[لقمان : 18] وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
18 - (ولا تصعر) وفي قراءة تصاعر (خدك للناس) لا تمل وجهك عنهم تكبرا (ولا تمش في الأرض مرحا) خيلاء (إن الله لا يحب كل مختال) متبختر في مشيه (فخور) على الناس
اختلفت القراء في قراءة قوله " ولا تصعر " فقرأه بعض قراء الكوفة والمدنيين والكوفييين " ولا تصعر " على مثال تفعل. وقرأ ذلك بعض المكيين وعامة قراء المدينة والكوفة والبصرة ( ولا تصاعر) على مثال تفاعل.
والصواب من القول في ذلك أن يقال إنهما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وتأويل الكلام: ولا تعرض بوجهك عمن كلمته تكبراً واستحقاراً لمن تكلمه، وأصل الصعر داء يأخذ الإبل في أعناقها أو رءوسها حتى تلفت أعناقها عن رءوسها، فيشبه به الرجل المتكبر على الناس، ومنه قول عمرو بن حني التغلبي:
وكنا إذا الجبار صعر خده أقمنا له من ميله فتقوما
واختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس " ولا تصعر خدك للناس " يقول: ولا تتكبر فتحقر عباد الله، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله " ولا تصعر خدك للناس " يقول: لا تعرض بوجهك عن الناس تكبراً.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد " ولا تصعر " قال: الصدود والإعراض بالوجه عن الناس.
حدثني علي بن سهل، قال: ثنا زيد بن أبي الزرقاء، عن جعفر بن برقان، عن يزيد في هذه الآية " ولا تصعر خدك للناس " قال: إذا كلمك الإنسان لويت وجهك، وأعرضت عنه محقرة له.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا خالد بن حيان الرقي، عن جعفر بن ميمون بن مهران، قال: هو الرجل يكلم الرجل فيلوي وجهه.
حدثنا عبد الرحمن بن الأسود، قال: ثنا محمد بن ربيعة، قال: ثنا أبو مكين، عن عكرمة، في قوله " ولا تصعر خدك للناس " قال: لا تعرض بوجهك.
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله " ولا تصعر خدك للناس " يقول: لا تعرض عن الناس، يقول: أقبل على الناس بوجهك وحسن خلقك.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله " ولا تصعر خدك للناس " قال: تصعير الخد: التجبر والتكبر على الناس ومحقرتهم.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي مكين، عن عكرمة، قال: الإعراض.
وقال آخرون: إنما نهاه عن ذلك أن يفعله لمن بينه وبينه صعر، لا على وجه التكبر.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد " ولا تصعر خدك للناس " قال: الرجل يكون بينه وبين أخيه الحنة، فيراه فيعرض عنه.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد في قوله " ولا تصعر خدك للناس " قال: هو الرجل بينه وبين أخيه حنة فيعرض عنه.
وقال آخرون: هو التشديق.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن جعفر الرازي، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: هو التشديق.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: هو التشديق أو التشدق ( الطبري يشك).
حدثنا يحيى بن طلحة، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم بمثله.
وقوله " ولا تمش في الأرض مرحا " يقول: ولا تمش في الأرض مختالاً.
كما حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك ، يقول في قوله " ولا تمش في الأرض مرحا " يقول: بالخيلاء.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور " قال: نهاه عن التكبر، قوله " إن الله لا يحب كل مختال " متكبر ذي فخر.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله " كل مختال فخور " قال: متكبر. وقوله: فخور: قال: يعدد ما أعطى الله، وهو لا يشكر الله.
قوله تعالى:"ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور".
فيه ثلاث مسائل: الأولى: قرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وابن محيصن: تصاعر بالألف بعد الصاد. وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر والحسن ومجاهد: تصعر وقرأ الجحدري: تصعر بسكون الصاد، والمعنى متقارب. والصعر: الميل، ومنه قول الأعرابي: وقد أقام الدهر صعرى، بعد أن أقمت صعره. ومنه قول عمر بن حني التغلبي:
وكنا إذا الجبار صعر خده أقمنا له مـن ميله فتقـوم
وأنشده الطبري: فتقوما. قال ابن عطية: وهو خطأ، لأن قافية الشعر مخفوضة وفي بيت آخر: أقمنا له من خذه المتصعر.
