه الآية " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " ".
حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن خلاد الصفار، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، إلا أنه قال " أكل ثمنهن حرام " وقال أيضاً " وفيهن أنزل الله علي هذه الآية " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله " ".
حدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني، قال: ثنا أبي، قال: ثنا سليمان بن حيان، عن عمرو بن قيس الكلابي، عن أبي المهلب، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة. قال: وثنا إسماعيل بن عياش، عن مطرح بن يزيد، عن عبيد الله بن زحر، عن علي ابن زيد، عن القاسم، عن أبي أمامة الباهلي، قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل تعليم المغنيات، ولا بيعهن ولا شراؤهن، وثمنهن حرام، وقد نزل تصديق ذلك في كتاب الله " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " إلى آخر الآية ".
وقال آخرون: بل معنى ذلك: من يختار لهو الحديث ويستحبه.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم " والله لعله أن لا ينفق فيه مالاً، ولكن اشتراؤه استحبابه، بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق، وما يضر على ما ينفع.
حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا أيوب بن سويد، قال: ثنا ابن شوذب، عن مطر، في قول الله " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " قال: اشتراؤه: استحبابه.
وأولى التأويلين عندي بالصواب تأويل من قال: معناه: الشراء، الذي هو بالثمن، وذلك أن ذلك هو أظهر معنييه.
فإن قال قائل: وكيف يشتري لهو الحديث؟ قيل: يشتري ذات لهو الحديث، أو ذا لهو الحديث، فيكون مشترياً لهو الحديث.
وأما الحديث، فإن أهل التأويل اختلفوا فيه، فقال بعضهم: هو الغناء والاستماع له.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يزيد بن يونس، عن أبي صخر، عن أبي معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير، عن أي الصهباء البكري، أنه سمع عبد الله بن مسعود وهو يسئل عن هذه الآية " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم " فقال عبدالله: والذي لا آله إلا هو، يرددها ثلاث مرات.
حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا صفوان بن عيسى، قال: أخبرنا حميد الخراط، عن عمار، عن سعيد بن جبير، عن أبي الصهباء، أنه سأل ابن مسعود، عن قول الله " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " قال: الغناء.
حديث أبو كريب، قال: ثنا علي بن عابس، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " قال: الغناء.
حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا عمران بن عيينة، قال: ثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " قال: الغناء وأشباهه.
حدثنا ابن وكيع، والفضل بن الصباح، قالا: ثنا محمد بن فضيل، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " قال: هو الغناء ونحوه.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام بن سلم، عن عمرو بن أبي قيس، عن عطاء، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، مثله.
حدثنا الحسين بن عبد الرحمن الأنماطي، قال: ثنا عبيد الله، قال: ثنا ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: هو الغناء والاستماع له، يعني قوله " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ".
حدثنا الحسن بن عبد الرحيم، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: ثنا سفيان، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن جابر، في قوله " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " قال: هو الغناء والاستماع له.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم أو مقسم، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: شراء المغنية.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حفص والمحاربي، عن ليث، عن الحكم، عن ابن عباس، قال: الغناء.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله " قال: باطل الحديث: هو الغناء ونحوه.
حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حبيب، عن مجاهد " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " قال: الغناء. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر وعبد الرحمن بن مهدي، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد أنه قال في هذه الآية " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " قال: الغناء.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي عن سفيان، عن حبيب، عن مجاهد قال: الغناء.
قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، مثله.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا الأشجعي، عن سفيان، عن عبد الكريم، عن مجاهد " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " قال: هو الغناء، وكل لعب لهو.
حدثنا الحسين بن عبد الرحمن الأنماطي، قال: ثنا علي بن حفص الهمداني، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " قال: الغناء والاستماع له وكل لهو.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " قال: المغني والمغنية بالمال الكثير، أو استماع إليه، أو إلى مثله من الباطل.
