[الروم : 49] وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ
49 - (وإن) وقد (كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله) تأكيد (لمبلسين) آيسين من إنزاله
يقول تعالى ذكره: وكان هؤلاء الذين أصابهم الله بهذا الغيث من عباده من قبل أن ينزل عليهم هذا الغيث من قبل هذا الغيث لمبلسين، يقول: لمكتئبين حزنين باحتباسه عنهم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين ": أي قانطين.
واختلف أهل العربية في وجه تكرير من قبله، وقد تقدم قبل ذلك قوله: ( من قبل أن ينزل عليهم) ( الروم: 49) فقال بعض نحويي البصرة: رد من قبله على التوكيد نحو قوله ( فسجد الملائكة كلهم أجمعون) ( الحجر: 30 - ص: 73) وقال غيره: ليس ذلك كذلك، لأن مع " من قبل أن ينزل عليهم " حرفاً ليس مع الثانية، قال: فكأنه قال: من قبل التنزيل من قبل المطر، فقد اختلفتا. وأما ( كلهم أجمعون) وكد بأجمعين لأن كلاً يكون اسماً ويكون توكيداً، وهو قوله أجمعون. والقول عندي في قوله " من قبله " على وجه التوكيد.
"وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين" أي يائسين مكتئبين قد ظهر الحزن عليهم لاحتباس المطر عنهم. ومن قبله تكرير عند الأخفش معناه التأكيد وأكثر النحويين على هذا القول، قاله النحاس وقال قطرب: إن قبل الأولى للإنزال والثانية للمطر، أي وإن كانوا من قبل التنزيل من قبل المطر. وقيل: المعنى من قبل تنزيل الغيث عليهم من قبل الزرع، ودل على الزرع المطر إذ بسببه يكون. ودل عليه أيضاً فرأوه مصفراً على ما يأتي. وقيل: المعنى من قبل السحاب من قبل رؤيته، واختار هذا القول النحاس، أي من قبل رؤية السحاب "لمبلسين" أي ليائسين. وقد تقدم ذكر السحاب.
يبين تعالى كيف يخلق السحاب الذي ينزل منه الماء, فقال تعالى: "الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابً" إما من البحر كما ذكره غير واحد, أو مما يشاء الله عز وجل "فيبسطه في السماء كيف يشاء" أي يمده فيكثره وينميه, ويجعل من القليل كثير, ينشىء سحابة ترى في رأي العين مثل الترس, ثم يبسطها حتى تملأ أرجاءالأفق, وتارة يأتي السحاب من نحو البحر ثقالاً مملوءة, كما قال تعالى: " وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون " وكذلك قال ههنا "الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفاً" قال مجاهد وأبو عمرو بن العلاء ومطر الوراق وقتادة : يعني قطعاً. وقال غيره: متراكماً, كما قاله الضحاك . وقال غيره: أسود من كثرة الماء, تراه مدلهماً ثقيلاً قريباً من الأرض.