قال الهروي: ولا تصاعر أي لا تعرض عنهم تكبراً عليهم، يقال: أصاب البعير صعر وصيد إذا أصابه داء يلوي منه عنقه. ثم يقال للمتكبر: فيه صعر وصير، فمعنى: لا تصعر أي لا تلزم خدك الصعر. وفي الحديث: "يأتي على الناس زمان ليس فيهم إلا أصعر أو أبتر" والأصعر: المعرض بوجه كبرا، وأراد زدالة الناس لا دين لهم. وفي الحديث: "كل صعار ملعون" أي كل ذي أبهة وكبر.
الثانية: معنى الآية: ولا تمل خدك الناس كبراً عليهم وإعجاباً واحتقاراً لهم. وهذا تأويل ابن عباس وجماعة. وقيل: هو أن تلوي شدقك إذا ذكر عندك كأنك تحتقره، فالمعنى: أقبل عليهم متواضعاً مؤنساً مستأنساً، وإذا حدثك أصغرهم فاصغ إليه حتى يكتمل حديثه. وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل.
قلت: ومن هذا المعنى ما رواه مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث". فالتدابر الإعراض وترك الكلام والسلام ونحوه. وإنما قيل للإعراض تدابر لأن من أبغضته أعرضت عنه ووليته دبرك، وكذلك يصنع هو بك. ومن أحببته أقبلت عليه بوجهك وواجهته لتسره ويسرك، فمعنى التدابر موجود فيمن صعر خده، وبه فسر مجاهد الآية. وقال ابن خويز منداد: قوله: "ولا تصعر خدك للناس" كأنه نهى أن يذل الإنسان نفسه من غير حاجة، ونحو ذلك روي النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس للإنسان أن يذله نفسه" .
الثالثة: قوله تعالى: "ولا تمش في الأرض مرحا" أي متبختراً متكبراً، مصدر في موضع الحال، وقد مضى في سبحان. وهو النشاط والمشي فرحاً في غير شغل وفي غير حاجة. وأهل هذا الخلق ملازمون للفخر والخيلاء، فالمرح مختال في مشيته. روى يحيى بن جابر الطائي عن ابن عائد الأزدي عن عضيف بن الحارث قال: أتيت بيت المقدس أنا وعبد الله بن عبيد بن عمير قال: فجلسنا إلى عبد الله بن عمرو بن العاص فسمعته يقول: إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه فيقول: يا ابن آدم ما غرك بي! ألم تعلم أني بيت الوحدة! ألم تعلم أني بيت الظلمة! ألم تعلم أني بيت الحق! يا ابن آدم غرك بي! لقد كنت تمشي حولي فدادا. قال ابن عائد قلت لغضيف: ما الفداد يا أبا أسماء ؟ قال: كبعض مشيتك يا ابن أخي أحياناً. قال أبو عبيد: والمعنى ذا مال خيلاء. وقال صلى الله عليه وسلم: "من جر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة". والفخور: هو الذي يعدد ما أعطي ولا يكشر الله تعالى، قاله مجاهد. وفي اللفظة الفخر بالنسب وغير ذلك.
هذه وصايا نافعة قد حكاها الله سبحانه عن لقمان الحكيم, ليمتثلها الناس ويقتدوا بها, فقال "يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل" أي إن المظلمة أو الخطيئة لو كانت مثقال حبة من خردل, وجوز بعضهم أن يكون الضمير في قوله إنها ضمير الشأن والقصة, وجوز على هذا رفع مثقال, والأول أولى. وقوله عز وجل "يأت بها الله" أي أحضرها الله يوم القيامة حين يضع الموازين القسط, وجازى عليها إن خيراً فخير, وإن شراً فشر, كما قال تعالى: "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً" الاية. وقال تعالى: "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" ولو كانت تلك الذرة محصنة محجبة في داخل صخرة صماء, أو غائبة ذاهبة في ارجاء السموات والأرض, فإن الله يأتي بها, لأنه لا تخفى عليه خافية, ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض, ولهذا قال تعالى: "إن الله لطيف خبير" أي لطيف العلم, فلا تخفى عليه الأشياء وإن دقت ولطفت وتضاءلت, "خبير" بدبيب النمل في الليل البهيم.