حدثني يعقوب وابن وكيع قالا: ثنا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد، في قوله " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " قال: هو الغناء أو الغناء منه، أو الاستماع له.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثام بن علي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن شعيب عن يسار، عن عكرمة قال " لهو الحديث ": الغناء.
حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: ثنا عثام، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن شعيب بن يسار - هكذا قال عكرمة - عن عبيد مثله.
حدثنا الحسين بن الزبرقان النخعي، قال: ثنا أبو أسامة وعبيد الله، عن أسامة، عن عكرمة، في قوله " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " قال: الغناء.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أسامة بن زيد، عن عكرمة، قال: الغناء.
وقال آخرون: عني باللهو: الطبل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني عباس بن محمد، قال: ثنا حجاج الأعور، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: اللهو: الطبل.
وقال آخرون: عني بلهو الحديث: الشرك.
ذكر من قال ذلك:
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " يعني الشرك.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا " قال: هؤلاء أهل الكفر، ألا ترى إلى قوله " وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا " فليس هكذا أهل الإسلام، قال: وناس يقولون: هي فيكم، وليس كذلك، قال: وهو الحديث الباطل الذي كانوا يلغون فيه.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: عني به كل ما كان من الحديث ملهياً عن سبيل الله، مما نهى الله عن استماعه أو رسوله، لأن الله تعالى عم بقوله " لهو الحديث " ولم يخصص بعضاً دون بعض، فذلك على عمومه، حتى يأتي ما يدل على خصوصه، والغناء والشرك من ذلك.
وقوله " ليضل عن سبيل الله " يقول: ليصد ذلك الذي يشتري من لهو الحديث عن دين الله وطاعته، وما يقرب إليه من قراءة قرآن، وذكر الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس " ليضل عن سبيل الله " قال: سبيل الله: قراءة القرآن، وذكر الله إذا ذكره، وهو رجل من قريش اشترى جارية مغنية.
وقوله " بغير علم " يقول: فعل ما فعل من اشترائه لهو الحديث، جهلاً منه بما له في العاقبة عند الله من وزر ذلك وإثمه. وقوله " ويتخذها هزوا " اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة، وبعض أهل الكوفة ( ويتخذها) رفعاً، عطفاً به على قوله " يشتري " كأن معناه عندهم: ومن الناس من يشتري لهو الحديث، ويتخذ آيات الله هزواً. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة " ويتخذها " نصباً عطفاً على يضل، بمعنى: ليضل عن سبيل الله، وليتخذها هزواً.
والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان في قراء الأمصار، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء، فمصيب الصواب في قراءته. والهاء والألف في قوله " ويتخذها " من ذكر سبيل الله.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله " ويتخذها هزوا " قال: سبيل الله.
وقال آخرون: بل ذلك من ذكر آيات الكتاب.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: بحسب المرء من الضلالة، أن يختار حديث الباطل على حديث الحق، وما يضر على ما ينفع. " ويتخذها هزوا " يستهزىء بها ويكذب بها. وهما من أن يكونا من ذكر سبيل الله أشبه عندي لقربهما منها، وإن كان القول الآخر غير بعيد من الصواب، واتخاذه ذلك هزواً هو استهزاؤه به.
وقوله " أولئك لهم عذاب مهين " يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفنا أنهم يشترون لهو الحديث ليضلوا عن سبيل الله، لهم يوم القيامة عذاب مذل مخز في نار جهنم.
قوله تعالى: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث" من في موضع رفع بالابتداء. ولهو الحديث: الغناء، في قول ابن مسعود وابن عباس وغيرهما. النحاس: وهو ممنوع بالكتاب والسنة ، والتقدير: من يشتري ذا لهو أو ذات لهو، مثل: "واسأل القرية" يوسف:82 أو يكون التقدير: لما كان إنما اشتراها يشتريها ويبالغ في ثمنها كأنه اشتراها للهو.
قلت: هذه إحدى الآيات الثلاث التي استدل بها العلماء على كراهة الغناء والمنع منه.
