[لقمان : 14] وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ
14 - (ووصينا الإنسان بوالديه) أمرناه أن يبرهما (حملته أمه) فوهنت (وهنا على وهن) ضعفت للحمل وضعفت للطلق وضعفت للولادة (وفصاله) أي فطامه (في عامين) وقلنا له (أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير) أي المرجع
يقول تعالى ذكره: وأمرنا الإنسان ببر والديه " حملته أمه وهنا على وهن " يقول: ضعفاً على ضعف، وشدة على شدة، ومنه قول زهير:
فلن يقولوا بحبل واهن خلق لو كان قومك في أسبابه هلكوا
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، غير أنهم اختلفوا في المعني بذلك، فقال بعضهم: عني به الحمل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله " ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن " يقول: شدة بعد شدة، وخلقاً بعد خلق.
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: في قوله " وهنا على وهن " يقول: ضعفاً على ضعف.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " حملته أمه وهنا على وهن " أي جهداً على جهد.
وقال آخرون: بل عني به: وهن الولد وضعفه على ضعف الأم.
ذكر من قال ذلكك
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد " وهنا على وهن " قال: وهو الولد على وهن الوالدة وضعفها.
وقوله " وفصاله في عامين " يقول: وفطامه في انقضاء عامين. وقيل: " وفصاله في عامين " وترك ذكر انقضاء اكتفاء بدلالة الكلام عليه، كما قيل ( واسأل القرية التي كنا فيها) ( يوسف: 82) يراد به أهل القرية.
وقوله " أن اشكر لي ولوالديك " يقول: وعهدنا إليه أن أشكر لي على نعمي عليك، ولوالديك تربيتهما إياك، وعلاجهما فيك ما عالجا من المشقة حتى استحكم قواك. وقوله " إلي المصير " يقول: إلى الله مصيرك أيها الإنسان، وهو سائلك عما كان من شكرك له على نعمه عليك، وعما كان من شكرك لوالديك، وبرك بهما على ما لقيا منك من العناء والمشقة في حال طفوليتك وصباك، وما اصطنعا إليك في برهما بك، وتحننهما عليك.
وذكر أن هذه الآية نزلت في شأن سعد بن أبي وقاص وأمه.
ذكر الرواية الواردة في ذلك:
حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد،قال: حلفت أم سعد أن لا تأكل ولا تشرب، حتى يتحول سعد عن دينه، قال: فأبى عليها، فلم تزل كذلك حتى غشي عليها، قال: فأتاها بنوها فسقوها، قال: فلما أفاقت دعت الله عليه، فنزلت هذه الآية " ووصينا الإنسان بوالديه " ... إلى قوله " في الدنيا معروفا ".
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: قالت أم سعد لسعد: أليس الله قد أمر بالبر، فوالله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أموت أو تكفر، قال: فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها بعصا، ثم أوجروها، فنزلت هذه الآية " ووصينا الإنسان بوالديه ".
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن سماك بن حرب، قال: قال سعد بن مالك: نزلت في " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا " قال: لما أسلمت، حلفت أمي لا تأكل طعاماً ولا تشرب شراباً، قال: فناشدتها أول يوم، فأبت وصبرت، فلما كان اليوم الثاني ناشدتها، فأبت، فلما كان اليوم الثالث ناشدتها فأبت، فقلت: والله لو كانت لك مئة نفس لخرجت قبل أن أدع ديني هذا، فلما رأت ذلك، وعرفت أني لست فاعلاً أكلت.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت أبا هبيرة يقول: قال: نزلت هذه الآية في سعد بن أبي وقاص " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما " ... الآية.
فيه ثماني مسائل: الأولى: قوله تعالى: "ووصينا الإنسان بوالديه" هاتان الآيتان اعتراض بين أثناء وصية لقمان. وقيل: إن هذا مما أوصى به لقمان ابنه، أخبر الله به عنه، أي قال لقمان لابنه: لا تشرك بالله ولا تطع في الشرك والديك، فإن الله وصى بهما في طاعتهما مما لا يكون شركاً ومعصية لله تعالى. وقيل: أي وإذ قال لقمان لابنه، فقلنا للقمان فيما آتيناه من الحكمة ووصينا الإنسان بوالديه، أي قلنا له اشكر الله، وقلنا له ووصينا الإنسان. وقيل: وإذ قال لقمان لابنه لا تشرك، ونحن وصينا الإنسان بوالديه حسناً، وأمرنا الناس بهذا، وأمر لقمان به ابنه، ذكر هذه الأقول القشيري. والصحيح أن هاتين الآيتين نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص، كما تقدم في العنكبوت وعليه جماعة المفسرين.
وجملة هذا الباب أن طاعة الأبوين لا تراعى في ركوب كبيرة ولا في ترك فريضة على الأعيان، وتلزم طاعتهما في المباحات، ويستحسن في ترك الطاعات الندب، ومنه أمر الجهاد الكفاية، والإجابة للأم في الصلاة مع إمكان الإعادة، على أن هذا أقوى من الندب، لكن يعلل بخوف هلكة عليها، ونحوه مما يبيح قطع الصلاة فلا يكون أقوى من الندب. وخالف الحسن في هذا التفصيل فقال: إن متعته أمه من شهود العشاء شفقة فلا يطعها.
