[الروم : 55] وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ
55 - (ويوم تقوم الساعة يقسم) يحلف (المجرمون) الكافرون (ما لبثوا) في القبور (غير ساعة) قال تعالى (كذلك كانوا يؤفكون) يصرفون عن الحق البعث كما صرفوا عن الحق الصدق في مدة اللبث
يقول تعالى ذكره: ويوم تجيء ساعة البعث، فيبعث الخلق من قبورهم يقسم المجرمون، وهم الذين كانوا يكفرون بالله في الدنيا، ويكتسبون فيها الآثام، وإقسامهم: حلفهم بالله. " ما لبثوا غير ساعة ": يقول: يقسمون بأنهم لم يلبثوا في قبورهم غير ساعة واحدة، يقول الله جل ثناؤه: كذلك في الدنيا كانوا يؤفكون: يقول: كذبوا في قيلهم وقسمهم ما لبثنا غير ساعة، كما كانوا في الدنيا يكذبون ويحلفون على الكذب وهم يعلمون.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال، ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون " أي يكذبون في الدينا، وإنما يعني بقوله " يؤفكون " عن الصدق، ويصدون عنه إلى الكذب.
قوله تعالى: "ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون" أي يحلف المشركون."ما لبثوا غير ساعة" ليس في هذا رد لعذاب القبر، إذ كان قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير طريق أنه تعوذ منه، وأمر أن يتعوذ منه، فمن ذلك ما رواه عبد الله بن مسعود قال:"سمع النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وهي تقول: اللهم أمنعني بزوجي رسول الله، وبأبي سفيان، وبأخي معاوية، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: لقد سألت الله لآجال مضروبة وأرزاق مقسومة ولكن سليه أن يعذبك من عذاب جهنم وعذاب القبر" في أحاديث مشهورة خرجها مسلم والبخاري وغيرهما. وقد ذكرنا منها جملة في كتاب التذكرة. وفي معنى: "ما لبثوا غير ساعة" قولان: أحدهما: أنه لا بد من خمدة قبل يوم القيامة، فعلى هذا قالوا: ما لبثنا غير ساعة. والقول الآخر: أنهم يعنون في الدنيا لزوالها وانقطاعها، كما قال تعالى: "كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها" النازعات:46 كأن " لم يلبثوا إلا ساعة من نهار"، وإن كانوا قد أقسموا على غيب وعلى غير ما يدرون. قال الله عز وجل: "كذلك كانوا يؤفكون" أي كانوا يكذبون في الدنيا، يقال: أفك الرجل إذا صرف عن الصدق والخير. وأرض مأفوكة:ممنوعة من المطر وقد زعم جماعة من أهل النظر أن القيامة لا يجوز أن يكون فيها كذب لما هم فيه، والقرآن يدل على غير ذلك، قال الله عز وجل: "كذلك كانوا يؤفكون" أي كما صرفوا عن الحق في قسمهم أنهم ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يصرفون عن الحق في الدنيا، وقال جل وعز: "يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون" المجادلة:18 وقال: "ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين * انظر كيف كذبوا" الأنعام:23 - 24 .
يخبر تعالى عن جهل الكفار في الدنيا والاخرة, ففي الدنيا فعلوا من عبادة الأوثان, وفي الاخرة يكون منهم جهل عظيم أيضاً, فمنه إقسامهم بالله أنهم ما لبثوا غير ساعة واحدة في الدنيا, ومقصودهم بذلك عدم قيام الحجة عليهم وأنهم لم ينظروا حتى يعذر إليهم. قال الله تعالى: "كذلك كانوا يؤفكون * وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث" أي فيرد عليهم المؤمنون العلماء في الاخرة كما أقاموا عليهم حجة الله في الدنيا, فيقولون لهم حين يحلفون ما لبثوا غير ساعة "لقد لبثتم في كتاب الله" أي في كتاب الأعمال "إلى يوم البعث" أي من يوم خلقتم إلى أن بعثتم "ولكنكم كنتم لا تعلمون" قال الله تعالى: "فيومئذ" أي يوم القيامة "لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم" أي اعتذارهم عما فعلوا "ولا هم يستعتبون" أي ولا هم يرجعون إلى الدنيا, كما قال تعالى: "وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين".
55- "ويوم تقوم الساعة" أي القيامة، وسميت ساعة لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا "يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة" أي يحلفون ما لبثوا في الدنيا، أو في قبورهم غير ساعة، فيمكن أن يكونوا استقلوا مدة لبثهم واستقر ذلك في أذهانهم، فحلفوا عليه وهم يظنون أن حلفهم مطابق للواقع. وقال ابن قتيبة: إنهم كذبوا في هذا الوقت كما كانوا يكذبون من قبل، وهذا هو الظاهر لأنهم إن أرادوا لبثهم في الدنيا فقد علم كل واحد منهم مقداره، وإن أرادوا لبثهم في القبور فقد حلفوا على جهالة إن كانوا لا يعرفون الأوقات في البرزخ "كذلك كانوا يؤفكون" يقال أفك الرجل: إذا صرف عن الصدق، فالمعنى: مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون. وقيل المراد يصرفون عن الحق، وقيل عن الخير، والأول أولى، وهو دليل على أن حلفهم كذب.
55- "ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون"، يحلف المشركون، "ما لبثوا"، في الدنيا، "غير ساعة"، إلا ساعة، استقلوا أجل الدنيا لما عاينوا الآخرة. وقال مقاتل والكلبي: ما لبثوا في قبورهم غير ساعة كما قال: "كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار" (الأحقاف-35).
"كذلك كانوا يؤفكون"، يصرفون عن الحق في الدنيا، قال الكلبي ومقاتل: كذبوا في قولهم غير ساعة كما كذبوا في الدنيا أن لا بعث.
والمعنى أن الله أراد أن يفضحهم فحلفوا على شيء تبين لأهل الجمع أنهم كاذبون فيه، وكان ذلك بقضاء الله وبقدره بدليل قوله: "يؤفكون"، أي: يصرفون عن الحق.
55 -" ويوم تقوم الساعة " القيامة سميت بها لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا ، أو لأنها تقع بغتة وصارت علماً بها بالغلبة كالكوكب للزهرة . " يقسم المجرمون ما لبثوا " في الدنيا أو في القبور أو فيما بين فناء الدنيا والبعث وانقطاع عذابهم ، وفي الحديث " ما بين فناء الدنيا والبعث أربعون " وهو محتمل الساعات والأيام والأعوام . " غير ساعة " استقلوا مدة لبثهم إضافة إلى مدة عذابهم في الآخرة أو نسياناً . " كذلك " مثل ذلك الصرف عن الصدق والتحقيق . " كانوا يؤفكون " يصرفون في الدنيا .
55. And on the day when the Hour riseth the guilty will vow that they did tarry but an hour thus were they ever deceived.
55 - On the Day that the Hour (of reckoning) will be established, the transgressors will swear that they tarried not but an hour: thus were they used to being deluded!