وقوله تعالى: "فترى الودق يخرج من خلاله" أي فترى المطر وهو القطر, يخرج من بين ذلك السحاب "فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون" أي إليه يفرحون لحاجتهم بنزوله عليهم ووصوله إليهم. وقوله تعالى: "وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين" معنى الكلام أن هؤلاء القوم الذين أصابهم هذا المطر, كانوا قنطين أزلين من نزول المطر إليهم قبل ذلك, فلما جاءهم جاءهم على فاقة, فوقع منهم موقعاً عظيماً, وقد اختلف النحاة في قوله "من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين" فقال ابن جرير : هو تأكيد, وحكاه عن بعض أهل العربية. وقال آخرون: من قبل أن ينزل عليهم المطر من قبله, أي الإنزال لمبلسين, ويحتمل أن يكون ذلك من دلالة التأسيس, ويكون معنى الكلام أنهم كانوا محتاجين إليه قبل نزوله, ومن قبله أيضاً قد فات عندهم نزوله وقتاً بعد وقت, فترقبوه في إبانه, فتأخر, ثم مضت مدة فترقبوه فتأخر, ثم جاءهم بغتة بعد الإياس منه والقنوط, فبعدما كانت أرضهم مقشعرة هامدة أصبحت وقد اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج, ولهذا قال تعالى: "فانظر إلى آثار رحمة الله" يعني المطر "كيف يحيي الأرض بعد موتها" ثم نبه بذلك على إحياء الأجساد بعد موتها وتفرقها وتمزقها فقال تعالى: "إن ذلك لمحيي الموتى" أي إن الذي فعل ذلك لقادر على إحياء الأموات "إنه على كل شيء قدير" ثم قال تعالى: " ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون " يقول تعالى: "ولئن أرسلنا ريحاً" يابسة على الزرع الذي زرعوه ونبت وشب واستوى على سوقه, فرأوه مصفراً, أي قد أصفر وشرع في الفساد لظلوا من بعده, أي بعد هذا الحال, يكفرون, أي يجحدون ما تقدم إليهم من النعم. كقوله تعالى: " أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون * لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون * إنا لمغرمون * بل نحن محرومون ".
فال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع , حدثنا هشيم عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: الرياح ثمانية: أربعة منها رحمة, وأربعة عذاب, فأما الرحمة: فالناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات, وأما العذاب: فالعقيم والصرصر وهما في البر, والعاصف والقاصف وهما في البحر.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبيد الله بن أخي بن وهب , حدثنا عمي , حدثنا عبد الله بن عياش , حدثني عبد الله بن سليمان عن دراج عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الريح مسخرة من الثانية ـ يعني الأرض الثانية ـ فلما أراد أن يهلك عاداً أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحاً تهلك عاداً, فقال: يا رب أرسل عليهم من الريح قدر منخر الثور, قال له الجبار تبارك وتعالى: لا إذاً تكفأ الأرض وما عليها, ولكن أرسل عليهم بقدر خاتم, فهي التي قال الله في كتابه "ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم" " هذا حديث غريب, ورفعه منكر, والأظهر أنه من كلام عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه.
49- "وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم" أي من قبل أن ينزل عليهم المطر، وإن هي المخففة وفيها ضمير شأن مقدر هو اسمها: أي وإن الشأن كانوا من قبل أن ينزل عليهم، وقوله: "من قبله" تكرير للتأكيد، قاله الأخفش وأكثر النحويين كما حكاه عنهم النحاس.. وقال قطرب: إن الضمير في قبله راجع إلى المطر: أي وإن كانوا من قبل التنزيل من قبل المطر. وقيل المعنى: من قبل تنزيل الغيث عليهم من قبل الزرع والمطر، وقيل من قبل أن ينزل عليهم من قبل السحاب: أي من قبل رؤيته، واختار هذا النحاس. وقيل الضمير عائد إلى الكسف، وقيل إلى الإرسال، وقيل إلى الاستبشار. والراجح الوجه الأول، وما بعده من هذه الوجوه كلها ففي غاية التكلف والتعسف، وخبر كان "لمبلسين" أي آيسين أو بائسين. وقد تقدم تحقيق الكلام في هذا.
49- "وإن كانوا"، وقد كانوا، "من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين"، أي آيسين، وقيل: وإن كانوا، أي: وما كانوا إلا مبلسين، وأعاد قوله: من قبله تأكيداً.
وقيل: الأولى ترجع إلى إنزال المطر، والثانية إلى إنشاء السحاب.
وفي حرف عبد الله بن مسعود: وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم لمبلسين، غير مكرر.
49 -" وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم " المطر . " من قبله " تكرير للتأكيد والدلالة على تطاول عهدهم بالمطر واستحكام يأسهم ، وقيل الضمير للمطر أو السحاب أو الإرسال . " لمبلسين " لآيسين .
49. Though before that, even before it was sent down upon them, they were in despair.
49 - Even though, before they received (the rain) just before this they were dumb with despair!