وقد زعم بعضهم أن المراد بقوله"فتكن في صخرة" أنها صخرة تحت الأرضين السبع, وذكره السدي بإسناده ذلك المطروق عن ابن مسعود وابن عباس وجماعة من الصحابة إن صح ذلك, ويروى هذا عن عطية العوفي وأبي مالك والثوري والمنهال بن عمرو وغيرهم, وهذا ـ والله أعلم ـ كأنه متلقى من الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب, والظاهر ـ والله أعلم ـ أن المراد أن هذه الحبة في حقارتها لو كانت داخل صخرة, فإن الله سيبديها ويظهرها بلطيف علمه. كما قال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى , حدثنا ابن لهيعة , حدثنا دراج عن أبي الهيثم , عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لخرج عمله للناس كائناً ما كان".
ثم قال "يا بني أقم الصلاة" أي بحدودها وفروضها وأوقاتها "وأمر بالمعروف وانه عن المنكر" أي بحسب طاقتك وجهدك "واصبر على ما أصابك" علم أن الامر بالمعروف والناهي عن المنكر لا بد أن يناله من الناس أذى, فأمره بالصبر. وقوله "إن ذلك من عزم الأمور" أي إن الصبر على أذى الناس لمن عزم الأمور وقوله "ولا تصعر خدك للناس" يقول لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك احتقاراً منك لهم, واستكباراً عليهم, ولكن ألن جانبك وابسط وجهك إليهم, كما جاء في الحديث "ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط, وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة, والمخيلة لا يحبها الله".
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله "ولا تصعر خدك للناس" يقول لا تتكبر فتحقر عباد الله, وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك, وكذا روى العوفي وعكرمة عنه. وقال مالك عن زيد بن أسلم "ولا تصعر خدك للناس" لا تتكلم وأنت معرض, وكذا روي عن مجاهد وعكرمة ويزيد بن الأصم وأبي الجوزاء وسعيد بن جبير والضحاك وابن زيد وغيرهم. وقال إبراهيم النخعي : يعني بذلك التشديق في الكلام. والصواب القول الأول. وقال ابن جرير : وأصل الصعر داء يأخذ الإبل في أعناقها أو رؤوسها, حتى تلفت أعناقها عن رؤوسها, فشبه به الرجل المتكبر, ومنه قول عمرو بن حيي التغلبي .
وكنا إذا الجبار صعر خدهأ قمنا له من ميله فتقوما
وقال أبو طالب في شعره:
وكنا قديماً لا نقر ظلامة إذا ما ثنوا صعر الرؤوس نقيمها
وقوله "ولا تمش في الأرض مرحا" أي خيلاء متكبراً جباراً عنيداً, لا تفعل ذلك يبغضك الله, ولهذا قال "إن الله لا يحب كل مختال فخور" أي مختال معجب في نفسه, فخور أي على غيره. وقال تعالى: "ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً" وقد تقدم الكلام على ذلك في موضعه. وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي , حدثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى , حدثنا أبي عن ابن أبي ليلى عن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ثابت بن قيس بن شماس قال: ذكر الكبر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشدد فيه, فقال "إن الله لا يحب كل مختال فخور" فقال رجل من القوم: والله يا رسول الله إني لأغسل ثيابي فيعجبني بياضها, ويعجبني شراك نعلي, وعلاقة سوطي, فقال "ليس ذلك الكبر, إنما الكبر أن تسفه الحق وتغمط الناس" ورواه من طريق أخرى بمثله, وفيه قصة طويلة, ومقتل ثابت ووصيته بعد موته.
وقوله "واقصد في مشيك" أي امش مقتصداً مشياً ليس بالبطيء المتثبط, ولا بالسريع المفرط, بل عدلاً وسطا بين بين. وقوله "واغضض من صوتك" أي لا تبالغ في الكلام ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه, ولهذا قال "إن أنكر الأصوات لصوت الحمير" قال مجاهد وغير واحد: إن أقبح الأصوات لصوت الحمير, أي غاية من رفع صوته أنه يشبه بالحمير في علوه ورفعه, ومع هذا هو بغيض إلى الله تعالى, وهذا التشبيه في هذا بالحمير, يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم, لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه".