الثانية: لما خص تعالى الأم بدرجة ذكر الحمل وبدرجة ذكر الرضاع حصل لها بذلك ثلاث مراتب، وللأب واحدة، وأشبه ذلك قوله صلى الله عليه وسلم حين قال له رجل: من أبر؟ قال: أمك قال : ثم من ؟ قال:أمك قال : ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من ؟ قال: أبوك فجعل له الربع من المبرة كما في هذه الآية، وقد مضى هذا كله في سبحان.
الثالثة: قوله تعالى: "وهنا على وهن" أي حملته في بطنها وهي تزداد كل يوم ضعفاً على ضعف. وقيل: المرأة ضعيفة الخلقة ثم يضعفها الحمل. وقرأ عيسى الثقفي: وهنا على وهن بفتح الهاء فيهما، ورويت عن أبي عمرو، وهنا بمعنى واحد قال قعنب ابن أم صاحب: هل للعواذل من ناه فيزجرها إن العواذل فيها الأين والوهن
يقال: وهن يهن، ووهن يوهن، ووهن يهن، مثل ورم يرم. وانتصب وهناً على المصدر، ذكره القشيري. النحاس: على المفعول الثاني بإسقاط حرف الجر، أي حملته بضعف على ضعف. وقرأ الجمهور: وفصاله وقرأ الحسن و يعقوب: وفضله وهما لغتان، أي وفصاله في انقضاء عامين، والمقصود من الفصال الفطام، فعبر بغايته ونهايته. ويقال: انفصل عن كذا تميز، وبه سمي الفصيل.
الرابعة: الناس مجمعون على العامين في مدة الرضاع في باب الأحكام والنفقات، وأما في تحريم اللبن فحددت فرقة بالعام لا زيادة ولا نقص. وقالت فرقة: إن فطم الصبي قبل العامين وترك اللبن فإن ما شرب بعد ذلك في الحولين لا يحرم، وقد مضى هذا في البقرة مستوفى.
الخامسة: قوله تعالى: "أن اشكر لي" أن في موضع نصب في قول الزجاج، وأن المعنى: ووصينا الإنسان بوالديه أن أشكر لي. النحاس: وأجود منه أن تكون أن مفسرة، والمعنى: قلنا له أن اشكر لي ولوالديك. قيل: الشكر لله على نعمة الإيمان، وللوالدين على نعمة التربية. وقال سفيان بن عيينة: من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى، ومن دعا لوالديه في أدبار الصلوات فقد شكرهما.
يقول تعالى مخبراً عن وصية لقمان لولده, وهو لقمان بن عنقاء بن سدون, واسم ابنه ثاران في قول حكاه السهيلي , وقد ذكره الله تعالى بأحسن الذكر, وأنه آتاه الحكمة, وهو يوصي ولده الذي هو أشفق الناس عليه وأحبهم إليه, فهو حقيق أن يمنحه أفضل ما يعرف ولهذا أوصاه أولاً بأن يعبد الله ولا يشرك به شيئاً, ثم قال محذراً له "إن الشرك لظلم عظيم" أي هو أعظم الظلم. قال البخاري : حدثنا قتيبة , حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: لما نزلت "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنه ليس بذاك, ألا تسمع إلى قول لقمان "يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم"" ورواه مسلم من حديث الأعمش به, ثم قرن بوصيته إياه بعبادة الله وحده البر بالوالدين, كما قال تعالى: " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " وكثيراً ما يقرن تعالى بين ذلك في القرآن, وقال ههنا "ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن" قال مجاهد : مشقة وهن الولد, وقال قتادة جهداً على جهد, وقال عطاء الخراساني ضعفاً على ضعف.
وقوله "وفصاله في عامين" أي تربيته وإرضاعه بعد وضعه في عامين, كما قال تعالى: "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" الاية, ومن ههنا استنبط ابن عباس وغيره من الأئمة أن أقل مدة الحمل ستة أشهر, لأنه قال في الاية الأخرى "وحمله وفصاله ثلاثون شهراً" وإنما يذكر تعالى تربية الوالدة وتعبها ومشقتها في سهرها ليلاً ونهاراً, ليذكر الولد بإحسانها المتقدم إليه, كما قال تعالى: "وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً" ولهذا قال " أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير " أي فإني سأجزيك على ذلك أوفر جزاء.
قال ابن حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا عبد الله بن أبي شيبة ومحمود بن غيلان قالا: حدثنا عبيد الله , أخبرنا إسرائيل عن أبي اسحاق عن سعيد بن وهب قال: قدم علينا معاذ بن جبل , وكان بعثه النبي صلى الله عليه وسلم فقام فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً, وأن تطيعوني لا آلوكم خيراً, وإن المصير إلى الله إلى الجنة أو إلى النار إقامة فلا ظعن, وخلود فلا موت.
