[آل عمران : 82] فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
(فمن تولى) أعرض (بعد ذلك) الميثاق (فأولئك هم الفاسقون)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فمن أعرض عن الإيمان برسلي الذين أرسلتهم بتصديق ما كان مع أنبيائي من الكتب والحكمة، وعن نصرتهم ، فأدبر ولم يؤمن بذلك ، ولم ينصر، ونكث عهده وميثاقه ، "بعد ذلك"، يعني بعد العهد والميثاق الذي أخذه الله عليه، "فأولئك هم الفاسقون"، يعني بذلك : أن المتولين عن الإيمان بالرسل الذين وصف أمرهم، ونصرتهم بعد العهد والميثاق اللذين أخذا عليهم بذلك، "هم الفاسقون"، يعني بذلك : الخارجون من دين الله وطاعة ربهم، كما:
حدثنا المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا عبد الله بن هاشم قال ، قال، أخبرنا سيف بن عمر، عن أبي روق ، عن أبي أيوب، عن علي بن أبي طالب : فمن تولى عنك ، يا محمد، بعد هذا العهد من جميع الأمم ، "فأولئك هم الفاسقون"، هم العاصون في الكفر.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه -قال أبو جعفر: يعني الرازي-: "فمن تولى بعد ذلك" يقول: بعد العهد والميثاق الذي أخذ عليهم، "فأولئك هم الفاسقون".
حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، [عن أبيه]، عن الربيع مثله.
قال أبو جعفر: وهاتان الآيتان، وإن كان مخرج الخبر فيهما من الله عز وجل بما أخبر أنه أشهد وأخذ به ميثاق من أخذ ميثاقه به، عن أنبيائه ورسله ، فإنه مقصود به إخبار من كان حوالي مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل أيام حياته صلى الله عليه وسلم، عما لله عليهم من العهد في الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ومعني [به] تذكيرهم ما كان الله آخذاً على آبائهم وأسلافهم من المواثيق والعهود، وما كانت أنبياء الله عرفتهم وتقدمت إليهم في تصديقه واتباعه ونصرته على من خالفه وكذبه، وتعريفهم ما في كتب الله، التي أنزلها إلى أنبيائه التي ابتعثها إليهم، من صفته وعلامته.
(( من )) شرط . فمن تولى من أمم الأنبياء عن الإيمان بعد أخذ الميثاق " فأولئك هم الفاسقون " أي الخارجون عن الإيمان . والفاسق الخارج . وقد تقدم .
يخبر تعالى أنه أخذ ميثاق كل نبي بعثه من لدن آدم عليه السلام إلى عيسى عليه السلام لمهما آتى الله أحدهم من كتاب وحكمة, وبلغ أي مبلغ, ثم جاءه رسول من بعده ليؤمنن به ولينصرنه, ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنبوة من اتباع من بعث بعده ونصرته ولهذا قال تعالى وتقدس "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة" أي لمهما أعطيتكم من كتاب وحكمة "ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري" وقال ابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس وقتادة والسدي يعني عهدي وقال محمد بن إسحاق (إصري) أي ثقل ما حملتم من عهدي أي ميثاقي الشديد المؤكد " قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين * فمن تولى بعد ذلك " أي عن هذا العهد والميثاق "فأولئك هم الفاسقون", قال علي بن أبي طالب وابن عمه ابن عباس رضي الله عنهما: ما بعث الله نبياً من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق, لئن بعث الله محمداً وهو حي ليؤمنن به وينصرنه, وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه, وقال طاوس والحسن البصري وقتادة : أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضاً, وهذا لا يضاد ما قاله علي وابن عباس ولا ينفيه, بل يستلزمه ويقتضيه, ولهذا روى عبد الرزاق عن معمر , عن ابن طاوس , عن أبيه , مثل قول علي وابن عباس , وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق , أنبأنا سفيان , عن جابر , عن الشعبي , عن عبد الله بن ثابت قال: " جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله, إني مررت بأخ لي يهودي من قريظة, فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك ؟ قال, فتغير وجه رسول صلى الله عليه وسلم قال عبد الله بن ثابت , قلت له: ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عمر : رضينا بالله رباً, بالإسلام ديناً, وبمحمد رسولاً, قال: فسري عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال :والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى عليه السلام, ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم, إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين".
(حديث آخر) قال الحافظ أبو بكر : حدثنا إسحاق حدثنا حماد عن مجالد عن الشعبي عن جابر قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا, وإنكم إما أن تصدقوا بباطل وإما أن تكذبوا بحق, وإنه والله لو كان موسى حياً بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني". وفي بعض الأحاديث "لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي" فالرسول محمد خاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين, هو الإمام الأعظم الذي لو وجد في أي عصر وجد, لكان هو الواجب طاعته المقدم على الأنبياء كلهم, ولهذا كان إمامهم ليلة الإسراء لما اجتمعوا ببيت المقدس, وكذلك هو الشفيع في المحشر في إتيان الرب جل جلاله لفصل القضاء بين عباده, وهو المقام المحمود الذي لا يليق إلا له, والذي يحيد عنه أولو العزم من الأنبياء والمرسلين حتى تنتهي النوبة إليه فيكون هو المخصوص به صلوات الله وسلامه عليه.
قوله 82- "فمن تولى" أي أعرض عما ذكر بعد ذلك الميثاق "فأولئك هم الفاسقون" أي: الخارجون عن الطاعة.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن أصحاب عبد الله يقرأون وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لما أتيتكم من كتاب وحكمة ونحن نقرأ "ميثاق النبيين" فقال ابن عباس: إنما أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن طاوس في الآية، قال "أخذ الله ميثاق النبيين" أن يصدق بعضهم بعضاً. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين" قال: هي خطأ من الكتاب، وهي في قراءة ابن مسعود ميثاق الذين أوتوا الكتاب. وأخرج ابن جرير عن علي قال: لم يبعث الله نبياً آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ويأمره فيأخذ العهد على قومه، ثم تلا "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين" الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس نحوه. وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عنه في قوله "إصري" قال: عهدي. وأخرج ابن جرير عن علي في قوله "قال فاشهدوا" يقول: فاشهدوا على أممكم بذلك "وأنا معكم من الشاهدين" عليكم وعليهم "فمن تولى" عنك يا محمد بعد هذا العهد من جميع الأمم "فأولئك هم الفاسقون" هم العاصون في الكفر.
82-" فمن تولى بعد ذلك" ، الإقرار ،" فأولئك هم الفاسقون" أن العاصون الخارجون عن الإيمان.
82" فمن تولى بعد ذلك " بعد الميثاق والتوكيد والإقرار والشهادة. " فأولئك هم الفاسقون " المتمردون من الكفرة.
82. Then whosoever after this shall turn away: they will be miscreants.
82 - If any turn back after this, they are perverted transgressors.