وقال النسائي عند تفسير هذه الاية: حدثنا قتيبة بن سعيد , حدثنا الليث عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج , عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله, وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان, فإنها رأت شيطاناً" وقد أخرجه بقية الجماعة سوى ابن ماجه من طرق عن جعفر بن ربيعة به, وفي بعض الألفاظ: بالليل, فالله أعلم.
فهذه وصايا نافعة جداً, وهي من قصص القرآن عن لقمان الحكيم, وقد روي عنه من الحكم والمواعظ أشياء كثيرة, فلنذكر منها أنموذجاً ودستوراً إلى ذلك. قال الإمام أحمد : حدثنا علي بن إسحاق , أخبرنا ابن المبارك , أخبرنا سفيان , أخبرني نهشل بن مجمع الضبي عن قزعة عن ابن عمر قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن لقمان الحكيم كان يقول: إن الله إذا استودع شيئاً حفظه". وروى ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن موسى بن سليمان , عن القاسم يحدث عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "قال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بني إياك والتقنع, فإنه مخوفة بالليل مذمة بالنهار".
وقال: حدثنا أبي حدثنا عمرو بن عثمان عن ضمرة , حدثنا الثري بن يحيى قال: قال لقمان لابنه: يا بني إن الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك. وقال أيضاً: حدثنا أبي , حدثنا عبدة بن سليمان , أخبرنا ابن المبارك , حدثنا عبد الرحمن المسعودي عن عون بن عبد الله قال: قال لقمان لابنه: يا بني إذا أتيت نادي قوم فارمهم بسهم الإسلام, يعني السلام, ثم اجلس في ناحيتهم فلا تنطق حتى تراهم قد نطقوا, فإن أفاضوا في ذكر الله, فأجل سهمك معهم, وإن أفاضوا في غير ذلك فتحول عنهم إلى غيرهم. وقال أيضاً: حدثنا أبي , حدثنا عمرو بن سعيد بن كثير بن دينار , حدثنا ضمرة عن حفص بن عمر قال: وضع لقمان جرابا من خردل إلى جانبه, وجعل يعظ ابنه وعظة ويخرج خردلة حتى نفذ الخردل, فقال: يا بني لقد وعظتك موعظة لو وعظها جبل تفطر, قال: فتفطر ابنه.
وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا يحيى بن عبد الباقي المصيصي , حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الحراني , حدثنا عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي , حدثنا أنس بن سفيان المقدسي عن خليفة بن سلام عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اتخذوا السودان, فإن ثلاثة منهم من سادات أهل الجنة: لقمان الحكيم, والنجاشي, وبلال المؤذن" قال أبو القاسم الطبراني أراد الحبش.
فصل في الخمول والتواضع
وذلك متعلق بوصية لقمان عليه السلام لابنه. وقد جمع في ذلك الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا كتاباً مفرداً, ونحن نذكر منه مقاصده, قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر , حدثنا عبد الله بن موسى المدني عن أسامة بن زيد بن حفص بن عبد الله بن أنس عن جده أنس بن مالك , سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "رب أشعث ذي طمرين يصفح عن أبواب الناس إذا أقسم على الله لأبره" ثم رواه من حديث جعفر بن سليمان عن ثابت , و علي بن زيد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره, وزاد "منهم البراء بن مالك".
وقال أبو بكر بن سهل التميمي : حدثنا ابن أبي مريم , حدثنا نافع بن زيد عن عياش بن عباس عن عيسى بن عبد الرحمن , عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر رضي الله عنه أنه دخل المسجد, فإذا هو بمعاذ بن جبل يبكي عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ما يبكيك يا معاذ ؟ قال: حديث سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: سمعته يقول "إن اليسير من الرياء شرك, وإن الله يحب الأتقياء الأخفياء الأثرياء, الذين إذا غابوا لم يفتقدوا, وإذا حضروا لم يعرفوا, قلوبهم مصابيح الهدى, ينجون من كل غبراء مظلمة".