وقوله "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما" أي إن حرصا عليك كل الحرص على أن تتابعهما على دينهما فلا تقبل منهما ذلك, ولا يمنعك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفاً, أي محسناً إليهما, " واتبع سبيل من أناب إلي " يعني المؤمنين, " إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون " قال الطبراني في كتاب العشرة: حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل , حدثنا أحمد بن أيوب بن راشد , حدثنا مسلمة بن علقمة عن داود بن أبي هند أن سعد بن مالك قال: أنزلت في هذه الاية "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما" الاية, قال: كنت رجلاً براً بأمي, فلما أسلمت قالت: يا سعد ما هذا الذي أراك قد أحدثت لتدعن دينك هذا أو لاآكل و لا أشرب حتى أموت فتعير بي , فيقال: يا قاتل أمه, فقلت: لا تفعلي يا أمه, فإني لا أدع ديني هذا لشيء. فمكثت يوماً وليلة لم تأكل, فأصبحت قد جهدت, مكثت يوماً وليلة أخرى لا تأكل, فأصبحت قد اشتد جهدها, فلما رأيت ذلك قلت: يا أمه تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني هذا لشيء, فإن شئت فكلي وإن شئت لا تأكلي, فأكلت.
14- "ووصينا الإنسان بوالديه" هذه الوصية بالوالدين وما بعدها إلى قوله: "بما كنتم تعملون" اعتراض بين كلام لقمان لقصد التأكيد لما قبلها من النهي عن الشرك بالله، وتفسير التوصية هي قوله: "أن اشكر لي ولوالديك" وما بينهما اعتراض بين المفسر والمفسر وفي جعل الشكر لهما مقترناً بالشكر لله دلالة على أن حقهما من أعظم الحقوق على الولد وأكبرها وأشدها وجوباً ومعنى "حملته أمه وهناً على وهن" أنها حملته في بطنها وهي تزداد كل يوم ضعفاً على ضعف، وقيل المعنى: إن المرأة ضعيفة الخلقة، ثم يضعفها الحمل وانتصاب وهنا على المصدر. وقال النحاس على أنه مفعول ثان بإسقاط الحرف: أي حملته بضعف على ضعف وقال الزجاج المعنى لزمها بحملها إياه أن تضعف مرة بعد مرة، وقيل انتصابه على الحال من أمه و على وهن صفة لوهنا أي وهناً كائناً على وهن قرأ الجمهور بسكون الهاء في الموضعين. وقرأ عيسى الثقفي وهي رواية عن أبي عمرو بفتحهما وهما لغتان. قال قعنب:
هل للعواذل من ناه فيزجرها إن العواذل فيها الأين والوهن
"وفصاله في عامين" الفصال الفطام، وهو أن يفصل الولد عن الأم، وهو مبتدأ وخبره الظرف. وقرأ الجحدري وقتادة وأبو رجاء والحسن ويعقوب وفصله وهما لغتان، يقال انفصل عن كذا: أي تميز، وبه سمي الفصيل. وقد قدمنا أن أمه في قوله: "أن اشكر لي ولوالديك" هي المفسرة. وقال الزجاج: هي مصدرية. والمعنى: بأن اشكر لي. قال النحاس: وأجود منه أن تكون أن مفسرة، وجملة "إلي المصير" تعليل لوجوب امتثال الأمر: أي الرجوع إلي لا إلى غيري.
14- "ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن"، قال ابن عباس: شدة بعد شدة. وقال الضحاك: ضعفاً على ضعف. قال مجاهد: مشقة على مشقة. وقال الزجاج: المرأة إذا حملت توالى عليها الضعف والمشقة. ويقال: الحمل ضعف، والطلق ضعف، والوضع ضعف. "وفصاله"، أي: فطامه، "في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير"، المرجع، قال سفيان بن عيينة في هذه الآية: من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله، ومن دعا للوالدين في أدبار الصلوات الخمس فقد شكر الوالدين.
14 -" ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً " ذات وهن أو تهن وهناً " على وهن " أي تضعف ضعفاً فوق ضعف فإنها لا تزال يتضاعف ضعفها والجملة في موضع الحال ، وقرئ بالتحريك يقال وهن يهن وهنا ووهن يوهن وهنا . " وفصاله في عامين " وفطامه في انقضاء عامين وكانت ترضعه في تلك المدة ، وقرئ (( وفصله في عامين )) وفيه دليل على أن أقصى مدة الرضاعة حولان . " أن اشكر لي ولوالديك " تفسير لـ " وصينا " أو علة له أو بدل من والديه بدل الاشتمال ، وذكر الحمل والفصال في البين اعتراض مؤكد للتوصية في حقها خصوصاً ومن ثم قال عليه الصلاة والسلام لمن قال من أبر " أمك ثم أمك ثم أمك ثم قال بعد ذلك أباك " . " إلي المصير " فأحاسبك على شكرك وكفرك .
14. And We have enjoined upon man concerning his parents. His mother beareth him in weakness upon weakness, and his weaning is in two years. Give thanks unto Me and unto thy parents. Unto Me is the journeying.
14 - And We have enjoined on man (to be good) to his parents: in travail upon travail did his mother bear him, and in years twain was his weaning: (hear The command), Show gratitude to Me and to thy parents: to Me is (thy final) Goal.