والآية الثانية قوله تعالى: "وأنتم سامدون" النجم:61 قال ابن عباس: هو الغناء بالحميرية، اسمدي لنا، أي غني لنا.
والآية الثالثة قوله تعالى: "واستفزز من استطعت منهم بصوتك" الإسراء:64 قال مجاهد: الغناء والمزامير. وقد مضى في سبحان الكلام فيه. وروى الترمذي عن أبي أمامة " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام، في مثل هذا أنزلت هذه الآية: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله" " إلى آخر الآية. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، إنما يروي من حديث القاسم عن أبي أمامة، والقاسم ثقة وعلي بن يزيد يضعف في الحديث، قاله محمد بن إسماعيل. قال ابن عطية: وبهذا فسر ابن مسعود وابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد، وذكره أبو الفرج الجوزي عن الحسن و سعيد بن جبير وقتادة والنخعي.
قلت: هذا أعلى ما قيل في هذه الآية، وحلف على ذلك ابن مسعود بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات إنه الغناء. وروى سعيد بن جبير عن أبي الصهباء البكري قال: سئل عبد الله بن مسعود عن قوله تعالى: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث" فقال: الغناء والله الذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات. وعن ابن عمر أن الغناء، وكذلك قال عكرمة وميمون بن مهران ومكحول. وروى شعبة وسفيان عن الحكم وحماد عن إبراهيم قال: قال عبد الله بن مسعود: الغناء ينبت النفاق في القلب، وقاله مجاهد، وزاد: إن لهو الحديث في الآية الاستماع إلى الغناء وإلى مثله من الباطل. وقال الحسن: لهو الحديث المعازف والغناء. وقال القاسم بن محمد: الغناء باطل والباطل في النار. وقال ابن القاسم سألت مالكاً عنه فقال: قال الله تعالى: "فماذا بعد الحق إلا الضلال" يونس:32 أفحق هو؟! وترجم البخاري باب كل لهو باطل إذا شغل عن طاعة الله، ومن قال لصاحبه تعال أقامرك، وقوله تعالى: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا" فقوله: إذا شغل عن طاعة الله مأخوذ من قوله تعالى: "ليضل عن سبيل الله" وعن الحسن أيضاً: هو الكفر والشرك. وتأوله قوم على الأحاديث التي يتلهى بها أهل الباطل واللعب وقيل: نزلت في النضر بن الحارث، لأنه اشترى كتب الأعاجم رستم، وإسفنديار، فكان يجلس بمكة، فإذا قالت قريش إن محمداً قال كذا ضحك منه، وحدثهم بأحاديث ملوك الفرس ويقول: حديثي هذا احسن من حديث محمد، حكاه الفراء والكلبي وغيرهما وقيل: كان يشتري المغنيات فلا يطفو بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته فيقول: أطعميه واسقيه وغنيه، ويقول: هذا خير مما يدعونك إليه محمد من الصلاة والصيام وأن تقاتل بين يديه. وهذا القول والأول ظاهر في الشراء. وقالت طائفة: الشراء في هذه الآية مستعار، وإنما نزلت الآية في أحاديث قريش وتلهيهم بأمر الإسلام وخوضهم في الباطل. قال ابن عطية: فكان ترك ما يجب فعله وامتثال هذه المنكرات شراء لها، على حد قوله تعالى: "أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى" البقرة:16، واشتروا الكفر بالإيمان، أي استبدلوه منه واختاروه عليه. وقال مطرف: شراء لهو الحديث استحبابه. قتادة: ولعله لا ينفق فيه مالاً، ولكن سماعه شراؤه.