حدثنا الوليد بن شجاع , حدثنا عفان بن علي عن حميد بن عطاء الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "رب ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره, لو قال: اللهم إني أسألك الجنة لأعطاه الجنة, ولم يعطه من الدنيا شيئاً". وقال أيضاً: حدثنا إسحاق بن إبراهيم , حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن من أمتي من لو أتى باب أحدكم يسأله ديناراً أو درهماً أو فلساً لم يعطه, ولو سأل الله الجنة لأعطاه إياها, ولو سأله الدنيا لم يعطه إياها, ولم يمنعها إياه لهوانه عليه, ذو طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره" وهذا مرسل من هذا الوجه.
وقال أيضاً: حدثنا إسحاق ابن إبراهيم , أخبرنا جعفر بن سليمان , حدثنا عوف قال: قال أبو هريرة , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن من ملوك الجنة من هو أشعث أغبر ذو طمرين لا يؤبه له الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم, وإذا خطبوا النساء لم ينكحوا, وإذا قالوا لم ينصت لهم, حوائج أحدهم تتجلجل في صدره, لو قسم نوره يوم القيامة بين الناس لوسعهم". قال: وأنشدني عمر بن شبة عن ابن عائشة قال: قال عبد الله بن المبارك :
ألا رب ذي طمرين في منزل غدا زرابيه مبثوثة ونمارقه
قد اطردت أنهاره حول قصره وأشرق والتفت عليه حدائقه
وروي أيضاً من حديث عبيد الله بن زحر عن علي بن زيد عن القاسم , عن أبي أمامة مرفوعاً "قال الله: من أغبط أوليائي عندي مؤمن خفيف الحاذ, ذو حظ من صلاة, أحسن عبادة ربه وأطاعه في السر, وكان غامضاً في الناس لا يشار إليه بالأصابع إن صبر على ذلك" قال: ثم أنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده, وقال "عجلت منيته, وقل تراثه, وقلت بواكيه" وعن عبد الله بن عمرو قال: أحب عباد الله إلى الله الغرباء, قيل: ومن الغرباء ؟ قال: الفرارون بدينهم يجمعون يوم القيامة إلى عيسى بن مريم.
وقال الفضيل بن عياض : بلغني أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: ألم أنعم عليك, ألم أعطك, ألم أسترك ؟ ألم... ألم... ألم أخمل ذكرك. ثم قال الفضيل : إن استطعت ألا تعرف فافعل, وما عليك أن لا يثنى عليك, وما عليك أن تكون مذموماً عند الناس محموداً عند الله. وكان ابن محيريز يقول: اللهم إني أسألك ذكراً خاملاً. وكان الخليل بن أحمد يقول: اللهم اجعلني عندك من أرفع خلقك, واجعلني في نفسي من أوضع خلقك. وعند الناس من أوسط خلقك.
(باب ما جاء في الشهرة)
ثم قال: حدثنا أحمد بن عيسى المصري , حدثنا ابن وهب عن عمر بن الحارث وابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب , عن سنان بن سعد عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "حسب امرىء من الشر إلا من عصم الله أن يشير الناس إليه بالإصابع في دينه ودنياه, وإن الله لا ينظر إلى صوركم, ولكن إلى قلوبكم وأعمالكم" وروي مثله عن إسحاق بن البهلول عن ابن أبي فديك , عن محمد بن عبد الواحد الأخنسي , عن عبد الواحد بن أبي كثير عن جابر بن عبد الله مرفوعاً مثله, وروي عن الحسن مرسلاً نحوه فقيل للحسن : فإنه يشار إليك بالأصابع, فقال: إنما المراد من يشار إليه في دينه بالبدعة وفي دنياه بالفسق.
