[آل عمران : 56] فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ
(فأما الذين كفروا فأعذبهم عذاباً شديداً في الدنيا) بالقتل والسبي والجزية (والآخرة) بالنار (وما لهم من ناصرين) مانعين منه
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "فأما الذين كفروا"، فأما الذين جحدوا نبوتك يا عيسى، وخالفوا ملتك ، وكذبوا بما جئتهم به من الحق ، وقالوا فيك الباطل ، وأضافوك إلى غير الذي ينبغي أن يضيفوك إليه ، من اليهود والنصارى وسائر أصناف الأديان، فإني أعذبهم عذاباً شديداً، أما في الدنيا فبالقتل والسباء والذلة والمسكنة، وأما في الآخرة فبنار جهنم خالدين فيها أبداً، "وما لهم من ناصرين"، يقول: وما لهم من عذاب الله مانع، ولا عن أليم عقابه لهم دافع بقوة ولا شفاعة، لأنه العزيز ذو الانتقام.
قوله تعالى : " فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة " يعني بالقتل والصلب والسبي والجزية ، وفي الآخرة بالنار .
اختلف المفسرون في قوله تعالى: " إني متوفيك ورافعك إلي " فقال قتادة وغيره: هذا من المقدم والمؤخر, تقديره إني رافعك إلي ومتوفيك, يعني بعد ذلك. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : إني متوفيك, أي مميتك. وقال محمد بن إسحاق عمن لا يتهم, عن وهب بن منبه , قال: توفاه الله ثلاث ساعات من أول النهار حين رفعه إليه, قال ابن إسحاق : والنصارى يزعمون أن الله توفاه سبع ساعات, ثم أحياه. وقال إسحاق بن بشر , عن إدريس عن وهب : أماته الله ثلاثة أيام, ثم بعثه, ثم رفعه. وقال مطر الوراق : إني متوفيك من الدنيا, وليس بوفاة موت, وكذا قال ابن جرير : توفيه هو رفعه, وقال الأكثرون: المراد بالوفاة ههنا ـ النوم, كما قال تعالى: "وهو الذي يتوفاكم بالليل" الاية. وقال تعالى "الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها" الاية, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم, " يقول إذا قام من النوم: الحمد الله الذي أحيانا بعد ما أماتنا" الحديث, وقال تعالى: " وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما * وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما * وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا " والضمير في قوله "قبل موته" عائد على عيسى عليه السلام, أي وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى, وذلك حين ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة على ما سيأتي بيانه, فحينئذ يؤمن به أهل الكتاب كلهم, لأنه يضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أحمد بن عبد الرحمن , حدثنا عبد الله بن أبي جعفر , عن أبيه , حدثنا الربيع بن أنس , عن الحسن أنه قال في قوله تعالى: "إني متوفيك" يعني وفاة المنام, رفعه الله في منامه. قال الحسن : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود إن عيسى لم يمت, وإنه راجع إليكم قبل يوم القيامة " وقوله تعالى: "ومطهرك من الذين كفروا" أي برفعي إياك إلى السماء "وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة" وهكذا وقع فإن المسيح عليه السلام, لما رفعه الله إلى السماء, تفرقت أصحابه شيعاً بعده, فمنهم من آمن بما بعثه الله به على أنه عبد الله ورسوله وابن أمته, ومنهم من غلا فيه فجعله ابن الله, وآخرون قالوا: هو الله, وآخرون قالوا: هو ثالث ثلاثة. وقد حكى الله مقالاتهم في القرآن ورد على كل فريق, فاستمروا على ذلك قريباً من ثلثمائة سنة, ثم نبغ لهم ملك من ملوك اليونان يقال له قسطنطين, فدخل في دين النصرانية, قيل: حيلة ليفسده, فإنه كان فيلسوفاً, وقيل: جهلاً منه إلا أنه بدل لهم دين المسيح وحرفه, وزاد فيه ونقص منه, ووضعت له القوانين, والأمانة الكبرى التي هي الخيانة الحقيرة, وأحل في زمانه لحم الخنزير, وصلوا له إلى المشرق, وصوروا