قلت: القول الأول أولى ما قيل به في هذا الباب، للحديث المرفوع فيه، وقول الصحابة والتابعين فيه. وقد زاد الثعلبي والواحدي في حديث أبي أمامة: "وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربان بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت". وروى الترمذي وغيره من حديث أنس وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صوتان ملعونان فاجران أنهى عنهما: صوت مزمار ورنة شيطان عند نغمة ومرح ورنة عند مصيبة لطم خدود وشق جيوب" وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت بكسر المزامير" خرجه أبو طالب الغيلاني. وخرج ابن بشران عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بعثت بهدم المزامير والطبل" وروى الترمذي من حديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء - فذكر منها: إذا اتخذت القينات والمعازف" وفي حديث أبي هريرة: "وظهرت القيان والمعازف" وروى ابن المبارك عن مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جلس إلى قينة يسمع منها صب في أذنه الآنك يوم القيامة". وروى أسد بن موسى عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن محمد بن المنكدر قال: بلغنا أن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين عبادي الذين كانوا ينزهون أنفسهم وأسماعهم عن اللهو ومزامير الشيطان أحلوهم رياض المسك وأخبروهم أني قد أحللت عليهم رضواني وروى ابن وهب عن مالك عن محمد بن المنكدر مثله، وزاد بعد قوله: المسك: ثم يقول للملائة أسمعوهم حمدي وشكري وثنائي. وأخبروهم ألا خوف عليهم ولا هم يخزنون. وقد روي مرفوعاً هذا المعنى من حديث أبي موسى الأشعري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استمع إلى صوت غناء لم يؤذن له أن يسمع الروحانيين فقيل: ومن الروحانيين يا رسول الله ؟ قال قراء أهل الجنة " خرجه الترمذي الحكيم أبو عبد الله في نوادر الأصول، وقد ذكرنا في كتاب التذكرة مع نظائره: "فمن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة، ومن لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" . إلى غير ذلك. وكل ذلك صحيح المعنى على ما بيناه هناك. ومن رواية مكحول عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات وعنده جارية مغنية فلا تصلوا عليه". ولهذا الآثار وغيرها قال العلماء بتحريم الغناء. وهي المسألة: الثانية: وهو الغناء المعتاد عند المشتهرين به، الذي يحرك النفوس ويبعثها على الهوى والغزل، والمجون الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن، فهذا النوع إذا كان في شعر يشبب فيه بذكر النساء ووصف محاسنهن وذكر الخمور والمحرمات لا يختلف في تحريمه، لأنه اللهو والغناء المذموم بالاتفاق. فأما ما سلم من ذلك فيجوز القليل منه في أوقات الفرح، كالعرس والعيد وعند النشيط على الأعمال الشاقة، كما كان في حفر الخندق وحدود أنجشة وسلمة بن الأكوع. فأما ما ابتدعته الصوفية اليوم من الإدمان على سماع المغاني بالآلات المطربة من الشبابات والطار والمعازف والأوتار فحرام. ابن العربي: فأما طبل الحرب فلا حرج فيه، لأنه يقيم النفوس ويرهب العدو. وفي اليراعة تردد. والدف مباح. الجوهري: وربما سموا قصبة الراعي التي يزمر بها هيرعة ويراعة. قال القشيري: ضرب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يوم دخل المدينة، فهم أبو بكر بالزجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعهن يا أبا بكر حتى تعلم اليهود أن ديننا فسيح" فكن يضربن ويقلن: نحن بنات النجار، حبذا محمد من جار، وقد قيل: إن الطبل في النكاح كالدف، وكذلك الآلات المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه بما يحسن من الكلام ولمن يكن فيه وفث.