وعن علي رضي الله عنه قال: لاتبدأ لأن تشتهر, ولا ترفع شخصك لتذكر, وتعلم واكتم, واصمت تسلم, تسر الأبرار وتغيظ الفجار. وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: ما صدق الله من أحب الشهرة. وقال أيوب : ما صدق الله عبد إلا سره أن لا يشعر بمكانه. وقال محمد بن العلاء : من أحب الله أحب أن لا يعرفه الناس. وقال سماك بن سلمة : إياك وكثرة الأخلاء وقال أبان بن عثمان : إن أحببت أن يسلم إليك دينك فأقل من المعارف. كان أبو العالية إذا جلس إليه أكثر من ثلاثة نهض وتركهم.
وقال: حدثنا علي بن الجعد , أخبرنا شعبة عن عوف عن أبي رجاء قال: رأى طلحة قوماً يمشون معه فقال: ذباب طمع وفراش النار.
وقال ابن إدريس عن هارون بن ابن عنترة عن سليم بن حنظلة قال: بينا نحن حول أبي إذ علاه عمر بن الخطاب بالدرة وقال: إنها مذلة للتابع وفتنة للمتبوع. وقال ابن عون عن الحسن : خرج ابن مسعود فاتبعه أناس, فقال: والله لو تعلمون ما أغلق عليه بابي ما اتبعني منكم رجلان. وقال حماد بن زيد : كنا إذا مررنا على المجلس ومعنا أيوب فسلم, ردوا رداً شديداً, فكان ذلك يغمه. وقال عبد الرزاق عن معمر : كان أيوب يطيل قميصه, فقيل له في ذلك, فقال: إن الشهرة فيما مضى كانت في طول القميص, واليوم في تشميره. واصطنع مرة نعلين على حذو نعلي النبي صلى الله عليه وسلم, فلبسهما أياماً ثم خلعهما, وقال: لم أر الناس يلبسونهما. وقال إبراهيم النخعي : لا تلبس من الثياب ما يشهر في الفقهاء ولا ما يزدريك السفهاء. وقال الثوري : كانوا يكرهون من الثياب الجياد التي يشتهر بها ويرفع الناس إليه فيها أبصارهم. والثياب الرديئة التي يحتقر فيها ويستذل دينه.
وحدثنا خالد بن خداش , حدثنا حماد عن أبي حسنة صاحب الزيادي قال: كنا عند أبي قلابة إذ دخل عليه رجل عليه أكسية فقال: إياكم وهذا الحمار النهاق. وقال الحسن رحمه الله: إن قوماً جعلوا الكبر في قلوبهم والتواضع في ثيابهم, فصاحب الكساء بكسائه أعظم من صاحب المطرف بمطرفه ما لهم تفاقدوا. وفي بعض الأخبار أن موسى عليه السلام قال لبني إسرائيل: ما لكم تأتوني عليكم ثياب الرهبان, وقلوبكم قلوب الذئاب, البسوا ثياب الملوك, وألينوا قلوبكم بالخشية.
(فصل في حسن الخلق)
قال أبو التياح عن أنس رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً وعن عطاء عن ابن عمر : قيل يا رسول الله أي المؤمنين أفضل ؟ قال "أحسنهم خلقاً". وعن نوح بن عباد عن ثابت عن أنس مرفوعاً "إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجات الاخرة وشرف المنازل, وإنه لضعيف العبادة, وإنه ليبلغ بسوء خلقه درك جهنم وهو عابد" وعن سيار بن هارون عن حميد عن أنس مرفوعاً "ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والاخرة" وعن عائشة مرفوعاً "إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة قائم الليل صائم النهار".
وقال ابن أبي الدنيا : حدثني أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس , حدثنا عبد الله بن إدريس , أخبرني أبي وعمي عن جدي عن أبي هريرة رضي الله عنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة, فقال "تقوى الله وحسن الخلق". وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار, فقال "الأجوفان: الفم والفرج" وقال أسامة بن شريك : " كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءته الأعراب من كل مكان, فقالوا: يا رسول الله ما خير ما أعطي الإنسان ؟ قال حسن الخلق".
