[الروم : 60] فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ
60 - (فاصبر إن وعد الله) بنصرك عليهم (حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) بالبعث لا يحملنك على الخفة والطيش بترك الصبر أي لا تتركه
يقول تعالى ذكره: فاصبر يا محمد لما ينالك من أذاهم، وبلغهم رسالة ربك، فإن وعد الله الذي وعدك من النصر عليهم، والظفر بهم، وتمكينك وتمكين أصحابك وتباعك في الأرض حق " ولا يستخفنك الذين لا يوقنون " يقول: ولا يستخفن حلمك ورأيك هؤلاء المشركون بالله الذين لا يوقنون بالمعاد ولا يصدقون بالبعث بعد الممات. فيثبطوك عن أمر الله والنفوذ لما كلفك من تبليغهم رسالته.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سعيد بن جبير، عن علي بن ربيعة، أن رجلاً من الخوارج، قرأ خلف علي رضي الله عنه ( لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) ( الزمر: 65) فقال علي " فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ".
قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن عثمان بن أبي زرعة عن علي بن ربيعة قال: نادى رجل من الخوارج علياً رضي الله عنه، وهو في صلاة الفجر، فقال ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) ( الزمر: 65) فأجابه علي رضي الله عنه وهو في الصلاة " فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ".
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون " قال: قال رجل من الخوارج خلق علي في صلاة الغداة ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) ( الزمر: 65) فأنصت له علي رضي الله عنه حتى فهم ما قال، فأجابه وهو في الصلاة " فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ".
"فاصبر إن وعد الله حق" أي صبر على أذاهم فإن الله ينصرك. "ولا يستخفنك" أي لا يستفزنك عن دينك "الذين لا يوقنون" قيل: هو النضر بن الحارث. والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته، يقال: استخف فلان فلاناً أي استجهله حتى حمله على اتباع في الغي . وهو في موضع جزم بالنهي، أكد بالنون الثقيلة فبني على الفتح كما بينى الشيئان إذا ضم أحدهما إلى الآخر. الذين لا يوقنون في موضع رفع، ومن العرب من يقول: اللذون في موضع الرفع. وقد مضى في الفاتحة.
يقول تعالى: "ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل" أي قد بينا لهم الحق, ووضحناه لهم, وضربنا لهم فيه الأمثال ليستبينوا الحق ويتبعوه "ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون" أي لورأوا أي آية كانت, سواء كانت باقتراحهم أو غيره, لايؤمنون بها ويعتقدون أنها سحر وباطل, كما قالوا في انشقاق القمر ونحوه, كما قال تعالى: "إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم" ولهذا قال ههنا "كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون * فاصبر إن وعد الله حق" أي اصبر على مخالفتهم وعنادهم, فإن الله تعالى منجز لك ما وعدك من نصره إياك عليهم وجعله العاقبة لك ولمن اتبعك في الدنيا والاخرة "ولا يستخفنك الذين لا يوقنون" أي بل اثبت على ما بعثك الله به, فإنه الحق الذي لا مرية فيه, ولا تعدل عنه وليس فيما سواه هدى يتبع, بل الحق كله منحصر فيه. قال سعيد عن قتادة : نادى رجل من الخوارج علياً رضي الله عنه وهو في صلاة الغداة, فقال: "ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين" فأنصت له علي حتى فهم ما قال, فأجابه وهو في الصلاة " فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون " رواه ابن جرير وابن أبي حاتم .
وقد رواه ابن جرير من وجه آخر فقال, حدثنا وكيع : حدثنا يحيى بن آدم عن شريك عن عثمان ابن أبي زرعة عن علي بن ربيعة قال: نادى رجل من الخوارج علياً رضي الله عنه وهو في صلاة الفجر, فقال "ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين" فأجابه علي رضي الله عنه وهو في الصلاة "فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون".
(طريق أخرى) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا علي بن الجعد , أخبرنا شريك عن عمران بن ظبيان عن أبي يحيى قال: صلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه صلاة الفجر, فناداه رجل من الخوارج "لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين" فأجابه علي رضي الله عنه وهو في الصلاة " فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ".