الثالثة: الاشتغال بالغناء على الدوام سفه ترد به الشهادة، فإن لم يدم لم ترد. وذكر إسحاق بن عيسى الطباعقال: سألت مالك بن أنس عما يرخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال: إنما يفعله عندنا الفساق. وذكر أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري قال: أما مالك بن أنس فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه، وقال: إذا اشترى جارية ووجدها مغنية كان هل ردها بالعيب، وهو مذهب سائر أهل المدينة، إلا إبراهيم بن سعد فإنه حكى عنه زكريا الساجي أنه كان لا يرى به بأساً. وقال ابن خويز منداد: فأما مالك فيقال عنه: إنه كان عالماً بالصناعة وكان مذهبه تحريمها. وروى عنه أنه قال: تعلمت هذه الصناعة وأنا علام شاب، فقالت لي أمي: أي بني! إن هذه الصناعة يصلح لها من كان صبيح الوجه ولست كذلك، فاطلب العلوم الدينية، فصبحت ربيعة فجعل الله في ذلك خيراً. قال أبو الطيب الطبري: وأما مذهب أبي حنيفة فإنه يكره الغناء مع إباحته شرب النبيذ، ويجعل سماع الغناء من الذنوب. وكذلك مذهب سائر أهل الكوفة: إبراهيم والشعبي وحماد والثوري وغيرهم، لا اختلاف بينهم في ذلك. وكذلك لا يعرف بين أهل البصرة خلاف في كراهية ذلك والمنع منه، إلا ما روي عن عبيد الله بن الحسن العنبري أنه كان لا يرى به بأساً. قال: وأما مذهب الشافعي فقال: الغناء مكروه يشبه الباطل، ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته. وذكر أبو الفرج الجوزي عن إمامه أحمد بن حنبل ثلاث روايات قال: وقد ذكر أصحابنا عن أبي بكر الخلال وصاحبه عبد العزيز إباحة الغناء، وإنما أشاروا إلى ما كان في زمانهما من القصائد الوهديات، قال: وعلى هذا يحمل ما لم يكرهه أحمد ويدل عليه أنه سئل عن رجل مات وخلف ولداً وجارية معنية فاحتاج الصبي إلى بيعها فقال: تباع على أنها ساذجة تساوي عشرين ألفاً ؟ فقال: لا تباع إلا على أنها ساذجة. قال أبو الفرج: وإنما قال أحمد هذا لأن هذه الجارية المغنية لا تغني بقصائد الزهد، بل بالأشعار المطربة المثيرة إلى العشق.
وهذا دليل على أن الغناء محظور، إذ لو لم يكن محظوراً ما جاز تفويت المال على اليتيم. وصار هذا كقول أبي طلحة للنبي صلى الله عليه وسلم: عندي خمر لأيتام ؟ فقال: أرقها. فلو جاز استصلاحها لما أمر بتضييع مال اليتامى. قال الطبري: فقد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه. وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالسواد الأعظم" و "من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية" قال أبو الفرج: وقال القفال من أصحابنا: لا تقبل شهادة المعني والرقاص.
قلت: وإذ قد ثبت أن هذا الأمر لا يجوز فأخذ الأجرة عليه ولا تجوز. وقد ادعى أبو عمر بن عبد البر الإجماع على تحريم الأجرة عل ذلك. وقد مضى في الأنعام عند قوله: "وعنده مفاتح الغيب" الأنعام:59 وحسبك.
الرابعة: قال القاضي أبو بكر بن العربي: أما سماع القنيات فيجوز للرجل أن يسمع غناء جاريته، إذ ليس شئ منها عليه حراماً لا من ظاهرها ولا من باطنها، فكيف يمنع من التلذذ بصوتها. أما أنه لا يجوز انكشاف النساء للرجال ولا هتك الأستار ولا سماع الرفت، فإذا خرج ذلك إلى ما يحل ولا يجوز نع من أوله واجتث من أصله. وقال أبو الطيب الطبري: أما سماع الغناء من المرأة التي ليست بمحرم فإن أصحاب الشافعي قالوا لا يجوز، سواء كانت حرة أو مملوكة. قال: وقال الشافعي، وصاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه ترد شهادته، ثم غلط القول فيه فقال: فهي دياثة. وإنما جعل صاحبها سفيهاً لأنه دعا الناس إلى الباطل، ومن دعا الناس إلى الباطل كان سفيهاً.