وقال يعلى بن سماك عن أم الدرداء عن أبي الدرداء يبلغ به قال: ما شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق, وكذا رواه عطاء عن أم الدرداء به. وعن مسروق عن عبد الله مرفوعاً "إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً". حدثنا عبد الله بن أبي بدر , حدثنا محمد بن عيسى عن محمد بن أبي سارة عن الحسن بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله ليعطي العبد على الثواب من حسن الخلق, كما يعطي المجاهد في سبيل الله يغدو عليه الأجر ويروح". وعن مكحول عن أبي ثعلبة مرفوعاً "إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً أحاسنكم أخلاقاً, وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني منزلاً في الجنة مساويكم أخلاقاً الثرثارون المتشدقون المتفيهقون" وعن أبي أويس عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعاً "ألا أخبركم بأكملكم إيماناً أحاسنكم أخلاقاً الموطؤون أكنافاً الذين يؤلفون ويألفون".
وقال الليث عن يزيد بن عبد الله بن أسامة عن بكر ابن أبي الفرات قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما حسن الله خلق رجل وخلقه فتطعمه النار". وعن عبد الله بن غالب الحداني عن أبي سعيد مرفوعاً "خصلتان لا تجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق". وقال ميمون بن مهران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من ذنب أعظم عند الله من سوء الخلق" وذلك أن صاحبه لا يخرج من ذنب إلا وقع في آخر. قال: حدثنا علي بن الجعد , حدثنا أبو المغيرة الأحمسي , حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن رجل من قريش قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من ذنب أعظم عند الله من سوء الخلق, إن الخلق الحسن ليذيب الذنوب. كما تذيب الشمس الجليد, وإن الخلق السيء ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل". وقال عبد الله بن إدريس عن أبيه عن جده عن أبي هريرة مرفوعاً "إنكم لا تسعون الناس بأموالكم, ولكن يسعهم منكم بسط وجوه وحسن خلق". وقال محمد بن سيرين : حسن الخلق عون على الدين.
(فصل في ذم الكبر)
قال علقمة عن ابن مسعود رفعه "لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة من كبر, ولا يدخل النار من في قلبه مثقال حبة من إيمان" وقال إبراهيم بن أبي عبلة عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً "من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر, أكبه الله على وجهه في النار" حدثنا إسحاق بن إسماعيل , حدثنا أبو معاوية عن عمر بن راشد عن إياس بن سلمة عن أبيه مرفوعاً "لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب عند الله من الجبارين, فيصيبه ما أصابهم من العذاب".
وقال مالك بن دينار : ركب سليمان بن داود عليهما السلام ذات يوم البساط في مائتي ألف من الإنس ومائتي ألف من الجن, فرفع حتى سمع تسبيح الملائكة في السماء, ثم خفضوه حتى مست قدمه ماء البحر, فسمعوا صوتاً لو كان في قلب صاحبكم مثقال ذرة من كبر لخسف به أبعد مما رفع قال: حدثنا أبو خيثمة , حدثنا يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: كان أبو بكر يخطبنا فيذكر بدء خلق الإنسان حتى إن أحدنا ليقذر نفسه فيقول: خرج من مجرى البول مرتين.
وقال الشعبي : من قتل اثنين فهو جبار, ثم تلا "أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض" وقال الحسن : عجباً لابن آدم يغسل الخرء بيده في اليوم مرتين, ثم يتكبر يعارض جبار السموات. قال: حدثنا خالد بن خداش , حدثنا حماد بن زيد عن علي بن الحسن عن الضحاك بن سفيان , فذكر حديث ضرب مثل الدنيا بما يخرج من ابن آدم وقال الحسن عن يحيى عن أبي قال: إن مطعم بن آدم ضرب مثلا للدنيا وإن قزحه وملحه. وقال محمد بن الحسين بن علي ـ من ولد علي رضي الله عنه ـ ما دخل قلب رجل شيء من الكبر, إلا نقص من عقله بقدر ذلك.
وقال يونس بن عبيد : ليس مع السجود كبر, ولا مع التوحيد نفاق. ونظر طاوس إلى عمر بن عبد العزيز وهو يختال في مشيته, وذلك قبل أن يستخلف, فطعن طاوس في جنبه بأصبعه, وقال: ليس هذا شأن من في بطنه خرء ؟ فقال له كالمعتذر إليه: يا عم لقد ضرب كل عضو مني على هذه المشية حتى تعلمتها قال أبو بكر بن أبي الدنيا : كانت بنو أمية يضربون أولادهم حتى يتعلمون هذه المشية.