له الكنائس والمعابد والصوامع, وزاد في صيامهم عشرة أيام من أجل ذنب ارتكبه فيما يزعمون, وصار دين المسيح دين قسطنطين إلا أنه بنى لهم من الكنائس والمعابد والصوامع والديارات ما يزيد على اثني عشر ألف معبد, وبنى المدينة المنسوبة إليه, واتبعه الطائفة الملكية منهم, وهم في هذا كله قاهرون لليهود, أيدهم الله عليهم, لأنهم أقرب إلى الحق منهم, وإن كان الجميع كفاراً عليهم لعائن الله, فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم, فكان من آمن به يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله على الوجه الحق, كانوا هم أتباع كل نبي على وجه الأرض, إذ قد صدقوا الرسول النبي الأمي العربي, خاتم الرسل وسيد ولد آدم على الإطلاق, الذي دعاهم إلى التصديق بجميع الحق, فكانوا أولى بكل نبي من أمته الذين يزعمون أنهم على ملته وطريقته, مع ما قد حرفوا وبدلوا, ثم لو لم يكن شيء من ذلك, لكان قد نسخ الله شريعة جميع الرسل بما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم من الدين الحق الذي لا يغير ولا يبدل إلى قيام الساعة, ولا يزال قائماً منصوراً ظاهراً على كل دين, فلهذا فتح الله لأصحابه مشارق الأرض ومغاربها, واجتازوا جميع الممالك, ودانت لهم جميع الدول, وكسروا كسرى, وقصروا قيصر وسلبوهما كنوزهما, وأنفقت في سبيل الله كما أخبرهم بذلك نبيهم عن ربهم عز وجل في قوله: " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا " الاية, فلهذا لما كانوا هم المؤمنين بالمسيح حقاً, سلبوا النصارى بلاد الشام وألجؤوهم إلى الروم فلجؤوا إلى مدينتهم القسطنطينية, ولا يزال الإسلام وأهله فوقهم إلى يوم القيامة. وقد أخبر الصادق الصدوق صلى الله عليه وسلم أمته بأن آخرهم سيفتحون القسطنطينية ويستفيئون ما فيها من الأموال, ويقتلون الروم مقتلة عظيمة جداً, لم ير الناس مثلها ولا يرون بعدها نظيرها, وقد جمعت في هذا جزءاً مفرداً, ولهذا قال تعالى: " وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون * فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين " وكذلك فعل بمن كفر بالمسيح من اليهود أو غلا فيه أو أطراه من النصارى, عذبهم في الدنيا بالقتل والسبي, وأخذ الأموال وإزالة الأيدي عن الممالك, وفي الدار الاخرة عذابهم أشد وأشق "وما لهم من الله من واق" "وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم" أي في الدنيا والاخرة, في الدنيا بالنصر والظفر, وفي الاخرة بالجنات العاليات "والله لا يحب الظالمين".
ثم قال تعالى: " ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم " أي هذا الذي قصصنا عليك يا محمد في أمر عيسى ومبدأ ميلاده وكيفيه أمره, وهو مما قاله تعالى وأوحاه إليك ونزله عليك من اللوح المحفوظ, فلا مرية فيه ولا شك, كما قال تعالى في سورة مريم "ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون * ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون" وههنا قال تعالى:)
وقوله 56- "فأما الذين كفروا" إلى قوله "والله لا يحب الظالمين" تفسير للحكم. قوله "في الدنيا والآخرة" متعلق بقوله فأعذبهم، أما تعذيبهم في الدنيا فبالقتل والسبي والجزية والصغار، وأما في الآخرة فبعذاب النار.
56-"فأما الذين كفروا فأعذبهم عذاباً شديداً في الدنيا " بالقتل والسبي والجزية والذلة " والآخرة" أي وفي الآخرة بالنار"وما لهم من ناصرين".
56" فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين ".
56. As for those who disbelieve I shah chastise them with a heavy chastisement in the world and the Hereafter; and they will have no helpers.
56 - As to those who reject faith, I will punish them with terrible agony in this world and in the hereafter, nor will they have anyone to help.