الخامسة: قوله تعالى: "ليضل عن سبيل الله" قراءة العامة بضم الياء، أي ليضل غيره عن طريق الهدى، وإذا أضل غيره فقد ضل. وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد وأبو عمرو ورويس وابن أبي إسحاق بفتح الياء على اللازم، أي ليضل هو نفسه. "ويتخذها هزوا" قراءة المدنيين وأبي عمر وعاصم بالرفع عطفاً على من يشتري ويجوز أن يكون مستأنفا. وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي: ويتخذها بالنصب عطفاً على ليضل. ومن الوجهين جميعاً لا يحن الوقف على قوله: بغير علم والوقف على قوله: هزوا، والهاء في يتخذها كناية عن الآيات. ويجوز أن يكون كناية عن السبيل، لأن السبيل يؤنث ويذكر. "أولئك لهم عذاب مهين" أي شديد يهينهم. قال الشاعر:
ولقد جزعت إلى النصارى بعد ما لقي الصليب من العذاب مهينا
لما ذكر تعالى حال السعداء, وهم الذين يهتدون بكتاب الله وينتفعون بسماعه, كما قال تعالى: "الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله" الاية, عطف بذكر حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله وأقبلوا على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب, كما قال ابن مسعود في قوله تعالى: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله" قال: هو والله الغناء.
روى ابن جرير : حدثني يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب , أخبرني يزيد بن يونس عن أبي صخر عن أبي معاوية البجلي عن سعيد بن جبير عن أبي الصهباء البكري أنه سمع عبد الله بن مسعود وهو يسأل عن هذه الاية " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله " فقال عبد الله بن مسعود : الغناء والله الذي لا إله إلا هو, يرددها ثلاث مرات, حدثنا عمرو بن علي , حدثنا صفوان بن عيسى , أخبرنا حميد الخراط عن عمار عن سعيد بن جبير , عن أبي الصهباء أنه سأل ابن مسعود عن قول الله "ومن الناس من يشتري لهو الحديث" قال: الغناء, وكذا قال ابن عباس وجابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومكحول وعمرو بن شعيب وعلي بن نديمة .
وقال الحسن البصري : نزلت هذه الأية "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم" في الغناء والمزامير. وقال قتادة : قوله "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم" والله لعله لا ينفق فيه مالاً, ولكن شراؤه استحبابه بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق, وما يضر على ما ينفع, وقيل: أراد بقوله "يشتري لهو الحديث" اشتراء المغنيات من الجواري. قال ابن أبي حاتم , حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي , حدثنا وكيع عن خلاد الصفار عن عبيد الله بن زحر , عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن , عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن وأكل أثمانهن حرام, وفيهن أنزل الله عز وجل علي "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله"" وهكذا رواه الترمذي وابن جرير من حديث عبيد الله بن زحر بنحوه, ثم قال الترمذي : هذا حديث غريب, وضعف علي بن يزيد المذكور. (قلت) علي وشيخه والراوي عنه كلهم ضعفاء, والله أعلم.
وقال الضحاك في قوله تعالى: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث" قال: يعني الشرك, وبه قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم , واختار ابن جرير أنه كل كلام يصد عن آيات الله واتباع سبيله. وقوله "ليضل عن سبيل الله" أي إنما يصنع هذا للتخالف للإسلام وأهله, وعلى قراءة فتح الياء تكون اللام لام العاقبة أو تعليلاً للأمر القدري, أي قيضوا لذلك ليكونوا كذلك. وقوله تعالى: "ويتخذها هزواً" قال مجاهد : ويتخذ سبيل الله هزواً يستهزىء بها. وقال قتادة : يعني ويتخذ آيات الله هزواً, وقول مجاهد أولى.
وقوله "أولئك لهم عذاب مهين" أي كما استهانوا بآيات الله وسبيله أهينوا يوم القيامة في العذاب الدائم المستمر. ثم قال تعالى: " وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا " أي هذا المقبل على اللهو واللعب والطرب إذا تليت عليه الايات القرآنية ولى عنها وأعرض وأدبر وتصامم وما به من صمم, كأنه ما سمعها لأنه يتأذى بسماعها إذ لا انتفاع له بها ولا أرب له فيها, "فبشره بعذاب أليم" أي يوم القيامة, يؤلمه كما تألم بسماع كتاب الله وآياته.