(فصل في الإختيال)
عن أبي ليلى عن ابن بريدة عن أبيه مرفوعاً "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه" ورواه عن إسحاق بن إسماعيل عن سفيان بن زيد بن أسلم عن ابن عمر مرفوعاً مثله. وحدثنا محمد بن بكار , حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعاً "لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره, وبينما رجل يتبختر في برديه أعجبته نفسه خسف الله به الأرض, فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة" وروى الزهري عن سالم عن أبيه بينما رجل إلى آخره.
18- " ولا تصعر خدك للناس " قرأ الجمهور تصعر وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم تصاعر والمعنى متقارب، والصعر الميل، يقال صعر خده وصاعر خده: إذا أمال وجهه وأعرض تكبراً. والمعنى لا تعرض عن الناس تكبراً عليهم. ومنه قول الشاعر:
وكنا إذا الجبار صعر خده مشينا إليه بالسيوف نعابته
ورواه ابن جرير هكذا:
وكنا إذا الجبار صعر خده أقمنا له من ميله فتقوما
قال الهروي " ولا تصعر خدك للناس " أي لا تعرض عنهم تكبراً، يقال أصاب البعير صعر: إذا أصابه داء يلوي عنقه، وقيل المعنى: ولا تلو شدقك إذا ذكر الرجل عندك كأنك تحتقره. وقال ابن خويز منداد: كأنه نهى أن يذل الإنسان نفسه من غير حاجة، ولعله فهم من التصعير التذلل "ولا تمش في الأرض مرحاً" أي خيلاء وفرحاً، والمعنى النهي عن التكبر والتجبر، والمختال يمرح في مشيه، وهو مصدر في موضع الحال، وقد تقدم تحقيقه، وجملة "إن الله لا يحب كل مختال فخور" تعليل للنهي الاختيال هو المرح، والفخور هو الذي يفتخر على الناس بماله من المال أو الشرف أو القوة أو غير ذلك، وليس منه التحدث بنعم الله، فإن الله يقول: "وأما بنعمة ربك فحدث".
18- "ولا تصعر خدك للناس"، قرأ ابن كثير، وابن عامر، وعاصم، وأبو جعفر، ويعقوب: ولا تصعر بتشديد العين من غير ألف، وقرأ الآخرون: تصاعر بالألف، يقال: صعر وجهه وصاعر: إذا مال وأعرض تكبراً، ورجل أصعر: أي: مائل العنق.
قال ابن عباس: يقول: لا تتكبر فتحقر الناس وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك.
وقال مجاهد: هو الرجل يكون بينك وبينه إحنة فتلقاه فيعرض عنك بوجهه.
وقال عكرمة: هو الذي إذا سلم عليه لوى عنقه تكبراً.
وقال الربيع بن أنس وقتادة: ولا تحقر الفقراء ليكن/ الفقير والغني عندك سواء، "ولا تمش في الأرض مرحاً"، خيلاء "إن الله لا يحب كل مختال"، في مشيه "فخور"، على الناس.
18 -" ولا تصعر خدك للناس " لا تمله عنهم ولا تولهم صفحة وجهك كما يفعله المتكبرون من الصعر وهو داء البعير فيلوي عنقه . وقرأ نافع و أبو عمرو و حمزة و الكسائي (( ولا تصاعر )) ، وقرئ (( ولا تصعر )) والكل واحد مثل علاه وأعلاه وعالاه . " ولا تمش في الأرض مرحاً " أي فرحاً مصدر وقع موقع الحال أي تمرح مرحاً أو لأجل المرح وهو البطر . " إن الله لا يحب كل مختال فخور " علة للنهي وتأخير الـ " فخور " وهو مقابل للمصعر خده والمختال للماشي مرحاً لتوافق رؤوس الآي .
18. Turn not thy cheek in scorn toward folk, nor walk with pertness the land. Lo! Allah loveth not each braggart boaster.
18 - And swell not thy cheek (for pride) at men nor walk in insolence through the earth; for God loveth not any arrogant boaster.