(ما روي في فضل هذه السورة الشريفة واستحباب قراءتها في الفجر)
قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن عبد الملك بن عمير , سمعت شبيب أبا روح يحدث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, صلى بهم الصبح فقرأ فيها الروم فأوهم, فقال "إنه يلبس علينا القرآن, فإن أقواماً منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء, فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء" وهذا إسناد حسن, ومتن حسن, وفيه سر عجيب, ونبأ غريب, وهو أنه صلى الله عليه وسلم تأثر بنقصان وضوء من ائتم به, فدل ذلك على أن صلاة المأموم متعلقة بصلاة الإمام. آخر تفسير سورة الروم. و لله الحمد والمنة.
ثم أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر معللاً لذلك بحقية وعد الله وعدم الخلف فيه، فقال: 60- "فاصبر" على ما تسمعه منهم من الأذى وتنظره من الأفعال الكفرية فإن الله قد وعدك بالنصر عليهم وإعلاء حجتك وإظهار دعوتك ووعده حق لا خلف فيه "ولا يستخفنك الذين لا يوقنون" أي لا يحملنك على الخفة ويستفزنك عن دينك وما أنت عليه الذين لا يوقنون بالله ولا يصدقون أنبياءه ولا يؤمنون بكتبه، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، يقال استخف فلان فلاناً: أي استهدله حتى حمله على اتباعه في الغي. قرأ الجمهور يستخفنك بالخاء المعجمة والفاء، وقرأ يعقوب وابن أبي إسحاق بحاء مهملة وقاف من الاستحقاق، والنهي في الآية من باب: لا أرينك ها هنا.
وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقاً على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة، ثم تلا "وكان حقاً علينا نصر المؤمنين""، وهو من طريق شهر بن حوشب عن أم الدرداء عن أبي الدرداء. وأخرج أبو يعلى وابن المنذر عنه في قوله: " ويجعله كسفا " قال: قطعاً بعضها فوق بعض "فترى الودق" قال: المطر "يخرج من خلاله" قال: من بينه. وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية "إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء" في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأهل بدر، والإسناد ضعيف. والمشهور في الصحيحين وغيرهما أن عائشة استدلت بهذه الآية على رد رواية من روى من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى أهل قليب بدر، وهو من الاستدلال بالعام على رد الخاص فقد "قال النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: إنك تنادي أجساداً بالية ما أنتم بأسمع لما أقول منهم" وفي مسلم من حديث أنس "أن عمر بن الخطاب لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يناديهم، فقال: يا رسول الله تناديهم بعد ثلاث وهل يسمعون؟ يقول الله إنك لا تسمع الموتى، فقال: والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع منهم، ولكنهم لا يطيقون أن يجيبوا".
60- "فاصبر إن وعد الله حق"، في نصرتك وإظهارك على عدوك "ولا يستخفنك"، لا يستجهلنك معناه: لا يحملنك الذين لا يوقنون على الجهل واتباعهم في الغي. وقيل: لا يستخفن رأيك وحلمك، "الذين لا يوقنون"، بالبعث والحساب.
60 -" فاصبر " على أذاهم . " إن وعد الله " بنصرتك وإظهار دينك على الدين كله . " حق " لا بد من إنجازه . " ولا يستخفنك " ولا يحملنك على الخفة والقلق . " الذين لا يوقنون " بتكذيبهم وإيذائهم فإنهم شاكون ضالون لا يستبدع منهم ذلك . وعن يعقوب بتخفيف النون ، وقرئ (( ولا يستحقنك )) أي لا يزيغنك فيكونوا أحق بك مع المؤمنين . عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الروم كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كل ملك سبح الله بين السماء والأرض وأدرك ما ضيع في يومه وليلته " .
60. So have patience (O Muhammad)! Allah's promise is the very truth, and let not those who have no certainty make thee impatient.
60 - So patiently persevere: for Verily the promise of God is true: nor let those Shake thy firmness, who have (themselves) no certainty of faith.