6- "ومن الناس من يشتري لهو الحديث" محل ومن الناس الرفع على الابتداء كما تقدم بيانه في سورة البقرة، وخبره من يشتري لهو الحديث ومن إما موصولة أو موصوفة، ولهو الحديث كل ما يلهى عن الخير من الغناء والملاهي والأحاديث المكذوبة وكل ما هو منكر، والإضافة بيانية. وقيل المراد شراء القينات المغنيات والمغنين، فيكون التقدير: ومن يشتري أهل لهو الحديث. قال الحسن: لهو الحديث المعازف والغناء. وروي عنه أنه قال: هو الكفر والشرك. قال القرطبي: إن أولى ما قيل في هذا الباب هو تفسير لهو الحديث بالغناء، قال: وهو قول الصحابة والتابعين، واللام في "ليضل عن سبيل الله" للتعليل. قرأ الجمهور بضم الياء من "ليضل" أي ليضل غيره عن طريق الهدى ومنهج الحق، وإذا أضل غيره فقد ضل في نفسه. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن محيصن وحميد وورش وابن أبي إسحاق بفتح الياء: أي ليضل هو في نفسه. قال الزجاج: من قرأ بضم الياء، فمعناه ليضل غيره، فإذا أضل غيره فقد ضل هو، ومن قرأ بفتح الياء فمعناه ليصير أمره إلى الضلال، وهو وإن لم يكن يشتري للضلالة، فإنه يصير أمره إلى ذلك، فأفاد هذا التعليل أنه إنما يستحق الذم من اشترى لهو الحديث لهذا المقصد، ويؤيد هذا سبب نزول الآية وسيأتي. قال القرطبي: قد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه. وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبد الله العنبري. قال القاضي أبو بكر بن العربي: يجوز للرجل أن يسمع غناء جاريته إذ ليس شيء منها عليه حرام لا من ظاهرها ولا من باطنها، فكيف يمنع من التلذذ بصوتها؟
قلت: قد جمعت رسالة مشتملة على أقوال أهل العلم في الغناء وما استدل به المحللون له والمحرمون له، وحققت هذا المقام بما لا يحتاج من نظر فيها وتدبر معانيها إلى النظر في غيرها، وسميتها [إبطال دعوى الإجماع، على تحريم مطلق السماع] فمن أحب تحقيق المقام كما ينبغي فليرجع إليها.
ومحل قوله بغير علم النصب على الحال: أي حال كونه غير عالم بحال ما يشتريه، أو بحال ما ينفع من التجارة وما يضر، لفهذا استبدل بالخير ما هو شر محض "ويتخذها هزواً" قرأ الجمهور برفع "يتخذها" عطفاً على يشتري فهو من جملة الصلة، وقيل الرفع على الاستئناف، والضمير المنصوب في يتخذها يعود إلى الآيات المتقدم ذكرها، والأول أولى. وقرأ حمزة والكسائي والأعمش "ويتخذها" بالنصب عطفاً على يضل، والضمير المنصوب راجع إلى السبيل، فتكون على هذه القراءة من جملة التعليل للتحريم، والمعنى: أنه يشتري لهو الحديث للإضلال عن سبيل الله واتخاذ السبيل هزواً: أي مهزوءاً به، والسبيل يذكر ويؤنث، والإشارة بقوله: "أولئك لهم عذاب مهين" إلى من. والجمع باعتبار معناها كما أن الإفارد في الفعلين باعتبار لفظها، والعذاب المهين: هو الشديد الذي يصير به من وقع عليه مهيناً.
6- "ومن الناس من يشتري لهو الحديث"، الآية. قال الكلبي، ومقاتل: نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة كان يتجر فيأتي الحيرة ويشتري أخبار العجم ويحدث بها قريشاً، ويقول: إن محمداً يحدثكم بحديث عاد وثمود، وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن، فأنزل الله هذه الآية.
وقال مجاهد: يعني شراء القيان والمغنيين، ووجه الكلام على هذا التأويل: من يشتري ذات لهو أو ذا لهو الحديث.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المزكي، حدثنا جدي محمد بن إسحاق بن خزيمة، أخبرنا علي بن حجر، أخبرنا مشعل بن ملحان الطائي، عن مطرح بن يزيد، عن عبد الله بن زجر، عن علي بن يزيد، عن القاسم بن عبد العزيز، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهن وأثمانهن حرام، وفي مثل هذا أنزلت هذه الآية: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله"، وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين: أحدهما على هذا المنكب، والآخر على هذا المنكب، فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت".
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد القفال، أخبرنا أبو منصور أحمد بن الفضل البروجردي، أخبرنا ابو أحمد بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي، أخبرنا محمد بن غالب بن تمام، أخبرنا خالد بن أبي يزيد، عن هشام هو ابن حسان، عن محمد هو ابن سيرين، عن أبي هريرة "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب وكسب الزمارة".
قال مكحول: من اشترى جارية ضرابة ليمسكها لغنائها وضربها مقيماً عليه حتى يموت لم أصل عليه، لأن الله يقول: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث" الآية.
وعن عبد الله بن مسعود، وابن عباس، والحسن، وعكرمة، وسعيد بن جبير قالوا: لهو الحديث هو الغناء، والآية نزلت فيه.
ومعنى قوله: "يشتري لهو الحديث"، أي: يستبدل ويختار الغناء والمزامير والمعازف على القرآن، قال أبو الصباء البكري سألت ابن مسعود عن هذه الآية فقال: هو الغناء، والله الذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات.
وقال إبراهيم النخعي: الغناء ينبت النفاق في القلب، وكان أصحابنا يأخذون بأفواه السكك يخرقون الدفوف. وقيل: الغناء رقية الزنا.
وقال ابن جريج: هو الطبل. وعن الضحاك قال: هو الشرك. وقال قتادة: هو كل لهو ولعب.
"ليضل عن سبيل الله بغير علم"، أي: يفعله عن جهل. قال قتادة: بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق.
قوله تعالى: "ويتخذها هزواً"، أي: يتخذ آيات الله هزواً. قرأ حمزة، والكسائي، وحفص، ويعقوب: "ويتخذها" بنصب الدال عطفاً على قوله: ليضل، وقرأ الآخرون بالرفع نسقاً على قوله: يشتري.
"أولئك لهم عذاب مهين".
6 -" ومن الناس من يشتري لهو الحديث " ما يلهي عما يعني كالأحاديث التي لا أصل لها والأساطير التي لا اعتبار بها والمضاحك وفضول الكلام ، والإضافة بمعنى من وهي تبيينية إن أراد بالحديث المنكر وتبعيضية إن أراد به الأعم منه . وقيل نزلت في النضر بن الحارث اشترى كتب الأعاجم وكان يحدث بها قريشاً ويقول : إن كان محمد يحدثكم بحديث عاد وثمود فأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار والأكاسرة . وقيل كان يشتري القيان ويحملهن على معاشرة من أراد الإسلام ومنعه عنه . " ليضل عن سبيل الله " دينه أو قراءة كتابه ، وقرأ ابن كثير و أبو عمرو بفتح الياء بمعنى ليثبت على ضلاله ويزيد فيه . " بغير علم " بحال ما يشتريه أو بالتجارة حيث استبدل اللهو بقراءة القرآن . " ويتخذها هزواً " ويتخذ السبيل سخرية ، وقد نصبه حمزة و الكسائي و يعقوب و حفص عطفاً على " ليضل " . " أولئك لهم عذاب مهين " لإهانتهم الحق باستئثار الباطل عليه .
6. And of mankind is he who payeth for mere pastime of discourse, that he may mislead from Allah's way without knowledge, and maketh it the butt of mockery. For such there is a shameful doom.
6 - But there are, among men, those who purchase idle tales, without knowledge (or meaning), to mislead (men) from the Path of God and throw ridicule (on the Path): for such there will be a humiliating Penalty.